غرناطة في ظل الحكم الإسلامي
تعد غرناطة واحدة من مدن الأندلس التي دخلها الفتح الإسلامي في عام 91هـ، بعد أن استطاعت جيوش الفتح الإسلامي بقيادة طارق بن زياد هزيمة القوط، وقتل الملك «لذريق» في واحدةٍ من أكبر المعارك في التّاريخ الإسلامي، إذ إنّ طارق بن زياد عبر البحر من مدينة سبتة المغربية بعد فتحها،
ونزل في الجزيرة الخضراء على شواطئ الأندلس، والتقى بالجيش القوطي هناك وهزمه وتابع زحفه لتتساقط على يده الإمارات الأندلسية الواحدة تلو الأخرى، وكان من بينها غرناطة التي دخلها جند دمشق، وثبتوا فيها.
وقد بقيت غرناطة تحت حكم الزيريين إلى أن جاء المرابطون بقيادة يوسف بن تاشفين بدعوةٍ من صاحب إشبيليَّة المعتمد بن عبَّاد، الذي أحاط به القشتاليُّون، وعزموا على احتلال بلاده، فاستدعى المرابطين مرَّتين، إلا أنّ المرابطين ارتأوا أن يثبتوا وجودهم في الأندلس الضعيفة، بعد أن عرفوها وحفظوا جغرافيتها، وخبروا نقاط الضعف فيها، فأسقطوا ملوك الطوائف وممالكهم،
ووحَّدوا الأندلس تحت حكمهم، فكانت غرناطة أول مدينة أُسْقطت، لِما بدا مِن أميرها مِن تخاذل في نصرة المرابطين أثناء قتالهم القشتاليِّين في معركة الزَّلاقَة، وفي حصار طليطلة، إضافة إلى أن أن فقيه غرناطة ابن القليعيّ أفتى ليوسف بن تاشفين بضرورة خلع حكَّام الأندلس وتوحيدها على أن يبدأ بغرناطة لكثرة الفساد فيها، فدخلها عام 430هـ، وأسر ملكها عبد الله الزيري، وسلبه ما لديه من أموال، ثم نفاه إلى قرية أغْمات في المغرب.
وقد بقيت غرناطة تحت حكم المرابطين حتى جاء الموحِّدون من المغرب، ليزيلوا حكم المرابطين في الأندلس، وضمُّوا إليهم البلاد التي من ضمنها غرناطة، والتي تحولت إلى عاصمة لدولة بني الأحمر في عهد محمد الأول بن يوسف بن نصر الأحمر،
وظلت غرناطة صامدةً في وجه المد القشتالي حتى سقطت بيدهم عام 1492م، بعد أن سلمها آخر ملوكها محمد أبو عبد الله الملقب بالصغير، وخرج منها مع أهله نحو المغرب، لينتهي بذلك الوجود الإسلامي في الأندلس وغرناطة بعد ثمانية قرون من وجوده فيها.
- أهم العلماء والشعراء الذين أنجبتهم غرناطة
كانت غرناطة كسائر مدن الأندلس ترعى العلم والعلماء، وتهتم بالمجالس الأدبية والشعرية، وتقرب الشعراء وتحتفي بهم، وكان أهل غرناطة ينفقون على العلم والعلماء، ويرسلون أولادهم لتلقي العلوم في مساجد المدينة التي كانت تضم حلقات للتعليم والتدريس في زواياها، وكان الفقه من أكثر العلوم التي أقبل عليها الغرناطيون، يتبعه علم النحو ومن بعده الأدب والشعر.
وقد اهتم بنو زيري بالشعراء، فهم لسان الدولة والمدّاحون للسلطان، فقربوا الشعراء إليهم لا سيما الأديب الشاعر أحمد بن يحيى الألبيري، وإبراهيم بن مسعود الألبيري، وعبد الرحمن بن الحاج الألبيري.
أما العلماء الذين أنجبتهم غرناطة فمهنم غالب بن عبد الرحمن المحاربي أحد أهم حفظة الحديث الشريف، والفقيه علي بن محمد بن توبة، وأيضا العالم المشهور في النحو والقراءات القرآنية ابن بابشاذ، الذي ألف كتابا شرح فيه كتاب الإيضاح في النحو، فقد كانت غرناطة أكثر المدن الأندلسية اهتماما بالنحو العربي، لما أنتجته من دراسات غنية لا زالت حاضرة إلى يومنا هذا،
إضافة إلى كونها استوعبت غير قليل من العلماء المشارقة والمغاربة في هذا العلم، وأكرمتهم لما له من ارتباط بالعلم الشرعي والقرآن الكريم، لكن في المقابل كان الاهتمام بالفلسفة والمنطق قليلا ومحدودا لا سيما بعد أن دخلت غرناطة تحت حكم الموحدين الذين كانوا ينتسبون للمذهب الظاهري الذي رفض المنطق والفلسفة وعدهما من الهرطقة والزندقة.
- كيف قاومت غرناطة الغزو النصراني وكيف وقعت في النهاية؟
كانت غرناطة آخر معاقل المسلمين في الأندلس، إذ تساقطت مدن الأندلس الواحدة تلو الأخرى بيد القشتاليين الذين انتهزوا فرصة ضعف المسلمين وانشغالهم ببعضهم، وتخاذل ملوك وحكام المغرب في نجدة إخوانهم، حتى بقي أمامهم مدينة واحدة هي غرناطة التي بقيت تهادن القشتاليين وتدفع لهم الجزية مقابل تركها،
لكنهم أصروا على احتلالها وإخراج المسلمين، فزحفوا إليها عام 1492م، واستطاعوا احتلالها بعد تجويع سكانها وقصف المدينة بالمدافع، وعزلها عن البر والبحر، وأُخرِجت الأسرة الحاكمة منها إلى المغرب، وخُيّر المسلمون بين البقاء والخروج، فخرج الآلاف منهم باتجاه المغرب العربي، ومن بقي في غرناطة وباقي مدن الأندلس تعرضوا لحملة تنصير وحشية.
فكان على المسلمين الاختيار بين التهجير و التنصير و الموت، فتنصر الآلاف منهم في الظاهر وأخفوا إسلامهم، فتشكلت محاكم عرفت بمحاكم التفتيش الإسبانية التي بدأت بملاحقة المسلمين واليهود، وارتكبت بحقهم الفظائع، فأرسل السلطان سليمان القانوني أسطولًا بقيادة خير الدين بربروس لمهاجمة السواحل الإسبانية، وتحرير المسلمين واليهود، ونقلهم إلى الأراضي العثمانية، ودخلت الدولة العثمانية حربًا طويلة مع إسبانيا المسيحية من أجل نصرة المظلومين.
- عروس الأندلس وآثارها الإسلامية
كانت غرناطة منذ تحولها إلى عاصمة على يد الدولة الزيرية تعتني بالعمارة والصناعة والبناء، وذلك لتحقيق رخاء اقتصادي لها، ولإشباع رغبات ملوكها الراغبين في امتلاك أفخم القصور والمدن، فأقاموا فيها مصانع للنسيج، واشتهر الحرير الغرناطي في العالم، وتم استخراج الرخام والمعادن، وتطورت صناعة الزيوت والزجاج فيها حتى أصبحت غرناطة من أكثر المدن المصدرة لهذه البضائع في العالم، ومن أكثر مدن الأندلس ثراءً وقوةً.
أما في جانب العمارة فقد أنشأ الزيريون لغرناطة سورًا عظيمًا من الحجارة، وَبنوا الأبراج الحصينة لحماية عاصمة ملكهم، وبنوا في هذه الأسْوار ما يقارب العشرين بابًا لغرناطة شكَّلت تحفا معمارية إلى يومنا هذا، بالإضافة إلى بناء قلعة غرناطة الحربية وقد سميت بقلعة الحمراء نسبةً إلى لون تربتها الأحمر الذي أُنشئت عليه.
وقد بُنيت قلعةٍ أخرى عند تحول غرناطة لعاصمة الدولة الزيرية، وبني داخلها القصر ومحل إقامة الوزراء وكبار رجال الدولة، وسُمِّيت القلعة الجديدة بنفس اسم القلعة القديمة، وهي تعرف اليوم بقصر الحمراء الذي يعد من أهم التحف المعمارية الإسلامية الماثلة إلى يومنا هذا، أما عن المساجد،
فقد بنى الأندلسيون الكثير من المساجد في غرناطة كحال بقية الحواضر والمدن الأندلسية، وقد بنى الزيريون مسجدًا جامعًا يتألَّف من أحد عشر رِواقا، ويعدَّ من أكبر جوامع الأندلس، لكن الإسبان حولوه إلى كنيسة وكاتدرائية سان خوسيه.
المصادر:
- مملكة غرناطة في عهد بني زيري البربر، مريم قاسم الطويل، دار الكتب العلمية، بيروت، ط1، 1994.
- ايبيريا قبل مجئ العرب المسلمين، محمد عبده حتاملة، وزارة الثقافة الأردنية، عمان، 1996.
- تاريخ إسبانيا الإسلامية، ليفي بروفنسال، المجلس الأعلى للثقافة، القاهرة، ط1، 2002.
- مقال بعنوان«غرناطة»، موقع الجزيرة.