خطبة هارون الرشيد
كان هارون الرشيد خامس الخلفاء العباسيين وكان «يبكي على نفسه وعلى إسرافه وذنوبه» و «له مناقب لا تحصى ومحاسن لا تستقصى وله أخبار في اللهو واللذات.»
قال النهرواني: «اعلم أن مما يتحققه العاقل أن الدنيا دار الأكدار وأن أخف الخلق بلاء وألمًا الفقراء، وأعظم الناس تعبًا وهمًّا وغمًّا هم الملوك والأمراء …
إن هارون الرشيد من أعقل الخلفاء العباسيين وأكملهم رأيًا وتدبيرًا وفطنة وقوة واتساع مملكة وكثرة خزائن بحيث كان يقول للسحابة: أمطري حيث شئت فإن خراج الأرض التي تمطرين فيها يجيء إليَّ، وكان مع ذلك أتعبهم خاطرًا وأشغلهم قلبًا.»
ولي الرشيد سنة ١٧٠ وتوفي سنة ١٩٣هـ (٧٨٦–٨٠٩م).
- وهذه إحدى خطبه:
الحمد لله الذي نحمده على نعمه، ونستعينه على طاعته، ونستنصره على أعدائه، ونؤمن به حقًّا ونتوكل عليه مفوضين إليه. أوصيكم عبادَ الله بتقوى الله، فإن في التقوى تكفير السيئات، وتضعيف الحسنات، وفوزًا بالجنة ونجاة من النار.
وأحذركم يومًا تشخص فيه الأبصار، وتبلى فيه الأسرار، يوم البعث ويوم التغابن ويوم التلاقي ويوم التنادي، يوم لا يُستعتب من سيئة ولا يُزداد في حسنة. يوم الآزفة، إذ القلوب لدى الحناجر كاظمين، ما للظالمين من حميم ولا شفيع يطاع، يعلم خافية الأعين وما تخفي الصدور … فاتقوا يومًا ترجعون فيه إلى الله، ثم توفى كل نفس ما كسبت.
حصنوا أيمانكم بالأمانة ودينكم بالورع وصلاتكم بالزكاة … وإياكم والأماني فقد غرت وأوردت وأوبقت كثيرًا حتى أكذبتهم مناياهم، فتناوشوا التوبة من مكان بعيد، وحيل بينهم وبين ما يشتهون، فرغب ربكم عن الأمثال والوعد وقدم إليكم الوعيد.
وقد رأيتم وقائعه بالقرون الخوالي جيلًا فجيلًا، وعهدتم الآباء والأبناء والأحبة والعشائر باختطاف الموت إياهم من بيوتكم ومن بين أظهركم لا تدفعون عنهم ولا تحولون دونهم، فزالت عنهم الدنيا وانقطعت بهم الأسباب فأسلمتهم إلى أعمالهم عند المواقف والحساب، ليجزي الذين أساءوا بما عملوا والذين أحسنوا بالحسنى.
المصدر : أشهَر الخطب ومشاهير الخطباء – سلامة موسى.