علوم سياسيةمصطلحية ومعجمية

مفهومُ الدولة الفاشلة

عالجَ مفهومَ “الدولة الفاشلة” عددٌ من الباحثين الغربيين، خصوصا المتخصصين في العلوم السياسية وخبراء الاقتصاد، المُنظرين للسّيرورة المستقبلة لدول العالم، خصوصا الأقطاب الكبرى أو ما يُعرف بدول الثمانية، وأُعطِيتْ في هذا الموضوع تعريفاتٌ شتى وتصنيفات مختلفة، وعليها تعتمد هيأة الأمم المتحدة في استصدار تصنيفاتِها الدَّورية للدول الفاشلة.


يعتمد سُلَّم التصنيف على مقومِ السيادة، وبَسطِ السُّلطة وامتلاك القرار السيادي، بالإضافة إلى قدرة الدولة على إنشاء اقتصاد قويّ عابر للحدود وقابلٍ للتسويق عن طريق توقيع اتفاقيات شراكة اقتصادية وصفقات مع الدول والشركات، مع وجود عُملة وطنية رسمية، وإدارة قانونية،

كما يستلزم تَمتُّعُ الدولة بالـمُعطى التعاقدي الـمُتمثل في إحدى النُّظم المتعارف عليها دوليا، مَلكيَّةً كانت أو جمهوريةً أو فيدرالية أو كونفدرالية أو اتحادا، مع حضور مقوم البرلمان أو المجالس الشعبية أو غيرها من المؤسسة المنتخبَة؛ التي يتفق عليها العُرف السياسي للشعب أو الأمة  أو المجموعة البشرية على اختلاف ثقافاتِها (أقليات، قبائل، العشائر، طوائف …) الـمُنضوية تحت سلطة مركزية واحدة، مع ضرورة وجود دستور أو عقدٍ اجتماعيٍّ مكتوبٍ أو غيرَ مكتوبٍ،

يُعتبرُ المرجعَ والقانون المنظِّمَ للعلاقات الأفقية والعمودية في البلاد. بما يلزم إقامة وإدامة أسس التوافق على شرعية الدولة باعتبارها راعية لمصالحِ جميع سكان البلاد، وليس لِمصالح النخبة أو فِئةٍ معدودة منهم.

هذه المقومات التي ذكرناها، تُعتبر هيكلَ ما يُسمى بالدولة، ومن دونها لا يمكن أن نتحدث عن الدولة بمفهومِها السياسي والاقتصادي والإداري (المؤسساتي)، وعندما تُصنَّف دولةٌ ما بأنها فاشلة؛ فإنها تفقد ثقة المنتظم الدولي وتتراجع نسب معاملاتِها الخارجية، وتعيش شبه عزلة على المستويين السياسي والاقتصادي، وتكون عرضة للتدخلات والأطماع الخارجية.


  • الجهات المخوَّلة للتصنيف

تهتم كثير من المنظمات العالمية بهذا النوع من التصنيف، وهي في معظمِها مراكز ومؤسسات غير ربحية، تشتغل في مجال إعدادِ البحوث والتقارير، وتُصدر تصنيفاتٍ سنوية بخصوص الأوضاع الاجتماعية والاقتصادية والسياسية لدول العالم، وخاصة في المناطق التي تشهد نزاعات وصراعات وحروباً متواصلة. وتعتبر مجلة ” فورين بوليسي[1]” أحد أبرز المؤسسات الإعلامية التي تهتم بتتبع الأوضاع في دول العالم، واستصدار تصنيفات بخصوص الدول الفاشلة، وذلك منذ سنة 2005م.

لقد تم استبدال  عبارة (الدول الفاشلة)، إلى (الدول الهشة)، هذا التعبير الجديد اعتمده “صندوق السلام العالمي[2]، وهذا التصنيف لا يشمل الدول أو المناطق الـمُتنازع عليها، والتي لا تملك اعترافا دوليا (الأراضي الفلسطينية، قبرص الشمالية، جمهورية كوسوفو، الصحراء الغربية).

وهناك كذلك “مؤشر السلام العالمي[3]” المعروف بـ (بروتوكول جينيف)، حيث يقوم هذا المؤشر بقياس وضع المسالمة والتعايش بين الدول والمناطق. وقد أطلق أول تصنيف له سنة 2007م.


  • مُعامِلات التصنيف المعتمَدة

هناك معامِلات متنوعة ومختلفة للتصنيف، سنقتصر على نموذج واحد فقط، وهو نموذج  (12 درجة)، تبتدئ بالـ(0) وهي أعلى نسبة من حيث الاستقرار وتحصل عليها الدول الأكثر استقرارا في العالم (فيلندا – السويد – الدانمارك – كندا – البرتغال …)، وكلما ارتفع المؤشر نحو الرقم (12) اعتبرتْ الدول الموجودة في هذا النطاق، دولا فاشلة أو في حالة خطر (سوريا – اليمن – العراق – أفغانستان – الصومال ..).


تصبح الدولة فاشلةً عندما:

  • تفقد السلطة المركزية قدرتَها على السيطرة الفعلية على كامل أراضيها.
  • عندما تفقد احتكارها للقوة والوسائل العسكرية والاقتصادية.
  • عندما تفقد سلطة اتخاذ القرارات العامة وتنفيذها.
  • عندما تعجز عن توفير الحد المعقول من الخدمات الأساسية لمواطنيها.
  • عندما تعجز عن التفاعل سياسيا واقتصاديا مع الدول الأخرى.

تعتمد  الهيئات والمؤسسات المسؤولة عن التصنيف، مجموعة من المعايير والمؤشرات لتحديد خانة كل دولة في جدول التصنيف وهذه المؤشرات هي:


المؤشرات الاجتماعية:

  • الضغط الديمغرافي.
  • واقع التعليم.
  • واقع الصحة.
  • نسبة التشرّد.
  • نسبة الإجرام.
  • حركة النزوح الداخلي.
  • حركة اللجوء نحو دول أخرى.
  • هجرة الأدمغة.

المؤشرات الاقتصادية:

  • نسبة التنمية.
  • حركة الاقتصاد.
  • نسبة الاستثمارات الخارجية.
  • ترشيد النفقات.
  • البنية التحتية.
  • المرافق الاقتصادية.
  • توزيع الثروات.
  • نسبة الفقر.
  • العجز في الموازنة.
  • نسبة الديون الخارجية.
  • نسبة البطالة.
  • نفقات التسليح

المؤشرات السياسية:

  • طبيعة النّظام السياسي.
  • مستوى التمثيل الخارجي في دول العالم
  • مستوى حقوق الإنسان.
  • مستوى الحريات العامة.
  • مستوى النشاط الديمقراطي.
  • تداول السلطة.
  • حقوق الأقليات.
  • استقلالية القضاء.
  • التمثيلية الدولية.
  • درجة الأمن.
  • نسب الجريمة.
  • عدد أفراد الجيش والشرطة.
  • المعاملات الاقتصادية غير المشروعة.
  • التبعية لقوىً خارجية.
  • غياب الأمن والسِّلم الاجتماعي.
  • الحروب الأهلية.

  • تصنيف الدول العربية.

دولة عربية واحدة فقط هي دولة  قطر، استطاعتْ أن تحتل موقعا متقدما جدا (تصنيف عالي / الرتبة 34) على مؤشر السلام العالمي لسنة 2015/ 2016، وجاءتْ دولة الكويت حسب نفس المؤشر (عالي) في الرتبة 51، فيما جاءتْ 7 دول عربية في رتبْ متفاوتة ضمن المؤشر (متوسط) وهي على التوالي (الإمارات – تونس – عمان – المغرب – الأردن – الجزائر – السعودية)،

فيما احتلتْ 4 دول عربية أخرى مراكز متفاوتة ضمن مؤشر (منخفض) وهي على التوالي ( البحرين – مصر – لبنان – فلسطين )، وفي ذيل اللائحة جاءتْ كل من (ليبيا – السودان – اليمن – الصومال – العراق – سوريا) على مؤشر (منخفض جدا) وهو آخر مؤشر في لائحة التصنيف لمؤشر السلام العالمي.


تختلف هذه المعطيات مع تطور الدراسات في هذا المجال، ويبقى مفهوم الدولة  الفاشلة مفهوما زئبقيا وعاما وفضفاضا إلى حد بعيد؛ بالنظر إلى المعايير التي تعتمدها كل جهة في تحديد هذا المفهوم.

وكذا الخلفيات التاريخية والايديولوجية التي ينطلق منها كل واحد في تحديد المفهوم سواءً أكان فردا أو مؤسسة، إذ يتم تجديد المفهوم بإضافة كل ما يجدّ وحذف وإقصاءِ وتجاوزِ كل ما يتم تجاوزه، أو ما لم يعد معطىً معقولا ولا مؤثرًا في معيارية تحديد وحصر المفهوم.


مراجع


  • روابط ذات صلة:

للاطلاع على رتبة بلدك في تصنيف الدول الهشة.

[1] http://foreignpolicy.com/

[2] صندو السلام العالمي /  Fund for Peace يُعرف اختصار باسم (FFP)، وهي مؤسسة غير ربحية، مقرها في واشنطن تأسست سنة 1957، تعمل على منع الصراعات العنيفة، وتشجع وتدعم البحوث غير الحكومية والمؤسسات التعليمية.

ويعمل هذا صندوق على تحقيق الأمن والتنمية المستدامة في الدول الفاشلة، من خلال التركيز على تقييم الصراعات والإنذار المبكر، والتهديدات العابرة للحدود الوطنية، وحفظ السلام، والأمن وحقوق الإنسان.

ينشر صندوق السلام (FFP) سنوياً مؤشر الدُّول الهشة لتستخدم من قبل الباحثين والمختصين والحكومات في جميع أنحاء العالم.

[3]  تابع لمعهد الاقتصاد والسلام، ومركز دراسات السلام والنزاعات في جامعة سدني – أستراليا، تم إنشاؤه من طرف فريق دولي من الخبراء، بالتعاون مع معاهد ومراكز بحوث دولية.

الحسين بشوظ

كاتب، صحفي عِلمي وصانع محتوى، باحث في اللسانيات وتحليل الخطاب، حاصل على شهادة الماجستير الأساسية في اللغة والأدب بكُلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط. مسؤول قسم اللغة العربية في منظمة المجتمع العلمي العربي بقَطر (سابقا)، عُضو مجلس إدارة مؤسسة "بالعربية" للدراسات والأبحاث الأكاديمية. ومسؤول قسم "المصطلحية والمُعجمية" بنفس المؤسسة. مُهتم باللغة العربية؛ واللغة العربية العلمية. ناشر في عدد من المواقع الأدبية والصُّحف الإلكترونية العربية. له إسهامات في الأدب إبداعاً ودراسات، صدرت له حتى الآن مجموعة قصصية؛ "ظل في العتمة". كتاب؛ "الدليل المنهجي للكتابة العلمية باللغة العربية (2/ج)".

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى