سلالات حكمت في شمال إفريقيا

“الدولة الحفصية” .. رابع إمارة حكمت تونس

“الدولة الحفصية”، هي الدولة الإسلامية الرابعة في البلاد التونسية بعد الدولة الأغلبية، الفاطمية والزيرية وقد دامت 347 سنة هجرية. حكمها الحفصيون، ومؤسسها هو أبو زكرياء يحيى الحفصي بن أبي محمد عبد الواحد بن أبي فحص الهنتاتي نسبة إلى هنتاتة إحدى فروع قبيلة مصمودة الأمازيغية التي كانت تقيم قرب مرّاكش بالمغرب الأقصى.


وقد تمكن من تأسيسها عندما كان واليًا من قبل الدولة الموحدية بالمغرب الأقصى التي كانت البلاد التونسية تابعة لها منذ أن أصبحت في حوزتها سنة 555 هـ (1160 م)، إذ اغتنم فرصة تراجع أمر خلفاء تلك الدولة وضعفهم، واختلال سلطتهم، فأعلن الاستقلال، وتأسيس الدولة الحفصية فلم يلقَ أية معارضة من أحد، وانقادت إليه البلاد طائعة – وذلك سنة 634 هـ (1237 م).


جده أبو حفص كان من الذين ساعدوا عبد المؤمن بن علي الكومي، وأحرز بفضل تلك المساعدة على منزلة رفيعة في تلك الدولة.


ووالده «أبو محمد عبد الواحد» كان وزيرا للخليفة الموحدي الناصر محمد يعقوب الذي عينه واليًا بتونس. وإثر وفاته باشر الولاية على التوالي: أبو زيد عبد الرحمن. ثم أبو العلاء إدريس بن يوسف.


ثم عبد الرحمن بن إدريس، ثم أبو محمد عبد الله عبود، ثم أبو زكرياء يحيى الحفصي الذي تم تعيينه سنة 625 هـ (1228 م).


والذي يعتبر واليًا في المدة التي تمتد بين تاريخ تعيينه وبين تاريخ إعلانه الاستقلال وأميرًا بعد ذاك؛ أي منذ تأسيسه الدولة الحفصية. ومن الغلط الفادح اتخاذ تاريخ تعيينه واليًا بداية للدولة الحفصية.


توزعت منطقة نفوذ الدولة الحفصية على شاكلة حدود إفريقية، حيث امتدت من حدود برقة شرقا إلى جزيرة بني مزغنة غربا وإنقسمت إلى عدة مناطق على رأس كل منها وال، أو عامل يعتمدون على مشائخ البلدان، ورؤساء القبائل.


واعتاد الامراء تعيين الولاة والعمال من بين أقاربهم. وفي عهد هذه الدولة كانت البلاد مستقلة مدة ال 308 سنة الأولى، ومحمية إسبانية مدة ال 39 سنة الأخيرة.


وقد لقب ملوكها بلقب أمير ثم بلقب أمير المؤمنين، وبلقب السلطان. وكانت أسماؤهم تذكر في الخطب الجمعية؛ وتنقش على السكة. وكان نظام الحكم وراثيًا، والأمير رئيسًا للدولة. والحاكم المطلق، يجمع بين السلطتين الزمنية والروحية.


ويعتمد على مجلس استشاري يلقب رئيسه ب ـ«الشيخ الأعظم» ويتكون من عشرة مشائخ يعينهم الأمير، ويعتمدون بدورهم على مشورة مجلس آخر يضم خمسين شيخا معينين من طرف الأمير أيضًا.


وأعضاد الأمير على تسيير شؤون الدولة هم:

حاجب يربط الصلة ببنه وبين الرعية.
وثلاثة وزراء يشرفون على دواوين حكومية منظمة يرجع بالنظر إليها: القضاء، والجيش، والمالية، ويعمل بها متوظفون عديدون، ومأمورون كثيرون، من العناصر المقتدرة.
ومأمور يسهر على نظام الأمن؛ وبراقب الأسواق.
ومدير للجمرك أو الديوانة يشرف على (ديوان البحر) الذي ترجع إليه بالنظر مراكز الجمرك الموجودة بالمواني وأبواب العاصمة وبقية المدن، ويتولى رؤساؤها استخلاص أداء المكس على الصادرات والواردات.


وكان مقر الحكم بالعاصمة التي كانت موجودة بجوار المعهد الصادقي الحالي، ووقع تهديمها في العهد الحاضر. وكانت تشتمل على دواوين الحكومة، ومقر انعقاد المجالس، ومساكن الامراء، وآل بيتهم، وبعض رجال حاشيتهم، وقسم من الجند الملكي.


وبالإضافة إلى تلك المساكن، كان الامراء يملكون قصورا مشتملة على بساتين بضواحي العامة – ومنها: قصر بباردو، وبرج السلاسل في مدينة المرسى، وقصر رأس الطابية؛ وقصر أبي فهر قرب أريانة الذي كان مشتملا على جابية تشبه بحيرة تجري فيها القوارب، وأنشأه الأمير محمد المستنصر بالله.


ولم يكن للبلاد علم وطني لأنه من الأمور المستحدثة وإنما كانت لها صاجق مختلفة الألوان والأشكال حل محلها العلم الوطني الحالي منذ أسسه الباي الثامن للدولة الحسينية حسين باي الثاني سنة 1247هـ – 1831 م، خلال عهد ما قبل الحماية الإسبانية.


وكان للامراء طغراء، أي شعار للملك والدولة، وهي علامة تكتب في أعلى المراسلات الرسمية كرمز للسلطة الصادرة عنها. وقد عفت رسومها بتجدد نار الفتن في ربوع البلاد. وممن باشر كابتها المؤرخ المشهور ابن خلدون.

بالعربية

بالعربية: منصة عربية غير حكومية؛ مُتخصصة في الدراسات والأبحاث الأكاديمية في العلوم الإنسانية والاجتماعية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى