أشهر الخُطب العربية

خطبة طارق بن زياد

كان طارق بن زياد، مولى موسى بن نصير عامل الوليد بن عبد الملك الخليفة الأموي في أفريقية، وكان منزله القيروان. وحدث أن يوليان أحد رجال الدين في إسبانيا كان حاقدًا على الملك، فوضع حقده فوق وطنه، وأرسل إلى موسى فاستنجد به.


فأرسل إليه موسى طارقًا فعبر بحر العدوة والْتقى بالملك رودريق فتحاربا أياما وقتل الملك، وصارت الأندلس للعرب. وسمع موسى بخبر الفتح وحسد طارقًا فعبر البحر في عشرة آلاف فتلقاه طارق وترضاه فرضي عنه.


وسار موسى بن نصير إلى فرنسا وقطع جبال برينيه وبلغ كركسونا. ثم استرجعه الخليفة الوليد إلى دمشق ونكبه ونفاه إلى مكة فتوفي بها في سنة ٩٧هـ الموافقة لسنة ٧١٨م. وكان فتح طارق للأندلس في سنة ٧١١م وكان خروج المسلمين من الأندلس سنة ١٤٩٢م.


لما بلغ طارقًا دنو رودريق قام في أصحابه فحمد الله وأثنى عليه بما هو أهله ثم حث المسلمين على الجهاد ورغبهم، ثم قال:


أيها الناس أين المفر؟ البحر من ورائكم والعدو أمامكم وليس لكم والله إلا الصدق والصبر. واعلموا أنكم في هذه الجزيرة أضيع من الأيتام في مأدبة اللئام. وقد استقبلكم عدوكم بجيشه، وأسلحته وأقواته موفورة، وأنتم لا وزر لكم إلا سيوفكم، ولا أقوات إلا ما تستخلصونه من أيدي عدوكم.


وإن امتدت بكم الأيام على افتقاركم ولم تنجزوا لكم أمرًا ذهب ريحكم وتعوضت القلوب من رعبها عنكم الجرأة عليكم. فادفعوا عن أنفسكم خذلان هذه العاقبة من أمركم بمناجزة هذا الطاغية، فقد ألقت به إليكم مدينته الحصينة وإن انتهاز الفرصة فيه لممكن إن سمحتم لأنفسكم بالموت.


وإني لم أحذركم أمرًا أنا عنه بنجوة ولا حملتكم على خطة أرخص متاع فيها النفوس إلا وأنا أبدأ بنفسي. واعلموا أنكم إن صبرتم على الأشق قليلًا استمتعتم بالأرفه الألذ طويلًا. فلا ترغبوا بأنفسكم عن نفسي فما حظكم فيه بأوفر من حظي. وقد بلغكم ما أنشأت هذه الجزيرة من الخيرات العميمة.


وقد انتخبكم الوليد بن عبد الملك أمير المؤمنين من الأبطال عربانًا، ورضيكم لملوك هذه الجزيرة أصهارًا وأختانًا؛ ثقةً منه بارتياحكم للطعان. واستماحكم بمجالدة الأبطال والفرسان ليكون حظه منكم ثواب الله على إعلاء كلمته وإظهار دينه بهذه الجزيرة، ولتكون بغنمها خالصة لكم من دونه ومن دون المؤمنين سواكم.


والله تعالى ولي أنجادكم على ما يكون لكم ذكرًا في الدارين. واعلموا إني أول مجيب إلى ما دعوتكم إليه، وأني عند ملتقى الجمعين حامل بنفسي على طاغية القوم لذريق فقاتِله إن شاء الله تعالى.


فاحملوا معي، فإن هلكت بعده فقد كفيتم أمره ولم يعوزكم بطل عاقل تسندون أموركم إليه. وإن هلكت قبل وصولي إليه فاخلفوني في عزيمتي هذه واحملوا بأنفسكم عليه، واكتفوا الهم من فتح هذه الجزيرة بقتله.


المصدر : أشهَر الخطب ومشاهير الخطباء – سلامة موسى.

بالعربية

بالعربية: منصة عربية غير حكومية؛ مُتخصصة في الدراسات والأبحاث الأكاديمية في العلوم الإنسانية والاجتماعية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى