الدراسات اللغويةلسانيات النص - تحليل الخطاب

الاستلزام الحواري من أُسُسِ انسجام الخطاب

إنَّ انسِجام خطابٍ ما هو الغاية الرئيسة لإتمام عملية التواصُل اللغوي، والاتِّصالُ ذو طبيعة اجتماعية، ومِن ثَمَّ فهو يخضَع للسَّنن اللغوي الذي فرضتْه الجماعة اللغوية، وهو من ناحية أخرى يتَّصِل بمُنتِجه؛ فهو ذو طبيعة فردية تعتمِد على السنن اللغوي لإبراز رسالة تحقِّق التواصُل اللغوي.


إن تلك الرسالة خاضِعةٌ في المقام الأول لطبيعة التوارُد العلاماتي في بناء النَّص الحامل للخطاب، تلك العلامات التي تنفتِح على عدد من التأويلات يُحدِّدها السِّياق اللغوي والسياق الثقافي للرسالة التي يَستقبِلها المُتلقِّي.


والمُتلقِّي لا شك يمتلِك نفْس السَّنن اللغوي الذي يمتلِكه المرسِل، ولكنه في ثنايا تشفير الرسالة اللغوية مُحوِّلها إلى سَنن في ضوء سِياق لغوي وسياق ثقافي معيَّن – ينفتِح على عدد من التأويلات التي تضمَّنها عملية “الإرجاع التي تكفُلها العوالِم الممكِنة للمحيط المعتقدي للمتلقي – على حد مصطلح إيكو – للعلامات اللُّغوية.


إن التواصل اللغوي يَتمُّ في حدود إدراك المرسِل لواقعةٍ معيَّنة تتضمَّن قيمة لموضوع ما، يحاوِل من خلال التواصُل اللغوي تحقيق اتِّصال أو انفِصال بالموضوع من خلال علاقته بالمتلقي، ذلك المتلقي الذي يتمتَّع بحالةٍ ما من الاتِّصال أو الانفِصال بتلك الواقعة ذات القيمة المتَّصِلة بموضوع ما.


إن عملية التواصل تلك تَتِمُّ في ضوء “التعاون، حُبّ الذات”، يُظهِر المرسِل تعاونًا ما، إما بشكل ظاهري أو بشكل فعلي، ومهما يكن من أمر يَفترِض المتلقي تعاونًا ما لا يتَّصِل بمقول قول المرسِل؛ بل يتَّصِل بما يقصِده المرسِل، وهو ما عرِف بـ “الاستلزام الحواري“.


إن نَصًّا مِثل “الأفاوكاتو وصَل” عن رجلٍ أقصى ما وصَل له هو محصِّل كهرباء، ينفصِل عن الحدود العلاماتية المباشرة لمقول القول، ليتَّصِل بـ “مقصِد المرسِل” والمتلقي؛ لأنه يفطِن للطبيعة التعاونية لعملية التواصل، وفي ضوء سِياق ثقافي للعلامة اللغوية في النصِّ السابق يقوم الاستلزام الحواري بفَكِّ شفرة المرسِل وتأويل مقصِده، ولولا ذلك لفقَد الخطاب انسجامه، وأصبح ضربًا من العَبَث.


إن الاستلزام الحواري لا يُقيم حدودًا فاصلة بين المكوِّنات الدَّلالية والتداولية، وإنما تَتضافَر كلها لتشكيله لفكِّ شفرة الرسالة اللغوية، ففي ضوء “الطبيعة الإنجازية” للخطاب يحدِّد المكوِّن الدَّلالي الإرجاعات المحتمَلة للعلامة اللغوية، بينما يقوم المكوِّن التداولي بإبراز مقصِد المتكلِّم.


أهم المراجع:

1- آفاق جديدة في البحث اللُّغوي المعاصِر، د/ محمود أحمد نحلة.

2- السيميائية وفلسفة اللُّغة، أمبرتو إيكو “مُترجَم“.

3- قضايا اللِّسانيات الوظيفيَّة، د/ أحمد المتوكل.


إعــــداد : أحمد محمد عبد المنعم عطية – باحث في اللغويات – مصــر

بالعربية

بالعربية: منصة عربية غير حكومية؛ مُتخصصة في الدراسات والأبحاث الأكاديمية في العلوم الإنسانية والاجتماعية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى