الدراسات اللغويةعلم الاجتماعلسانياتمصطلحية ومعجمية

‏‏ماهية علم الاجتماع اللغوي – دراسة سوسيو لغوية

تعد اللغة من أسمى مظاهر الحضارة manifestations of civilization ، وحلقة من سلسلة النشاط الإنساني، وتبرز أهميتها فيما تؤديه من دور في حركة الحياة والمجتمع، إذ لا يمكن تصور مجتمع بلا لغة، ولا لغة بلا مجتمع، فلكي توجد اللغة لا بد من مجموعة ناطقة بها، فهي وأيّاً كانت لحظتها فلا توجد خارج الواقعة الاجتماعية، ولا يتحقق وجودها إلا بفضل نوع من التعاقد بين أعضاء المجموعة الواحدة([1])، بدليل أن الإنسان ليس مفصولاً عن العالم الذي يعيش فيه، فالإنسان لغة واللغة من كيان الإنسان، فلا إنسانية بدون لغة([2]).


ولا شك في أن العلاقات بين الظواهر الاجتماعية والظواهر اللغويةlinguistic phenomena ، وتأثر اللغة بالعادات والتقاليد والنظام الاجتماعي في زمان ومكان معينين قائمة منذ أن وجدت اللغة ووجدت الحياة الاجتماعية، فجوهر الإنسان إنما يكمنُ في لغته وحساسيته وحياته الاجتماعية([3]). فاللغة بهذا المعنى كائن حي، لأنها تحيا على ألسنة المتكلمين بها، وهم من الأحياء، وهي لذلك تتطور وتتغير بفعل الزمن كما يتطور الكائن الحي ويتغير،

وهي تخضع لما يخضع له الكائن الحي في نشأته ونموه تطوره، وهي ظاهرة اجتماعية، تحيا في أحضان المجتمع، وتستمد كيانها منه، ومن عاداته وتقاليده وسلوك أفراده، كما أنها تتطور بتطور هذا المجتمع، فترقى برقيه وتنحط بانحطاطه.


 والنظر في هذه العلاقات قديمٌ لا ريب فيه، غير أنه لم يدرس كما يجب أن يكون كماً ونوعاً وتنظيراً ومنهجاً، إلا في عصرنا الحالي في ظل فرع جديد من فروع علم الاجتماع العام ألا وهو ” علم الاجتماع اللغوي Linguistic Sociology الذي يعالج الظاهرة اللغوية بطريقة تكشف عن العلاقات التي تربطها بمختلف الظواهر الاجتماعية([4]).


وعلى العموم تتصف الظواهر الاجتماعية التي تشكل الموضوع الرئيسي لدراسة علم الاجتماع بعدد من الخصائص والسمات، تتمثل في نظم عامة يشترك في اتباعها أفراد مجتمع ما، ويتخذونها أساساً لتنظيم حياتهم الجمعية، وتنسيق العلاقات التي تربط بعضهم ببعض وبغيرهم من الجماعات. كما تتصف بأنها ليست من صنع الأفراد، وإنما تخلقها طبيعة الاجتماع البشري، وتنبعث من تلقاء نفسها عن حياة الجماعات ومقتضيات العمران البشري.

وهذا ما يعنيه علماء الاجتماع بأنها من نتاج العقل الجمعي. وأن خروج الفرد على أي نظام منها يلقي من المجتمع مقاومة تأخذه بعقاب مادي أو أدنى، أو تلغى عمله وتعتبره كأنه لك يكن، أو تحول بينه وبين ما يبتغيه من وراء مخالفته وتجعل أعماله ضرياً من ضروب العبث العقيم، أو تسلط عليه أكثر من جزاء واحد من هذه الجزاءات([5]).


ومجموع هذه الخواص تتوافر في اللغة على أكمل ما يكون وفي هذا الصدد يقول أ. سوميرفلت ASomerfelt: ” إن اللغة ظاهرة اجتماعية والتغيرات التي تعرفها هي أيضاً ذات طابع اجتماعي”([6])، فاللغة في أي مجتمع نظام عام يشترك الأفراد في اتباعه، ويتخذونه أساساً للتعبير عما يجول بخواطرهم، وفي تفاهمهم بعضهم مع بعض.

واللغة ليست من الأمور التي يصنعها فرد معين أو أفراد معينون، وإنما تخلقها طبيعة الاجتماع وتنبعث عن الحياة الجمعية، وما تقتضيه هذه الحياة من تعبير عن الخواطر، وتبادل الأفكار. وكل فرد منا ينشأ فيجد بين يديه نظاماً لغوياً يسير عليه مجتمعه، فيتلقاه عنه بطريق التعلم والمحاكاة، كما يتلقى عنه سائر النظم الاجتماعية الأخرى، ويصب أصواته في قوالبه، ويحتذيه في تفاهمه وتعبيره([7]).


واللغة – ولكونها نظاماً من النوافل ذات المعنى تستلزم اثنين فأكثر حتى عندما تتكلم إلى نفسك فأنت تجرد من شخصك فرداً متكلماً وآخر سامعاً- تعتمد على الاصطلاح والاتفاق الجماعي السابق، بين أعضاء الجماعة اللغوية، على المعنى أو المعاني المعينة التي تستدعيها أصوات خاصة([8])، وهي أيضاً من الأمور التي يرى كل فرد نفسه مضطراً إلى الخضوع لما ترسمه. وكل خروج على نظامها، ولو كان عن خطأً أو جهلاً، يلقى من المجتمع مقاومة تكفل رد الأمور إلى نصابها الصحيح، وتأخذ المخالف ببعض أنواع الجزاء.


فإذا أخطأ فرد في نطق كلمة ما، أو استخدامها في غير مدلولها، أو خرج في تركيب عبارته عن القواعد التي ترسمها لغته، كان حديثه موضع سخرية وازدراء من جانب مستمعيه، فوصفوه بالغفلة والجهل، وقد يحول ذلك دون فهمهم لما يريد التعبير عنه.

وليس هذا مقصوراً على الخطأ الذي يمكن للناطق إصلاحه، بل إن الخطأ الذي لا يمكنه إصلاحه، لنشأته مثلاً عن خلل طبيعي في أعضاء النطق، قد يثير هو نفسه لدى السامعين بعض ما يثيره من الأخطاء، ويجر على صاحبه بعض الآلام والمتاعب في تعبيره وتفاهمه.


وإذا حاول فرد أن يخرج كل الخروج على النظام اللغوي، بأن يخترع لنفسه لغة يتفاهم بها، فإن عمله هذا يصبح ضرباً من ضروب العبث العقيم، إذ لن يجد من يفهم حديثه، ولن يستطيع إلى نشر مخترعه هذا سبيلاً([9]).

كما أن اللغة التي لا تفهمها لا تزال لغة في الواقع، ولكن من وجهة النظر الذاتية ولأسباب عملية لا تعتبر لغة وإنما مجموعة من الأصوات العشوائية. فقط حينما يوجد اتفاق على هذه اللغة كعملة مشتركة قابلة للتداول بين اثنين على الأقل تصبح لغة بالمعنى الذاتي والنفعي كلمة لغة([10]).

أي أن اللغة ترتبط بالواقع بفضل المعنى، لكن المعنى هو خاصية تحول المنطوقات المجردة إلى أفعال تمريرية. والأفعال التمريرية ذات معنى بدلالة خاصة جداً للكلمة أي أنها أفعال قصدية ذات غاية في جوهرها وهذا ما يُمكن اللغة من الارتباط بالواقع الاجتماعي([11]).    


وتعتبر اللغة بناءً على ما سبق، ظاهرة اجتماعية Social phenomenon اقتضتها حياة البشر، وقد منح الله تعالى الإنسان قوة العقل والاستعداد للتفاهم والكلام. واللغة أهم مظهر لوجود الجماعة والمحافظة على كيانها وهي عنصر ضروري لبقاء وتماسك وحدات المجتمع. ” فاللغة مسألة تتعلق بالتقاليد أو بعبارة أصح هي عقد اجتماعي”([12])، ” إذن هي ظاهرة اجتماعية وهي بوصفها هذا تؤلف موضوعاً من موضوعات علم الاجتماع”([13]).

فاللغة شأنها شأن النظم الاجتماعية الأخرى ترتبط ارتباطاً وثيقاً بما عداها من ظواهر العمران البشري، وأن أهم العوامل التي تؤثر فيها ترجع إلى هذه الظاهرات. كما تتأثر اللغة في بعض نواحيها بظواهر غير اجتماعية كالظواهر الفيزيولوجية والنفسية والجغرافية، وإن كان أثر هذه الظواهر ليس شيئاً مذكوراً بجانب أثر الظواهر الاجتماعية الخالصة([14])


  وعليه فإن العلاقة القائمة بين اللغة والمجتمع علاقة جدلية([15])، فالبحث في الظاهرة اللغوية بوصفها ظاهرة اجتماعية، يحيلنا مباشرةً إلى علاقة الإنسان “الفاعل الاجتماعي social actor ” بالظاهرة اللغوية، وإلى إثارة العديد من التساؤلات حول استمرارية وديمومة علاقة الإنسان باللغة وعلاقة اللغة بالمجتمع وإلى أثر السياق الاجتماعي وتفاعلاته على اللغة من خلال علم الاجتماع اللغوي. لكن السؤال الذي يطرح نفسه علينا ما هو موضوع علم الاجتماع اللغوي؟


في حقيقة الأمر، أبصر علم الاجتماع اللغوي Sociology of Language النور كفرع من فروع علم الاجتماع العام في نهاية الستينيات أوائل السبعينيات من القرن العشرين المنصرم، ” بحيث أخذت الهوة ما بين علم الاجتماع وعلم اللغة تضيق إلى حد بعيد. فأصبح اللغويون يهتمون بالتكيف الاجتماعي للظواهر اللغوية، كما أصبح بعض علماء الاجتماع أكثر إدراكاً للطبيعة الاجتماعية للغة. ومن ثم فقد ظهر علم الاجتماع اللغوي ليؤكد هذا التقارب المتبادل”([16]).

ويطمح هذا العلم إلى اكتشاف الأسس والمعايير الاجتماعية التي تحكم السلوك اللغوي مستهدفين إعادة التفكير في المقولات والفروق التي تحكم قواعد العمل اللغوي، ومن ثم توضيح موقع اللغة في الحياة الاجتماعية([17]). إلا أن هذا التخصص بكل تأكيد مازال حديث العهد للبحث نوعاً ما، إذا ما قُرِنَ بعلم اللغة الاجتماعي، اللسانيات الاجتماعية، ودراسة اللهجات، والدراسات التي تتناول العلاقات بين معاني الكلمات والثقافات المختلفة([18]).


ويرجع عدم اهتمام علماء الاجتماع بدراسة الظاهرة اللغوية كظاهرة اجتماعية The linguistic phenomenon as a social phenomenon – على الرغم من الدور الجوهري الذي تلعبه اللغة في المجتمع – بسبب النظر إليها بوصفها متطلباً لكل جماعة إنسانية، وبالتالي فقد اعتقدوا أنها غير ذات أهمية في تغيير السلوك الاجتماعي ولهذا فقد أهملوا دراستها([19]).


إلا أن إهمال دراسة اللغة من قِبَل العلوم الاجتماعية لا ينبغي أن يؤخذ بمعناه الحرفي، فقد كان تحليل الدور الاجتماعي للغة، محل اهتمام الانثروبولوجيين منذ أمد طويل، حيث عالجوا السلوك اللغوي للشعوب التي كانوا يدرسونها باعتبار أن المادة اللغوية وسيلة للاستدلال على قضايا انثروبولوجية أكبر مثل: اللغة والثقافة، وتأثير الكلام على التنشئة الاجتماعية والعلاقات الشخصية، وتفاعل الجماعات اللغوية والاجتماعية([20]). بمعنى آخر وسيلة نقل الثقافة التي تعتبر من وجهة نظر علم الإنسان مجموعة تقاليد الشعوب وأوجه استعمالاته للغته([21])


أما عن التطورات اللاحقة التي شهدها هذا المجال فقد أدت إلى ظهور مجالات عملية رئيسية تنضوي تحت عنوان سوسيولوجية اللغة وأول هذا المجالات ” اللسانيات الاجتماعية الوصفية “. ويمثل هذا العلم ما يمكن أن نسميه مرحلة جمع المادة، فيما يتعلق بالنماذج الموجودة فعلاً في التنظيم الاجتماعي للاستعمال اللغوي، وكذلك نماذج السلوك المتبع تجاه هذا الاستعمال.

ويطلق اللسانيون الاجتماعيون على مجموع الاستعمالات اللغوية لدى مجتمع معين، أو لدى جماعة معينة مصطلح ” الحصيلة اللغوية linguistic score*، ولكي يتم التعرف على هذه الحصيلة اللغوية فإن مهمة اللسان الاجتماعي هي استقراء المتغيرات اللغوية الموجودة في مجتمع ما، وتحديد المواقف التي يُستعمل فيها كل متغير من هذه المتغيرات ومتى يتحول فيها كل متغير منها، ومتى يتحول أعضاء هذا المجتمع من متغير إلى آخر حسبما يقتضيه سياق الموقف الاجتماعي([22]).


أما عن المجال الثاني من مجالات السوسيولوجيا اللغوية فهو اللسانيات الاجتماعية الحراكية (الديناميكية) التي تبحث في أسس تغير الذخيرة اللغوية التي تنقسم بدورها إلى نموذجين: أولهما الذخيرة اللغوية المتغيرة أو المتحركة ويعد المهاجرون إلى بلد ما نموذجاً واضحاً للتحول عن ذخيرتهم اللغوية السابقة إلى اكتساب لغة البلد المُهاجر إليها واستعمالها في كل مجالات العمل والحياة العامة.

ويرجع ذلك إلى العامل الاجتماعي المتمثل في أن استعمال هذه اللغة هو المدخل الضروري للنشاط الاقتصادي، ولاحتلال مكانة مرموقة في الحياة الثقافية للبلد المُهاجر إليه. أما النموذج الثاني فهو الذخيرة اللغوية الثابتة، حيث تتمثل في بلد يتميز بالتعدد اللغوي مثل كندا، فنجد أن سكان مقاطعة كوبيك الكندية ظلوا يتحدثون الفرنسية محافظين عليها على الرغم من ضغط بقية المجتمع الكندي الإنكليزي عليهم.

كما تطور هذا المجال إلى اللسانيات الاجتماعية التطبيقية ليجمع بين موضوعات علم الاجتماع التطبيقي وموضوعات اللسانيات التطبيقية ومن أهم مجالاته نشر معرفة القراءة والكتابة وإيجاد الدوافع والحوافز والتخطيط اللغوي([23]).


بذلك تم تهيأت الأرضية المعرفية لعلم الاجتماع اللغوي للتعبير عن قدرته السوسيولوجية على كشف التداخل بين طبيعة اللغة المجتمع والعلاقة الجدلية القائمة بينهما، فأصبح هدفه تحديد قيمة الذخيرة اللغوية الكلية لمجتمع ما بالنسبة للتفاعل بين الشبكات الاجتماعية الصغرى داخل هذا المجتمع، وذلك لأن هذه الذخيرة اللغوية الكلية لأي مجتمع من المجتمعات ربما تكون أكثر شمولاً من الذخيرة اللغوية التي تمتلكها الجماعات الفرعية داخل هذا المجتمع([24]).


كما يهدف إلى تتبع تأثيرات التنوعات اللغوية فيما بينها، وإلى كشف القواعد والأنماط المجتمعية التي تفسر وتقيد السلوك اللغوي والسلوك المتبع تجاه اللغة ما لأنها تشكل سجلاً حافلاً بكل جوانب الحياة الاجتماعية وخصائصها. وعليه فإن مهمة السوسيولوجي دراسة اللغة في ضوء وجودها الاجتماعي، أي من خلال علاقتها بالظواهر الاجتماعية الأخرى، في سبيل الكشف عن وظيفتها الاجتماعية.

فعندما ندرس نصاً كلامياً للوقوف على معناه، فإن دراسته صوتياً وصرفياً ونحوياً ودلالياً، لا تكفي للوقوف على هذا المعنى، وإنما يجب الوقوف على خصائص المشتركين في الموقف الكلامي المتعلقة بأشخاصهم وعلاقاتهم، وأثر النص فيهم. والدليل على ذلك أن التغير الاجتماعي يتبعه تغير في شيء من اللغة المستعملة، فهي مرآة له كما هي مرآة للتفاوت بين الطبقات الاجتماعية([25]).


يُعنى علم الاجتماع اللغوي بدراسة واستكشاف علاقة المجتمع باللغة بهدف دراسة التداخل القائم بين التنوعات اللغوية المختلفة وبين بنية مختلف الفئات الاجتماعية، أي دراسة اللغة في سياقها الاجتماعي ودراسة الحياة الاجتماعية من خلال اللغة([26]).

فهذه العلاقة تملي علينا تحديد نوع الدراسة التي ينتجها علم الاجتماع اللغوي كما ذكرنا أعلاه. وهذا السياق يُعرف برنارد صبولسكي Bernard Spolsky علم الاجتماع اللغوي على ” أنه المجال الذي يدرس العلاقة بين المجتمع واللغة، وبين الاستعمالات المتنوعة للغة والبنى الاجتماعية التي يعيش فيها متحدثو هذه اللغة “.

وهو بهذا التعريف يركز على العلاقة التي تربط اللغة بالمجتمع والعلاقة التي تربط بين مختلف الاستخدامات اللغوية وبين مختلف الطبقات الاجتماعية المتدرجة ضمن المجموعة اللغوية. وهو إقرار بوجود تباينات وسلوكيات ثقافية واجتماعية ولغوية مختلفة توثر وتتأثر ضمن المجموعة. ويوضح صبولسكي بأن الغاية من الاستخدامات اللغوية هي تحقيق فعل التواصل والترابط بين أفراد هذه المجموعة([27]).

وهذا يؤكد على تجاوز الأحكام اللغوية الخالصة التي تشكل المحور الرئيسي للدراسات اللغوية الوصفية والنظرية لدراسة أثر السياق الاجتماعي في التعامل مع النصوص الحقيقية التي تشكل عملية التواصل الإنساني والمواقف الاجتماعية التي تستخدم فيها([28]).


أما جون لويس كالفي John Louis Calvi، فيعرف علم الاجتماع اللغوي بأنه دراسة اللغة في سياقها الاجتماعي ويقول: لا مجال للمقارنة بين اللسانيات العامة التي تدرس اللغات وبين علم الاجتماع اللغوي الذي يولي اهتماماً بالغاً للجانب الاجتماعي لهاته اللغات. بعبارة أخرى إن علم الاجتماع اللغوي هو اللسانيات بعينها.

فمن هذا التعريف يمكن تحديد غاية علم الاجتماع اللغوي في دراسة اللغة وفي اكتشاف كيف يمكن للعوامل الاجتماعية والحياة ضمن المجوعة اللغوية أن تحدد جملة التباينات ضمن اللغة كنظام قائم بذاته وضمن جانبها الاستعمالي من قبل المتكلمين بحسب تباين منابع ثقافاتهم وبحسب مستوياتهم الاقتصادية والاجتماعية([29]).


 كما يعرفه جوشوا فيشمان بأنه ذلك العلم الذي يسعى إلى لتحديد من يتكلم، ولتحديد أي نوعية من أي لغة، ومتى وحول أي موضوع، ومع أي المتكلمين؟ وفي حقيقة الأمر نجد أن هذا التعريف يتصف بدقته وتركيزه على قضايا مثل مميزات المنوعات اللغوية ضمن المجموعة اللغوية، والأمر الذي يساهم في تحديد وتعيين مجموعة التنوعات الاجتماعية والثقافية التي تمخضت عنها تلك المميزات والسمات اللغوية([30]).

 ويذهب هودسون بأن علم الاجتماع اللغوي هو دراسة المجتمع في علاقته باللغة برمتها وهو ما يعد مجالاً هاماً للدراسة من منظور علم الاجتماع لأنه يثير قضايا مثل أثر تعدد اللغات على النمو الاقتصادي، وما يمكن أن تتبناه الحكومات من سياسات لغوية([31]).


وفي النهاية هنالك إجماع بين اللغويين والاجتماعيين على وسم هذا الفرع بـ العلم، والعلم بحث موضوعه دراسة طائفة معينة من الظواهر لبيان حقيقتها وعناصرها ونشأتها وتطورها ووظائفها التي تربطها بعضها ببعض والتي تربطها بغيرها، وكشف القوانين التي تخضع لها في مختلف نواحيها([32]).

وخلاصة القول يمكن لنا تعريف علم الاجتماع اللغوي: هو العلم الذي يحاول الكشف عن العلاقة بين اللغة والحياة الاجتماعية، وبيان أثر تلك الحياة في الظواهر اللغوية المختلفة “([33]). أو ” هو فرع من فروع علم الاجتماع العام الذي يهتم بدراسة أثر المجتمع ونظمه على الظواهر اللغوية المختلفة باعتبارها نتاج العلاقات الاجتماعية.

كما يسعى إلى توضيح أثر التفاوت الطبقي على البنية اللغوية وتباينها لدى فئات اجتماعية معينة، بالاعتماد على الأسس النظرية والمنهجية لعلم الاجتماع العام “. وهو أيضاً هو التخصص (علم الاجتماع اللغوي) الذي يختبر التفاعل بين مظهرين من مظاهر السلوك الإنساني هما: استعمال اللغة والتركيب الاجتماعي للسلوك اللغوي، بحيث لا يقتصر ذلك الترتيب على استعمال اللغة في حد ذاته، ولكن يشمل أيضاً المواقف تجاه اللغة، والسلوكيات الصريحة تجاه اللغة وتجاه الناطقين بها([34]).


([1]) أليس كوراني: اللغة والمجتمع عند العرب ( الجاحظ نموذجاً )، مجد المؤسسة الجامعية للدراسات والنشر والتوزيع، بيروت، ط1، 2013،       ص(7-8). 

 ([2]) هادي النهر: علم اللغة الاجتماعي عند العرب، الجامعة المستنصرية، بغداد، ط1، 1988، ص(18- 19).

 ([3]) المرجع السابق نفسه، ص(9).

([4]) علي عبد الواحد وافي: علم اللغة، نهضة مصر للطباعة والنشر والتوزيع، القاهرة، ط9، 2004، ص(13). 

 ([5]) علي عبد الواحد وافي: اللغة والمجتمع، مكتبات عكاظ للنشر والتوزيع، ط4، أبريل 1983، ص(5). 

([6]) هادي النهر: علم اللغة الاجتماعي عند العرب، مرجع سبق ذكره، ص(22).

([7]) علي عبد الواحد وافي: اللغة والمجتمع، مرجع سبق ذكره، ص(6). 

([8]) ماريو باي: أسس علم اللغة، ترجمة وتعليق: أحمد مختار عمر، عالم الكتب، القاهرة، ط8، 1998، ص(40).

([9]) علي عبد الواحد وافي: اللغة والمجتمع، مرجع سبق ذكره، ص(6). 

([10]) ماريو باي: أسس علم اللغة، مرجع سبق ذكره، ص(40).

([11]) جون سيرل: العقل واللغة والمجتمع، ترجمة: سعيد الغانمي، المركز الثقافي العربي – منشورات الاختلاف- الدار العربية للعلوم، المغرب – الجزائر – لبنان، ط1، 2006، ص(203- 205).

([12]) هادي النهر: علم اللغة الاجتماعي عند العرب، مرجع سبق ذكره، ص(78).

([13]) علي عبد الواحد وافي: اللغة والمجتمع، مكتبات عكاظ للنشر والتوزيع، ط4، أبريل 1983، ص(7). 

([14]) المرجع السابق نفسه، ص(7-8). 

([15]) هادي النهر: علم اللغة الاجتماعي عند العرب، مرجع سبق ذكره، ص(23).

([16]) محيى الدين عثمان محسب: علم الاجتماع اللغوي، مجلة الفيصل، دار الفيصل الثقافية، الرياض، العدد: 178، تشرين الأول – تشرين الثاني، 1991، ص(44).

([17]) هادي النهر: علم اللغة الاجتماعي عند العرب، مرجع سبق ذكره، ص(24).

([18]) د. هدسون: علم اللغة الاجتماعي، ترجمة: محمود عياد، مراجعة: نصر حامد أبو زيد – محمد أكرم سعد الدين، عالم الكتب، القاهرة، ط2، 1990، ص(12).

([19]) محيى الدين محسب: اللغة والسياق الاجتماعي، مجلة الخطاب الثقافي، جمعية اللهجات والتراث الشعبي في جامعة الملك سعود، الرياض، العدد الثاني، خريف 2007، ص(238).

([20]) محيى الدين محسب: اللغة والسياق الاجتماعي، مرجع سبق ذكره، ص(238).

([21]) ماريو باي: أسس علم اللغة، مرجع سبق ذكره، ص(40).

* ويصطلح كذلك الثروة اللغوية أو المخزون اللغوي للفرد، التي تعنى عدد الكلمات التي اكتسبها الطفل وتصبح جزء من مدخراته المعرفية يستطيع أن يستخدمها في عملية التواصل مع الآخرين استماعا ومحادثة وتعبيراً عما يدور في عقله من أفكار وما يحسن به من مشاعر. وعلى الأرجح تعني أن الطفل يتخذ من مفردات اللغة وسيلة للتعبير، كما يدور في هذه بصفة خاصة، ووسيلة للتواصل مع الآخرين بصفة عامة.

([22]) المرجع سبق نفسه، ص(238-239)

([23]) المرجع سبق نفسه، ص(239).

([24]) محيى الدين عثمان محسب: علم الاجتماع اللغوي، مرجع سبق ذكره، ص(44).

([25]) وفاء كردمين: اللغة العربية وعلم الاجتماع، مرجع سبق ذكره.

 [26])) Maria Georgieva: Introducing sociolinguistics, University Sofia, 2014, p(4).

([27]) Bernard Spolsk : socioguistics, Oxford University Press, First Published, 1998, p(3(.

([28]) Ibid, p(14).

([29]) عبد القادر سنقادي: نافذة على علم الاجتماع اللغوي، مجلة معارف، المركز الجامعي العقيد اكلي محند أولحاج، البويرة – الجزائر، العدد: السابع، ديسمبر 2009، ص(214).

([30]) المرجع سبق نفسه، ص(214).

([31]) د. هدسون: علم اللغة الاجتماعي، مرجع سبق ذكره ، ص(17-18).

([32]) علي عبد الواحد وافي: علم اللغة، مرجع سبق ذكره،  ص(24). 

([33]) رمضان عبد التواب: المدخل إلى علم اللغة – ومناهج البحث اللغوي، مكتبة الجانجي، القاهرة، ط3، 1997، ص(125).

([34]) روبرت .ل. كوبر: التخطيط اللغوي والتغير الاجتماعي، ترجمة: خليفة أبو بكر الأسود، مجلس القافة العام، طرابلس (ليبيا)، 2006، ص(91).

حسام الدين فياض

الدكتور حسام الدين فياض؛ أستاذ مُساعد في النظرية السوسيولوجية المعاصرة (دكتوراه دولة). باحث وأكاديمي في العلوم الثقافية واللغويات واللسانيات الاجتماعية. له عدد من المؤلفات السوسيولوجية؛ (سلسلة نحو علم اجتماع تنويري)، بالإضافة إلى العديد من الأبحاث العلمية والمقالات الفكرية التي تجمع بين النظرية السوسيولوجية والفكر الاجتماعي والثقافي النقدي المعاصر. ولد في مدينة حلب عام 1980. درس الليسانس في جامعة حلب كلية الآداب والعلوم الإنسانية قسم علم الاجتماع وتخرج منها عام 2004، حصل على دبلوم الدراسات العليا السكانية عام 2005 في كلية الاقتصاد جامعة حلب، ثم حصل على دبلوم الدراسات العليا علم الاجتماع العام عام 2006 في كلية الآداب والعلوم الإنسانية جامعة دمشق. وفي عام 2006 عُيِنَ معيداً متفرغاً في قسم علم الاجتماع كلية الآداب والعلوم الإنسانية جامعة حلب باختصاص (النظريات السوسيولوجية المعاصرة). حصل على درجتي الماجستير والدكتوراه من جامعة عين شمس في جمهورية مصر العربية. ويعمل حالياً في قسم علم الاجتماع - كلية الآداب - جامعة ماردين ارتوقلو – حلب سابقاً.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

الإعلانات هي مصدر التمويل الوحيد للمنصة يرجى تعطيل كابح الإعلانات لمشاهدة المحتوى