أشهر الخُطب العربية

خُطب معاوية – «مُربِّيَ الدُول وسائس الأمم وراعي الممالك»

كان معاوية أول خلفاء الدولة الأموية، وقد توفي سنة ٦٠هـ، الموافقة لسنة ٦٨٠م. وكان «مُربِّيَ دُول وسائس أمم وراعي ممالك» ويحكى أنه لما حضرته الوفاة جمع أهله فقال: ألستم أهلي؟ قالوا: بلى فداك أنت بنا! قال: فهذه نفسي قد خرجت من قدمي فردوها عليَّ إن استطعتم. فبكوا وقالوا: ما لنا إلى هذا سبيل. فرفع صوته بالبكاء ثم قال: فلا تغركم الدنيا بعدي.


  • الخطبة الأولى

قال القحذمي: لما قدم معاوية المدينة عام الجماعة تلقاه رجال قريش، فقالوا: الحمد لله الذي أعز نصرك وأعلى كعبك. قال: فوالله ما رد عليهم شيئًا حتى صعد المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال:

فإني والله ما وُلِّيتها بمحبة علمتها منكم ولا مسرة بولايتي ولكني جالدتكم بسيفي هذا مجالدة. ولقد رضت لكم نفسي على عمل ابن أبي قحافة وأردتها على عمل عمر فنفرت من ذلك نفارًا شديدًا. وأردتها على ثنيات عثمان فأبت عليَّ. فسلكت بها طريقًا لي ولكم فيه منفعة: مؤاكلة حسنة ومشاربة جميلة.


فإن لم تجدوني خيركم فإني خير لكم ولاية. والله لا أحمل السيف على من لا سيف له، وإن لم يكن منكم إلا ما يُستشفى به القائل بلسانه فقد جعلت ذلك له دبر أذني وتحت قدمي. وإن لم تجدوني أقوم بحقكم كله فاقبلوا مني بعضه فإن أتاكم مني خير فاقبلوه، فإن السيل إذا جاء ينزي، وإن قل أغنى. وإياكم والفتنة فإنها تفسد المعيشة وتكدر النعمة.


  • الخطبة الثانية

صعد معاوية منبر المدينة فحمد الله وأثنى عليه ثم قال:

يا أهل المدينة، إني لست أحب أن تكونوا خَلقًا كخلق العراق يعيبون الشيء وهم فيه، كل امرئ منهم شيعة نفسه. فاقبلونا بما فينا فإن ما وراءنا شر لكم، وإن معروف زماننا هذا منكر زمان قد مضى، ومنكر زماننا معروف زمان لم يأتِ، ولو قد أتى فالرتق خير من الفتق. وفي كلٍّ بلاغ. ولا مقام على الرزية.


  • الخطبة الثالثة لمعاوية

لما مرض معاوية مرض وفاته قال لمولًى له: مَن بالباب؟ قال: نفر من قريش يتباشرون بموتك. قال: ويحك لِمَ؟ فوالله ما لهم بعدي إلا الذي يسوءهم. وأذن للناس فدخلوا. فحمد الله وأثنى عليه وأوجز، ثم قال:


أيها الناس،، إنا قد أصبحنا في دهر عتود وزمن شديد، يعد فيه المحسن مسيئًا ويزداد الظالم فيه عتوًّا، لا ننتفع بما علمنا، ولا نسأل عما جهلنا ولا نتخوف قارعة حتى تحل بنا. فالناس على أربعة أصناف؛ منهم من لا يمنعه من الفساد في الأرض إلا مهانة نفسه، وكلال حدِّه ونضيض وفره.


ومنهم المصلت لسيفه المجلب برجله المعلن بسره، وقد أشرط نفسه وأوبق دينه، لحطام ينتهزه أو مقت يقوده … ولبئس المتَّجر أن تراهما لنفسك ثمنًا وبما لك عند الله عوضًا.


ومنهم من يطلب الدنيا بعمل الآخرة ولا يطلب الآخرة بعمل الدنيا، قد طامن من شخصه وقارب من خطوه، وشمَّر عن ثوبه وزخرف نفسه للأمانة، واتخذ ستر الله ذريعة إلى المعصية. ومنهم من أقعده عن طلب الملك ضئولة نفسه وانقطاع سببه، فقصرت به الحال عن حاله، فتحلى باسم القناعة وتزيا بلباس الزهادة.


وليس ذلك في مراح ولا مغدًى. وبقي رجال أغض أبصارهم ذكر المرجع، وأراق دموعهم خوف المضجع. فهم بين شريد بادٍ وبين خائف منقمع وساكت مكعوم، وداعٍ مخلص وموجع ثكلان قد أخملتهم التقية، وشملتهم الذلة. فهم في بحر أجاج أفواههم ضامرة وقلوبهم قرحة.


قد وُعظوا حتى ملوا، وقُهروا حتى ذلوا، وقُتلوا حتى قلُّوا. فلتكن الدنيا في أعينكم أصغر من حثالة القرظ وقرادة الحلم. واتعظوا بمن كان قبلكم قبل أن يَتَّعظ بكم مَن بعدكم. وارفضوها ذميمة فقد رفضت من كان أشفق بها منكم.


المصدر : أشهَر الخطب ومشاهير الخطباء – سلامة موسى.

بالعربية

بالعربية: منصة عربية غير حكومية؛ مُتخصصة في الدراسات والأبحاث الأكاديمية في العلوم الإنسانية والاجتماعية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى