تاريخ

تاريخ شمال إفريقيا: منذ سقوط الموحدين إلى بداية الاحتلال الأوروبي

بسقوط دولة الموحدين، تلاشى آخر شكل من أشكال الوحدة الإسلامية الكبرى في شمال إفريقيا، وورثت ملكها ممالك إسلامية منفصلة؛ لتدخل المنطقة في مرحلة مزدحمة بالأحداث مهدت لتقدم الاحتلال الأوروبي الذي لا تزال تداعيات سياساته المدمرة على شعوب المنطقة مستمرة إلى اليوم.


ولا شك أن هذه المنطقة عرفت تتابع الدول الإسلامية في مرحلة ما قبل الغزو الغربي، ولم تعرف شكلًا آخر من الدول، ذلك أنه لم يكن ممكنا لأي حركة في شمال إفريقيا أن تتمكن من تحقيق قواعد شعبية بدون المبادئ والشعارات الإسلامية، فما برزت دولة إلا وكانت شعارات قادتها: إعلاء كلمة الله وحماية الإسلام والمسلمين.


  • دول مضت: الدولة الحفصية

من أبرز الدول التي ورثت جزءًا من ملك الموحدين الدولة الحفصية؛ التي شغلت أرض تونس ودام ملكها 347 سنة هجرية. مؤسسها هو أبو زكرياء يحيى الحفصي بن أبي محمد عبد الواحد بن أبي حفص الهنناتي. يرجع أصله لقبيلة هنتانة، فرع من قبيلة المصامدة البربرية. وكان يحيى واليًا من ولاة الموحدين، ثم استقل عنهم أثناء تراجعهم سنة 634هـ (1237م).


وبعد أن حكم الدولة الحفصية 25 سلطانًا على التوالي، سقطت هذه الدولة على يد العثمانيين سنة 982هـ (1574م)، في عهد السلطان مولاي محمد، آخر سلاطينها.


  • دول مضت: دولة بني زيري

كذلك برز الزيريون أو بنو زيري في شمال أفريقيا في المغرب الأوسط ومناطق من الأندلس خلال الفترة 360 و547هـ (971 و1152م). وهم أبناء سلالة صنهاجية، أشهر سلاطينهم  “زيري بن مناد” الذي كان يتبع للعبيديين، ثم استقل عنهم إلى أن ورث الحكم عنه ابنه بلكين بن زيري 360-373هـ (971 -984م)، فوسع سلطان دولته.


وأثناء ذلك اصطدم مع الزناتيين في المغرب الأقصى؛ الذين بدورهم دخلوا في صراع مع أبناء عمومتهم “الحماديون” حيث أسس هؤلاء أيضًا دولة خاصة بهم في المغرب الأوسط.


وانحدرت دولة الزيانيين في صراعات داخلية لأجل السلطة، مما أدى إلى انقسامها، وزاد من ضعفها الاقتتال مع الحفصيين إلى أن تلاشى ذكرها.


  • دول مضت: دولة المرينيين

عرف تاريخ شمال إفريقيا دولة بنو مرين أو المرينيين؛ وهم أبناء سلالة أمازيغية حكمت بلاد المغرب منذ انتصارها على الموحدين سنة 667ه (1269م)، في الموقعة الحاسمة في وادي غفو بين فاس ومراكش؛ حيث قُتل على أيدي بني مرين عدد كبير من الموحدين، في مقدمتهم الخليفة الموحدي. واستلم يعقوب المنصور المريني الحكم في مراكش، بعد أن استولى عليها في التاسع من محرم سنة 668هـ (1270م).


وسيطرت دولته على المغرب الأقصى كله لتتوسع بعد ذلك وتضم إليها المغرب الأوسط والأدنى. وكانت سيطرتهم كبيرة إلا أنها لا تضاهي سيطرة الموحدين، وبعد توحيدهم المغربين توجه المرينيون إلى الأندلس للجهاد للتصدي للزحف الصليبي والقرصنة. واحتضنت عاصمتهم فاس كبار المؤرخين والأدباء والعلماء أمثال لسان الدين بن الخطيب وابن خلدون وابن البناء المراكشي.


وكما هو مصير كل الدول، أصاب الدولة المرينية المرض، وتفككت لبناتها بسبب الأزمات الداخلية وصراع أسرة بني مرين على الحكم، وضعف سلاطينهم الذي انتهى إلى استبداد الوزراء تزامنًا مع أسباب خارجية كالغزو الإيبيري، وصراع الدولة المرينية وبني الأحمر.


ليتقلص حكم المرينيين بفقدهم المغربين الأدنى والأوسط، ثم استيلاء البرتغاليين على مدينة سبتة سنة 818هـ (1415م)، ثم استيلاء البرتغاليين على جزء كبير من ساحل المغرب، واحتلالهم طنجة سنة 869هـ (1464م) فتقلصت حدود الدولة المرينية واقتصر حكمهم على مدينة فاس.[1]


ومن المهم الإشارة إلى أحد أهم الأسباب في انهيار دولة بني مرين؛ ألا وهو تولي اليهود مناصب قيادية مكنتهم من تسليط آلة الظلم والعسف والجور ضد المغاربة، مما أثار ثورة الشعب ضد الدولة وساهم في إسقاطها. حيث انفجرت الثورة التي عمت أحياء فاس كلها، وبايع الناس سلطانًا جديدًا هو الشريف أبي عبد الله محمد بن علي الإدريسي، نقيب الأشراف بفاس في رمضان 869هـ (1465م). وبذلك انتهت دولة بني مرين.[2]


  • دول مضت: الدولة الوطاسية

سميت بالدولة الوطاسية نسبة إلى بني وطاس؛ وهم فرع من بني مرين. ارتفعت راية ملكهم بعد أن سلط عليهم آخر سلاطين المرينيين “السلطان عبد الحق” حملة تنكيل شديدة. نجا منها بصعوبة محمد الشيخ الذي أعد العدة وتربص بالحكم حتى استلمه الشريف محمد بن علي الإدريسي في عام 868هـ (1465م)، فانتهت معاركه الشرسة إلى انتزاع فاس عام 877هـ (1472م).


وأثناء هذا التطاحن استغل البرتغاليون الفرصة والفوضى بين المغاربة، ليشنوا حملة عسكرية ضخمة في عام 877هـ (1473م) إبان فترة حكم ملك البرتغال ألفونسو الخامس. فرست سفنهم المحملة بـثلاثين ألف مقاتل، وانتهت حملتهم بأسر أسرة الشيخ الوطاسي مما اضطره لإجراء مفاوضات. كان الثمن فيها التنازل عن أرض المغرب وبذلك احتل البرتغاليون مدينتي العرائش وأصيلا، مقابل إطلاق سراح ابن السلطان محمد الشيخ وزوجاته.


واشتد جشع البرتغاليين فوسعوا من مساحة احتلالهم، بالاستيلاء على موانئ المغرب، كسبتة وطنجة وأصيلا، وتوغلت جيوشهم في محيط المناطق التي احتلوها. وشهدت هذه الفترة سقوط غرناطة في عام 897هـ (1492م). فأقبل على أرض المغرب أفواج ضخمة من المهاجرين الأندلسيين الفارين بدينهم إلى بلاد المغرب. 


  • توسع النفوذ الإسباني والبرتغالي

وتمدد الاحتلال الإسباني والبرتغالي بالتركيز على بناء الحصون والقلاع والاستيلاء على النقاط الاستراتيجية على سواحل المحيط الأطلسي والبحر المتوسط. فسقطت كل الموانئ الاستراتيجية بأيديهم، وشكلت مراكز مهمة لتموين الأساطيل البحرية البرتغالية والإسبانية وفي ذات الوقت نقطة عبور مصيرية للعمق الإفريقي.


  • السعديون يقاومون الاحتلال

لم يستقبل المغاربة الاحتلال الإسباني والبرتغالي بالورود، بل قامت مقاومة شديدة برز خلالها قادة من السعديين، الذين رفعوا راية الجهاد لإخراج المحتل من بلاد المسلمين. واستجابت لندائهم القبائل في كل مكان، بمن فيهم زعماء الطرق الصوفية.


ولمع في هذه الأثناء نجم القائد محمد الشيخ السعدي الهاشمي القرشي الذي تمكن من إسقاط دولة الوطاسيين المتحالفة مع المحتل، في عام 956هـ (1549م).


ورغم أن أحد قادة الوطاسيين تمكن من النجاة واللجوء إلى العثمانيين آنذاك، وتمكن من هزيمة السعديين في فاس عام 961هـ (1554م)؛ إلا أن قائد السعديين تمكن من جديد من تسديد ضربات قاصمة للدولة الوطاسية في نفس العام،


فكانت من أهم أسباب سقوطها الذي مهد له إبرام سلاطينها لاتفاقيات مع المحتلين لأجل حفظ مصالحهم الشخصية وملكهم، على حساب حرية البلاد واستقلالها، إضافة إلى الضعف الاقتصادي الذي كان نتيجة حتمية لنهب الصليبيين لإيرادات الحركة التجارية في الموانئ.


  • دول مضت: الدولة السعدية

ويرجع المؤرخون نسب السعديين للإمام علي بن أبي طالب -رضي الله عنه-. وقد قدموا مثالًا ناجحًا للحركة الجهادية آنذاك؛ حيث التف حولهم المغاربة بشيوخهم وفقهائهم الذين بايعوا القائد الشريف أبي عبد الله محمد القائم بأمر الله، فتأسست بذلك أول نواة للدولة السعدية التي شق طريقها ومكّن لها الجهاد في سبيل الله.


وبعد وفاة الشريف في عام  923هـ (1517م)، خلفه ابنه الأكبر أبو العباس أحمد الأعرج الذي استمر على خطى والده في مقارعة الصليبيين حتى انتصر عليهم. وتمكن من استعادة مراكش سنة 930هـ (1524م) التي جعلها عاصمة لدولة السعديين.


لكن ما لبث أن سلب منه الحكم أخوه الأصغر “أبو عبد الله محمد الشيخ”، ومع أن أمور الحكم صفت له لحين، إلا أنه لم يهنأ به حيث قتل في عام 964هـ (1557م). وخلفه ابنه عبد الله الغالب، الذي شن حربًا على الأتراك والبرتغاليين إلى أن توفي في عام 981هـ (1574م). فخلفه ابنه محمد المتوكل، وكان سيء السيرة مشتهرًا بالاستبداد والظلم وسفك الدماء، حيث لم يتردد في قتل أخويه عند استلامه الحكم.


فانفضت من حوله الرعية، وتحالف عماه أبو مروان عبد الملك، وأبو العباس أحمد، مع العثمانيين في الجزائر، وكان السلطان العثماني آنذاك منشغلًا بتحرير تونس من الإسبان، فشارك أبو مروان في الحملة العثمانية بقيادة سنان باشا، التي انتهت بتحرير تونس من يد الاحتلال الإسباني.


ولقي مقابل ذلك الدعم والعتاد لإسقاط ابن أخيه، وبذلك استطاع عبد الملك أن يستميل القوّاد والوزراء وينتزع الملك من محمد المتوكل، فبايعه أهل المغرب في 983هـ (1576م).


  • معركة وادي المخازن

تعد هذه المعركة من أبرز إنجازات  الدولة السعدية بتسجيل انتصار مهيب على البرتغاليين في معركة الملوك الثلاثة، وتعرف أيضًا باسم معركة القصر الكبير، التي دارت فصولها بتاريخ (30 جمادى الثانية هـ الموافق لـ 4 أغسطس 1578م).


وحشد الصليبيون لهذه المعركة عشرات الألوف من الجنود من مختلف الجنسيات، في مقدمتهم الإسبان والبرتغاليون ومعهم الإيطاليون والألمان، مدججين بالأسلحة والعتاد. تم نقلهم عبر ألف مركب نحو شواطئ المغرب. فكان وصولهم إلى سواحل طنجة وأصيلا في عام 986هـ (1578م).


وفي الجانب المقابل كانت صيحات النفير والتعبئة تصل كل زاوية من المغرب الأقصى، فأقبل المجاهدون من كل فج عميق إلى وادي المخازن للجهاد تحت قيادة عبد الملك المعتصم بالله، وسانده العلماء والفقهاء، وكانت أيامًا من أيام الله.


والتقى الجمعان في اليوم التاريخي، يقول ابن القاضي في المنتقى المقصور: “عدد الجيش البرتغالي مئة ألف وخمسة وعشرون ألفًا”، مع ألوف الخيل والمدافع، والعتاد والذخيرة. وكان في صفهم المتوكل الخائن مع المئات من أتباعه المنسلخين الذين آثروا الاصطفاف في صف المحتل.


أما الجيش المسلم فكان لا يتعدى 40 ألفًا، مع عدد متفوق من الخيل، وأربعة وثلاثين مدفعًا فقط، لكن ترافق ذلك كله روح قتالية مرتفعة وإقبال على الموت شديد.


وفي صباح الاثنين 30 جمادى الآخرة 986هـ (1578م) وقف السلطان المجاهد عبد الملك المعتصم بالله خطيبًا في جيشه، يتلو آيات الجهاد من سورة الحج والأنفال والصف. فاشتاقت النفوس للشهادة واشتد الإقبال على القتال.


وفي المقابل ارتفعت وعود القسيسين والرهبان بين جند الأوروبيين بقيادة سبستيان، الذي تعهد لهم أن البابا أحل من الأوزار والخطايا أرواح من يلقون حتفهم في هذه الحرب الصليبية.


وانطلق السلطان عبد الملك رغم مرض كان يثقله في الهجوم الأول رافضًا التخلف عن المعركة. ولكن الأجل كان ينتظره، ففاضت روحه وهو واضع سبابته على فمه، ليكتموا خبر موته حتى يضمنوا النصر ولا تضطرب الصفوف بموت القائد.


فاستلم القيادة أخوه المنصور، وحاجبه رضوان العلج، ففتح الله عليهما حتى حصرا الصليبيين الفارين من الموت قاصدين قنطرة نهر وادي المخازن، التي نسفها المسلمون. فلم يجد جند الصليب من بدّ إلا الارتماء في مياه النهر ليغرق منهم عدد ويأسر منهم عدد آخر ويقتل منهم عدد ثالث.


وقتل القائد الصليبي سبستيان وألوف ممن حوله، وغرق الخائن المتوكل في نهر وادي المخازن، وانتهت الواقعة التاريخية بنصر عظيم للمسلمين.


وانتقل سلطان الدولة السعدية بعدها إلى يد عبد الملك أحمد المنصور بالله الملقب بالذهبي، الذي بويع بميدان المعركة، يوم الاثنين 30 جمادى الآخرة سنة 986هـ (1578م). وكان هذا النصر في زمن السلطان العثماني مراد خان الثالث، الذي سر به كما كان حال جميع المسلمين.


وأدى هذا الانتصار لتغيير الصليبيين سياستهم مع المغاربة فأرسلوا الوفود لطلب ود الدولة السعدية واستمالتها بالخطابات السياسية.


  • بركات النصر في معركة وادي المخازن

يقول المؤرخ البرتغالي لويس مارية عن نتائج هذه المعركة: “وقد كان مخبوءًا لنا في مستقبل الأعصار، العصر الذي لو وصفته -كما وصفه غيري من المؤرخين- لقلت: هو العصر النحس البالغ في النحوسة، الذي انتهت فيه مدة الصولة والظفر والنجاح، وانقضت فيه أيام العناية من البرتغال، وانطفأ مصباحهم بين الأجناس، وزال رونقهم، وذهبت النخوة والقوة منهم، وخلفها الفشل، وانقطع الرجاء واضمحل إبان الغنى والربح. وذلك هو العصر الذي هلك فيه سبستيان في القصر الكبير في بلاد المغرب”.[3]


  • انهيار الدولة السعدية

بعد مرحلة ذهبية من الازدهار والنجاح عرفها المغرب تحت حكم السعديين، توفي أحمد المنصور الذهبي في عام 1012هـ (1603م). فاضطربت البلاد وتفككت واشتعل الصراع على الحكم بين أبناء الأسرة السعدية، صراع رافقه ثورات وحركات انفصالية عن الدولة التي انقسمت لإمارات متنازعة.


انتهت هذه المنازعة لقتل السلطان السعدي آخر السلاطين السعديين عام 1069هـ (1658م). فورث الملكَ الأشراف العلويون في عام 1075هـ (1412م) وسيطروا على مراكش. وهكذا أفل نجم الدولة السعدية الذي بزغ منذ عام 961 إلى عام 1069هـ (1554-1658م).


  • حقبة العثمانيين في شمال إفريقيا

شهدت أرض شمال إفريقيا الاقتتال الذي وقع بين الدولة العثمانية والإسبانية، في القرن العاشر الهجري (السادس عشر الميلادي). وقد توجه العثمانيون بعد سيطرتهم على القسطنطينية والبلقان في القرن التاسع الهجري (الخامس عشر الميلادي) إلى السيطرة على سوريا ومصر في أوائل القرن العاشر الهجري.


ثم اتجهت أنظارهم إلى سواحل البحر المتوسط. وساعدهم في ذلك قوة بحرية كبيرة. وفي المقابل سيطر الإسبان على مواقع استراتيجية على سواحل المتوسط، كطرابلس وبجاية ووهران، فضلًا عن اتفاقيات جمعتهم مع الجزائر وتونس.


وأمام تقدم الاحتلال الإسباني في شمال إفريقيا قرر العثمانيون الحد من تقدمه وكسر أطماعه، فوجهوا لذلك الأخوين بربروسا -عروج وخير الدين- اللذين سطَّرا بطولات كبيرة في مياه المتوسط ضد القراصنة، وتمكنا من بسط سيطرة العثمانيين بشكل أكبر على هذه المناطق.


وقد سبق أن تناولنا قصة القائدين في موضوع منفرد شكل حقبة تاريخية مهمة في تاريخ الدولة العثمانية، وتناول تفاصيل الحكم العثماني في شمال إفريقيا.[4]


بعد وفاة عروج أكمل خير الدين المسيرة؛ فبسط سيطرته التي بدأ بها مع أخيه على الجزائر وتونس، وشهدت هذه المرحلة صراعًا شرسًا بين العثمانيين والإسبان على أراضي شمال إفريقيا إلى غاية عام 989هـ (1581م)؛ حيث دخل العثمانيون في هدنة مع إسبانيا، وتقاسما الخصمان الحكم بينهما بتقسيم أراضي شمال إفريقيا.


وبقي العثمانيون حتى القرن  الثالث عشر الهجري (التاسع عشر الميلادي) في هذه البلاد وبقيت آثار هذا الوجود في عادات وتقاليد أهل شمال إفريقيا إلى اليوم وكذلك آثار العمران المتبقية من تلك الحقبة.


ومع انهيار الدولة العثمانية تلاشت السيطرة على مناطق شمال إفريقيا بل كل المناطق الممتدة في العالم الإسلامي التي كانت تحت ظل هذه الدولة التي دخلت في حالة من الإفلاس استغلها الأوروبيون؛ فانتزعوا مناطق سيطرتها بعد انهيارها.


وسيطرت الإمبراطورية النمساوية المجرية على البوسنة والهرسك، وكذلك فعلت إيطاليا بالانقضاض على ليبيا التي كانت تعد آخر الممتلكات العثمانية الفعلية في شمال إفريقيا، خسرها العثمانيون بعد معارك شرسة. 


  • الحرب العالمية الأولى (1332- 1336هـ) (1914– 1918م)

في 5 شعبان 1332هـ الموافق لـ 28 يونيو عام 1914م انطلقت شرارة الحرب العالمية الأولى؛ والتي كانت آخر حرب تشارك فيها الدولة العثمانية، وانتهى معها اسم العثمانيين. حيث دخلت الدولة العثمانية الحرب إلى جانب معسكر دول المحور، أي ألمانيا والنمسا وبلغاريا. يدفعهم ذلك الضعف الشديد الذي نال من أركان الدولة العثمانية.


ودخلت الدولة العثمانية بشكل رسمي في الحرب العالمية بتاريخ 18 رمضان 1332هـ الموافق لـ 10 أغسطس سنة 1914م، وذلك بسماحها لبارجتين ألمانيتين بعبور مضيق الدردنيل نحو البحر الأسود قادمتين من المتوسط هربًا من مطاردة السفن البريطانية.[5]


وبعد أن هاجم الأسطول العثماني الموانئ الروسية في البحر الأسود، أعلنت روسيا الحرب على الدولة العثمانية، واقتدت بها كل من بريطانيا وفرنسا. وحينها أعلن السلطان محمد الخامس الجهاد ودعا جميع المسلمين للمشاركة فيه. لكنه كان نداءً فاشلًا؛ فأغلب مسلمي العالم كانوا يزرحون تحت نير الاحتلال البريطاني أو الفرنسي، وكانت سلطات الاحتلال قد جندت بعضًا منهم أيضًا في جيوشها.[6]


ومُنيت الحملة العثمانية بهزيمة فادحة، على الجبهة الشمالية، وفي الجنوب نزل البريطانيون في الفاو على الخليج العربي واستولوا على العراق. واستمر العثمانيون من ضعف لضعف ومن هزيمة لأخرى في وقت تدار فيه مؤامرات واتفاقيات ضدهم تقودها بريطانيا مع بعض العرب ممن حالفها، إلى أن أبرم العثمانيون معاهدة مودروس مع الحلفاء، خرجوا بموجبها من الحرب.[7]  وكانت بداية مرحلة ما يسمى استقلال تركيا، بعد أن تقلص حكم الدولة العثمانية تمامًا.


وفي عام 1339 (1921م) استلم حكم تركيا الحديثة أحد أكثر الشخصيات إثارة للجدل “مصطفى كمال أتاتورك”؛ الذي وقّع معاهدة لوزان مع الحلفاء وتنازل بمقتضاها عن باقي الأراضي العثمانية غير التركية، وهو الذي جرد تركيا من الإسلام وحولها لعلمانية بحتة ونفى سلاطين العثمانيين وأسرهم إلى خارج البلاد.[8]


وفي هذه الأثناء سقط شمال إفريقيا كما جميع المناطق التي كانت تحت حكم العثمانيين بين مخالب الاحتلال الأوروبي، وبدأت فصول مرحلة مختلفة جداً عما عرفه تاريخ هذه المنطقة، كان أبرز معالمها، انتهاء مرحلة السيادة والاستقلال.


المصادر

  1. محمد المنوني، تعريف بالدولة المرينية، مجلة دعوة الحق، العدد الثالث، السنة الثامنة، عام 1965م.
  2. انظر موسوعة المغرب العربي (3/ 336،337).
  3. بقية أخبار السلطان أبي مروان وسيرته ج 5 ص 86.
  4. الأخوان بربروسا: من البداية إلى استشهاد عروج 1، 2
  5. تركيا: التاريخ السياسي الحديث والمعاصر (1923-2018) صفحة 37.
  6. أ.د. محمد سهيل طقّوش: تاريخ العثمانيين من قيام الدولة إلى الانقلاب على الخلافة صـ 543-549.
  7. المصدر السابق.
  8. تاريخ الدولة العليّة العثمانية، تأليف: الأستاذ محمد فريد بك المحامي، تحقيق: الدكتور إحسان حقي،  صـ 718.
  9. ليبيا: مشهد معقد وتدخل أجنبي وآمال الثورة لم تتحقق بعد
  10. الذخيرة السنية في تاريخ الدولة المرينية، ابن أبي زرع.
  11. تاريخ ابن خلدون الجزء 7.
  12. السلاوي، الاستقصا، 3/4.
  13. موسوعة المغرب العربي للغينمي، عبد الفتاح مقلد الغنيمي. (ج 3)
  14. المغرب في تاريخ الأندلس والمغرب، د. عبادة كحيلة.
  15. تاريخ المغرب والأندلس من القرن السادس إلى القرن العاشر الهجري، تأليف مجموعة من الأساتذة، دار الأمل للنشر والتوزيع.
  16. المغرب عبر التاريخ، الجزء الثاني، إبراهيم حركات.
  17. تاريخ الدولة العليّة العثمانية، محمد فريد بك المحامي.
  18. تركيا: التاريخ السياسي الحديث والمعاصر (1923-2018) يوسف حسين عمر.
  19. المنتقى المقصور على مآثر الخليفة المنصور لأحمد بن القاضي المكناسي.

المصدر

بالعربية

بالعربية: منصة عربية غير حكومية؛ مُتخصصة في الدراسات والأبحاث الأكاديمية في العلوم الإنسانية والاجتماعية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى