جيش عبيد البخاري
جيش البخاري؛ أو جيش عبيد البخاري؛ هو جيش نظامي مكون في معظمه من العبيد والحراطين، أسسه السلطان المغربي المولى إسماعيل لتعزيز الأمن في الإيالة الشريفة. أكبر مراكزه محلة مشرع الرمل قرب مكناس، حيث استقر معظم جنود الجيش. ضمن مهامه كانت ضمان طاعة القبائل وجمع الضرائب منها. يعتبر جيش البخاري سلف الحرس الملكي المغربي.
لاحظ السلطان كثرة الأسرى والتنافس على اقتناء الرقيق، فأصدر قراره بمنع الرعية من تملك الرقيق وممارسة الحكم في مصيره، وجعل العبيد تابعين للدولة، وأسس منهم جيش البخاري الذي اقتصرت أعماله على الخدمة العسكرية.
تطور موضوع اسقاط ملكية الناس على عبيدهم لتشتريهم الدولة ولتجعلهم سندا لها في حروبها، ليصل إلى حد جعل الدولة تلزم جميع السود ولو كانوا احرارا بالاندماج في الجيش. وحينئذ اضطربت الاقوال بين الفقهاء واختلفت في جواز هذا القسر أو في تحريمه.
قام كاتبه عليلش بجمعهم وحملهم إلى حضرة السلطان بمكناس، ودربهم وسلحهم، وولى عليهم قوادهم، ووزعهم في أماكن نزولهم وإقامتهم، وعين عليهم قاضيا، كان أولهم الفقيه محمد بن العياشي المكناسي، وسماه قاضي القضاة للفصل فيما يقع بين الجنود من منازعات وخصومات.
وقد كبر أمر جيش عبيد البخاري وعظم شأنه حتى استغنى به المولى إسماعيل عما سواه، وأصبح سنده في حروبه وفتوحه، فاعتمد عليه في دولته وسياسته، وعين منه الولاة والقواد. يذكر المؤرخ الناصري أن عدد الجنود وصل، في بدايته، إلى أربعة عشر ألفا، عشرة آلاف بمشرع الرملة وأربعة آلاف بآدخسان، وعند موت السلطان بلغ عدد البخاريين مائة وخمسون ألفا.
لكنه سرعان ما تحول هذا الجيش سببا في الفتن والاضطرابات، حيث وقف جيش العرب من الودايا بجانب أهل فاس، وجيش عبيد البخاري مناصرين من قبل أهل مكناس، وهنا دخل المغرب عصر الفوضى.
- سبب التسمية
سمي هذا الجيش بعبيد البخاري لأنه كان مكون من العبيد الذين أقسمو للسلطان بصحيح البخاري على الولاء له في السراء و الضراء.
- خلفية
كان للسلطان إسماعيل جيش نظامي بمواصفات جديدة، فمن جهة ألف جيشا بنظام خاص وهو الودايا الذي ينقسم بدوره إلى ثلاث أرحاء: رحى أهل السوس ومنهم أولاد جرار وأولاد مطاع وزرارة والشبانات وهم من عرب المعقل، ورحى المغافرة وهم من عرب الخلط، ورحى الودايا وهم من قبائل الحوز من عرب المعقل.
وبادر إلى تجميع وتوحيد جيش الودايا وصيرهم جيشا واحدا جمعهم له أبو الشفرة من قبائل الحوز فأثبتهم في الديوان ونقلهم إلى مكناس. لكن طاعة العرب وانصياعهم للسطان وأوامره ليست مطلقة، فهم ثوار في طبيعتهم. كما كان ينوي بناء جيش قوي على غرار الجيش التركي المعروف بالإنكشارية وجيش المنصور السعدي.
- تأسيس
لم يكتف السلطان إسماعيل بجيش نظامي بل عمل على تأليف جيش خاص بالعبيد، وقد ساعده في ذلك كاتبه عمر بن قاسم المراكشي الشهير بعليليش، وكان والده كاتبا عند المنصور السعدي، وبقي في حوزته الكناش العبيدي الذي يضم أسماء العبيد الذين كانوا في خدمة جيوش السعديين، فأمره السلطان بتجميع ما يجده منهم ومن ذريتهم.
فأصدر أمرا إلى عماله بتجميع العبيد وشرائهم من مختلف حواضر المغرب، مقابل عشرة مثاقيل للعبد، وكان مجموع ما اشتراه العمال حوالي ثلاثة آلاف، جمعهم بعليليش في سنة واحدة، منهم المتزوج والأعزب ثم كتبهم في دفتر وبعث به إلى السلطان بمكناسة، فتصفحه السلطان وأعجبه ذلك فكتب إليه يأمره بشراء الإماء للعزاب منهم، ويدفع أثمان المماليك إلى ملاكهم.
وبذلك تم جمع حوالي ثمانية آلاف، أنزلها السلطان بمحلة مشرع الرملة بالقرب من مكناس، فدربهم وسلحهم. إضافة إلى ألفين جمعها محمد بن العياشي المكناسي كاتب المولى إسماعيل المكلف بتجميع العبيد من قبائل الغرب وبني حسن.
يقول الناصري:
«… ثم ألزم السلطان قبائل تامسنا ودكالة أن يأتوا بعبيد المخزن الذين عندهم فلم يسعهم إلا الامتثال، فجمعوا كل عبد في بلادهم وزادوا بالشراء من عندهم، وأعطوهم الخيل والسلاح وكسوهم وبعثوا بهم إليه، فمن تامسنا ألفان، ومن دكالة ألفان، فألزمهم السلطان بوجه عروس من أحواز مكناسة إلى أن بنى قصبة آدخسان فانزل عبيد دكالة بها وأنزل عبيد تامسنا بزاوية أهل الدلاء.».
إضافة إلى ذلك، ففي غزوة قام بها السلطان لصحراء سوس وشنكيط وتيشيت وبلاد السودان، جلب السلطان من هذه الغزوة ألفين من الحراطين[3] بأولادهم فدربهم وسلحهم.
- الخلاف على الحراطين
لما فرغ عليلش، الذي وصفه الشيخ ابن عجيبة “بفقيه السوء” [4] و”عدو الله” على حد قول الفقيه علي مصباح، من جمع الحراطين بالمغرب ولم يبق له إلا حراطين فاس أراد أن يدخلهم في الديوان، فأبى بعض العلماء وأغلب أهل فاس، فقال لهم السلطان: هذه منافسة منكم على حراطينكم.
الأمر الذي دفع السلطان باستصدار فتوى. في ظل سخط أهل فاس عليه بسبب إتخاده مدينة مكناس عاصمة لملكه. بل يزيد على ذلك أكنسوس أن السلطان اتهم فاس بالتقاعس عن إمداده بالجيش، بل كان ذلك واحدا من مبرراته لتكوين جيش البواخر.
جاء الرد على الموقف السلطاني على لسان محمد بن عبد القادر الفاسي عندما أكد بصورة لبقة بأن «”الأصل في الناس هو الحرية”».
هذا الموقف المتميز بنوع من الرفض المبطن، اتخذ منحى أكثر تشددا، بل أميل إلى العصيان، مع قاضي فاس الشيخ العربي بردلة الذي اتهم المؤسسة الحاكمة. «”باسترقاق المسلمين الأحرار”»، فما كان من السلطان إلا أن عزله من منصبه وانتقص من كفاءته، ثم اتهم علماء فاس بالتقصير وقلة العلم والتهاون في التحصيل.
وفي صباح 18 يوليو 1698، وفد أعيان أهل فاس على عامل المدينة عبد الله الروسي بجامع القرويين حيث تدارسوا الأوامر السلطانية، ثم “وضعوا خطوطهم” (توقيعاتهم) على ملتمس رفعوه إلى السلطان مع أحد أشياخهم للتشفع لأهل فاس حتى يلغي قرار التجنيد.
وبعد أربعة أيام جاء جواب السلطان بالموافقة قبل أن يقنعه عليلش بخطورة ما أقدم عليه، فتراجع السلطان عن موافقته. ثم بعد أزيد من أربعة أشهر جاءت الأوامر السلطانية صارمة إلى عبد الله الروسي بتسجيل كل حراطين فاس وضرورة توقيع القاضي والفقهاء والعدول على السجلات.
فعمت الفوضى المدينة، وهجرها العشرات من الحراطين، كما هجرها العلماء الذين رفضوا التوقيع ومن بقي فيها وقع مكرهاً.
امتنع الشيخ عبد السلام بن حمدون جسوس على الموافقة على ديوان الحراطين الذي أصدره عليلش المراكشي للسلطان، حقد السلطان على الشيخ، فصادر ماله أجرى عليه أنواع التعذيب، فلما فرغ جميع ما يملك هو وأولاده ونساؤه وبيعت دوره ورباعه وأصوله وكتبه.
وكان يطاف به في الأسواق وينادى عليه من يفدي هذا الأسير، فبقي على هذه الحال ما يقرب من السنة. ثم في آخر ذلك أمر بقتله فقتل خنقا ودفن ليلا على يد القائد أبي علي الروسي.
فانتفض الحراطين وقتلوا قائد الجيش زيدان بن عبيد العامري، وألزم الرئيس أبو محمد عبد الله الروسي الفقهاء؛ «”أن يكتبوا على الديوان المذكور، فمن كتب نجا ومن أبى قبض عليه».
- الجيش
كان الذكور يفرقون على الصنائع والحرف كالبناء والنجارة والحدادة والفلاحة، ويلزمون بركوب الحمير تدريبا لهم على الفروسية فإذا بلغوا الحادية عشرة من السنين ألزمهم بركوب البغال التي تحمل الجير والأجر والزليج لبناء قصوره.
فإذا بلغوا سن الثانية عشرة دفعهم إلى الجندية وكساهم ودفع لهم السلاح ليشتغلوا بالخدمات العسكرية، ويتعلموا فنونها راجلين. وعند بلغوهم سن الرابعة عشرة دفع الخيل لهم دون سروج، ويلزمونهم ركوبها في بكرة وعشي، ويتعلمون الكر والفر والسباق حتى يتقنونه.
وعند بلغوهم سن الخامسة عشرة تسلم لهم السروج، ويلزمون تعلم الكر والفر والسباق والرماية عليها. فإذا بلغوا سنة السادسة عشرة صاروا من جملة الجند تجري عليهم الجرايات، ويكتبون في الديوان، ويزوجهم بالبنات اللائي جئن معهم، ويدفع للرجل عشرة مثاقيل، وللمرأة خمسة مثاقيل، ويعين واحد من آبائهم الكبار رئيسا عليهم، ويعطيه من المال ما يكفيه لبناء دور لسكناهم ثم يوجههم إلى القواعد العسكرية.
- التناوب والتسلح
لجأ السلطان إلى تغيير القيادة العسكرية بين الفينة والأخرى لاكتساب التجربة والخبرة العسكرية، باعتماد مبدأ التناوب بالنسبة لنخبة الجيش، حيث يقضي جزء منه فترة بالعاصمة مكناس، تم ينتقل إلى منطقة أخرى، ومما زاد في فعالية الجيش.
إضافة إلى التكوين المستمر، هو تجهيزه بالعتاد المتطور آنذاك، فيتم تسليح الفرسان بالمكاحل ذات الثفالة والسيوف العريضة والحراب، وهي أسلحة كانت تستورد من أوروبا، إضافة إلى الأسلحة التي تصنع محليا،
في حين كان المشاة مزودين بالبنادق ذات المدى البعيد والأقواس والرماح القصيرة، كما وظفت المدفعية بشكل كبير أثناء المعارك والمواجهات، والتي كانت تحرم على القبائل امتلاكها لتبقى مختلف المقومات العسكرية من اختصاص الجيش النظامي.
- تأثير الجيش على الأمن والاقتصاد
خلال انتشار جيش البخاري في ربوع المغرب، شهدت البلاد طرق آمنة، حيث يذكر المؤرخ أبو القاسم الزياني : ” اليهودي والمرأة كانا يسافران من وجدة إلى وادي نون دون أن يسألهما أحد عن وجهتهما “
وعرف الاقتصاد المغربي نمواً قويا بفعل تدفق الأموال والضرائب التي عرفت انتظاما في أدائها، ويعود الفضل في ذلك إلى سياسة بناء القلاع والتحصينات على طول البلاد.
حيث تم تشييد وتجديد، فقط في عصر المولى إسماعيل، أكثر من ستة وسبعين قلعة وقصبة وحصنا، ووضع بتلك التحصينات حاميات عسكرية مكونة من جيش البخاري من مشاة وفرسان وأفراد أسرتهم من نساء وأطفال، وزود تلك الحاميات بالأسلحة الخفيفة والمدافع الثقيلة.