الدراسات اللغوية
لمحة عن الأبجدية السلاڤية
كثيرًا ما تمر بنا أسماء بعض اللغات وغالبًا ما تكون معروفة أو مألوفة لنا ولكن لغات كاللغات السلاڤية ربما تكون غامضة بعض الشيء.
اللغات السلاڤية من شجرة اللغات الهندوأوروبية ويتفرع منها عدد لا بأس به من اللغات؛ فهناك لغات سلاڤية غربية (التشيكية، والسلوڤاكية، والبولندية …)، ولغات سلاڤية شرقية (البيلاروسية، والأوكرانية، والروسية…)، وأخيرًا لغات سلاڤية جنوبية (السلوڤينية، والصربية، والكرواتية …).
وتاريخ هذه الأبجديات السلاڤية يرجع إلى القرن التاسع الميلادي والبداية مرتبطة تحديدًا بالأخوين قنسطنطين وميتوديّ.
هناك جدل حول أصل قنسطنطين وميتوديّ، هل هما ينحدران من اليونان؟ أم هما من أصل سلاڤي؟ وإن كانت غالبية المصادر التاريخية ترجح أصلهما اليوناني. لا توجد معلومات مؤكدة عن حياتهما قبل قدومهما إلى بوهيميا.
الأخ الأكبر، ميتوديّ Methodios (توفي عام 885م)، درس القانون مما سهل له عمله في خدمة الدولة، ولمدة عشر سنوات حكم إقليم سلاڤي تابع للدولة البيزنطية (بلغاريا حاليًا)، بعد ذلك تخلى عن جميع المناصب والمهام الموكلة إليه وتفرغ للرهبنة بأحد الأديرة. والأخ الأصغر، قنسطنطين (Konstantinos 827 -869)، عكف في شبابه على دراسة تعاليم غريغوريوس النزينزي1 Gregory of Nazianzus.
وكان مشهودًا له بقدراته اللغوية، كان يجيد اليونانية وعدد من اللغات الأخرى مثل العبرية والسريانية.
في ذلك الوقت كانت اللاتينية هي اللغة الكنسيّة الرسمية في أوروبا؛ حيث ظهرت في القرن الرابع الميلادي ترجمة كاملة للإنجيل باللغة اللاتينية.
وخوفًا من هذه الهيمنة الأوروبية قام روستيسلاف Rostislav حاكم موراڤيا العظمى (جمهوية التشيك حاليًا) بإرسال طلب إلى البابا نيكولا الأول Nicholas I من أجل بعض المعلمين الكنسيين لتأسيس أرضية مسيحية جيدة وإعداد رجال للكنيسة، لكن البابا خشي أن يتطور الأمر ويصل إلى حد تأسيس كنيسة مستقلة فرفض طلب روستيسلاف.
ولكنه لم يتوقف عن المحاولة وفي عام 862م أرسل إلى الإمبراطور البيزنطي ميخائيل الثالث Michael III يطلب منه إرسال بعثة كهنوتية لمقاومة تأثير إمبراطورية الفرنجة وذلك بنشر تعاليم الكنيسة وطقوسها باللغة المحلية.
وصل الأخوان قنسطنطين (لاحقًا تم منحه اسم رهبنة وهو تسيريل Cyril أو كما ينطقه الروس كيريل) وميتوديّ. وقام الأخوان بتبني اللغة السلاڤية كلغة رسمية في كنيسة موراڤيا العظمى وهي اللغة المحلية المتداولة بين الناس بتلك المنطقة.
ولإتمام هذه المهمة قاما بتشكيل أبجدية أساسها مشتق من الحروف اليونانية وسميت بـ”هلاهوليتسه” باللغة التشيكية أو غلاغوليتسه بالبلغارية، فيما بعد تم تبسيطها وسميت بـ«سيريليتسه» نسبة إلى تسيريل والتي أصبحت فيما بعد حجر الأساس لعدد كبير من الأبجديات السلاڤية.
تولى كل من قنسطنطين وميتوديّ ترجمة الكثير من المؤلفات الكنسيّة إلى اللغة السلاڤية؛ ترجموا أجزاء من الإنجيل وبعض الطقوس الكنسيّة. وبذلك توجت رحلتهما إلى تلك الأراضي بالنجاح.
أصبح قنسطنطين أسقفًا، وفي فترة لاحقة ظهرت في موراڤيا العظمى مطرانية فصار رئيسًا للأساقفة.
وأكمل تلاميذ قنسطنطين الرحلة؛ فانطلقوا إلى كرواتيا وبلغاريا، ووجدوا هناك ترحيبًا من بوريس الأول Boris I إمبراطور بلغاريا وقاموا بتكرار التجربة مرة أخرى ونجحوا في تنصير بلغاريا وتأسيس كنيسة بلغارية مع رئيس أساقفة خاص بها، فأصبحت اللغة السلاڤية القديمة اللغة الرسمية للكنيسة البلغارية، ومن ثم انطلقوا إلى صربيا وروسيا.
وهكذا نرى أن اللغة الكنسيّة السلاڤية القديمة (كما كانت تسمى وقتها) أوكما يطلق عليها البعض اللغة السلاڤية/التشيكية القديمة، أنها قد اضطلعت بدور كبير في تشكيل ملامح الأبجديات البلغارية والصربية والكرواتية والروسية وغيرها من الأبجديات السلاڤية، والتي مازال بعضها صامدًا حتى وقتنا هذا بغض النظر عن التطور أو التغيير الذي أصابها، والبعض الآخر مازال مستخدمًا في بعض الكنائس الأوروبية والآسيوية.
الهوامش:
1 – غريغوريوس النزينزي: معروف أيضًا باسم غريغوريوس اللاهوتي أو غريغوريوس نازيانزوس، كان رئيس أساقفة القسطنطينية، وهو أحد الأساقفة المقدسين الثلاثة في المسيحية الشرقية، وكان شاعرًا، فقام بكتابة عدد من الأناشيد الكنائسية.
المصادر:
– ليهار، ي. ومجموعة: الأدب التشيكي من البداية وحتى اليوم. براغ، دار نشر نارودني ليدوفيه 2008
– Lehár, Jan- Stich, Alexandr- Janáčková, Jaroslava- Holý, Jiří: Česká literatura od počátku k dnešku. Lidové noviny, Praha, doplněné druhé vydání 2008.
– خالوبكا، أ.: قاموس الأدب التشيكي من البداية وحتى اليوم. برنو، دار نشر جيه 5- ليتوغرافيتسكا ديلنا 2005.
– Chaloupka, Otakar: Příruční slovník české literatury od počátků do současnosti. Litografická dílna, Brno, první vydání 2005.