قبيلة كندة: من مملكة عربية إلى قوة سياسية واجتماعية محورية في الجزيرة العربية
Kindah
- مقدمة تاريخية: كندة قبل الإسلام
كندة قبيلة عربية عدنانية تعود أصولها إلى كندة بن عفير بن عدي بن الحارث بن مرة بن أدد بن زيد بن يشجب بن عريب بن زيد بن كهلان، وتنحدر بذلك من كهلان أحد بطون العرب القحطانية. لكنها، بخلاف غالب القبائل، أسست نظاما ملكيا حقيقيا في منطقة نجد، سُمي لاحقا بـ”مملكة كندة“.
يعود ذكر كندة في النصوص القديمة إلى القرن الثاني قبل الميلاد، وهي بذلك تسبق ظهور الإسلام بأكثر من 700 عام. وعلى عكس الممالك العربية الجنوبية مثل سبأ وحضرموت ومعين، فإن كندة قامت في عمق الجزيرة العربية (نجد)، في منطقة تُعد تقليديا موطنا للقبائل الرحل لا للأنظمة السياسية المركزية.
- مملكة كندة: اتحاد قبلي أم سلطة مركزية؟
قامت مملكة كندة على نظام اتحادي قبلي هش أكثر من كونها دولة مركزية، وكان ملوكها يفرضون سلطتهم عبر التقدير الشخصي والمكانة الاجتماعية أكثر من القوة العسكرية أو الإدارة النظامية. وهذا يتسق مع طبيعة المجتمع العربي قبل الإسلام، حيث كانت الزعامة تُمنح لمن يملك الكاريزما القبلية، والحظوة عند التحالفات، لا السلطة القاهرة.
وقد كشفت التنقيبات الأثرية في قرية الفاو، عاصمة كندة الأولى، عن نصوص مسندية مكتوبة بلغة قريبة من السبئية، مما يؤكد تداخلهم الثقافي مع حضارات الجنوب.
- الديانة والهوية الثقافية لكندة
كانت كندة في الأصل وثنية، كما تشير نقوش قرية الفاو، وتعبد مجموعة من الآلهة المحلية. ولكن لاحقا، وخصوصا في شمال الجزيرة، تسرّبت إليهم مؤثرات دينية خارجية. فقد وُجدت دلائل تشير إلى وجود مسيحيين ويهود ضمن الكنديين، وأشارت بعض المصادر إلى انخراط أقسام منهم في جيش يوسف ذو نواس اليهودي في اليمن، وهو ما يُعزز فرضية الانتقال الديني التدريجي في كندة، على غرار معظم القبائل العربية الكبرى آنذاك.
- السقوط السياسي: تفكك المملكة وصعود الإمارات
بدأت مملكة كندة في الانحسار تدريجيا في أواخر القرن السادس الميلادي، بعد وفاة الملك حجر بن الحارث الكندي، والد الشاعر الجاهلي الشهير امرئ القيس. ومع وفاته، اشتعلت الخلافات بين أبنائه، مما أدى إلى تفكك المملكة إلى إمارات متنافسة، أبرزها دومة الجندل، التي حكمها أكيدر بن عبد الملك الكندي.
وقد ارتبطت نهاية كندة السياسية بانهيار التحالفات مع القوى الكبرى كـ الروم والفرس، وخاصة بعد معركة دومة الجندل، التي انتهت بانتصار المسلمين عام 633م، وكان من نتائجها زوال آخر رمق سياسي لكيانات كندة وغسان ولخم.
- تاريخ كندة في المصادر العربية: بين الوقائع والأساطير
تعتمد معظم المعارف حول كندة على كتب الإخباريين بعد الإسلام مثل ابن السائب الكلبي، الذي أثار جدلا واسعا بين المؤرخين بسبب تحيّزه لقبيلته “بني كلب“، وتضخيمه لدورهم في توسع ملك كندة. ولعل أوضح شخصية في تاريخ كندة الإخباري هي الملك آكل المرار (حجر بن عمرو)، والذي يبدو أن حوله تدور أغلب روايات القرن السادس الميلادي.
لكن الاكتشافات الأثرية الحديثة، خصوصا في قرية الفاو، أظهرت أن كندة كانت أقدم بكثير مما تصورته كتب التراث، وأن ملوكها ربما امتد حكمهم إلى القرن الثاني قبل الميلاد، وليس فقط السادس الميلادي.
- قبائل كندة: من آل ثور إلى السكون والسكاسك
تنقسم كندة تقليديا إلى ثلاث مجموعات رئيسية:
- بنو معاوية الأكرمين
- السكون
- السكاسك
غير أن نقوش المسند لا تشير إلى هذه الأسماء، بل تحدثت عن “آل ثور”، الذين يُعتقد أنهم يمثلون السلالة الحاكمة لكندة في قرية الفاو. ويرى الباحثون أن هذه العائلة ربما كانت النواة الأولى لمملكة كندة، ثم توسعت لتشمل قبائل متعددة.
- كندة بعد الإسلام: من الدولة إلى التأثير الثقافي
لم ينتهِ دور كندة بسقوط مملكتها؛ فقد لعبت أدوارا بارزة في الفتوحات الإسلامية، ثم في الدولة الأموية والعباسية. انخرطت كثير من بطون كندة في الأمصار الإسلامية الكبرى مثل بلاد الشام ومصر والمغرب العربي، وما زال لهم وجود في العصر الحديث في المملكة العربية السعودية، اليمن، الإمارات، العراق، وسلطنة عمان.
ومن أشهر أعلام كندة في الإسلام:
- الصحابي الأشعث بن قيس الكندي، أحد كبار قادة الفتح.
- الشافعي الكندي، من فقهاء مصر.
- الحسن الكندي، الفيلسوف الشهير.
خلاصة:
تمثل كندة واحدة من أندر التجارب السياسية في التاريخ العربي الجاهلي، إذ نجحت -رغم الظروف البدوية القاسية- في إنشاء كيان ملكي معقد، ظل مؤثرا لأكثر من أربعة قرون. وقد ظُلمت كندة في التأريخ العربي نتيجة الاعتماد على أخبار شفهية، وطغيان الخطاب القَبلي على التحليل الأكاديمي.
ويظل تاريخ كندة مفتوحا للاكتشافات الجديدة، إذ ما زالت كثير من نصوص المسند قيد التحليل، وقد تكشف السنوات القادمة عن تفاصيل جديدة تعيد كتابة تاريخ الجزيرة من منظور مغاير.
- المراجع :
- دائرة المعارف الإسلامية، مادة “Kinda” – Brill Online
- جواد علي، “المفصل في تاريخ العرب قبل الإسلام”، الجزء 6
- محمد عبد القادر بافقيه، “تاريخ العرب في اليمن القديم”، الهيئة المصرية العامة للكتاب
- Robert Hoyland, Arabia and the Arabs: From the Bronze Age to the Coming of Islam, Routledge – Amazon