نظرية التحليل التكويني
ترتبط هذه النظرية في تحليل المعنى بالتصور البنائي للفونيم؛ حيث يشتمل على عددٍ من الملامح الدلالية التي تميز صوتا من صوت آخر في النظام الصوتي للغة معينة، كما ترتبط أيضا بمنهج التحويليين في اهتمامهم بالمعنى ودوره الفعال في التحليل اللغوي .
وهذه النظرية تعد من أحدث الاتجاهات الرئيسية في دراسة المعنى، ويذكر الفرنسي جورج مونان أنها تعود في مهدها إلى اللغوي هيمسلف، حيث تصور أن الوحدات الصغيرة يمكن أن تتفكك إلى وحدات أكثر صغرا.
وقد تبلورت هذه النظرية على يديّ “فودر وكيتس” تلميذي اللغوي تشومسكي، حيث قاما بتحليل معنى الكلمة بطريقة تشبه الطريقة التي قام بها تشومسكي في تحليل الجملة إلى عناصرها اللغوية عن طريق القواعد التحويلية التوليدية، لكنهما انطلقا من المعنى لا من التركيب، وقد أدمجا نظرية السياق ونظرية المجال الدلالي كقوتين متفاعلتين، وقاما بتحليل تكويني لعدد من الكلمات المتشابهة كالكلمات التي تشير إلى القرابة أو إلى الألوان، وذلك من خلال السياقات التي ترد فيها الكلمة ، ويمكن أن نطبق هذه النظرية في التحليل الدلالي على كلمات القرابة للتعرف على المكونات الدلالية التي تحملها كل كلمة منها بالنسبة للمتكلم
ويرى أصحاب هذه النظرية أنه لكي يقوم الباحث بالتحليل التكويني للمعنى فإن عليه أن يتبع الخطوات الآتية :
ـ جمع عدد من الكلمات المتقاربة التي يمكن أن تكون مجالا دلاليا خاصا لاشتراكها في مجموعة من الملامح أو المكونات الدلالية.
ـ اختيار الكلمة المحددة وهي الكلمة الأكثر شمولا وتسمح بتشخيص الكلمات الأخرى في المجموعة.
ـ تحديد المكونات التي تستخدم للتمييز والتفريق بين هذه الألفاظ، ويتم ذلك بالوقوف على أهم ملامح كل منها من خلال استقراء سياقاتها المختلفة.
ـ وضع هذه المكونات في شكل جدول ثم بيان نصيب كل لفظ منها.
وقد اعتبر بعضهم هذه النظرية امتدادا في التحليل لنظرية الحقول الدلالية، ومحاولة لوضع النظرية على طريق أكثر ثباتا، ومع ذلك فمن الممكن قبول نظرية الحقول الدلالية دون التحليل التكويني، وكذلك العكس؛ حيث يمكن لمجموعات صغيرة معينة من الكلمات أن تشكل مجالا دلاليا، وتملك علاقات متنوعة بينها دون أن نسير بالتحليل إلى مرحلة تحديد العناصر التكوينية لكل كلمة، وكذلك من الممكن أن يقوم المرء بتحليل الكلمة إلى عناصرها التكوينية دون الاعتراف بفكرة المجال الدلالي أو بأي دور تلعبه، ويكون ذلك بمحاولة حصر المكونات الدلالية لها، كأن يقال في شرح دلالة لفظ الكرسي ـ مثلا ـ:
الكرسي = جماد + مصنوع من الخشب + ذو أرجل + ذو مسند + مخصص لجلوس شخص،
ويقال في شرح كلمة سيارة: جـر بمحرك + أربع عجلات + لنقل الأشخاص = سيارة.
وهذه المكونات الدلالية يمكن تمييز بعضها عن بعض، ففي تحليل (سيارة) نلحظ أن ارتباط الجر بمحرك عن طريق الدفع يمكن أن يولد عربة لنقل الأثقال، وارتباط أربع عجلات بعجلتين يمكن أن يولد كلمة (ناقلة)، وارتباط نقل أفراد بعلامة نقل بضائع يمكن أن يولد عربة نقل أو عربة وزن ثقيل.
وقد نجحت هذه النظرية في حل مشكلة الترادف في اللغة، وهي تعد نظرية قادرة على إيضاح معاني الكلمات والعلاقات بينها وبيان كيفية تفاعل الكلمة باستعمالها في السياق من ناحية وتحليلها من خلال مجالها الدلالي الذي تنتمي إليه من ناحية أخرى.
شكرا جزيلا على المقال الموجز. لكن لو سمحتم ما المصادر المعتمدة فيه؟