الدراسات الأمازيغيةلسانيات

إشكالية الجذر في القاموسية الأمازيغية

- المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية -

يحتلّ مفهوم الجذر الصامتي مكانة هامة في اللسانيات الأمازيغية، حيث اعتُبر مكونا لا محيد عنه في كل تحليل صرفي أو عمل معجمي أو صناعة قاموسية. ويبدو أن الدرس اللساني الأمازيغي قد ورث هذا المفهوم عن اللسانيات السامية، فانتماء هذه اللغة إلى الحقل الحامي السامي أدّى إلى تقارب على مستوى الإشكالات المطروحة، وجعل المستمزغين يوظفون نفس الأدوات اللسانية التي وظفها السامياتيون في التحليل.


فإذا نظرنا إلى القواميس الأمازيغية، مثلا، سنجد أن الكثير منها اعتمد على الجذر الصامتي في تصنيف المادة المعجمية.


2 – تسعى هذه المساهمة إلى الكشف عن طبيعة الجذر في اللغة الأمازيغية من خلال مناقشة بعض المسلمات التي تأسست عليها القاموسية الأمازيغية. ولبلوغ ذلك، قُسِّم المقال إلى جزأين؛ يتتبع الجزء الأول مكانة الجذر في الدرس اللغوي قديما وحديثا، ويتفحص الجزء الثاني المسوِّغات التي اعتمدتها بعض القواميس الأمازيغية في اختيارها الجذر الصامتي أساسا لترتيب المادة المعجمية.


3 – تُعرِّف القواميس العامة للغة الجذر بكوٍنه “أصلَ كل شيء”. ولا تبتعد المعاجم اللسانية المتخصصة كثيرا عن هذه الدلالة حينما تذهب إلى أن هذا المفهوم اللغوي يحيل على ذلك العنصر الأصلي غير القابل للاختزال، والذي تتقاسمه نفس العائلة اللغوية.


وتؤكد هذه المعاجم أن تعريف هذا المفهوم يختلف باختلاف زاوية التحليل وطبيعة اللغة المحللَّة، فالجذر في اللسانيات التاريخية ليس هو الجذر في اللسانيات السانكرونية، ثم إن دلالة هذا المفهوم في اللغات الهندوأوروبية ليست هي نفسها في اللغات السامية الحامية (دوبوا (1991)Dubois ). بعبارة أخرى، إن أهمية هذا المفهوم تختلف باختلاف وجهات النظر.


فــ”اللسانيات السامية المقارنة ترى فيه عنصرا تاريخيا يسهل المقارنة بين اللغات المتقاربة، ومن ثم، إعادة بناء اللغات القديمة. في حين تنظر إليه اللسانيات السانكرونية من زاوية أهميته العملية أو الوظيفية باعتباره غالبا ما اعتُمد دخلا معجميا للقواميس” (بروني (2007:54) Prunet ).


4وتبعا لبوهاس وگيوم (1984)Bohas et Guillaume ، فإن النقاش حول الجذر في اللغات السامية تجاذبه منذ القديم، تياران اثنان؛ دافع التيار الأول عن واقعيته اللسانية، فتعامل معه باعتباره مورفيما يتمتع باستقلالية صرفية تامة، في حين نفى التيار الثاني خاصية الاستقلالية عنه، فذهب إلى أن الجذر لا يعدو أن يكون أداة افتراضية تقديرية يُلجأ إليها في التحليل الصرفي والتصنيف المعجمي.


  • الجذر في الفقه اللغوي السامي

5 – إن الاهتمام بالجذر في اللغات السامية، وعلى رأسها اللغتان العربية والعبرية، وتوظيفه في البحث اللغوي ليس مرتبطا بالدرس اللساني الحديث، بل إن اللجوء إليه يعود إلى فقهاء اللغة أو الفيلولوجيين القدامى الذين اعتمدوه أساسا في بناء قواميسهم، فقد أولى النحاة واللغويون العرب عناية كبيرة لهذا المفهوم منذ القرن الثاني الهجري- الثامن الميلادي،

فذهبوا إلى أن الكلمة العربية نتاج جذر صامتيّ وصيغة، مميزين على أساسه بين الكلمات الجامدة التي لا تضم إلا الحروف الأصول، والكلمات المشتقة التي أضيفت إليها حروف زائدة، ومعتمدين إياه في تصنيف المادة المعجمية للقواميس التي ألفوها. فهذا الخليل بن أحمد الفراهيدي (100-175هـ)، متأثرا، حسب بعض الباحثين بالسنسكريتية،

يعتمد الرؤية الجذرية أداةً تطبيقية لبناء قاموس “العين” الذي افتتح به التأليف المعجمي، والذي أضحت سماته مبادئ التزم بها كثير ممن أتوا من بعده (تهذيب اللغة للأزهري، والبارع للقالي، والجمهرة لابن دريد، والمقاييس لابن فارس، والصحاح للجوهري، ولسان العرب لابن منظور، والقاموس المحيط للفيروزبادي…).


6 – وتجدر الإشارة إلى أن المكانة التي تبوأها الجذر في التصنيف القاموسي عند فقهاء اللغة القدماء لم يحملهم على التسليم بإلزامية اعتماده أساسا في بناء الكلمة، فالاشتقاق عند النحاة العرب، مثلا، لم يربط بين جذر وكلمة أو كلمات، بل إنه وصل كلمة بأخرى (لارشر (1999: 103) Larcher )؛ بتعبير آخر، إن النحاة العرب أخذوا في تحليلهم الصرفي بفكرة الاشتقاق من الكلمة وليس من الجذر.

إذ لا يعدو أن يكون هذا الأخير عندهم أمرا افتراضيا تقديريا، إنه حسب ابن جني في “باب في مراتب الأشياء، وتنزيلها تقديرا وحكما، لا زمانا ووقتا” “موضع كثير الإيهام لأكثر من يسمعه، لا حقيقة تحته”(الخصائص1 : 256).

7ويشير راتكليف (2013)Ratcliffe في هذا الإطار إلى أنه لا يمكن الحسم بشكل دقيق في المرحلة التي انتقلت فيها نظرية الجذر والصيغة إلى “مقاربة أرثودوكسية ” للصرف العربي، غير مستبعد في هذا الشأن دور فقه اللغة العبري المقارن، حيث يسجل أن هذا الأخير، متأثرا بالصناعة القاموسية العربية، تبنّى فرضية الجذر الصامتي الثلاثي أصلا لكل كلمة سطحية قصد الكشف عن اطراد التغيرات الفونولوجية وتجاوز التغيرات الصوتية التي عرفتها العبرية التوراتية والآرامية.


8منذ بدايات القرن العشرين، وتأثرا بنتائج اللسانيات التاريخية الهندوأوروبية، استثمر الباحثون في حقل اللغات السامية مفهوم الجذر الصامتي في دراستهم لهذه اللغات دونما توافق حول طبيعته أو ودوره. ففي الوقت الذي ذهب فيه بروكلمان (1913)Brockelmann إلى أن “الجذر في اللغات السامية لا يلعب إلا دورا تصنيفيا يماثل دور الأبجدية في تنظيم المعجم وأنه تجريد محض”.1 

أولاه البنيويون الساميون، وفي مقدمتهم كانتينو (1950)Cantineau ، وهاريس (1951)Harris ، ومارسيل كوهن (1947)Marcel Cohen ، ودافيد كوهن (1968،1970)David Cohen مكانة مميزة، مدافعين أحيانا عن واقعيته اللسانية، “فنسق الجذور مبدأ من المبدأين اللذين تنظم وفقهما كل مفردات اللغات السامية وتصنف، ليس في معاجمنا وحسب، وإنما واقعيا في اللغة”2.

وهذا ما يفسر سعيَ هؤلاء إلى بناء نظرية للاشتقاق الصرفي في اللغات السامية تتأسس على نسقين فرعيين متقاطعين: نسق الجذور الصامتية من جهة، ونسق الصيغ من جهة أخرى. يمثل الجذر المفهوم المعجمي الذي تتقاسمه جميع المفردات، فهو “العنصر الجوهري المشترك بين مجموعة من الكلمات الشديدة التقارب من حيث المعني”3، بينما تمثل الصيغة الفصيلة التي تنتمي إليها الكلمة، فهي” قوالب صائتية تتحرك بها صوامت الجذر فتصبح فعلا أو اسما أو صفة أو تصير مفردا أو جمعا أو مصغرا أو مكبرا”4.

9ومع بروز الفونولوجيا المستقلة القطع Autosegmental Phonology ، والصرف اللاسلسلي Nonconcatenative Morphology في أواخر سبعينيات القرن الماضي، سيتبوأ الجذر مكانة مورفيم قائم بذاته، إذ ستحلل الكلمة وفق هذا التصور الحديث إلى ثلاث مورفيمات مستقلة، توافقها ثلاثة صفوف؛ صف الصوامت، الذي يوافق مورفيم الجذر ويكون عبارة عن مادة صامتية صِرفة، ثم صف الصوائت،

وأخيرا صف الهيكل العروضي الذي يربط المادة الصامتية بنظيرتها الصائتية وفق مواضعات محددة. وبناء على ذلك، فإن فعلا مبنيا للمجهول من قبيل “كُتِب” سيكون له التمثيل الآتي: (مكارتي (1979،1981)McCarthy):

صف الصوامت

ك

ت

ب

صف الهيكل

س

ص

س

ص

س

صف الصوائت

ــُـــ

ــِـــ

10 – وقد كان لهذا التصور الذي رأى في الجذر الصامتي مورفيما مستقلا صدى واسعٌ في حقل اللسانيات الحامية السامية، ومن ثم وُظِّف، بشكل كبير في تحليل شتى الظواهر الصرفية. إذ غالبا ما اعتمده الباحثون دخلا لاشتقاق مختلف الوحدات اللسانية (مكارتي (1981)McCarthy ، وأنكوجار (1988)Angoujard وبروني وبيلان وإدريسي (2000)Prunet, Béland et Idrissi ، دافيس وزاويدة (2001)Davis and Zawaydeh ، والحروشي وسيجيرال (2010) Lahrouchi et Ségéral ، …).

11 – وسيعرف هذا الوضع تغيرا واضحا منذ تسعينيات القرن الماضي حيث سيشكك بعض الباحثين (بات يل (1994، 2003، 2011، 2017)Bat-El ، وأوسيسكين (1999، 2000)Ussishkin ، وراتكليف (1997، 2013) Ratcliffe، وبنمامون (1999)Benmamoun ، وديل والمدلاوي (1992)Dell and Elmedlaoui ، وبنسكاس (2001)Bensoukas …) في المكانة التي أنيطت بهذا المفهوم والدور الذي يلعبه في الاشتقاق الصرفي، وسيبينون أن هذا الأخير لا يَعتبِر، على وجه الإطلاق،

سوى الجذر والصيغة، بل إن هناك عناصر أخرى تدخل في هذه العملية، يأتي الجذع على رأسها، فالكثير من الكلمات المشتقة لا ترتبط بصيغة محددة بقدر ما تمثل تغييرا للكلمة الدخل، بل إن هناك حالات تلعب فيها اللواصق والصوائت دورا كبيرا في الاشتقاق رغم أنها لا تنتمي إلى المادة المشكلة للجذر.


12 – بناء على ما سبق، يتبين أن معالجة الظواهر الصرفية في اللغات الحامية السامية تتقاسمها مقاربتان اثنتان، تدعى الأولى بالمقاربة الجذرية Root Based Aprroch، وتسمى الثانية بالمقاربة الجذعيةRadical Based Approch . وتقدم كل مقاربة من هاتين المقاربتين حججا متنوعة لدعم أطروحتها. نقف فيما يأتي عند أهمها5.


  1. المقاربة الجذرية

13 – تدافع هذه المقاربة، كما رأينا أعلاه، عن الدور الجوهري الذي يلعبه الجذر الصامتي في الاشتقاق الصرفي للكلمات، وتؤكد على وجوده باعتباره وحدة لسانية في المعجم الذهني للمتكلمين، حيث قدم الباحثون بشأن ذلك براهين مختلفة استقوها من دراستهم لظواهر لسانية متعددة من قبيل لغات اللعب (مكارتي (1981)McCarthy )،

وأسماء التحبب (دافيس وزاويدة (2001)Davis and Zawaydeh )، واللغات الخفية أو السرية (الحروشي وسيجيرال (2010)Lahrouchi et Ségéral )، والاكتساب اللغوي (بودلاع ومارسلن ويلسون (2015)Boudelaa and Marslen-Wilson ) والقرائية (بروني وبيلان وإدريسي (2000)Prunet, Béland et Idrissi )، واستنادا إلى ذلك، خلصوا إلى ما يأتي:

  • تنطبق قيود التأليف على الجذر بغض النظر عن الصوائت واللواصق التي تتصل به؛

  • تشتق أسماء التحبب من الجذر الصامتي فقط دون الصوائت أو اللواصق؛

  • يستطيع المتكلم الممارس للغة سرية عزل واستخراج الصوامت الجذرية من الكلمات المنطلق، ثم يشتق منها الكلمات السرية الهدف بتوظيف آليات صرفية محددة؛

  • يرتكب المصاب بالقرائية أخطاء القلب المكاني على مستوى صوامت الجذر دون صوائته أو اللواصق التي تتصل به.


  1. المقاربة الجذعية

14 – تقلل هذه المقاربة من أهمية الجذر في التحليل الصرفي، بل وتنفيه في بعض الحالات، معتمدة على مجموعة من العوامل تأتي الكفاية الوصفية على رأسها. فحسب راتكليف (2013)Ratcliffe ، تُحلل العديد من الأنسقة الصرفية للعربية المعيارية مثلا (بناء الجمع والتصغير، والزمن والجهة، واشتقاق الأنسقة الفعلية، والتناوب الصائتي…) بطريقة بسيطة اعتمادا على المقاربة التي تربط بين الكلمات أو الجذوع.

في حين أن هذه الظواهر تبدو ضبابية أو جد معقدة في إطار المقاربة الجذعية. وخلص بات يل (2017)Bat-EL إلى هذا الأمر أيضا، فذهب إلى أن دلائل ارتباط الكلمات بعضها ببعض دونما حاجة إلى وساطة الجذر كثيرة يتجلى أهمها في النقل الفونولوجي Phonological Transfer، بشقيه العروضي والقطعي، إذ لا يلعب مفهوم الجذر في العبرية مثلا أي دور في بناء الأفعال المشتقة من الأسماء، حيث تحافظ الأولى على كمية ورتب صوامت الثانية، وهو الأمر الذي لا يمكن للجذور رصدها.


15وفي دراستهما للنقل الكمي Quantitative Transfer في صرف تاشلحيت، يؤكد ديل والمدلاوي (1992)Dell and Elmedlaoui على أن الوحدات التي تملأ الصيغة ليست صوامت مجردة، أي ليست “جذرا”، بل إنها جذوع تضم صوامت وصوائت، وقد تكون هذه الأخيرة من الناحية الصرفية بسيطة أو معقدة.


  • الجذر في القاموسية الأمازيغية

16 – لا شك أن التأليف في القاموسية الأمازيغية قد قطع أشواطا ليست قصيرة امتدت بداياته الأولى من العصر الوسيط الذي عرف حركة دؤوبة في هذا المجال توجت بمجموعة من المعاجم والمسارد العربية – الأمازيغية التي شملت ميادين شتى يأتي الفقه والطب الشعبي على رأسها (معجم ابن تونارت، ومعجم الهلالي، ومعجم المارتيني)،

مرورا بالفترة الاستعمارية التي تميزت بإنتاج غزير كان الهدف منه الإحاطة بلغات الشعوب المستعمرة عامة وبمعاجمها خاصة (فونتور دو بارادي (1844)Venture de Paradis ، وجوردان (1934)Jordan ، وديستان (1938)Destaing ، وإبانييز (1944)Ibanez ، وفوكو (1951)Foucault …)، وانتهاء بالمرحلة الراهنة التي توخى فيها مؤلفو القواميس وصف الثروة المعجمية لمختلف التنوعات اللهجية (دالي (1982)Dallet ، ودولور (1984)Delheure ، وشفيق (1990، 1996، 2000)، والطايفي (1992، 2016)Taifi ، وسغوال (2002)Serhoual ، ورحو (2005)Rahhou ، وأزضوض (2011)Azdoud ، وأوسيكوم (2013)Oussikoum (2013)، واعمر وآخرون (2017) Ameur et al. …).


17 – يُميز في القواميس الحديثة التي اعتمدت الأمازيغية لغة انطلاق، من حيث تصنيفها لمادتها المعجمية، بين نوعين اثنين؛ رُتبت هذه المادة في النوع الأول استنادا إلى الحرف الأول من الجذر، كما هو الحال في قاموس دالي (1982)، وقاموس الطايفي (1991)، وقاموس دولور (1984)، وقاموس سغوال (2002)، وقاموس رحو (2005) وغيرها، بينما صُنفت هذه المادة في النوع الثاني اعتمادا على الحرف الأول من الكلمة أو من الوحدة المعجمية، ويمكن التمثيل له بقاموس أزضوض (2011)، وقاموس أوسيكوم (2013)، وقاموس اعمر وآخرون (2017) وغيرها. يسمى التصنيف الأول بالترتيب الجذري، أو الترتيب الألفبائي للجذور، ويدعى الثاني بالترتيب الألفبائي.


18 – تذهب القواميس التي اعتمدت الجذر في ترتيب مادتها المعجمية إلى أن هذا الاختيار أملته طبيعة اللغة ذاتها، أو بعبارة أدق طبيعة البنى الصرفية للمعجم؛ فتؤكد في مقدماتها التي ترسم الخطوط العريضة لمنهجية بنائها على أن هذا المفهوم هو الخيط الرابط بين مختلف الوحدات اللغوية التي تنتمي إلى نفس الأسرة المعجمية.

ومن ثم، فإن الترتيب الجذري يمكّن القاموس من التأليف بين ما هو مؤلف أصلا في اللغة، عكس الترتيب الألفبائي الذي يؤدي إلى تفسخ البنية المعجمية ويعقد استعمال القاموس. فالجذر، حسب هذه المقدمات، ورغم طبيعته المجردة يمثل واقعا لسانيا يعيه المتكلم ويشعر به فطريا.

19 – وتسلم مقدمات هذه القواميس من جهة أخرى في مناقشتها لطبيعة هذه المادة الجذرية الأصلية بأنها تتكون من صوامت فقط، ذلك لأن البنية الصرفية للغة الأمازيغية تتولد عن الوصل بين جذر صامتي من جهة، وصيغة محددة من جهة أخرى؛ ينتمي الجذر إلى سلسلة مفتوحة قد تطول أو تقصر، ويحمل دلالة دنيا تحيل على فكرة أو مفهوم مجرد، بينما تمثل الصيغة القالب الذي تبني به هذه الجذور مقولتها النحوية، ويعد هذا من الخصائص الأساسية التي تشترك فيها الأمازيغية مع اللغات السامية.

20 – إذ سلمنا بما جاء في مقدمات هذه القواميس، سننتهي إلى الخلاصات الآتية:

  1. تستلزم البنية الصرفية الأمازيغية الترتيب الجذري للمادة المعجمية؛

  2. يعد الجذر في الأمازيغية، وكما هو الشأن في اللغات الحامية السامية بصفة عامة، واقعا لسانيا يعيه المتكلم؛

  3. تتكون الجذور الأمازيغية من مادة صامتية صرفة.

21 – سنحاول فيما تبقى من هذه الفقرة أن نناقش كل مسلمة من هاته المسلمات الثلاث لنكشف حدودها والتحديات التي تواجهها.


  • البنية الصرفية الأمازيغية و الترتيب الجذري للمادة المعجمية

22 – تُطرح أمام هذه المسلمة أسئلة كثيرة أهمها: ما هي الخصائص الصرفية التي تتميز بها وحدات المعجم الأمازيغي؟ وما هي المكانة التي يحظى بها الجذر، وكيف يمكن لها أن تفرض هذا المفهوم وسيلة فضلى في ترتيب المادة المعجمية؟

23 – دأبت الأدبيات اللسانية الأمازيغية، متأثرة بنتائج الدرس اللساني السامي بصفة عامة، على اعتبار الكلمة نتاج عمليات تعاقبية من جهة أولى، وعمليات غير تعاقبية من جهة ثانية؛ يتجلى الجانب التعاقبي في زيادة اللواصق ذات اليمين (سوابق) وذات الشمال (لواحق أو أعجاز)، ويظهر الأسلوب غير التعاقبي في الجذر والصيغة. بعبارة أخرى، إن الكلمة الأمازيغية خلاصة جذع مكون من جذر وصيغة اتصلت بهما لواصق مختلفة باختلاف دلالتها، وهو ما يمكن التعبير عنه بالخطاطة الآتية:

Image 100002010000011C000000B918E7FCB41D1CF99B.png

  • 6 نعتمد في تدويننا للمعطيات الأمازيغية الخط العربي الموسع، ويُقصد به تطويع للخط العربي الأساسي عن طري (…)
  • 7 اعتمد البنط العريض لتدوين المعطيات الأمازيغية التي وردت في متن النص.
  • 8 يحيل “ص” على الصوامت و”ح”على الحركات أو الصوائت.

24 – استنادا إلى التمثيل السابق، سيكون فعلا من قبيل “يسّلماد6: يعلّم” نتاج تأليف بين الجذر الصامتي “لمد: تعلم 7” والصيغة”ص1 ص2ح ص38 الدالة على التمامية من جهة، وبينهما وبين السابقة الاشتقاقية “ســ” التي تدل على الجعلية، والسابقة الصُّرفية “يــ” التي تحيل على المذكر الغائب من جهة أخرى.

يختص الجذر بالدلالة على معنى من المعاني، وهو”التعلم” في المثال السابق، وتظل هذه الدلالة حاضرة في مجموع الوحدات المعجمية التي تتقاسم نفس المادة الأصلية (المـّود، اسلمد، انلماد). بينما تحيل الصيغة على قالب مشكل من مواقع صامتية وأخرى صائتية حيث ركبت المادة الأصلية، وحصلت على تخصيص مقولي يجعلها تنتسب إلى فصيلة نحوية معينة، ويميزها عن باقي المقولات النحوية الأخرى.

25 – أكيد أن العلاقة بين الصورتين “لمد” و”سّلماد“، أو”لمد” و”انلماد” واضحة ولا أحد يستطيع نفي صلة إحداهما بالأخرى، غير أن ذلك لا يعني أن الوسيلة الوحيدة لوصف هذا الترابط هي الاعتماد وجوبا على الجذر والصيغة، بل توجد إمكانات أخرى لذلك دونما حاجة إلى هذين المفهومين، وهو ما رأيناه في الفقرة الأولى من هذا المقال، حيث بينت مقاربة الجذع أو الكلمة أنه يمكن تجاهل هذين الأخيرين في معالجة الكثير من الظواهر اللغوية في اللغات الحامية السامية.

ويُسجل بالنسبة للأمازيغية أن العديد من العمليات الصرفية، سواءً الصُّرفية أو الاشتقاقية، لا تعتمد الجذر أساسا في البناء؛ فإذا نظرنا، على سبيل المثال، إلى معطيات جمع التكسير ألفيناها تدحض فرضية هذا الاشتقاق المباشر من الجذر، إذ لا يوجد في صورة من قبيل “غنم: قصب” ما يستلزم اختيار صيغة الجمع “ص1 و ص2 ا ص3” دون أخرى. بعبارة أدق، إن الخاصية التي تحدد طبيعة الجمع تأتي من صورة المفرد “اغانيم“، وليس من الجذر “غنم“.


26 – ثم إن تتبع الأدبيات الصرفية الأمازيغية بمختلف مشاربها النظرية يبين أن الباحثين أخذوا في تحليلهم الصرفي بفكرة اشتقاق الكلمات من بعضها البعض، ولم يهتموا بها من زاوية انحدارها مباشرة من الجذر، فالقياس أن يربط الفعل “سّوفغ: أخرج” بالفعل “فّغ: خرج”، والفعل “سّيول: تكلم” أو “ساول: تكلم” بالاسم “اوال: كلام”، واسم الحدث “اسوفغ: إخراج” بالفعل “سّوفغ: أخرج”، ونظيره “وفوغ: خروج” بالفعل “فّغ: خرج”، …إلخ. بعبارة أخرى، تقوم العلاقة في هذه المعطيات بين الكلمات، وليس بينها وبين الجذر، ولعل مصطلح “الاسم الفعلي” Verbal Nouns المستعمل بكثرة في الأدبيات اللسانية الأمازيغية حجة على ذلك.

27 – يتبين مما سبق أن البنية الصرفية الأمازيغية لا يمكن اتخاذها دليلا على ضرورة اعتماد الجذر أساسا لترتيب المادة القاموسية. فالعلاقة بين الوحدات المعجمية التي تنتمي إلى نفس الحقل الاشتقاقي لا تقتضي بتاتا وجوب اعتماد هذا المفهوم في عملية التصنيف.


  • الواقعية اللسانية للجذر

28 – أثارت فكرة الواقعية اللسانية للجذر في السنوات الأخيرة نقاشا كبيرا في حقل اللسانيات الحامية السامية بصفة عامة، فبعدما اعتبرت هذه الواقعية لمدة طويلة مسلمة يتأسس عليها التحليل الصرفي ويبنى عليها التصنيف المعجمي، ظهرت أصوات لسانية تشكك في هذا التسليم، وترى في الجذر مفهوما مجردا يمكن اعتماده في بناء هذا التحليل.

وفي هذا الإطار، انتقد لارشر (1999)Larcher في دراسته للجذر في اللغة العربية الخلط الذي وقع فيه الكثير من المستعربين والسامياتيين بصفة عامة حينما جعلوا من عملية ميتالسانية تُحلَّل بموجبها الكلمة إلى جذر وصيغة قدرةً لغوية للمتكلم، فراحوا يتحدثون عن “الوعي” أو “الشعور”بالجذر (فليش (1962)Fleisch ، ولوكونت (1968)Lecomte )، أو عن اللغات الحامية السامية باعتبارها “لغات ذات جذر ظاهر”( كوهن (1939)Marcel Cohen )، أو يعالجون الجذر والصيغة باعتبارهما “نسقين كبيرين متقاطعين يشملان في شبكتهما كتلة المعجم السامي بأكمله”( كانتينو (1950)Cantineau ، كوهن (1964، 1968)David Cohen ).

وخلص الباحث، معتمدا على الحالات الضبابية التي تواجهه يوميا في تجربة اشتغاله على العربية إلى أن “الجذر ظاهر لكل من يُمضي حياته في جعله يبدو كذلك”. بعبارة أخرى، إن الواقعية اللسانية لهذا المفهوم المجرد لا تعدو أن تكون إسقاطا لتحليل الباحث، فالجذر إذا، وكما ذهب إلى ذلك بروكلمان منذ بداية القرن الماضي ( 1908: 286-87) ليس سوى مفهوم افتراضي محض يساهم في التحليل اللغوي.


29 – وفي هذا الإطار دائما، قام بوهاس ورزوق (2002) Bohas et Razouk بدراستين تجريبيتين، شملت الأولى مائة واثنين وثلاثين متكلما للغة العربية، وسعت إلى اختبار قدرتهم على استخراج الجذر والصيغة في كلمات محددة، بينما همت التجربة الثانية عشر متكلمين فقط ورمت إلى ضبط مدى تمكنهم من تحليل الكلمات التي قرؤوها بطلاقة إلى جذر وصيغة، فجاءت النتيجة في كلتي التجربتين مماثلة لما انتهى إليه لارشر أعلاه، إذ لم يتوفق أغلب المشاركين في هذه العملية.

وهو ما قاد الباحثيْن إلى خلاصة مفادها أن النظريات التي تتأسس على فرضية الواقعية اللسانية للجذر لا يمكن لها أن تستقيم مع نتائج مثل هذه التجارب، فالجذر لا يعدو أن يكون “صنيعة النحويين وليس أبدا واقعا لسانيا يعيه متكلمو اللغة”(ص، 28 ).

30 – وإذا كان تحديد الجذر بهذا التردد وهذه الصعوبة في اللغة العربية التي لطالما قُدِّم فيها هذا المفهوم باعتباره “واضحا”و”ظاهرا”، فإن الأمور تزداد تعقيدا في لغة مثل الأمازيغية التي يُقرُّ المشتغلون عليها، منذ البداية، بغياب هذا الوضوح، حيث يكون تحديد الجذور أو استخراجها أحيانا مغامرة تطغى على نتائجها الذاتية والاعتباطية، فهذا دافيد كوهن (1993: 164)Cohen يعترف بغياب تصور واضح لمفهوم الجذر في الأمازيغية، وهو ما كانت له انعكاسات كثيرة على مستوى ترتيب المادة المعجمية في القواميس اللغوية.

ولا يبتعد گالان (2010: 84)Galand كثيرا عن هذا الرأي حينما يشدد على الخطورة التي يتسم بها هذا المفهوم دون أن ينفي أهميته الوظيفية، مبرزا أن الوضع الحالي للهجات الأمازيغية يجعل من الالتباس الجذري أمرا لا مفر منه؛ فواصف اللغة الذي لا يملك أبدا متونا شاملة، قد يكتشف في أية لحظة أن ما اعتبره صامتا جذريا منتميا للمعجم ليس كذلك، بل هو مكوِّن من مكوِّنات الصرف.

31 – وتؤكد مقدمات القواميس التي انطلقت من الجذر لترتيب مادتها المعجمية الوضع غير الواضح لهذا المفهوم، فتقر بصعوبة استخراج الجذور التي ستبني عليها مقالاتها القاموسية، فهذه مقدمة قاموس دالي تشير بعبارة واضحة إلى أنه “لا يمكن استبعاد بعض الاختيارات الاعتباطية والذاتية نظرا لعدم وضوح هذا المفهوم وصعوبة استثماره في الأمازيغية”، مبرزة أن الدراسات القاموسية الأمازيغية التي تبت بصورة مطلقة في هذا المفهوم نادرة جدا، وتتقوى هذه الندرة في حالة الدراسات المقارنة.

ويؤكد دولور (1984)Delheure في مقدمة قاموسه المزابي الفرنسي هذا الوضع أيضا مبرزا “أن الجذوع الصامتية المعتمَدة مداخل معجمية ليست بالضرورة جذورا بالمعنى الحرفي للكلمة، إنها ليست سوى أبنية جُردت من كل صوائتها، الثابتة منها والمتغيرة، ومن كل لاصقة حاملة لدلالة نحوية، علاوة على أداة التعريف العربية”. بعبارة أخرى، إن الجذور لا تعدو أن تكون هياكل افتراضية يستعين بها القاموسي لترتيب مادته المعجمية.

32 – وتتجلى الضبابية التي تطبع مفهوم الجذر في القاموسية الأمازيغية في عدم تقيد هذه الأخيرة بالحدود التي رسمتها له في مقدماتها؛ فتراها تخصص مداخل مستقلة لجذور غير معراة من زوائدها الاشتقاقية، ومن أمثلة ذلك: “سكن: أحنى” (دالي 763)، و”مضن: مرض”(دالي 178)، و”سگنف: استراح” (الطايفي 623)،و”ملسو: لبس”(الطايفي419) و “سندف: أذكى جرحا” (سغوال 343)، و”مروْ: اتسع ” (سغوال 317)…إلخ.

33 – ومن مظاهر هذا الاضطراب أيضا التأرجح في معالجة الوحدات المعجمية المركبة؛ إذ يُسجَّل أن بعض هذه القواميس أوردتها تارة باعتبارها منتمية إلى جذر مركب يُعامَل معاملة الجذور المفردة، فخصصت له، من ثم، مدخلا مستقلا كما في: “فطلبتوفطّلبا: نبات” (الطايفي: 140)، و”فروْشفارثيوشّا: بعد غد” (سغوال 113)، ثم عالجتها تارة أخرى باعتبارها مشكلة من جذرين اثنين فأتت بها تحت أحدهما كما في المثال الأول الذي ورد تحت الجذر “فاف: فاق” (الطايفي: 100)، دون الجذر “طلبطّالب“، أو تحتهما معا كما في “فارثيوشا الذي جاء تحت الجذر “فرفار: بعد”، وتحت الجذر “ثوشثيوشّا: غد”.

34 – ويبدو أن الكلمات المقترضة لم تسلم هي الأخرى من هذه المعالجة المزدوجة، فلام التعريف العربية، على سبيل المثال، ترد حينا مكونا أصليا من مكونات الجذر، فتثبت فيه كما في “تالخوخت: خوخة” و”تالخاتمت: خاتم”، و”تالخيارت: خيارة” التي تأتي تباعا تحت الجذور “لخ” (الطايفي 376)، و”لختم” (الطايفي376)، و”لخير” (الطايفي377)، وتعالج أحيانا أخرى باعتبارها عنصرا خارجيا عن الجذر، فتسقط عنه لترد من ثم تحت “خ” (الطايفي272)، و”ختم” (الطايفي293)، و”خير” (الطايفي 296).

35 – يتبين مما سبق أن مفهوم الجذر في الأمازيغية ليس بذلك الوضوح الذي تقدمه به مقدمات القواميس التي تبنته أداة لتصنيف مادتها المعجمية، وهو ما يضع الواقعية اللسانية التي دافعت عنها هذه المؤلفات على محك المساءلة، إذ كيف يعقل أن يكون الجذر واقعا لسانيا يعيه متكلم اللغة وأن يجد القاموسي ذاته أحيانا صعوبة كبيرة وترددا واضحا في البت في طبيعة بعض مكوناته المعجمية أو الصرفية، فيلجأ من ثم في حالات عديدة إلى وضع علامة استفهام أمامها.

وعليه، نخلص إلى أن هذا المفهوم لا يعدو أن يكون أداة افتراضية قد يلجأ إليها القاموسي في ترتيب المادة المعجمية. ثم إن الكثير من جذور هذه القواميس ليست سوى متوالية من صوامت لاتحمل أية دلالة ما لم تتصل بها الصوائت التي تُصيرّها جذوعا. وهذا ما سنراه في الفقرة الموالية.


36 – تسلم القواميس التي اعتمدت الجذر وسيلة لتصنيف مادتها المعجمية بأن هذا المفهوم يتكون من مادة صامتية صرفة يُحصّل عليها بعد حذف كل صوائت الوحدات المعجمية، إضافة إلى الصوامت الإلصاقية. والسؤال الذي تحاول هذه الفقرة الإجابة عنه هو: هل لا يضم الجذر الأمازيغي فعلا سوى مكونات صامتية، أم أنه يشمل الصوائت أيضا؟

37 – في الواقع، إن طبيعة الجذر من بين القضايا التي استأثرت باهتمام الباحثين في اللسانيات الأمازيغية منذ خطواتها الأولى. إذ يبدو أن انتماء هذه اللغة إلى الحقل الحامي السامي أدى إلى تقارب على مستوى الإشكالات المطروحة في هذه اللغات، وجعل المستمزغين يوظفون نفس الأدوات اللسانية التي وظفها السامياتيون، ويسلمون معهم بخصائصها ذاتها. فطبيعة الجذر الأمازيغي.

وهي ما يهمنا في هذا المستوى من التحليل، لم تخرج حسب هؤلاء عن طبيعته في اللغات السامية، إنه، حسب باصي(1952) Basset مادة صامتية صرفة تحمل دلالة الكلمة، وتكـون ثابتة من حيث طبيعتها، ومن حيث عددها، ومن حيث موقعها، ويوجد تقابل جوهري بين الصائت والصامت؛ فالصائت لا يلعب أي دور على مستوى جذر الكلمة، بينما يلعب الصامت دورا جذريا ودورا صرفيا.

38 – حدد باصي إذا الجذر باعتباره مادة صامتية صِرفة، حاملة للمعنى المعجمي للكلمة، وقصر دور الصوائت على المجال الصرفي فقط. وقد سلم مؤلفو القواميس الأمازيغية، من بعده بالخاصية الصامتية الصرفة لهذا المفهوم، وهو ما كان له بالغ الأثر على مستوى ترتيب المادة المعجمية في هذه المؤلفات، حيث اعتُبر إسقاط الصوائت عن الجذوع معيارا من معايير استخراج الجذر – المدخل،

فلم تثبت في القواميس سوى المادة الصامتية وأقصيت الصوائت مهما اختلفت طبيعتها، وهو ما أدى أحيانا إلى التعسف على اللغة لإجبارها على قبول متواليات من الصوامت الصماء، ولم يشفع لهذه الصوائت ثبوتها في جميع التصاريف والمشتقات، بل إن صوائت الكلمات المقترضة من لغات هندوأوروبية مثل الفرنسية والإسبانية لم تسلم من هذا التحليل. وهو ما يفسر إيراد هذه القواميس لجذور من قبيل “بنبانان: موز”، و” سردنسردين: سردين”، و”ملطماليطا: حقيبة”، إلخ.

39 – وقد تعرض هذا الفصل الحاسم بين دور الصوائت من جهة ودور الصوامت من جهة أخرى لانتقادات متعددة من قبل الباحثين في حقل اللسانيات الأمازيغية بصفة عامة. (انظر جبور (1988) Jebbour، مقتدر (1989) Moktadir، يعزي (1991) Iazzi، وبنسكاس (1994،2001) Bensoukas،…إلخ)، إذ أكد هؤلاء على وجود جذور كثيرة لا تلعب فيها الصوائت أي دور صرفي، بل إنها تشكل جزءاً لا يتجزأ من الجذر؛ وبناء على ذلك، ميزوا بين نوعين من الجذور: النوع الأول صامتي صرف، كما في “لس: لبس”، و “كنف: شوى”، و”درغل: عمي، صار أعمى”، أما النوع الثاني فهو صامتي صائتي، ومن أمثلته “ادف: دخل”، و”مون: صاحب”، و”يغيس: ذكي، صار ذكيا”.

40- لا تحمل الصوائت التي وردت في الأمثلة السابقة، حسب الباحثين أعلاه، أية دلالة صرفية تذكر، بل تعد شأنها شأن الصوامت مكونا أصليا من مكونات الوحدات المعجمية التي لا تستقيم دلالتها إلا بها، ومن ثم فإن نفي الطابع المعجمي عن الفتحة في “ادف” أو الضمة في “مون“، أو الكسرة في “يغيس“لمجرد أنها صوائت غير مبرر لسانيا، ولعل ثبوتها في جميع تصاريف ومشتقات الجذر، كما تببن المعطيات أسفله، حجة على ذلك:

  • 9 آثرنا توظيف مصطلح البسيط تمييزا له عن المجرد.

الفعل البسيط9

الفعل المشتق الجعلي

الفعل المشتق المشارك

الصيغة المجردة:

ادف

سّيدف

مساداف

الصيغة التامة المثبتة:

ودف

سّادف

مساداف

الصيغة التامة المنفية:

وديف

سّيديف

مسيديف

الصيغة غير التامة:

تّادف

سّاداف

تّمساداف

الصيغة المشبهة التامة

يودفن

يسّيدفن

يمسادافن

اسم الحدث:

اداف

اسيــدف-اساداف

مسادف

اسم الفاعل:

اماداف

امسّادف

امساداف

41وإذا نظرنا إلى الفتحة التي تتصدر الاسم سنجد أنها تظل ثابتة أيضا في مختلف التغيرات التي تطرأ عليه:

  • 10 الجمع هنا قياسي فقط.

حالة إرسال

حالة تركيب

الجمع

اداف

واداف

ادافن10

42تضم جميع تصاريف ومشتقات “ادف” الفعلية منها والاسمية الفتحةالصدرية، وتتناوب هذه الأخيرة أحيانا مع الضمة (ادف ودف)، أو مع الكسرة (ادفسّيدف)، ومن ثم، فإن نفي الدلالة المعجمية عن هذا الصائت غير مبرر بتاتا. أما اعتماد القاموسية القائمة على الجذر الصامتي لهذه التناوبات الصائتية سببا كافيا لتجريد الجذوع من صوائتها الأصلية فيبدو غير مقنع تماما. فهذه السيرورة الصرفية ليست دليلا على الطبيعة النحوية للصائت، كما أن التغيرات التي تقع على الصوامت من إبدال وتضعيف ليست حجة على طبيعتها المعجمية.

43وقد انتبه دافيد كوهن (1993: 162) إلى هذا الأمر فقدم تعريفا للجذر لم يستثن منه المكونات الصائتية، إنه “متوالية منظمة من الفونيمات التي تشكل مجموع العناصر المشتركة بين مجموعة اشتقاقية”، مؤكدا أن اعتماد الجذر الصامتي الصائتي له مزايا جمة على مستوى العمل القاموسي، حيث يمكِّن من رفع الالتباس عن عدد كبير من المداخل التي عالجتها هذه القواميس باعتبارها مشتركا لفظيا، فإذا تتبعنا على سبيل المثال جذرا ثنائيا من قبيل “فس” في قاموس الطايفي، سنجد أنه يخصص له سبعة مداخل معجمية، لكن إذا اعتبرنا الصائت سيتلاشى الاشتراك اللفظي قليلا لنصبح أمام جذور من قبيل “افس“، و”فسو“، و”فوس“، و”فاس“، و”فيس“.

44خلاصة القول، إن إسقاط الطابع المعجمي عن صوائت الجذوع غير مبرر لسانيا، والفصل الحاسم بين الصوامت باعتبارها المكونات الوحيدة المؤهلة لحمل دلالة معجمية، والصوائت باعتبارها عناصر حاملة للدلالة الصرفية فقط تدحضه المعطيات اللغوية.

وإذا كان اعتماد الصوائت في الجذوع يعقِّد عمل القاموسي كما أشار إلى ذلك الطايفي (1996) Taïfi فهذا يعني أن الإشكالية تكمن في الطريقة المتبناة في ترتيب المادة المعجمية، وليس في الجذوع ذاتها. بعبارة أخرى، يجب التمييز في الصوائت، كما هو الشأن في الصوامت، بين الأصلية والاشتقاقية، فالفتحة التي تتصدر الفعل “ادف” أعلاه ليست بتاتا مثل تلك جاءت قبل الصامت الأخير في “سّاداف“، فالأولى ذات طبيعة معجمية أصلية في حين أن الثانية صرفية.


  • 45 – خاتمة

إن تبني الجذر وسيلة لتصنيف المادة المعجمية في القواميس الأمازيغية ليست ضرورة حتمية أملتها الطبيعة الصرفية للأمازيغية كما ذهب إلى ذلك الكثير من المعجماتيين الأمازيغيين مدافعين أحيانا حتى عن واقعيته اللسانية.

فهذا المفهوم لا يعدو أن يكون أداة افتراضية ورثته اللسانيات الأمازيغية عن اللسانيات السامية التي علت فيها، في السنوات الأخيرة، أقلام تقلل من دوره في التحليل الصرفي. بعبارة أخرى، إن التصنيف الجذري مجرد اختيار ديداكتيكي من بين اختيارات أخرى له نقط قوته ومكامن ضعفه كما هو الحال بالنسبة للترتيب على أساس الجذع أو الكلمة.

ثم إن اعتماد هذا الجذر في ترتيب المادة القاموسية يستلزم مراجعة بعض المسلمات التي تأسست عليها هذه المؤلفات مثل نفي الطابع المعحمي على الصوائت جملة وتفصيلا، فالكثير مما اُعتُبر جذورا صامتية في هذه القواميس ليس سوى متوالية صماء من صوامت لا تتأتى دلالتها إلا إذا وُصِلت بوصوائتها.


47البيبليوغرافيا

48ابن جني، أبو الفتح عثمان، (2006)، الخصائص، تحقيق محمد على النجار، عالم الكتب للطباعة والنشر والتوزيع.

49السغروشني، إدريس، (1988)، الصيغ في اللغة العربية. وقائع الندوة الدولية الأولى لجمعية اللسانيات بالمغرب. عكاظ، الرباط.


  • بيبليوغرافيا
DOI are automaticaly added to references by Bilbo, OpenEdition’s Bibliographic Annotation Tool.
Users of institutions which have subscribed to one of OpenEdition freemium programs can download references for which Bilbo found a DOI in standard formats using the buttons available on the right.

Basset, A. (2004), La langue berbère, morphologie, le verbe, étude de thèmeL’Harmattan. Paris.
DOI : 10.4324/9781315105376

Bat-El, O. (1994), «Stem Modification and Cluster Transfer in Modern Hebrew ». Natural Language and Linguistic Theory 12 (4), 571-593.

Bat-El, O. (2017), «Word-based Item-and-process (WoBIP): Evidence from Hebrew Morphology». in Claire Bowern, Laurence Horn and Raffaella Zanuttini (eds.), On looking into Words and beyond, Berlin: Language Science Press, p. 115-135.

Bensoukas, K. (2001), Stem Forms in the Non-templatic Morphology of Berber, Doctoratd’Etat thesis, Rabat.

Bohas, G. et Guillaume, J.P. (1984), Etude des théories des grammairiens arabes. Morphologie et phonologie. Vol.I,. Damas.

Bohas, G. et Razouk, E. (2002), « Et portant ils lisent ». Langues et Littératures du Monde Arabe, p.11- 28. halshs-00425246.

Boudelaa, S. and Marslen-Wilson, W. D. (2015). «Structure, form, and meaning in the mental lexicon: Evidence from Arabic». LanguageCognition and Neauroscience 30 (8), 955-992.
DOI : 10.1080/23273798.2015.1048258

Cantineau, J. (1950), «Racines et schèmes», Mélanges William Marçais. Paris: Maisonneuve, p. 119-124.

Cohen, D. (1993), « Racines », in À la croisée des études lybico-berbères. Mélanges offerts à Paulette Galand-Pernet et Lionel Galand, Paris: Geuthner, p. 161-175.

Dallet,J-M. (1982), Dictionnaire kabyle-français : Parler des Aït Mangellat, Algérie, Paris, SELAF.

Delheure, J. (1984), Dictionnaire mozabite-français, Paris, SELAF. al of AfroasiaticLanguage, 3, 89-125.

Dubois, J., et al. (1991), Dictionnaire de la linguistique, Paris, Larousse

Galand, L. (2010), Regards sur le berbère, Milano, Centro Studi Camito-Semitici.

Lahrouchi, M. et Ségéral, Ph. (2010), « La racine consonantique : évidences dans deux langages secrets en berbère tachelhit », Recherches Linguistiques de Vincennes 39, 11-30.
DOI : 10.4000/rlv.1822

Larcher, P. (1999), «Vues nouvelles sur la dérivation lexicale en arabe classique», in Tradition and Innovation. Norm and Deviation in Arabic and Semitic Linguistics, p. 103-123.

McCarthy, J. (1981), A Prosodic Theory of Nonconcatenative Morphology. in Linguistic Inquiry 12, 373-418.

Prunet, J. F. (2007), la racine sémitique dans les sciences cognitives., in La formation des mots dans les langues sémitiques, p. 53-80.

Prunet, J. F., Beland, R., and Idrissi, A. (2000). « The mental representation of Semitic words». Linguistic Inquiry,31, 609648.
DOI : 10.1162/002438900554497

Ratcliffe, R. (2013), «Morphology», in The Oxford Handbook of Arabic Linguistics, Edited by Jonathan Owens, p. 71-93.

Serhoual, M. (2002), Dictionnaire tarifit-français, vol. I, et Essai de lexicologie amazighe, vol. II, Thèse de doctorat d’état, Université Abdelmalk Essaâdi. Tétouan.

Taïfi, M. (1991), Dictionnaire tamazight-français (parlers du Maroc Central), Paris, L’Harmattan-Awal.

Taïfi, M. (1996), Construction des formes de mots et classification des entrées lexicales. in Lexicomatique et dictionnairique, actualité scientifique, AUPELF, UREF, p. 189- 204.

  • حواشي

1 السغروشني (1988)، ص 51 .

2 كانتينو (1950)Cantineau ص.12.

3 المرجع السابق ص 120.

4 السغروشني (198852 )

5 استنادا إلى بات يل 2017 Bat-El يُميَّز اليوم بين ثلاث مقاربات كبرى للصرف: مقاربة الجذر والوحدة والترتيب Root based item-and-arrangement، ثم مقاربة الكلمة والوحدة والترتيب Word based item-and-arrangement، وأخيرا مقاربة الكلمة والوحدة والسيرورة Word based item-and-process.

6 نعتمد في تدويننا للمعطيات الأمازيغية الخط العربي الموسع، ويُقصد به تطويع للخط العربي الأساسي عن طريق توسيع إمكانياته، انظر في هذا الشأن المدلاوي (2001).

7 اعتمد البنط العريض لتدوين المعطيات الأمازيغية التي وردت في متن النص.

8 يحيل “ص” على الصوامت و”ح”على الحركات أو الصوائت.

9 آثرنا توظيف مصطلح البسيط تمييزا له عن المجرد.

10 الجمع هنا قياسي فقط.

أعلى الصفحة

للإحالة المرجعية إلى هذا المقال

مرجع ورقي

Nora Lazrak«إشكالية الجذر في القاموسية الأمازيغية»Asinag, 13 | 2018, XV-XXXII.

بحث إلكتروني

Nora Lazrak«إشكالية الجذر في القاموسية الأمازيغية»Asinag [‏على الإنترنت‎], 13 | 2018, نشر في -الإنترنت 01 avril 2022, تاريخ الاطلاع 08 avril 2023URL: http://journals.openedition.org/asinag/544

بالعربية

بالعربية: منصة عربية غير حكومية؛ مُتخصصة في الدراسات والأبحاث الأكاديمية في العلوم الإنسانية والاجتماعية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى