قبيلة “عبد القيس”: أسود ربيعة وسادة البحرين الأوائل
بين النسطورية والإسلام
تعد قبيلة عبد القيس من أعرق قبائل العرب العدنانية وأكثرها تأثيرا في تاريخ شرق الجزيرة العربية. فهي تنحدر من أسد ربيعة، وامتدت من تهامة إلى البحرين، مخلّفة إرثا دينيا، سياسيا، وثقافيا امتد لقرون. وقد لعبت دورا محوريا في بدايات الإسلام، وكان لها السبق في دخول الدين الجديد طوعا، قبل كثير من القبائل الكبرى.
- النسب الكامل لقبيلة عبد القيس:
ينتسب عبد القيس إلى:
عبد القيس بن أفصى بن دعمي بن جديلة بن أسد بن ربيعة بن نزار بن معد بن عدنان.
وهذا النسب يربطها مباشرة بقبائل ربيعة الكبرى، ويجعلها أختا لقبائل بكر بن وائل، تغلب بن وائل، عنز بن وائل، والنمر بن قاسط.
- جدول الأنساب:
الأصل | الفرع | القبائل القريبة نسبا |
---|---|---|
عدنان | نزار | مضر، ربيعة |
ربيعة | أسد | عبد القيس، عنز، بكر، تغلب |
أسد | جديلة | عبد القيس |
جديلة | دعمي | عبد القيس |
دعمي | أفصى | عبد القيس |
أفصى | عبد القيس | – |
بطون قبيلة عبد القيس قديما:
- بنو شن بن أفصى بن عبد القيس.
- بنو حطمة بن محارب بن عمرو بن وديعة.
- بنو حداد بن ظالم بن ذهل بن عجل.
- بنو غنم بن وديعة.
- بنو حوثرة بن ربيعة بن عمرو.
- بنو مرة بن الحارث بن عبد القيس.
- بنو صباح بن لكيز.
- بنو عصر بن عوف.
- العمور (بنو عمرو بن وديعة).
وتعود هذه البطون جميعا إلى الجد الأعلى “لكيز بن أفصى”، ويشكّلون نسيجا قبليا متداخلا ساهم في تشكيل هوية شرق الجزيرة.
- التحول من النسطورية إلى الإسلام:
قبل الإسلام، دانت قبيلة عبد القيس بالنسطورية المسيحية، وكان ذلك شائعا في إقليم البحرين التاريخي، وهو ما يدل على انفتاحهم الفكري وارتباطهم بالمراكز التجارية والثقافية في بلاد ما بين النهرين وفارس.
ومع بزوغ الدعوة الإسلامية، كانت عبد القيس من أوائل من أسلم طوعا، وقد وفدوا على النبي ﷺ مرتين:
- في الوفد الأول، وصفهم النبي بأنهم “خير أهل المشرق”.
- في الوفد الثاني، حضر أربعون رجلا أبرزهم الجارود بن المعلى، ووجه إليهم النبي موعظة حول التغير الروحي والإيماني.
وكانت قرية عبد القيس أول قرية خارج المدينة تقام فيها صلاة الجمعة، ما يدل على سرعة استجابتهم ومكانتهم في صدر الإسلام.
- التحضر والفلاحة: عبد القيس نموذج قبلي متقدم:
بخلاف غالبية القبائل العربية التي ارتبطت بالبداوة، اختارت عبد القيس نمط التحضر المبكر باستيطانهم إقليم البحرين الغني بالمياه والزراعة. فاشتهروا بزراعة النخيل في الأحساء والقطيف وجزيرة أوال (البحرين)، ما جعلهم في طليعة المنتجين للغذاء شرق الجزيرة.
وقد شبه العرب ذلك في مثلهم القائل: “كجالب التمر إلى هجر”.
- التميز في الفصاحة والخطابة:
رغم أن عبد القيس نزحت من مناطق البادية، إلا أن استقرارها لم يطفئ جذوة الفصاحة والخطابة فيها، بل زادها إشعاعا. وقد ذكر الجاحظ أن القبيلة كانت من أشعر القبائل في شق البحرين، وكان منهم كبار الخطباء مثل:
- صعصعة بن صوحان
- زيد بن صوحان
- شيخان بن صوحان
- صحار بن عياش
- مصقلة بن رقبة
وقد تباين ولاء هؤلاء الخطباء بين عثمان وعلي بن أبي طالب، ما يبرز انخراط القبيلة في الشأن السياسي والديني بعد الإسلام.
- قصة التحكيم بين جرير والفرزدق:
من النوادر الشهيرة في التراث العربي أن جرير والفرزدق – وهما من أكبر شعراء العصر الأموي – احتكما إلى الصلتان العبدي، أحد شعراء عبد القيس، ليحكم بينهما. لكنه لم يجامل أي منهما، وكان صريحا في نقده لكليهما، ما أغضب الفرزدق.
- خلاصة:
قبيلة عبد القيس ليست مجرد اسم في بطون كتب الأنساب، بل هي نموذج للقبيلة المتحضرة التي لعبت دورا أساسيا في الانتقال من الجاهلية إلى الإسلام. جمعت بين الفصاحة والتحضر، وبين الفكر الديني والانخراط في التشكيل السياسي والاجتماعي الإسلامي المبكر.
وقد استحقت أن تكون من “خير أهل المشرق” كما وصفها النبي ﷺ، لما قدمته من نموذج حي لقبيلة عربية عريقة سارت من المسيحية النسطورية إلى الإسلام النقي، ومن البداوة إلى التحضر، دون أن تفقد جذور فصاحتها وأصالتها.