تاريخ

الدولة العباسية منذ البداية وحتى السقوط

كان للمكائد والخطط والتدابير السرية النصيب الأكبر في تأسيس الدولة العباسية وانتقال الخلافة من بني أمية إلى بني العباس، فقد قام العباسيون باستغلال كافة الفرص التي أتيحت لهم للحصول على الخلافة،


مثل الفراغ السياسي والقيادي الذي أحدثته وفاة أبي هاشم بن محمد بن الحنفية صاحب الدعوة الكيسانية وإمامها، فقاموا بالدعوة بالرضا من آل محمد وترأسها محمد بن علي بن عبد الله بن عباس، وكان ظاهرُ الدعوة للعلويين وباطنها سرًّا الدعوة للعباسيين.


  • الدعوة العباسية سنة 100-132ه‍

في البداية لم تظهر كلمة عباسيون بل كان يوجد مصطلح بني هاشم، وهو يشمل العلويين والعباسيين معًا. ويرجع أصل العباسيين إلى العباس بن عبد المطلب عمِّ النبي صلى الله عليه وسلم، وكان العباسيون والعلويون يناوئون بني أمية ويرغبون بأخذ الخلافة منهم.


أطلق العباسيون في البداية شعار «الرضا من آل محمد» وهو شعار في ظاهره دعوة للعلويين وباطنه الدعوة للخلافة لهم، وبذلك اتقوا شر الأمويين الذين لم يشكُّوا فيهم أبدًا، وترصدوا العلويين بدلًا منهم.


والعلويون ذوو النية البيضاء كانوا يظنون أن العباسيين يعملون من أجلهم لكن العباسيين أصحاب مكر وسياسة ودهاء كانوا يأخذون العلويين كستار لأخذ الخلافة لهم.


كما استغل العباسيون تضعضع الحكم الأموي وانهياره وانحيازه لفئة دون أخرى وبدؤوا العمل على الدعوة العباسية.


تميزت الدعوة العباسية أثناء تماسك الدولة الأموية في بداية الأمر بالسرية التامة، لكن بعد أن تعمقت جذور الدعوة العباسية في المجتمع وانتشرت بدؤوا باستعمال القوة، وبعد انضمام أبي مسلم الخراساني للدعوة العباسية تم تقليده أمرَ القيادة في خراسان،


واستطاع أبو مسلم الخراساني بسبب حنكته، ورجاحة عقله، ودهائه، أن يهيئ للعباسيين الحكم في خراسان وأن يصبح الداعية العباسي المتحكم في الشرق، حيث كان يدعو أهل خراسان الى الدعوة طوال فترة حكمه.


  • الثورة العباسية من عام 129-147ه‍
الدولة العباسية

بعد أن استقرت الأمور في خراسان تم إعلان الثورة على يد سليمان بن كثير والتفت شيعة العباسيين حول أبي مسلم الخراساني واصطدم العباسيون مع قوات الأمويين ونتج عن هذا الصدام تثبيتُ أقدام أبي مسلم الخراساني في كل المناطق التي سيطر عليها وأصبح هو حاكم بلدان المشرق وأعطى لنفسه لقب أمير آل محمد. 


وبعد أن سيطرت الثورة وأنصارها في العراق تم اختيار إبراهيم الإمام لتعلَن الثورة باسمه فتم القبض عليه من قبل مروان الثاني وسجنه ثم قام بقتله لكن قبل ذلك كان إبراهيم قد أوصى إلى أخيه أبي العباس عبد الله بن محمد بتولي الخلافة والسير إلى الكوفة.


  • الخلافة العباسية بعد مقتل مروان الثاني آخر الخلفاء الأمويين

بدأت الخلافة العباسية بعد مقتل مروان الثاني آخر الخلفاء الأمويين وتولى الخلافة أبو العباس عبد الله بن محمد، بويع له يوم الجمعة، وبذلك تحولت الدعوة العباسية وأصبحت دولةً عباسية.


وقد انقسم تاريخ الدولة العباسية الى أربعة عصور:

  1. العصر الأول: عصر القوة والازدهار من 132-232 ه‍.
  2. العصر الثاني: عصر النفوذ التركي 334- 434 ه‍.
  3. العصر الثالث: عصر النفوذ البويهي الفارسي 434-447 ه‍.
  4. العصر الرابع: عصر النفوذ السلجوقي التركي 
  5. 447-656 ه‍.

  • العصر العباسي الأول، وخلافة أبي العباس السفاح

تولى أبو العباس السفاح الخلافة واسمه عبد الله بن محمد بن علي العباسي وبويع له بالخلافة يوم الجمعة في الكوفة، ومن إنجازاته أنه استطاع القضاء على آخر قوات الخليفة الأموي مروان الثاني، كما طارد بني أمية وتخلص منهم.


كما قضى على تمرد يزيد بن هبيرة وغيرها من الإنجازات العسكرية، وكان أهم إنجازاته إعلان الخلافة العباسية، أما على الصعيد السياسي نجد أنه استحدث نظام الوزارة وهو منصب فارسي، أقرَّه العباس في محاولةٍ لتطوير الدولة ومراعاةِ توزيع السلطات، وانقسمت الوزارة في عهد العباس إلى نوعين: وزارة تنفيذية ووزارة تفويضية.


 وقد انتقل أبو العباس من الكوفة بسبب تأييد غالبية سكانها لعليٍّ وشيعته، وذهب إلى مكان بالقرب منها وهو الأنبار وتوفي هناك بالجدري وهناك دُفن.


  • خلافة عبد الله أبو جعفر المنصور
الدولة العباسية

هو أخو أبي العباس السفاح ويسمى عبد الله بن محمد بن علي العباسي وبسبب تشابه الأسماء بينه وبين أبي العباس السفاح لقب الخليفة أبو العباس بعبد الله الأصغر لأنه أصغر سنًا من أخيه المنصور، وقد ولاه أبو العباس السفاح من بعده الخلافة حيث كتب العهد بذلك وأعطاه لعيسى بن موسى الذي عهد إليه أيضًا بالخلافة بعد المنصور.


وعندما تولى أبو جعفر المنصور الخلافة كانت الأوضاع الداخلية غير مهيَّأة بالكامل لاستقرار الحكم، فمن ناحيةٍ ازداد نفوذ أبي مسلم الخراساني، ومن ناحية كان عمه عبد الله بن علي يرغب بالخلافة، ومن ناحية ثالثة خرج عنه بنو عمه آل علي بن  أبي طالب،


ولم يكن للعباسيين عاصمة لملكهم فقرَّر المنصور أن يخصص للخلافة في عهده عاصمةً فقام ببناء مدينة بغداد بعد مرور 13 عاما على الخلافة، وقد أراد المنصور من بغداد أن تكون البوابة التي تؤدي إلى مدن الشرق وقد تم اختيار مدينة بغداد لسببين: 


الأول أن العباسيين لم يستطيعوا اتخاذ مدينة دمشق كعاصمة لأنها كانت توالي الأمويين، 

والثاني أن الكوفة كانت معقل الثورات وبالتأكيد كان الغرض الرئيسي من بغداد أن تكون عاصمة مخلِصة وموالية للعباسيين دون غيرهم.


ومن أعمال أبي جعفر المنصور كذلك تحصين مدينتي البصرة والكوفة كما أنشأ مدينتي الرصافة والرافقة وقصر الخلد، ونهَض بالعمران في عهده نهضة كبيرة.


  • خلافة المهدي

وبعد أبي جعفر المنصور تولى الحكم ابنه أبو عبد الله محمد المهدي، وقام المهدي بعدة إصلاحات داخلية في الدولة منها التصدي للحركات التي تعادي العباسيين مثل حركات الزنادقة، وفي عهده منَح الوزراء سلطات أوسع واتَّضحت معالم منصب الوزارة أكثر ومن بعد المهدي تولى أبو محمد موسى الهادي.


  •  هارون الرشيد
الدولة العباسية

كان من المفترض أن يتولى العرش بعد الهادي جعفر بن الهادي لكن أُلغي هذا الترتيب ويذكر أن يحيى بن خالد البرمكي أيقظ هارونًا الرشيد وناداه قائلًا: قم يا أمير المؤمنين، واستيقظ هارون الرشيد فزعًا اتضح الأمر له، وأسرع بالعودة إلى بغداد وقد عزم الأمر أن يحضر الجنازة ويصل قبل الظهر وبعدما توطد له الحكم بدأ استكمال بناء مدينة طرطوس على ساحل البحر المتوسط.


 بالنسبة لأحوال الخلافة في عهده فقد كان لوالدته خيزران في بداية حكمه كلمة مسموعة ونفوذ قويٌّ لكن في أواسط حكمه ولمدة ثلاثة عشر عاما كان لهارون الرشيد القوة العليا في البلاد ولكنه أعطى الوزير البرمكي وباقي أعضاء الأسرة البرمكية سلطات واسعة، وفي أواخر حكمه انفرد هارون الرشيد بإدارة شؤون البلاد وحده خاصة عقِب نكبة البرامكة بعد اتساع نفوذهم بشكل كبير.


ومن خلال كل تلك الفترات نستنبط أن عهد هارون الرشيد يعدُّ من أطول عهود بني العباس، وقد مرت فترته بعدد كبير من حركات التمرد سواء في بلاد المشرق أو الشام او مصر أو أفريقية أو المغرب أو العراق، وتصدى هارون الرشيد لكل تلك الحركات.


وقام هارون الرشيد باتخاذ مدينة الرقة لتكون مقرًا جديدا للإدارة، واهتم هارون بالجيش حتى فاق أباه المهدي وجدَّه، كما أقام ديوان العرض وألحقه بديوان الحرب وكان الغرض منه استعراض الجند وكفاءاتهم، كما وفر كل صنوف الأسلحة المتاحة في ذلك الوقت للجيش.


  • العصر العباسي الثاني: عصر النفوذ التركي

يُصنِّف المؤرخون العصر العباسي الثاني منذ بداية عام 232 ه‍ لاختلاف معالمه ومظاهره عن العصر العباسي الأول فنجد في العصر العباسي الأول عدة مميزات مثل شخصية الخلفاء القوية، والحنكة والدهاء والسياسة الحكيمة ومركزية الحكم وسيطرة الخلفاء على مقاليد الأمور.


أما في العصر العباسي الثاني فنجد العديد من الدول قد انفصلت عن الدولة العباسية واستقلت استقلالًا جزئيا بسبب كبر مساحة الدولة فقد كانت مترامية الأطراف مما أدى إلى صعوبة إدارة الدولة وحكمها من قبل الخليفة، ونجد أن بذور اللامركزية في الحكم بدأت منذ عهد هارون الرشيد وابنيه الأمين والمأمون حيث قام هارون الرشيد بتقسيم أمور الإدارة بين ابنيه.


فجعل أحدهم يتولى إدارة أمصار المغرب والآخر إدارة المشرق، ومع الوقت انتهج خلفاء بني العباس هذه السياسة فأصبحوا يعتمدون في حكمهم على الأمصار البعيدة على القادة ومع الوقت أهملوا محاسبة القادة، وقام القادة هم الآخرين بتعيين من ينوب عنهم في إدارة هذه البلاد بينما ظلوا هم بجوار الخليفة يدبرون المكائد والمؤامرات منشغلين بحياة البلاط عن إدارة شؤون البلاد.


  • خلافة الواثق بن المعتصم

اختار المؤرخون خلافة الواثق بن المعتصم لتكون فترة انتقالية بين عهد الخلافة الأول وعهد الخلافة الثاني حيث في البداية سيطر الأتراك على مقاليد الحكم مع الاحتفاظ بهيبة الخلافة وكانت الخلافة العباسية لها مكانتها ونفوذها، في حين أن عهد الخلافة الثاني سيطر فيه الأتراك على مقاليد الأمور في الدولة العباسية مع هبوط مكانة الخلافة العباسية، وزوال هيبتها، أدى ذلك على حصولهم على نفوذ كبير في الدولة العباسية.


وانتقلت العاصمة في العصر العباسي الثاني من بغداد الى سامراء.

كان للأتراك دور كبير في حروب الدولة العباسية ضد الإمبراطورية البيزنطية ونفوذ كبير وقوي في الدولة العباسية، ومن ضمن هؤلاء الأتراك الذين لمع اسمهم في بلاط الخليفة  إشناس وإيتاخ والأفشين وغيرهم وقد أصبح منذ عهد الواثق بن المعتصم للأتراك نفوذٌ قوي حيث إنه خلع لقب السلطان على اشناس وأصبح بذلك الخليفة العباسي الأول الذي استخلف سلطانًا.


في عهد الدولة العباسية نما نفوذ الأتراك واشتد حتى وصل إلى أنهم قاموا بتعيين جعفر بن المعتصم خلفًا للخليفة في الحكم وتلقب بالمتوكل، وعندما لاحظ المتوكل استفحال نفوذ الأتراك وعدم احترامهم لشخص الخليفة قرر التخلص منهم كما قام بتوزيع الدولة العباسية بين أبنائه الثلاثة حتى يمنع الأتراك من تعيين خليفة آخر من بعده.


لكن تآمَر الأتراك عليه مع ابنه المنتصر الذي كان ناقمًا على أبيه وقتلوه، وبعد قتل المتوكل قام رجالات الدولة من الأتراك بتولية المنتصر الحكم وقاموا بالضغط على أخويه حتى خلعهما من الخلافة،

وعندما أدرك المنتصر خطورة استفحال النفوذ التركي الشديد في شؤون البلاد والخلافة قرر التخلص منهم لكن قبل ذلك كانوا قد تآمروا عليه وقاموا بتسميمه بمشرط أثناء قيام الطبيب بحجامته.


وظل الأتراك على هذه الحال كلما شعروا بالخوف من أحد الخلفاء إما أن يقتلوه أو يجبرونه على خلع نفسه وتعيين آخر غيره.


  • العصر العباسي الثالث: عصر النفوذ البويهي

في هذه الفترة أُسست الدولة البويهية حيث قام بنو بويه بتأسيس دول انفصالية في عدة مناطق، منها كرمان وفارس والأهواز والعراق، وهذه الأخيرة سيطروا عليها بشكل كامل، وأصل البويهيون من بلاد الديلم وليس بلاد فارس، كانوا يسكنون جنوبَ بحر قزوين ونسبت الدولة البويهية إلى الأخ الأكبر من الإخوة البويهيين على ابن شجاع بن بويه. 


وكان هذا الأخير يتوسع في البلاد باسم الخلافة العباسية لكنه كان يضمرُ هدفًا خفيًا وهو إقامة دولة مستقلة خاصة، ولمَّا استيقظت الخلافة العباسية وأرادت السيطرة على البلاد التي تقلدها وأرسلت جيشًا إلى فارس هُزموا بعد وقعة أرجان عام 323 هجرية مما أدى إلى تثبيت علي ابن بويه في المنطقة التي استولى عليها وأقام فيها دولته الخاصة.


واستطاع بعد ذلك السيطرة على بلاد الجبل التي كانت تحت سيطرة وشمكير الزياري أخي مرداويج، وبعد قتل مرداويج سيطر عليها، وقام أخوه حسن بالفرار إلى عراق العجم وسيطر عليها. ثم تطلع علي إلى العراق حيث الخلافة العباسية فقام بالاستيلاء على الأهواز وكرمان، ثم انتظر يترقب الأحداث في العراق حتى يتحرك إليها.


كانت الأمور مضطربة في العراق بشكل كلي، وحدثت نزاعات كبيرة بين ابن رائق والي البصرة من جهة، وأبي عبد الله البريدي والي الأهواز من جهة أخرى، وقام هذا الأخير بالفرار من قوات الخلافة واللجوء إلى علي بن بويه وأطمعه في دخول العراق.


وقد كان الناس في العراق ينتظرون قوة جديدة تنتشلهم من الفوضى وسوء الأحوال التي باتوا فيها بسبب ضعف الخلفاء والأمراء وتحكم الأتراك في مقاليد الأمور وجشعهم وطمَعهم الذي أفقر الدولة.


وقد طلب الخليفة المتِّقي المساعدة من أحمد بن بويه لفض النزاعات الداخلية بين الأمراء  فانتهز أحمد بن بويه الفرصة وسار إلى العراق بعدما خرج منها الأتراك، ووصل إليها عام 334 ه‍ حيث استقبله بالحفاوة والإكرام الخليفة المستكفي وعيَّنه أمير الأمراء ولقبه معزّ الدولة.


سيطر بعدها البويهيون على مقاليد الأمور في الدولة وتحكموا بشكل مطلق في شؤون البلاد ورسَّخوا نظام الحكم الوراثي الذي أدى إلى استقرار سياسي جزئي حتى انتهت دولتهم في عام 447 ه‍.


  • سقوط الدولة العباسية على يد المغول

سقطت الدولة العباسية في عهد الخليفة المستعصم بالله، الذي بويع له بالخلافة بعد وفاة أبيه المستنصر باللهوكانت خلافة أبيه المستنصر بالله شبه مثالية، اهتم فيها بالعمران، والتقرب من الرعية ومجاهدة التتار، كما حرص على التواصل وإقامة علاقات مميزة خارجية مع الدول الأخرى،


وذُكر أنه أراد أن يربي المستعصم بحيث يتحمل أعباء الخلافة لكنه -وحتى وفاته- لم يكن قد عهد إليه بالخلافة، وقد ذكر أن حادث قتل المستنصر كان الغرض منه إقصاء أخيه الخفاجي الذي عُرف بحنكته وقوته ووقع اختيار أرباب الدولة على المستعصم لكونه ليِّن الطباع، لا يعرف للجدية والجلد طريقًا،


أما الخفاجي فربما كان يستبد بإدارة شؤون الدولة دونهم، ولن يأخذ المشورة منهم فأرادوا إقصاءه، وظهر أن رجال الأسرة العباسية نفسها وأخوة المستعصم وعمَّه لم يبايعوا المستعصم بالخلافة في البداية ولعل ذلك بسبب ضعفه، وربما لأنه لم يكن أكبر إخوته.


لكن ما يهمنا أن تولية المستعصم للحكم كانت بداية النهاية للدولة العباسية حيث اتفق قادة الدولة -وهم ثلاثة: الأمير الكبير إقبال الشرابي قائد الجيوش العباسية، والدويدار الصغير مجاهد الدين أيبك وهو من كبار أمراء الجيش العباسي،


وأخيرًا القائم على شؤون الحكم والخلافة مؤيد الدين بن العلقمي وعين بعد ذلك وزيرًا للخليفة- أن يبايعوا المستعصم حتى يتمكنوا من الاستئثار بالسلطة حتى انتهى الأمر بينهم على مؤامرات ونزاعات أوْدت بالخلافة نفسها، أضف إلى ذلك تقلص عدد الجيش العباسي في عهد المستعصم حيث تم إضعاف الجيش ومعدَّاته بشدة، وبعد أن كان الجيش العباسي قويًا باسلًا ينتصر في المعارك ومنها معركة شمال بغداد على التتار سنة 634 ه‍.


إلا أن الأوضاع ساءت بشدة بسبب استراتيجية تقليص عدد الجيش التي اتبعها المستعصم من أجل توفير وتكنيز المال وتجهيز جزء من المال للتتار بدلًا من مجابهتهم وتلك كانت مشُوراتِ ابن العلقمي الذي قربه المستعصم منه بينما الدويدار الصغير مجاهد الدين أيبك كان راغبًا في مجاهدة التتار لكن رفض المستعصم هذا الرأي،


وساء حال الجند إلى أن وصل بهم إلى سؤال الناس. بسبب هذه السياسة المشينة، مع عدم جديته في إدارة شؤون الدولة تجرأ بعض رجالات الدولة عليه ولم يعودوا يتبعوا أوامره، وازدادت الفتن في عهده وتدهورت الأحوال الاقتصادية بسبب انتشار السرقة وتعاون أصحاب الشرطة مع اللصوص.


في ذلك الوقت كان المغول يتجهزون للغزو وأرسلوا حملتين: واحدة إلى الصين وواحدة إلى فارس والعراق، فقد أرسل الخان الأعظم مُنكو إلى أخيه هولاكو بحملة الغرب حيث الخلافة العباسية، ولم يكن هناك ما يقف أمام المغول بعد الاستيلاء على الدولة الخوارزمية والقضاء عليها أي شيء فقد كانت سدًّا منيعًا بينهم وبين التوسعات الإسلامية.


وبقيادة هولاكو استطاع المغول التخلص من الحشاشين والقضاء على الإسماعيلية آخر أعدائهم في بلاد فارس ولم يتبقَّ إلا اجتياح بغداد والعراق وكانوا قد فشلوا أكثر من مرة في إسقاطها أيام المستنصر، لبأسه وبسبب وجود جيش عباسيٍّ قوي لكنهم أملوا أن يحاولوا مرة أخرى.


  • سقوط بغداد في يد المغول

مر سقوط بغداد على يد المغول بمرحلتين: الأولى مكاتَباتٌ تمت بين المستعصم وبين هولاكو لكنها لم تنتج عنها أي نتيجة إيجابية، لأن المستعصم تخاذل عن مساعدة هولاكو في القضاء على الإسماعيلية، مع أن الإسماعيلية عدو مشترك.


وكان هولاكو قد استشاط غضبًا من تخاذل الخليفة المستعصم فقد كان هولاكو ينتظر مساعدته بالمال والرجال، وعندما قرَّر هولاكو اقتحام بغداد بدأ بوضع خطة محكمة مثل تأمين طريق بغداد حتى إذا فشلت الحملة عادَ سالما إلى بلاده، ثم استطلع رأي المنجمين كعادة الملوك في ذلك الوقت.


المرحلة الثانية: الاقتحام العسكري المغولي في بغداد، إذ وضع هولاكو خطة عسكرية محكمة لغزو بغداد. شن هولاكو حملاته على عاصمة الخلافة وحاصرها ثم أقام معسكرًا ناحية الشرق.


حاول المستعصم استِمالة المغول وثَنْيَهم عن متابعة الهجوم فأرسل الهدايا وغيرها إلى هولاكو لكن كان الأوان قد فات، وبعد أن قتل هولاكو حامِيةَ بغداد اضطُرَّ المستعصم إلى الاستسلام.


ودخل المغول المدينة فهدموا مساجدها وسرقوا التحف الموجودة في قصورها وقتلوا أئمة المساجد، وأتلفوا مئات الكتب، وقتلوا العلماء، وتكدست الجثث في الشوارع بسبب وحشيتهم، وانتشر الوباء فحصد عددًا كبيرًا ممن كُتب لهم النجاة من الاجتياح المغولي، وقتل كذلك الخليفة المستعصم، وبعد سقوط بغداد وقتل الخليفة انتهت الدولة العباسية التي دامت لأكثر من خمس قرون.


المصادر

  • العباسية، آخر أيام للعباسيين، الخلافة العباسية منذ سيطرة السلاجقة حتى سقوط بغداد، محمد شعبان أيوب، مؤسسة اقرأ للنشر والتوزيع.
  • العباسيون الأقوياء، رحلة العباسيين منذ بداية الثورة وحتى نهاية عصرهم الذهبي، محمد إلهامي، مؤسسة اقرأ للنشر والتوزيع.
  • تاريخ الدولة العباسية، الدكتور محمد سهيل طقوش، دار النفائس.
  • في قصور الخلفاء العباسيين، (دراسة تاريخية ونفسية للعصر العباسي الأول…) الدكتور أحمد شلبي، مكتبة الأنجلو المصرية.

المصدر

بالعربية

بالعربية: منصة عربية غير حكومية؛ مُتخصصة في الدراسات والأبحاث الأكاديمية في العلوم الإنسانية والاجتماعية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى