قبيلة “البيظان” الصنهاجية: التاريخ الاجتماعي والثقافي لقبائل الصحراء الكبرى
بين الصنهاجيين والعرب
- من هم البيظان؟
البيظان أو “البيضان” هو اسم يطلق على مكون اجتماعي وثقافي مميز في منطقة الصحراء الكبرى، يتكون أساسا من القبائل الصنهاجية الأمازيغية التي استوطنت المنطقة منذ قرون، واندمج معها لاحقا عدد من القبائل العربية الحسانية، وبدرجة أقل بعض الأسر ذات الأصول القرشية والأنصارية والشريفة.
ينتشر مصطلح “البيظان” اليوم على نطاق واسع، خاصة في موريتانيا، وجنوب المغرب، وغرب الجزائر، وشمال السنغال. وتُعرف هذه الرقعة الجغرافية، الممتدة من وادي درعة شمالا إلى نهر السنغال ونهر النيجر جنوبا، ومن جبال إيفوغاس شرقا حتى المحيط الأطلسي غربا، باسم “تراب البيظان“.
ويتميز مجتمع البيظان بوحدة لغوية وثقافية قوية تشمل اللباس التقليدي (مثل الدراعة والملحفة)، واللثام الأسود، وشكل الراحلة، إلى جانب التمسك العميق بالإسلام المالكي وفق تعاليم الإمام ابن القاسم. وتُعدّ موريتانيا القلب الثقافي والديمغرافي لهذا المجتمع.
- النظام الطبقي في مجتمع البيظان
عرف مجتمع البيظان بنية اجتماعية هرمية صارمة تنظم العلاقات والوظائف، تشمل المكونات التالية:
– الزوايا (الطلبة):
هم النخبة الدينية والعلمية، ومنهم كبار العلماء والفقهاء والشعراء الذين عُرفوا بلقب “الشناقطة” نسبة إلى مدينة شنقيط. لعبوا دورا محوريا في التعليم والدعوة، وكانوا يتولّون حفر الآبار، تنظيم القوافل، واستقبال الضيوف. لا تزال تقاليدهم التعليمية والدينية حيّة حتى اليوم.
– العرب (بنو حسان):
يشكلون الطبقة المحاربة وحملة السلاح، وينتمون إلى القبائل الحسانية العربية التي قدمت إلى المنطقة خلال موجات هجرة متعددة. يحتكرون وصف “العرب” لأنفسهم، ويُظهرون اعتزازا خاصا بنسبهم ومكانتهم العسكرية. من أبرز فروعهم: الترارزة، أولاد اللب، أولاد الناصر، أولاد امبارك، إدوعيش، البرابيش، وأولاد رزگ، ولكل منهم تاريخ من الإمارة والقيادة التقليدية.
– لمعلمين (الصناع التقليديون):
الطبقة الحرفية الأساسية التي مارست الحدادة، النجارة، الدباغة، وصناعة الأسلحة. كان لهم دور مركزي في الاقتصاد والدفاع، كما برز منهم علماء وشعراء ما أثار حساسية لدى الزوايا، الذين سعوا أحيانا لتقليص مكانتهم عبر روايات سلبية. ومع ذلك، لعب لمعلمين دورا كبيرا في مقاومة الاستعمار الفرنسي، وساهموا في تطوير الفنون المسرحية والموسيقية.
– إگاون:
هم الفنانون والمغنون، وينتمون إلى أسر محددة توارثت مهنة الفن جيلا بعد جيل. أسهموا في حفظ التراث الشفهي والفني لمجتمع البيظان.
– أزناك (أو اللحمة):
وهم غالبا من الفئات التي اندمجت ضمن القبائل القوية لأسباب أمنية أو اقتصادية، ويدفعون غرامة مالية تُعرف محليا بـ”اغرامة” مقابل الحماية. يشتهرون بامتلاك الماشية وخبرة واسعة في شؤون الرعي والتنمية المحلية.
– الحراطين (السودان):
هم الأرقاء السابقون ذوو البشرة السوداء، وتعود أصولهم إلى شعوب إفريقيا جنوب الصحراء. يشكلون اليوم طبقة متميزة ذات وجود متجذر في المجتمع الموريتاني والصحراوي عموما.
- خلاصة:
إن مجتمع البيظان ليس فقط ظاهرة ثقافية أو إثنية، بل هو منظومة اجتماعية متكاملة صاغت نفسها عبر قرون من التفاعل بين العنصر الأمازيغي والعربي في واحدة من أقسى البيئات الطبيعية في العالم.
لقد أبدع هذا المجتمع في مجالات العلم، والدين، والحرف، والفن، وحتى المقاومة، وهو اليوم بحاجة إلى قراءة جديدة تبرز خصوصيته وتُعيد له اعتباره التاريخي بعيدا عن الصور النمطية.