بدأت الدراسات اللسانية الحاسوبية تشغل حيزا كبيرا من اهتمام المشتغلين في حقل اللسانيات اللغوية والبرمجيات الحاسوبية في الآن ذاته، ذلك ان ثورة الاتصالات الرقمية وصلت إلى أماكن قصية في هذا العالم و اللغات واحدة من الحقول التي طالتها تلك الثورة من خلال تعدد تطبيقات اللسانيات الحاسوبية وتعدد استخداماتها،
وهذا ما جعلها محط اهتمام من قبل الباحثين و المختصين البارزين إلا أنها جات إثر نتائج جهود متفرقة مما جعل صعوبة في وضع تاريخ زمني محدد لهذا العلم، لكن رغم ذلك مرت بحقب زمنية مختلفة ودول عديدة وعلى غرار هذا القول سنحاول التطرق إليها من خلال عرض مراحل نشأتها عند الغرب و عند العرب.
- أ- عند الغرب:
تعود الانطلاقة الألى لنشأة اللسانيات الحاسوبية، عندما” بدأ الاهتمام من أهل الاختصاص في اللسانيات والعلاج الآلي للمعلومات بشكل الصياغة المنطقية الرياضية ينبغي أن تصاغ به النظريات اللسانية، يوم ظهرت أول محاولة في صياغة نظرية المكونات القريبةمن طرف الأمريكي Noam Chomsky،
لكن تعود الإرهاصات الحقيقية للسانيات الحاسوبية عندما شعر أخصائيون في الحاسوبيات، بأهمية الترويج الفعلي بين علوم الحاسوب، وعلوم اللسان ومن بينهم الباحث الأمريكي( P.G Hays) ثم ف. إنجيف (V.Yngve) [9].
فالبداية الفعلية كانت في أمريكا على يد أستاذ علم الدلالة، ومنظم نمذجة اللسانية الدكتور زار تشاك، بحيث يرى أنا البذور الأولى للسانيات الحاسوبية بدأت في قسم اللسانيات بجامعة جورج تاون سنة 1954م و كان ذالك في حقل الترجمة الالية من اللغات الأخرى إلى الانجليزية , وهذا يدل على أن بداية الخمسينيات من القرن الماضي يعتبر ولادة الالية .
أما في أروبا فكان ظهوره سنة 1961 م بجامعة Göteborg) ) السويدية لكنها كانت محاولة ذات الطابع محلي , أما البداية العلية فكانت لمركز التحليل الالي اللغة بمدينةGalarat الإيطالية حيث وضع Roberto Busa سنة 1962م الدعائم الأولى لاستخذام الحاسوب في دراسة اللغة , ثم توالت بعدها فتح مراكز حاسوبية للغة في كل من أروبا و الإتحاد السوفياتي نذكر منها [10].
-المركز الحسابي لدراسة الأدب واللغة في جامعة كامبدج سنة 1964م.
-المركز المعجمي بمجمع دالاكروسكا , بإيطاليا سنة 1964م.
-معهد الألسنة التابع لمجمع العلوم كييف في أوكرانيا الإتحاد السوفياتي سنة 1964م.
- ب: عند العرب :
أما بالنسبة للعالم العربي فقد كانت بداية الاستفادة في هذا العلم في السبعينيات و ذالك في مجال العلوم الشرعية , إذ إهتموا في بادئ الأمر على إدخال أجزاء معينة من القران الكريم في الحاسوب , ثم أتت أول محاولة لتعريب و ذالك باستبدال اللاتينية بالحروف العربية.
فبدات تتوسع القصة لتشمل الايصال العلمي بين الحاسوب , و البحث اللغوي كما يذكر “ابراهيم أنيس ” (1901-1977) م متسائلا عن امكانية الإستفادة من الكومبيوتر (الحسابية اللالية) [11] .
وكما كان للزيارة التي قام بها الدكتور إبراهيم أنيس إلى جامعة الكويت عام 1971م , بهدف العمل بها , الأستاذ الفضل الكبير للسانيات الحاسوبية العربية , حيث التقى بالدكتور (علي حلمي موسى ) أستاذ الفيزياء النظرية في جامعة الكويت و طرح عليه فكرة الاستعانة بالة الحاسوب , و يشرح له فكرة الإحصاءات اللغوية و أهميتها في البحث اللغوي.
ثم اتقفى على البدء بدراسة إحصائية لجذور كما جاءت في معجم الصحاح الجوهري [12] من خلال الدراسة الإحصائية للجذور الثلاثية و غير الثلاثية لهذا المعجم (324 )ه الذي مر على ثلاث مراحل و هي [13].
المرحلة الأولى : مرحلة إدخال المادة اللغوية في ذاكرة الحاسوب
المرحلة الثانية : في وضع برنامج له بإحدى لغات الكومبيوتر.
المرحلة الثالثة : في المرحلة التنفيذية ان صح القول أن التنفيذ الفعلي لهذا البرنامج و أتت نتائج هذه الدراسات على شكل جدول إحصائية للغة العربية , و حروفها و تتابع أصواتها و خصائص حروفها .
لقد حضي هذا العمل بترحيب من قبل بعض العلماء و الباحثين , رغم وجود فئة أخرى شككت في فائدة هذا العمل على الدرس اللغوي .
و تلى هذا صدور دراسات إحصائية أخرى بإحصاء جذور معجم لسان العرب لابن منظور (711ه-1972م) فدراسة ثالثة لإحصاء جذور معجم تاج العروس للزيادي (1205ه-1973م) , و إحصاء الفاظ القران الكريم , ومن ثم توالت جهود عربية لافراد و مؤسسات علمية و شركات للولوج في هذا المجال من خلال نشر مؤلفات و مقالات , و إقامة ندوات و ملتقات علمية و إعداد برامج و نظم من أجل حوسبة العربية.
و يمكن إدراج تأريخ لهذه المساعمات التي سعت لخدمة اللغة العربية و تطورها في مجال اللسانيات الحاسوبية , و أول ما يمكن أن تبدا به هو أهم الندوات و المؤتمرات .
والجدير بالذكر أن المؤتمر الذي عقد بالرباط بين 26 سبتمبر و 05 نوفمبر 1983م من بواكر الجهود في مجال اللسانيات الحاسوبية و قد ساهم في عقده “المركز الومي للتنسيق و التخطيط العلمي و التقني ” في المغرب . و “معهد الدراسات و الابحاث للتعريب ” في المغرب , و قد تم نشر أعماله في كتاب ” اللسانيات العربية التطبيقية و المعالجة الاشارية و المعلوماتية ” .
وقد قسم الكتاب إلى شطرين تناول الشطر الأول منه : الإطلالة على اللسانيات و الصوتيات للمهندسين , و خصص الشطر الثاني لوصف خصائص العربية , و ثم التركيز على قواعد التصريف و الاشتقاق التي من خلالها ينتج عدد كبير من الكلم و الصيغ المعجمية ذات أنماط و دلالات محددة و ذالك من جذور واحدة[14]
اما ندوة استخدام اللغة العربية في الحاسب الألي التي عقدت في الكويت من 14-16 أفريل 1985م فتناولت مباحث عربية حاسوبية في اتجاه تمثيل النظام الصوتي , و أدلة قراءة النظام الكتابي و معالجة النظام الصرفي النص و تحليله بمدخلين المعجمي و الصرفي [15].
أما الملتقى الدولي الرابع اللسانيات الذي عقده مركز الدراسات الاجتماعية و الاقتصادية بالجامعة التونسية 1987م فقد عرض فيه محمد مراياتي نظاما لانشقاق من الكلمة المجردة في العربية أي الانتقال من الجذور الى مشتقاتها و قد ضمم هذا النظام ليكون جزءا من “قاعدة المعارف ” أو “نظام خبير” لقواعد اللغة العربية الصوتية و الصرفية و المعجمية و التركيبية و الدلالية , أما أهم تطبيقات هذا البرنامج فهي :
فهم اللغة , و الترجمة بمساعدة الحاسب , و تعلم اللغة العربية ووضع المصطلحات [16]
اما المؤتمر الأول للحاسب في الكويت من 27- 29 مارس 1989م , فقد قدم فيه يحي هلال يحث بعنوان العلاج الالي العربية و تطبيقاته و قدم محمد حناش مشروعا يرصد فيه كيفية بناء معجم تركيبي الكتروني للغة العربية و ذلك يحصر المداخل المعجمية (الافعال ) , و ذلك في البحث :
“المعجم الإلكتروني للغة العربية “[17]وتناول المؤتمر الثاني حول اللغويات الحسابية العربية في الكويت من 27إلى 29 نوفمبر 1989م : التوليد والتحليل الصرفيين، والتحليل والتركيب النحويين و تحليل الكلام وتعرفه، والتطبيقات المستفادة باللسانيات العربية الحاسوبية، كفهم العربية المكتوبة غير المشكولة، والترجمة الآلية، وتعليم النحو.
فعرض فيه دواوود عبده بحثه حول بعض الصعوبات في الترجمة الآلية من الانجليزية إلى العربية و العكس صحيح فهدفت المقالة إلى الوصول إلى حلول جذرية لهذه الصعوبات التي تواجه الترجمة الآلية المتبادلة بين العربية والانجليزية[18]
أما ندوة اللغويات الحاسبة العربية التي عقدت من 19 إلى 21 ذي الحجة 1412ه الموافق 20إلى22جوان 1992م بالقاهرة، فقد تناولت مباحث في حوسبة اللغة العربية وخصائص العربية ووسطية النحو العربي.
وبناء على ما صدر من أعمال الجامعة الكويتية نستخلص أن نشأة اللسانيات الحاسوبية كانت بدايتها عند الغرب فهم السباقون إلى مثل هذه الدراسات، أما عند العرب فلم تظهر إلا في السبعينات وتعتبر محاولات محتشمة من بعض المهتمين بعلم اللغة[19]
إن هذه الجهود مؤشر حقيقي على نجاح الحاسوب في خدمة اللغة العربية، وتوظيفه في معالجة قضاياها المختلفة، تحليلا وتوليدا وترجمة، وتعليما، وصياغتها صياغة رياضية دقيقة وفق علاقة متبادلة بين المقاييس العلمية و المقاييس اللغوية[20].
والمحصلة النهائية لهذه الجهود تصب في خانة قدرة العربية، على استعاب لغة العصر وتمثل تقنياته التكنولوجية بكل كفاية واقتدار، وهذه قضية من القضايا التي واجهتها ومزالت تواجهها كينونة الأمة العربية وحضارتها اللغوية .