خطبة الخليفة المهدي
لما توفي المنصور بويع لابنه المهدي، وكان المهدي «شديدًا على أهل الإلحاد والزندقة لا تؤخره في إهلاكهم لومة لائم.» وقد حكم من سنة ٧٧٥ إلى ٧٨٥م، والخطبة التالية أشهر ما يؤثر عنه.
الحمد لله الذي ارتضى الحمد لنفسه ورضي به من خلقه، وأحمده على آلائه وأمجده لبلائه … وأستعينه وأؤمن به وأتوكل عليه توكل راضٍ بقضائه وصابر لبلائه.
أوصيكم عباد الله بتقوى الله فإن الاقتصار عليها سلامة، والترك لها ندامة، وأحثكم على إجلال عظمته وتوقير كبريائه وقدرته، والانتهاء إلى ما يقرِّب من رحمته، وينجي من سخطه، ويُنال به ما لديه من كريم الثواب، وجزيل المآب.
فاجتنبوا ما خوَّفكم الله من شديد العقاب، وأليم العذاب، ووعيد الحساب. يوم توقفون بين يدي الجبار، وتعرضون فيه على النار. يوم لا تتكلم نفس إلا بإذنه، فمنهم شقي وسعيد. يوم يفر المرء من أخيه وأمه وبنيه، لكل امرئ يومئذ شأن يغنيه.
يوم لا تجزي نفس عن نفس شيئًا ولا يقبل منها عدل ولا تنفعها شفاعة ولا هم ينصرون. يوم لا يجزي والد عن ولده ولا مولود هو جازٍ عن والده شيئًا. إن وعد الله حق، فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور، فإن الدنيا دار غرور وبلاء وشرور، واضمحلال وزوال، وتقلب وانتقال.
قد أفنت من كان قبلكم وهي عائدة عليكم وعلى من بعدكم. من ركن إليها صرعته ومن وثق بها خانته، ومن أملها كذبته، ومن رجاها خذلته. عزها ذل، وغناها فقر، والسعيد من تركها والشقي من آثرها، والمغبون فيها من باع حظه من دار آخرته بها.
فالله الله، عباد الله، والتوبة مقبولة والرحمة مبسوطة، وبادروا بالأعمال الزكية في هذه الأيام الخالية قبل أن يؤخذ بالكظم وتندموا فلا تنالون الندم يوم حسرة وتأسف، وكآبة وتلهف، يوم ليس كالأيام، وموقف ضنك المقام.
المصدر : أشهَر الخطب ومشاهير الخطباء – سلامة موسى