التداولياتلسانيات

نموذج مستعمِل اللغة الطبيعية

يرتبط تحليل اللغات الطبيعية بحقول نمذجة مستعـمل اللغة الطـبيعية،إذ يتم بناء نماذج حاسوبية للمستعمل قصد فهم مجمل الميكانيزمات التي يفعلها مستعمل اللغة الطبيعية في توليد عبارات لغوية تتناسب و أنماط المقامات التواصلية التي تنجـز فيـها. يخـول هذا الأمر تحقيق غرضين أساسيين هما: 


– غرض نظري يتجلى في المزيد من الصورنة للقواعد و المبادئ التي تستخدمها اللغة.
– غرض تطبيقي يتجلى في إنجاز برنامج حاسوبي يتفاعل مع مجمل اللغات الطبيعية (1) يتوافق تحقيق هذين الغرضين مع الاستراتيجية الأساسية التي اعتمدتها نظرية النحو الوظيفي المتلخصة في تفديم مقاربة كاملة و كافية للغات الطبيعية ، و ذلك بتخصيص جميع العبارات اللغوية انطلاقا من نسق من القواعد و المبادئ العامة وصولا إلى ضبط التنظـيم النحوي للخطاب المترابط في اللغة (2) 


1 – أنماط الكفايات:

لتحقيق هذه الاستراتيجية سعى النحو الوظيفي إلى بلوغ أنماط ثلاثة من الكفايات هي:

1- 1 – الكفاية التداولية :

تؤطر الكفاية التداولية ضرورة الكشف عن خصائص العبارات اللغوية و ربط هذه الخـصائص بالكيفية التي تستعمل بها هذه العبارات. فإذا كانت الأنحاء الصورية تدرس القدرة النحوية لمتكلم مثالي، فـإن النحـو الوظيفي يركزعلى دراسة مختلف الأوجه الـمتعددة للغة في علاقتها باستعمالاتها لهذا نرى ديـك( ديك 1989 : 12) يلح على لـزوم الربط بين المبادئ والـقواعد.


1- باكر 1989.
2- ديك198
المتحكمة في إنتاج العـبارات اللغوية و المبادئ و الــقواعد المتحكمة في عمـلية التـفاعل الكلامي، و يلح في الوقت ذاته على أن النحو الوظـيفي ـ باعتباره نظرية تداولية ـ ينبغي أن يدمح في نموذج أعم لمستعمل اللغة الطبيعية، ليشكل بذلك قالبا من قوالبه. يشير د المتوكل (المتوكل 1995: 20) إلى أن تحقيق الكفاية التداولية رهين بتحقيق ثلاثة شروط أساسية يجملها فيما يلي:

– ينبغي أن يتم التمثيل لجميع الخصائص التـداولية التي تتوفر عليها العبارات اللغوية.
ـ ينبغي أن يتم التمثيل لخصائص العبارات اللغوية داخل النحو لا خارجه.
– ينبغي أن يكـون مستوى التـمثيل لخصائص العـبارات اللغوية سابقا، من حيث الإشتقاق على المستوى الذي يتم فيه تحديد الخصائص البنيوية.

1 – 2- الكفـاية النفسية :

لبـلوغ الكـفاية النفسـية، يـلزم النحـو في تصور ديك (1989 :13) أن يرتبـط بالنماذج النفســية للقدرة اللغـوية و السلوك اللغوي. إن ارتــباطه بنماذج الإنتاج يمكنه من التلاؤم مع المتكلم كما يمكنه الارتباط بنماذج الفــهم من التلاؤم مع المخاطـب، فيكون الحاصل الـقـدرة على تحديد مختلـف الطرائق التـي يسـلكها المـتكلم في صوغـه لعباراته اللـغـوية، و كذا القـدرة على تفسير الإجراءات التي يفـعلها السامع لتأويل هذه الـعبارات اللغـوية.

يشير هاردر (هاردر 1996 : 228 ) إلى أن شرط الكفاية النفسية يدرج النظرية اللسانية في سياق أعم ويربطها بالبحث في العمليات الذهنية التي يقوم بها مسـتعمل اللغـة الطبيعية، إذ بلوغ الكفاية النفسية يقتضي من نموذج مستعمل اللغة الطبيعية أن يعكس ثنائية الإنتاج والتاويل، و ذلك لا يتأتى في تصور ديك إلا بتأسيس النحو وفق ثلاثة أبعاد أساسية هي:
– نموذج منتج.
– نموذج مؤول
– مخزن للقواعد المستخدمة في النموذجين.
إن استحضار هذه الأبعـاد الثلاثة يقود البحث في اتجاهين حصرهما ديك ( ديك 1997 : 13) فيما يلي: 
– تفسير قدرة مستعمل اللـغة الطبيعية على إنتاج و تأويل عبارات لغوية صحيحة.
– تفسير قدرة مستعمل اللغة الطبيـعية على إنتاج و تأويل عبارات لغـوية لاحنة.


1 – 3- الكـفاية النمطية :

تخـتزل الكـفاية النمطـية مـدى قـدرة النحـو على التعامل مع أي نمـط من اللـغات الطبيـعية و حصر أوجـه التشابه و الاختلاف بينها، و ذلك بطريقة نسقية. يشير ديك (ديك 1989 أ: 14) إلى أنه لبـلوغ هذه الكـفاية يلـزم النـظرية الـلسانية أن تكشــف الـقواعد و المبادئ التي تتميـز بإمكانها التـطبيـقي عبر- لغـوي،لأن ذلك سيـمكنها من بلـوغ درجة هـامة من التعـميم.

يـفسر هـذا التصورالـسبب الذي جعل النحـو الوظيـفي يولي أهـمية خاصة للإشكالات النمطية، و الطريقة التي انتهجها في بناء نموذج لمستعمل اللغة الطبيعية، إذ يلاحظ أنه قد توخى ضمان أكبر قدر من الاستقلال عن اللغات الطبيـعية الخاصة،

وذلك بانـتهاج طريقة واحـدة في صوغ كـل القـواعد و المبـادئ. يشير ديك ( ديك 1989 ب : 3) إلى أن الفـكرة التي قادت هذا التصور هي أن أي مبدأ ملائم لأي نمط من اللغات الطبيعية ينـبغي أن يعكس خاصيةعميقة لمستعمل اللغة الطبيعية.و هي المسألة التي يوضحها د.المتوكل (المتوكل1985: 21) بقوله “فالنظرية اللغـوية يجب أن ترقـى إلى درجة معـقولة من التـجريد لتستطيع أن تطبق على لغات متباينة نمطـيا،

كما يجب أن تظل في نفس الوقت أقرب ما يمكن أن تكون من الوقائع اللغوية الملموسة. …و هـكذا يتعـين على النظرية الرامية إلى الحــصول على درجـة معــقـولة من الكــفـاية النـمطـية أن تصوغ مبـادءها و قواعـدها و تمثيلاتها متوخية توسطا بين التجريد و الملموسية.”

من النـتائج التي يخـولها تحقيق هذه الأنماط الـثلاثة من الـكفايات تفعـيل النحو الوظيفي حاسوبيا، و ذلك عبر مسارين اثنين هما :
– إمكان استعـمال نموذج النحـو بجـهازه المتضمن للـقواعد و الـمبادئ و الإجراءات و ذلك لضبط المهارات اللغوية التي يتوفر عليها مستعمل اللغة الطبيعية.

– إمكـان الكـشـف عن أوجه النقـص و الثـغرات و مواطـن الحشـو التي يتضمنها نموذج النحو.
يعبر ديك (ديك 1997أ:58)عن التعالق الحاصل بين النحو و الحاسوب بقوله إن النظرية النحوية تقوم بتحديد الأدوات المعقدة، و تأتي النظريات النفسية التي تهتم بإنـتاج النص و تأويله لتـخصص مختلف طرق توظيف مستعملي اللغة لهذه الأدوات المعقدة.


إن تولـيد البنى الجملية يتم في إطار النحو الوظيفي عبر مرحلتين اثنتين تتمثل المرحـلة الأولى في تـولـيد بنـية الجملة التحـتية، ثم بعد ذلك، يتم الانتـقال إلى المرحلة الثانية التي تقوم فيها قواعد التعبير بنقل البنـية التحتيـة إلى عـبارات لغـوية ملمـوسة.

يعـتبر ديك أنه فـي إطار نموذج مستعمل اللغة الطبيعية يفترض في هذه القواعد أن تشتغل أيضا عبر الاتجاه المعاكس، إذ يكون من الممكن الانـطلاق من الـعبارة الملموسة للوصـول إلى البنية التحتية.


2 – القدرة التواصلية

استحضر النحو الوظـيفي، في سعيه لأن يشكل قالبا من نموذج مسـتعمل اللغة الطبيـعية جمـلة من المظاهـر المؤسـسة لما يسـمى بالقدرة التواصلية.إذ اعتبر ديك ( ديك 1990 ب: 233) أن أفضـل نمـوذج لـمستعمل اللغـة الطبـيعية هو ذاك الذي يعكس بشكل طبيعي و دقـيق المهـارة التواصلية لمستـعمل اللغـة الحقــيقي بشكل يمكنه من الاندراج بسهولة و يـسر في نموذج مستـعمل اللغـة الطبيعية.

إن مـفهوم المقدرة اللغوية ، قد سبق له أن أثيـر في إطار النحـو التوليـدي التحـويلي و كـذا في إطار إثـنوغرافيا الـتواصل. إلا أن أول من استخـدم هـذا المصطلح هو هايمز(هايـمز197- 1984 )، وهـو في استعـماله له لا يقتـصر على إدراج الأشكـال اللغـوية، فـحسـب، بل يدرج في الوقت نفسـه الـقواعد الاجتماعية المحـددة لكيفية استعمال هذه الأشكال اللغوية،

معتبرا هذه القواعد جزءا من التفـكيراللغوي، لـكونها تحدد الكـيفية المناسبة لاستعمال اللغـة في مختلف السياقات السوسيوثقافية. إن تصور النحو الوظيفي للقدرة التواصلية هـو امتداد لما ورد عند هايمز، إذ أنه لا يقـف عند حدود الملكة اللغوية، بل يتخطاها لتعم ملكات متعددة (1) تشمل:

– الملكة المعرفية : تمكن مستعـمل اللغة الطبيعية من أن يبني أساسا معرفيا منظما وأن يشغله في فهم العبارات اللغوية وأن يحافظ عليه.

– الملكة المنطقية : تخول لمستعمل اللغة الطبيعية توليد بعض أجزاء المعرفة انطلاقا من أجزاء أخرى و ذلك بتوظيف قواعد استدلالية.

– المـلكة الاجتـماعية : تقود مـستعمل اللـغة الطـبيعية إلى توظـيف معارفه بطريقة تتوافق مع المحيط التواصلي و ذلك بغية تحقيق أهداف تواصلية. ـ – الملكة التصورية :تسمح لمستعمل اللغة الطبيعية بتصور محيطه و اشتقاق معرفة من هذا التصور وذلك لإنتاج العبارات اللغوية (1).


3 – نموذج مستعمل اللغة الطبيعية:

يشير يتلر (بـتلر2003 : 106 ) إلى أن مختلـف أنماط هده الملكات تندرج في إطار القدرة التواصلية، و بالتالي ينبـغي أن تنعكـس في نموذج مسـتعمل اللغة الطبـيـعية ، لذلك نرى أن ديك في الــعديد من أعماله ( ديك 1987 ــ 1988 ـ 1989 ـ 1990 … ) قد سعى إلى تطوير نموذج لمسـتعمل اللغة الطبيعية باستحضار هذا المفهوم .يقول ديك (1990ب:233) :

“إن أفضل نموذج لمستعمل اللغة الطبيعية هو ذاك الذي يقارب بقدر الإمكان وبشكل طبيعي المهارة التواصلية لمستعمل اللغة الطبيعية الحقيقي”.

إذن نستخلص أن الغرض من إثارة هذه الأنماط من الملكات باعتبارها مشكلة للقدرة التداولية يتمــثل في تأسيس منظورمتكامل لبنية و وظيفية نموذج مستعمل اللغة الطبـيعية بطريقة تمـكن هذا النموذج من يفــعل حاسوبيا. وباعتــبار النحو الوظيفي نظرية قالبـية فـقد تمت صياغة هذا نموذج بشكل يتم فيه إدماج هـذه الأنماط من الملكات في قوالب مؤشرة لها. يـفـترض التصور القالبي ـ كما يشير إلى ذلك د المتوكل (المتوكل 1995: 24) ـ خاصيتين أساسيتين هما:

– استقلال هذه القوالب من حيث المبادئ و القواعد المشكلة لها.
– تفاعل هذه القوالب مجتمعة في إنتاج و تأويل العبارات اللغوية.

إن الإشكال الأساسي المحدد لبناء نموذج مستعمل اللغة الطبيعية يتلخص في الإشكـال العـام الذي طرحه ديك (ديك 1990 : 203) كالتــالي : كيف يتمكن مستعملو اللغة الطـبيعية من التواصل فيما بينهم عــبر عملية التفاعل الكـلامي ؟ و هو السؤال الذي يصوغه ديك في إطار النموذج الحاسوبي كالتالي : كيف يمكن أن نعكس حاسوبيا نموذج مستعمل اللغة ؟


1 – يضـيف د. المتوكـل ( المتوكل 1995) ما أسـماه ب ” الملكة الشـعرية ” و يعتبرها هي الملكة التي تخول لمستعمل اللغة الطبيعية إنتاج و تأويل العبارات اللغوية ذات الطابع الشعري، و يستدل على إضافة هذه الملكة بافتراض توفر كل مستعملي اللغة الطبيعية عليها و هو افتراض يحتاج إلى المزيد من التمحيص.

تحتم الإجابة على هذا الإشــكال اقتضاء أن مستعمل اللغة الطبيعية ينطـلق في إنتاجه للعبارلت اللغوية من أساس معرفي ضابط للكيفية التي ينتج و يؤول بها تلك العبارات اللغوية. يشير ديك ( ديك 1997 ) إلى أن تقديم إجــابة وافـية للإشكال المطروح يقتضي من النحو الوظـيفي الانتقال من مستوى الجملة لملامسة مستوى الخـطاب وسياقات وروده .الأمر الذي يوجب تعميم نحـو الجملة ليشمل أيضا الخطاب (1).

إن الانتـقال من الاهتمام بمستوى الجملة إلى الاهتمام بمستوى الخطاب يؤطره الوعي بالدور المحدد الذي تقوم به الاعتبارات التــداولية في تشكيل بـنية الخطاب. في هذا السـياق يشير كيــفن ( كيــفن 1979 ) إلى أن أغلب الدارسـين أصبحوا يعتبرون أن دراسة الجمل معزولة عن سياقــها الطبيعي غير ذات جدوى لاختلاف تركيب الجمل المعزولة عن تركيب الجمل الموظفة في السياق التواصلي.


3 – 1 – الميكانيزمات المحددة للتفاعل الكلامي:

3- 1-1- نموذج التفاعل الكلامي : يصوغ ديك (ديك 1989 ) خطاطة عامة لعملية التفاعل الكلامي على النحو التالي:


1- يعتبر المتوكل ( المتوكل 2001) أن نحو الجملة و نحو الخطاب هما نحوٌ واحد لا نحوان.

نموذج التفاعل الكلامي

المعلومة التداولية

م مت م مخ
المتكلم يصوغ المخاطب يبني

القصد………….يتنبأ…………….
……… يعيد بناء…………التأويل

العبارات اللغوية

يعكس هـذا النموذج المـيكانيزمات المحـددة لعـملية التواصل بيـن الأفراد وهو نموذج ينحصر في مستوى الجملة، غير أن ديك يعممه لكي يشمل أيضا مستوى الخطاب في الآن ذاته.

3 -1 – 2 – نمطية المعرفة :

إن نقطة الارتكاز في هذا النموذج هي المعلومة التداولية التي يمتلكها كل من المتكلم و المخاطب وقت الخطاب، ذلك لأنها هي التي تؤطر كلا من عمليتي الإنتاج والتأويل اللغويين. يعرف ديك (ديك1989 :11 ) المعلومة التداولية بأنها:

“مجموع المعارف و الاعتقادات و الأحاسيس التي تشكل مجتمعة محتوى ذهن الفرد في زمن معين.”
تنمط المعلومة التداولية وفق ثلاثة أتماط هي:
– معلومة عامة : تخص تصور المشاركين للعالم المحيط بهم.
– معلومة سياقية : تخص المعلومة التي ينتجها المشاركون في سياق محدد.
– معلومة مقامية : تخص المعلومة المــشتقة من المقام التواصلي الـمؤطر لعملية التخاطب .
يحكم هذه الفـروع الثلاثة من المعـلومة التداولية أصناف معينة من المعارف يوجزها ديك (ديك1997) كالتالي:

ـ المعـرفة الطويـلة الأمد:وهي المعرفة التي تشكل رصيدا للمتكـلم و السامع قبل البدء في الحدث التواصلي.و تنقسم إلى معرفة لغوية و أخرى غير لغوية. أما المعرفة اللغوية فترتبط بالبعد اللغوي ومن ثمة تتفرع إلى ثلاثة أقسام هي:

أ- معرفة معجمية : أي معرفة المحمولات المعجمية من حيث خصائصها المتعددة ومختلف التعالقات القائمة بينها.
ب- معرفة نحوية: أي معرفة مجمل القواعد الضابطة للبنى الجملية و كيفية توظيف هذه القواعد في عملية التفاعل الكلامي.
ج- معرفة تداولية : أي معرفة القواعد و المبادئ التي تتحكم في الاستعمال اللغوي. كما ترتـبط المعرفة غير الـلغوية،هي الأخرى بأصناف متعددة من المعارف يوجزها ديك (ديك 1997) فيما يلي:
أ- معرفة إحالية : تتحدد في معرفة ما تحيل إليه الوحدات بشكل عام.
ب – معرفة عرضية: تتحدد في معرفة الوقائع التي يتم فيها إدماج الوحدات.
ج – معرفة عامة : تتحدد في معرفة القواعد العامة التي تحكم العالم و باقي العوالم الممكنة.
– المعرفة القصيرة الأمد: علاوة على المعلومة الطويلة الأمد يشير ديك إلى المعلـومة القصيرة الأمد، و تتميز بكونها معلومة مشتقة من الحدث التواصلي وما يرتبط به من أوضاع. في هذا الإطار يضع ديك ( ديك 1987) التصنيف التالي:
أ – معرفة سياقية: و هي المعرفة المشتقة من الحدث التواصلي .
ب- معرفة نصية : و هي المعرفة المشــتقة من المعلومة الكـلامية المواكـبة للحدث التواصلي. و هي تتفرع بدورها إلى:
– معرفة إحالية : تهم الوحدات المشار إليها في النص.
– معرفة عرضية: تهم الوقائع .المشار إليها في النص.
– معرفة عامة : تهم المبادئ و القواعد العامة المشار إليه في النص
يوضح ديك (ديك 1987 : 11) كل هذه الأنماط من المعارف بتوسل البيان التالي:
نمطية المعرفة

معرفة طويلة الأمد
لغوية غير لغوية
معجمية نحوية تداولية إحالية عرضية عامة
معرفة قصيرة الأمد
سياقية نصية
إحالية عرضية عامة

تسـهم هـذه المعـارف بمختلف أنماطـها، في ضبـط نمـوذج مستـعمل اللغـة الطبيعية بشكل دقيق. يسهل هذا الأمر للحاسوب التعامل مع المعطيات اللغوية بالطريقة نفسها التي يتعامل بها مستعمل اللغة الطبيعية.
يخـضع الإنـتاج و التأويل الصحيـحين للعبــارات اللغوية، بشكـل خاص، و للخطاب بشكل عام، لتداخل هذه الأنماط من المعارف جميعها أو على الأقل معظمها. إن تقـاسم مجـموع هـذه الأنماط من المعـارف هـو الذي يؤسـس لما يسمى بالـمعرفــة المشتركة بين المتكلم و السامع، و بالتالي يضــمن نجاح العمليـة التواصلية.إذ المعرفة المشتركة هي التي تمكن المتخـاطبين من إنتاج وتأويل مختـلف أنماط العـبارات اللغـوية، سواء تلك المـصوغة بشكل جيد أو تلك المصوغة بشـكل رديء.

كما أنها تمكن في الآن نفسه من ضبط المقاصد التواصلية المعلنة منها أو الضمنية.من مستلزمات هذا القول بهذا افتراض أن نموذج مستعمل اللغة الطبيعية ينبغي أن يتضمن قوالب تخزن فيهاهذه الأنماط من المعارف مـع وجـود صورنة لتمثيـله. في هذا الإطار يقـسم ديك (ديك 1989ب) المعرفة إلى معـرفة إدراكية ومـعرفة تصورية .

تتشكل الأولى من جـملة من الإدراكات، في حـين يتم ترميز الثانـية في ما يسـمى بلغة التمثيل المـعرفي (ل ت م). ويعتبر أن للغة التــمثيل المعرفي الخصائص نفسها التي تتمـيز بها الحمول،و من ثمة يمكن أن تمثـل في صيغة حمول.ارتكازاعلى هذا التصـور ، يصوغ ديك (ديك 1990ب:234) الفرضيتين التاليتين:
– يمكن التعبير عن البنى اللغوية التحتية وأجزاء ا لمعرفة غير-الإدراكية والصور المنطقية بواسطة تمثيل معرفي واحد و موحد.
– يعتبر التمــثيل اللغوي الذي استعمل للبنى التحــتية في النحو الوظيفي مقاربة جيدة للتمثيل المنطقي.
إن هاتـين الفرضيتين ـ كما يلاحظ بتلر (بتلر2003) ـ تؤديان إلى صوغ نسق أبسـط من النسـق الذي تـقدم فـيه التمثـيل الإدراكي معـزولا عن التمثـيل التصوري

الــتفاعـل 
نـستـخلص مما سـبق، أن مسـتعـمل اللـغة يوظف في عـملية الكلامي أنماط متعددة من المعارف، لهذا يقتضي بناء نموذج مستعمل اللغة الطبيـعية الاهتمام بجميع هذه المعارف، و ذلك عبر إدراج مكونات متـعددة و متداخـلة منها المكون المعجمي و المكون التركيبي المكون الدلالي و المكون التداولي، دون إغفال ميكانيزمات الخطاب التي تمكن من تجاوز المعنى الحرفي للعبـارات اللـغوية المـنتجة و الاستـدلال على المعنى المسـتلزم و المقـصود.إن الاشتغال بهذه المكونات أدى إلى البحـث في جميع الحـقول الفرعية بهدف بناء نموذج متكامل لمستعمل اللغة الطبيعية.

في إطار النـحو الوظيـفي، تم التركيز في بناء هذا النـموذج بالأساس على المعجم الذي عد بمثابة المكون الأساسي، حيث يتم التمثيل للمداخل المعجمية انـطلاقا من التولـيف بين الكلمات ،الأمر الذي يمكن المـداخل المعجمية من تحديد شبكة من الروابط بين المحــمولات في المعجم.. إن أهمية هذه الروابط تكمن في أنها ترصد التنظيم الدلالي للغة،و هذا ـ كما يشيرإلى ذلك ديك ( ديك 1989 ب) ـ سيمكن من تنسيق ” الصورة المعيار” للمداخل المعجمية داخل المعجم.

3 – 3- نموذج بروفگلوت: 

إن المحاولات الأولى التي قيم بها لحوسبة النحو الوظـيفي كلها تمت في إطار نـموذج ديك (1978 ) ، إلا أنه بعد صدور نـموذج ديك( 1989) قامت محاولات لحوسبة هذا النمـوذج. من هنا جاءت محاولة ديك (1992) لوضع برنامـج حاسوبي يسـمى بروفگلــوت، يجمع ما بين نمـوذج ديك ( 1989 ) باعتــباره لغة نظرية و لغة برولوگ. إن لغة برولوگ لغـة إجرائية تتوسل لتفـعيل العبارات اللغوية و هي لغة ” خبرية ” تسمح بصياغة المعــطيات و القواعد و القيام بعمليات استدلالية انطلاقا من هذه المعطيات و الـقواعد. تأخذ معطيات برولوگ الصورة التي يمثل لها ديك (ديك1992: 5) كالتالي:
1- man (socrates).
= Socrate is a man
2- wife ( xanthippe, Socrates)
= Xanthippe is the wife of socrates
كما يلاحظ ،تتشكل برولوگ من محمول يطـبق على موضوع أو أكثر، و ذلك بحسب طبيعة هذا المحمول. يعتبر ديك،في نفس السياق،بأن معطيات و قواعد برولوگ قابلة لأن تبلغ أي درجة من التعقيد، و يوضح ذلك على النحو التالي:
– 3 Happy(x)
Nice(weather),
Is lying_in_(x,grass),
Is_close_to mary,x).
John is happy when the whether is nice ,he is laying in the grass and Mary is close to him

أما موضوعات برولوگ، فتتخذ شكل لائحة.تعد اللائحة مجموعات مرتبة من العناصر و هي على النحو التالي :
4 – رأس ذيل
أ – أ [ ب،ج،د]
ب- أ [س،ب،ي،ج]
ج- [ أ،ب] [س،ب، [ أ أ ،ف،ك ]،ز،ج
لقد حاول برنامج بروفـگلوت أن يتكـيف مع مجمل الشـروط التي تتطلبها برمجة برولوگ .تم هذا التكييف بمراعاة جوانب متعددة تجلت فـيما أوجزه ديك (ديك 1992: 9) كالآتي:
– صيغت كل بنى و مبادئ و قواعد النحو الوظيـفي بالصورة التي تسمح لبرنامج برولوگ بتأويلها.
– صيغت عدة قواعد و مبادئ بشكل أكثر دقة من الأوصاف السابقة، و ذلك قصد التمكن من تفعيلها في إطار النموذج الحاسوبي.

– أدت البرمجة في برولوگ إلى القيام أحيانا ببعض التعديلات و التبسيطات و قد أسهـم هذا الأمر في تطـوير صورنة النحـو الوظيـفي، بحيث ضبطت جميع البنى و القواعد و المبادئ المتضمنة في نظرية النحـو الوظيفي لتتوافق مع الاصطلاحات التأشـيرية المتـوفرة في لغـة برولوگ.

اعتـمدت في هذه المحاولة ثلاث لغات هي: الانجليزية و الهولـندية و الفرنسية: إلا أنـه في بناء القـــدرة الثلاثية اللغة حاول ديك (ديك1992) عزل القواعد و المبادئ العامة والمستقلة عن القواعد و المعطيات الخاصة بكـل لـغة من هذه اللـغـات بشـكل يجـعل الـقواعد و المبادئ المتضمنة في هذا البرنامج قـليلة و قابـلة للتطـبيق و التعميم على لغات طبيعية أخرى، و بالتالي قابلة لتوسيع قـدرة هذا البرنامج ليتـخطى حدود هذه اللغات الثلاث.

إن هـذه المسألة أساسية،لأن هذا البــرنامج موضوع في إطار مشروع عام يتـمثل في نمذجة المهارات اللغوية لمستعـمل اللغة الطبــيعية، بتوظيف نظرية النحو الوظيفي. يشير ديك ( ديك1992: 2) إلى أنه رغم القيود التي تفرضها كل من نظرية النحو الوظيفي ولغة البرمجة برولوگ على هذه القواعد و المـبادئ، فإن العديد منها يمـكن صوغه بكيفـيات مختـلفة وتبــعا لخوارزمات مختلـفة.و ذلك بمراعاة بعدين أساسيين:هما بعـد الحيز و بعـد الزمن.

بالإضافـة إلى لغـة البرمجة بروبلوگ، تضمن بروفگـلوت مولدا للنحـو الوظيفي. يشكل هذا المولد المكون الرئيس في البرنامج، لأنه هو الذي يشكـل دخلا للقوالب الأخرى (المحلل و المنطق و المترجم).إن نقـطة الانطلاق هي توليد بنية جملية، و ذلك عن طريق اختيار إطار حملي. ينقسم الإطار الحملي إلى قسمين هما:

– الاطار الحملي الأساس و يمثل له في المعجم.
– الإطار الحملي المشتق و يشتق بتوسل قواعد تكوين المحمول
تتخذ الجملة في برنامج برولوگ الشكل التالي:

5 ـ [
[سافر]، :الصورة
[عمل، حركة]، : النمط
[[[حي.]،ح،[منف]]] : مواقع الموضوعات
]
حيث تتشكل كل قائـمة من ثلاث قـوائم فرعيـة. تحدد القائمة الفرعـية الأولى صورة المحمول و تحدد القائمة الفرعية الثانية نمــط المحمول.و تحدد القائمة الفرعية الثالثة مواقع الموضوعات الملازمة للمحمول، و هي تتشكل من ثلاثة أجزاء هي:
6 ـ [
[حي : قيد الانتقاء
ح : موقع الحد
[منفذ ] : الوظيفة الدلالية
]
يمثل ديك (ديك1992: للبنية التحتية التامة بتوسل البيان التالي:
7 ـ [ ع4،[ع3،[ع2،[ع1،[نواة]،ل1]،ل2]،ل3]،ل4].
حيث ع = عوامل نحوية و ل = لواحق
تضطلع كل من العوامل النحوية و اللواحق أو( العوامل المعجمية )،كل حسب مجاله،بإضافة تخصيصات بشكل تدريجي في كل مستوى من هذه المسـتويات السلمية التي تتضمنها البنية التحتية للجملة.إن هذه العناصرجميعها يتم التمثيل لها في البرنامج، كما يـتم التمـثيل لبنية الحد، باعتـباره قائمة تتضمن قائمـتين فرعيتين هما:
– القائمة الفرعية المتعلقة بعوامل الحد.
– القائمة الفرعية التي تضم قيودا إضافية.
و بذلك تتخذ بنية الحد الشكل الذي يحدده ديك ( ديك1992 : 26 ) كالتالي :
8 – بنية الحد =[ عوامل ، مقيدات].

تخصص عوامل الحـد الوسائط التي تتلاءم و المحيلات المقصودة ، في حـين تخصص المقيدات الخصائص التي ينبغي للوحدة الـتوفر عليها لكي يمكن عدها محيلا ممكنا للحد.
إذن، يلاحظ أن هناك توازيا بين لغة برولوگ و النحو. فلغة برولوگ تتضمن المعطيات و القواعد، و هذا يوازي المـعجم و النحو في النظرية النحوية، ثم إن المعطيات في برولوك يمثل لها بتوسل حمول منطقية مما يتيح ترميز المداخل المعجمية حيث يتمكن البرنامج من إدماج الحدود التي ينتقيها مستعمل اللغة (1) يعد برنامج بروفگلـوت، كما أشار إلى ذلك ديك و كهرل ( ديك 1996 )،

نسقا مـتكاملا يحاكي جوانب متعددة من القدرة اللغــوية لمتكلم متعدد اللغات، بحيث يستطيع توظيف إجراءات و بنى جد متـشابهة للتعامل مع لغات مختلفة.علاوة على ذلك لا بتوقف عند حد إنتاج العبارات اللغوية في هذه اللغات، بل يستطـيع في الآن نفسه تحليلها للـقيام بالترجمة من لغة إلى أخرى و استخلاص بعـض الاستدلالات المنطقية انطلاقا من العبارات اللغوية.
يحدد ديك 1996 مهارات هذا البرنامج فيما يلي:
– يقوم بتوليد عدد كبير من أنماط التراكيب المختلفة في اللغات المعتمدة.
– يقوم بتحليل مجموعة فرعية من التراكيب التي يستطيع توليدها.
– يقوم بترجمة أنماط التراكيب المولدة في كل الاتجاهات بين اللغات .
– يشمل عددا من المعطيات و القواعد التي تحدد التراكيب الصحيحة والأفعال
المقبولة و الإحالات إلى هده التراكيب.
– يمكنه إنجاز عدد من العمليات المنطقية تهم البنى التي يقوم بتوليدها، بحيث يستـطيع إجراء ترادفات بينها واســتخدامها في الاسـتدلال على مجموعة مـن المسائل.


1- سمويلدورف 1989 .- يمكنه التوليف بين هذه العمليات بشكل يمكنه من تحليل جملة إنجليزية مثلا و ترجمتها إلى اللغة الفرنسية و الاستفادة من هذه الترجمة في إجراء عمليات استدلالية.
يشير ديك( ديك 1992) إلى أن هذا البرنامج يتألف من جملة من القوالب المعزولة و المتفاعلة في الآن نفسه.

إنـها معزولة لأن كلا منها يملك استقلاله عن باقي القوالب الأخرى،و هي متفاعلة لأنها تتحدث اللغة نفسها المتمثلة في اللغة النظرية للنحو الوظيفي. إن برنامج بروفكلوت يمكنه توليد الجمل التامة التخصيص، كما يمكنه تحليلها بالانطلاق من الكيفية التي صيغت بها. و لقد ركز ديك في وضعه لهذا البـرنامج على اللغات الثلاث الانجليزية و الفرنسية و الهـولندية.إلا أن الطريـقة التي صيغ بها تجـعلـه قابـلا للتعـميم عـلى لغـات أخرى.


– لائحة المراجع الأجنبية 

Bakker.D : 1989 : A formalism for FG expression rules.in Connolly and Dik.Functional grammar and the computer pp 45- 63.Dordrecht.Foris Butler.C.S2003 : Structure and function: A guide to three major structural functional theories.Part 1 : Approaches to the simplex clause .Studies in language companion series 63.John Benjamins.
Chomsky.N :1980 : Rules and representations .Blackwell.Dik .S.C1987: Functional grammar and its potential computer applications in W.J.Meijs eds.Corpus Linguistics and beyond253-268Amsterdam Rodopi (=WPFG)
1989b : FG*C*M*NLU: Functional grammatical computational model of the natural language user.in Connolly and Dik (eds).Functional grammar a and the computer pp 1-28
1989 e: The theory of Functional Grammar.Par 1.Dordrecht.Foris
1990a :How to build a natural language user .In M. Hannay.M. Hannay E.Vester .Working with functional grammar :Descriptive and computational applications . 203-215.Foris .Dordrecht.
1992a : Functional grammar in Prolog:An integrated implementatinfor English,French and Dutch .Berlin .Mouton de Gruyer.
1997a :The theory of functional grammar Part1 : The structure of clause Kees Hangeveld .Mouton de gruyer.Berlin
Dik S.C & Kahrel .P.
1992 : ProfGlot: A multilingual natural language p processor.WPFG .n.º 5
1996: generating sentences in using ProfGlot.in Giovanni Adorni &Michael Zock(eds).Trends in natural language generation :an artificial intelligence perspective .pp 314-330.Berlin.Springer.
Givon.T.
1979 : Preface , in Syntax and semantics XII , Discourse and syntax .Newyork :Academic Press pp xiii
Harder.P.
1996a :Functional semantics :A theory of meaning ,structure and tense in English .Trends in linguistics.Mouton de Gruyer.Berlin.
Hymes .D.H
1972 : On communicative competence .in J.B
Pride and Holmes editors .Sociolinguistics
Pinguin Modern linguistics Reading
1984 : Vers la competence de communication . Credif.Hatier
Jansen.T.M.U
1989 : Towards a universal parsing algorithm for functional grammar .in connolly and Dik (ed). Functional grammar and the computer. Dordrecht . Foris. pp 65 – 76
Perrenoud.Ph
2000 : Competence , language et communication . in les competences dans « enseignement / . apprentissage des langues vivantes.De Boeck
Samuelsdorff.P.O.
1989: Simulation of a functional Grammar . in prolog.in Connolly and Dik(eds).Functional Grammar and the computer.Dordrecht.Foris . pp 29 -76.


– المراجع العربية 

المتوكل . أحمد:
1995 : قضايا اللغة العربية في اللسانيات الوظيفية. : البنية التحتية أو التمثيل الدلالي التداولي. دار الأمان. الرباط.
2001: قضايا اللغة العربية قي اللسانيات الوظيفية : بنية الخطاب من من الجملة إلى النص.دار الأمان.الرباط.

ربيعة العربي

ربيـعة العربي: باحثة وأكاديمية مغربية، أستاذة التعليم العالي بجامعة ابن زهر كلية الآداب و العلوم الإنسانية بمدينة أكاديـر. خبيرة في اللسانيات و العلوم الاجتماعية لدى منظمة الإيسيسكو، نائبة رئيس جمعية لسانيات النص و تحليل الخطاب، منسقة لفريق المعجم و الترجمة، كاتبة عامة لجمعية الباحثات بجنوب بالمغرب، عضو في مركز الأبحاث حول قضايا المرأة و الأسرة، عضو في مختبر المجتمع و اللغة و الخطاب، عضو هيئة تدريس ماستر لسانيات النص و تحليل الخطاب، مشرفة على منتدى فريق البحث الطلابي في اللسانيات، عضو في العديد من مجموعات البحث والجمعيات.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

الإعلانات هي مصدر التمويل الوحيد للمنصة يرجى تعطيل كابح الإعلانات لمشاهدة المحتوى