إمارة “بنو زيري” الصنهاجية
“الزيريون” أو “بنو زيري”؛ وهم سلالة حاكمة صنهاجية، حكمت في شمال أفريقيا الجزائر وتونس والمغرب وأجزاء ليبيا ما بين 971-1152م، ومناطق من الأندلس.
اتخذ الزيريون عدة عواصم ابتداء من مدينة آشير منذ عام 971 م، ثم القيروان منذ عام 995 م، ثم المهدية منذ عام 1057 م.
ينحدر بنو زيري من المغرب الأوسط وسط الجزائر حاليا وكان كبيرهم «زيري بن مناد» من أتباع الفاطميين منذ 935م. تولى الأخير سنة 971م حكم الإمارة في قلعة آشير (الجزائر).
تمتع ابنه من بعده بلكين بن زيري (971-984 م) باستقلالية أكبر عندما حكم جميع بلاد إفريقية، وتمكن من أن يمد في دولته غربا حتى سبتة، وهاجموا فاس سنة 980م لكنهم لاقوا مقاومة من السكان المحليين من قبيلة زناتة المتحالفين مع خلافة قرطبة.
دخل الزيريون بعدها في صراع مع أبناء عمومتهم الحماديون الذين أسسوا دولة خاصة بهم في المغرب الأوسط.
- تاريخ الزيريين
بعد إنتصار جوهر الصقلي في معركة مصر وفتحه للبلاد، قرر الخليفة الفاطمي المعز لدين الله في أكتوبر 972, الانتقال من المهديّة إلى عاصمته الجديدة القاهرة والاستقرار فيها وذلك لموقع مصر الإستراتيجي بين المغرب والمشرق.
وكذلك لكي يهرب من التمردات المستمرة للقبائل الأمزيغية عليه في إفريقية والمغرب الأوسط، قرر الخليفة في بادئ الأمر تعيين «الأمير أبو أحمد جعفر» على إمارة إفريقية إلا أنه تراجع فيما بعدما طالب هذا الأخير بسلطات واسعة فاستقر رأيه في الأخير على بلكين بن زيري الذي قبل الاقتراح فوراً وأقسم للخليفة بالولاء والوفاء.
- إمارة أفريقية
وقد وقع الاختيار على بلكين بن زيري كأميرٍ على أفريقية لعدّة أسباب منها أنه ابن زيري بن مناد الصنهاجي القائد الأمزيغي الذّي أنقذ الأسرة الفاطمية من الدمار سابقاً، وكذلك لإنتمائه لقبيلة قوية وذات نفوذ قادرة على الدفاع عن المذهب الإسماعيلي في الداخل وكذلك على صد أمويو الأندلس.
و لكي يضمن الخليفة ولاء الأمير بلكين، قرر بتر إمارة إفريقية من عدد من أجزاءها كطرابلس وصقلية ومنطقة القبائل.
وبالتّالي أصبح والي إفريقية محاصرا من كل النواحي من قبل الخليفة الفاطمية كما قام المعز بتهديد بلكين بإطلاق قبائل كتامة عليه إذا فكر في التمرّد أو الإنفصال وهو ما جعل أمير إفريقية مجبورا إذا أراد التوسّع أن يتوسّع غربا، بحكم أنه محاصر شرقا من قبل طرابلس، في اتجاه زناتة حلفاء الأمويين.
- معارك بلكين بن زيري
في جوان 973، إنطلق أمير إفريقية بلكين بن زيري غربا في حملة ضد قبائل زناتة. بدأ أولا بإقتحام المغرب الأوسط (الجزائر حاليا) أين قام السكان بالثورة مباشرة بعدما إنتقل المعز للقاهرة، فكانت مدينة تيارت التي سيطرت عليها قبيلة زناتة أول محطاته.
فقام بمحاصرتها ثم السيطرة عليها بالقوة فقام بذبح رجالها وسبي نسائها وإستعباد أطفالها ثم أشعل فيها النار وأرسل 200 رأس من سكانها إلى الخليفة الفاطمي. بعد تيارت توجه نحو تلمسان التي قامت بالإستسلام دون مقاومة لتسلم من بطش بلكين.
فقام بالعفو عن سكانها لكنها قام بتهجيرهم قسرا نحو آشير عاصمة الزيريين الأولى. بعد تدمير تيارت وإستسلام تلمسان قامت كل مدن المغرب الأوسط بالإستسلام خوفا من بلكين، الذي واصل تقدمه نحو الغرب تحديدا مدينة سجلماسة في المغرب الأقصى.
وقام بهزم كل قادتها المناصرين للأمويين ثم واصل تعقب قبيلة زناتة وصولا إلى مدينة سبتة أين وجد مدينة محصنة جدا وبها جيش قوي مدعم من من قبل الأمويين في الأندلس، فقاتهلهم إلا أنه لم يتمكن من السيطرة على المدينة لإختلال موازين القوى.
في جوان 983 قرر العودة إلى عاصمته آشير بعد تمكنه من إخضاع معظم المغرب تحت سيطرته، لكنه علم أنّ المغرب الأقصى قد عاود التمرد من جديد بعد طرد الوالي الذي عينه هناك من مدينة سجلماسة، فعاود الطريف نحو المدينة المتمردة لكنه مرض في الطريق وتوفي يوم 25 ماي 984.
- إمارة المنصور بن بلكين على إفريقية
في 16 ديسمبر 984, أرسل المنصور، ابن بلكين بن زيري، مليون دينار كهدية للخليفة الفاطمي، وتعد هذه الهدية قربانا للخليفة وكإشارة على خضوعه له، وفي النهاية قرر الخليفة العزيز بالله الفاطمي تولية المنصور الولاية على إفريقية خلفا لأبيه.
لكن في الحقيقة خضوع المنصور للخليفة لم يمكن سوى خضوع نظري، بينما في الحقيقة كان مطلق اليدين، فقد قام بحراسة خزينة الإمارة وبدأء في تسمية وخلع المسؤولين وأمر فقهاء القيروان على تهنئته في آشير قبل حتى وصول وثيقة التكليف من القاهرة.
خضع فقهاء ونبلاء القيروان للحاكم الجديد وتوجهوا إلى عاصمته وقاموا بتهنأته وبتقبيل يده، وقد قام الأمير المنصور بإستقبالهم إستقبال جيد حيث قام بتوزيع الأموال عليهم وشكرهم على تدينهم، ثم إجتمع بهم وأعلمهم أنه على عكس والده وجده فإنه لن يحكم بالسيف والقوة بل من خلال الخير.
بعد هذا اللقاء توجه المنصور نحو القيروان أين أستقبل إستقبالا بهيجة حيث قام بتوزيع الأموال على السكان كام قام بإهداء أبواب حديدية جديدة لمسجد عقبة بن نافع، ولوسيع قاعدة شعبيته قرر إمامة تقريبا كل الصلوات في المسجد كما قام ببناء قصر بهيج بكلفة ثمانمئة ألف دينار في إحدى ضواحي القيروان المسماة بالمنصورية، وبهذا أصبحت القيروان عاصمته الجديد بينما قام بتولية أخيه يتوفات على مدينة آشير.
- إمارة المعز بن باديس بن المنصور على إفريقية
بعد وفاة الأمير باديس بن المنصور تولى ابنه المعز بن باديس الحكم بعد حصوله على يمين الولاء من قبل وجهاء صنهاجة وقضاة القيروان رغم أنّه لم يكن يتجاوز من العمر التسع سنوات. وقد كان المعز معروف بجماله الرجولي إضافة إلى ذكائه.
وقد كان شغوفا بتعلم الموسيقى والآداب والعلوم الدينية والدنيوية وقد إستغل هذه الخاصيات جسدية والفكرية في تنمية شعبيته الي أعادت عليه بهدايا كثيرة وقيّمة، وقد كان المعز إضافة إلى ذلك قائدا عسكريا لامعا حيث إبتدأ فترة حكمه بحملة عسكرية على الحماديون الذّين التجؤوا في عاصمتهم المسماة بقلعة بني حماد.
لكن الأمير المعز لم يقم بمحاصرة المدينة بل إكتفى بإستعادة السيطرة على المغرب الأوسط وبتولية خاله كرامة عليه الذّي لم يم يعمّر طويلا في المنصب حيث توصل المعز وحماد بن بلكين قائد الحمّاديين الذي أرسل أبنه القايد بن حماد إلى المنصوريّة.
وقد قرر المعز تعيين هذا الأخير كواليا على الجزء الشمالي من المغرب الأوسط كبادرة منه على نيّته لإجراء تحالف معهم وقد تم تجديد هذا التحالف مرار وتكرار وتدعيمه بتحالفات زيجية.
في سنة 1022 قام المعز بإعدامه وزيره الأعظم محمد أبو الحسن بسبب نفوذه المتعاظم (و جدير بالذكر أنّ هذا الوزير كان له دور كبير في استمالة المعز للمذهب السني) فقرر أخوه عبد الله حاكم طرابلس تسليم المدينة لقبائل زناتة أعداء الزيريين التاريخيين.
إلا أنهم، وخوفا من هجوم المعز عليهم، عرضوا على الأمير مقترح إستسلام إلا أنه لم يجب على المقترح. ضاعت طرابلس نهائيا من أيادي الزيريين لتصبح تحت حماية الفاطميين، وبعد بضع سنوات شعر الزنتانيون بأن قوتهم أصبحت قوية بما يكفي للسيطرة على إفريقية فقاموا بغزو البلاد.
إلا أنهم هزموا هزيمة نكراء سنة 1036. ولكن عوض الإهتمام بتدعيم إفريقية التّي أصبحت معزولة من كل الجهات، قام بإعداد أسطول بحري لإعادة الإستيلاء على صقلية لكنه فشل.
- توتر العلاقات بين الفاطميين والزيريين
مع إنحصار سلطة الزيريين وتعاظم نفوذ الفقهاء المالكيين قام هؤلاء الأخرين بتحريض السكان المحليين على القيام بمذابح في حق الشيعة في إفريقية سنة 1016 وكادت هذه المذابح أن تفتك بالعلاقة بين القاهرة والمنصورية.
إلا أنّ الأمير المعز بن باديس رفض تحمّل مسؤوليتها فقبل الفاطميون هذا التوضيح واستمرت العلاقة الودية وتبادل الهدايا بين الطرفين لكن هذا الود لن يستمر إلى ما لا نهاية إذ أنه في النهاية حصلت القطيعة.
لقد إختلف المؤرخين في تاريخ حصول القطيعة لكنهم أجمعوا على أنها وقعت بين 1041 و1052, فمنهم ابن عذاري الذّي قال أنه في سنة 1041 أعلن الأمير الإفريقي ولائه للخليفة العباسي بينما تقول روايات أخرى أن هذا الأمر حصل سنة 1044، 1045 و1052.
بحسب ابن خلدون، فقد تسلم خليفة بغداد عبد الله القائم بأمر الله وثيقة إعتراف المعز بخلافته على إفريقية، فقام الخليفة بإرسال وثيقة التكليف بإمارة إفريقية وسائر المغرب إلى المعز وذلك تحت حماية الخليفة العباسي.
بعد قراءة نص التكليف في جامع عقبة بن نافع في القيروان أمر المعز بتغيير كل الأعلام المرفوعة بأعلام سوادء، أعلام الدولة العباسية، وبحرق كل أعلام الفاطميين إضافة إلى هدم دار الإسماعيلية وبالتالي حصلت القطيعة النهائية بين الدولة الفاطمية وإمارة إفريقية بقيادة الزيريين.
- المظاهر الحضارية لدولة بني زيري بالمغرب الأوسط
الناحية الاقتصادية
كانت الزراعة هي دعامة الحياة الاقتصادية في المنطقة، التي تمتعت بالهدوء والاستقرار في ظل الحكم «الزيرى» فيما عدا الفترة التي شهدت هجوم العرب الهلالية على البلاد، وقد ساعد تطور نظام الري على تطور الزراعة،
فعرفت المنطقة زراعة القطن وقصب السكر والشعير وازدهرت زراعة التمر والعنب والموز، ولعبت تربية الأغنام دورًا مهما في حياة الفلاح الزيري.
وقامت الأسواق المنتشرة بالمدن الزيرية بدور مهم في تنشيط الحركة التجارية؛ حيث كانت هناك أسواق: البزازين، والجزارين، والزجاجين، وسوق الدجاج، وسوق الغزل، وغيرها من الأسواق التي ساعدت على ازدهار التجارة، وبخاصة في مدينة القيروان، فأصبحت المغرب الأوسط بلدًا غنيا، وباتت قبلة تجار الشرق والغرب.
ونشطت حركة التصدير والاستيراد بها، واشتهرت مدينة باجة بتصدير كميات كبيرة من القمح، كما صُدِّر زيت الزيتون عن طريق مينائي عنابة، سكيكدة، تيزي وزو إلى بلدان المشرق، وبلاد أوربا، فأدى هذا الازدهار إلى تطور الصناعات، وعرفت المدن المغربية صناعات النسيج والجلود، والأوانى الفخارية، وغيرها من الصناعات المتنوعة.
- الناحية الفكرية
فقد شهدت الناحية الفكرية ازدهارًا كبيرًا وتطورًا ملحوظًا، وبخاصة في المدن التالية: تيفاش، تيارت، تلمسان، آشير، وهران، المدية والمسيلة بجاية، تيهرت والقيروان التي أصبحت في طليعة العواصم الإسلامية ذات الأثر في تاريخ الفكر الإسلامي،
وشهدت مساجد المغرب الأوسط المناظرات الفقهية والكلامية بين الشيعة، والمالكيين من أهل السنة، وصمد علماء المذهب المالكي وفقهاؤه رغم ما لاقوه من سجن وتعذيب على أيدي الشيعة الفاطميين، وتعلق السكان بهذا المذهب، وأصبح مذهبهم الرسمي منذ ذلك الوقت.
- الحركة الأدبية
وتطورت الحركة الأدبية في عهد المعز بن باديس الذي اشتهر بتشجيع أهل الأدب والعلم، وأحسن معاملتهم، مثلما أخبر عنه ياقوت بقوله: «وكانت تلمسان والقيروان في عهده وجهة العلماء والأدباء، يشدون إليها الرحال من كل فجّ، لما يرونه من إقبال المعز على أهل العلم والأدب وعنايته بهم».
ثم كان لاختلاط الهلاليين بسكان المغرب الأوسط أثره الكبير في تعريب جزء من هؤلاء السكان، حيث امتزج المغاربة بالعرب الهلاليين على مر الأيام، وتزاوجا، فاختلطت الدماء، وتعلم سكان البلاد الأصليون لغة الوافدين العرب، فانتشرت اللغة العربية في مناطق كثيرة من المغرب الأوسط، ومن ثم انتشرت الثقافة العربية بهذه البلاد.