الدراسات اللغويةلسانيات

مدخل في اللسانيات الحاسوبية (3)

منهج اللسانيات الحاسوبية

بما أن مصطلح اللسانيات الحاسوبية جاء نتيجة لتداخل اللسانيات الحاسوبية بعلوم الحاسوب، وتتناول موضوعات شتى باعتماد على الحاسوب، وهذا ما أدي لاختلاف الباحثون في تحديد مناهج اللسانيات الحاسوبية تحديدا واضحا، ولعل ذلك راجع إلى تجاربهم ومشاربهم العلمية، فإن كان الجميع متفقون على أن هذا العلم يعالج المواد اللغوية في الآلات الإلكترونية، فإن بعضهم يجعله جزءا من الذكاء الاصطناعي،


وبالتالي يفرض على اللسانيات الحاسوبية مناهج الذكاء الاصطناعي، والتي تقوم على جانبين وهما[21]: الجانب النظري، الذي يعني بمعرفة الإطار النظري العميق الذي يعمل في الدماغ البشري لحل المشكلات الخاصة (كالترجمة من لغة إلى أخرى)، أما الجانب التطبيقي فيتمثل في التعامل مع الرياضيات الخوارزمية* والتي هي مجموعة من القواعد ترتب بشكل معين لتعطي نتائج مماثلة للنتائج التي نجدها لدى الإنسان .


هناك من الباحثين على سبيل المثال “إبراهيم أنس”، الذي ربط اللسانيات الحاسوبية بحقل الإحصاء اللغوي للمواد اللغوية، وهنا يستند الباحث على المناهج الإحصائية كل المشكلات. وإضافة إلى ما سبق فهناك فئة أخرى ترى أن اللسانيات ماهي إلا تحصيل حاصل لتصميم وتطبيق لتقنيات العمليات الرياضية الخوارزمية وذلك من أجل اللغات الإنسانية وتركيبها.

نفهم من هذا أنها ذات صلة باللسانيات العامة، حيث نأخذ منها المفاهيم والمبادئ الأساسية المتعلقة باللغة وكيفية اشتغالها ويعتمد الذكاء الاصطناعي والتي هي بحاجة إليه حتى تمثل

المعارف الإنسانية خاصة ما يتعلق بالجانب النحوي و الدلالي، حيث يتمثل الدماغي الآلي للدماغ البشري.


إن المعطيات التي تجري عليها عملية الحساب في الرياضيات الحاسوبية هي كميات معلومة تكون على شكل كائنات رياضية وكذلك الحال في الفيزياء الحاسوبية فإن معطياتها الحسابية هي كائنات فيزيائية وهذا ما يقال أيضا عن اللسانيات الحاسوبية التي تتخذ من المعطيات الحسابية موضوعا لها.

الملاحظ إذن حسب ما مر بأن طبيعة المعطيات المتناولة هي تابعة للنظرية و متوقفة عليها، فقد ينطلق الباحثون من نظريات رياضية أو فيزيائية أو لسانية و تكون معطياتها تبعا لذلك المنطلق،

ومنه فإن تخصيص تلك العلوم بالحاسوبية لا يجعل منها علوما جديدة بقدر ما يسلط الضوء على المنهجية المطبقة في تلك العلوم ينبغي أن يكون للاستخدام الحاسوبي رافد نظري من العلم نفسه الذي يزيد حوسبته،

وبالتالي يكون الاعتماد على الأسس النظرية التي يتوخها المجال المعرفي الذي ينكب الباحثون على دراسة اشتغال معطياته و إقامة التصورات حول العمليات التي تجري عليها، وعلى اللسانيات الحاسوبية العودة إلى الأسس النظرية التي وضعتها اللسانيات العامة و الاستفادة منها في إثراء البحث اللساني الحاسوبي والذي ليس بمعزل عنها[22].


إن تبني مقاربة حاسوبية من أجل دراسة موضوع معين يعني دراسة هذا الموضوع ضمن ثلاث مستويات من التجريد: مستوى المكنزم والمستوى الخوارزمي، والمستوى الحاسوبي الحض، وهي ممثلة كالاتي[23]:

1-مستوى الميكانزيم : يعني بوصف المهام التي تقوم بها العناصر المادية للدماغ، وهنا يقصد بطبيعة الحال الدماغ الآلي.

2- مستوى الخوارزمي: وهي وصف الخوارزمية التي تتحكم في نشاط الجهاز، وتتبع هذه المقاربة عدة تشكيلات وعمليات ممكنة وغير محددة بما أنها على ارتباط بالجهاز المتوفر.

3- مستوى الحاسوبي: أعلى مستويات التجريد، يتعلق بتحليل المشكل في إطار معالجة المعلومة (أي النقل الرمزي للمعلومة) بمعنى يتم تحديد ما يمكن حسابه ولماذا، وكذا توفير نماذج رياضية لهذه المشاكل.


يعتمد البحث في اللسانيات الحاسوبية على النمذجة والتي هي مجموعة من الفرضيات حول مستويات التمثيل يفسر بها الباحث مظهرا حاسوبيا للغة ويطور فيها نماذج نظرية لتفاعل تلك المستويات، وتظهر جليا في المستوى الثالث من مستويات التجريد في الدراسة الحاسوبية للغة.

إذن النظرية اللسانية تتبع النمذجة، وهي نظرية للحسابات اللسانية تضع فرضيات وتقترح مبادئ وقيود لتلك الحسابات ولمواضيعها، بصفة عامة إن أطروحة اللسانيات الحاسوبية تفرض وجود معجم يمكن أن توصف فيه بنية السيرورات الذهنية الخاصة باللغة أي اللغة الضرورية للتعبير عن الخوارزميات .


إن أهم ميزات اللسانيات الحاسوبية هي النمذجة الحاسوبية حيث تضم هدف النمذجة وهو وصف السيرورات التي يمكن حسابها و التي يتم فيها تركيب اللغة وتحليلها، بإضافة إلى تحليل المشاكل في مستواها الحاسوبي، والمقصود بالنمذجة أي أنظمة عملياتية تحاكي بنيتها العلائقية سيرورة معينة كسيرورة اللغة .

لقد شهد نشاط النمذجة في اللسانيات تطورا معتبرا بدءا بسنوات 1970م تهتم النماذج اللسانية بالظواهر المشاهدة، مثل كل العلوم التي تعالج معطيات تجربية، يتعلق الأمر بوضع تصور لجهاز يعطي تشغيله نتائج مشابهة لتلك المعطيات اللغوية المشاهدة، النمذجة إذن وسيلة لتشغيل النظرية، تسير مدى مناسبتها للواقع التي تعمل على تفسيرها.


من هذا المنظار، كلما كان النموذج بسيط كانت قدرته التفسيرية أكبر، بما أنه يمكن تعيين دور كل عنصر من النظرية أثناء اشتغاله، لكن هذه البساطة المثالية تتماشي مع ضرورة الموافقة القصوى للمعطيات في أكبر دقة ممكنة، مما يدعو إلى تعقيد النموذج .

إن صياغة النماذج تتم بمشاركة الرياضيات بصفة مباشرة أو عبر المعلوماتيات، فكل نمذجة حاسوبية تتفرغ دائما عن نموذج رياضي تفرغا ظاهرا أو مقدرا، و المعلوماتيات يقصد بها الجانب الصرفي و التركيبي وبالتالي تنتج محللات صرفية وتركيبية[24] ” يتعين على المعنيين باللسانيات الحاسوبية في بحوثهم توصيف قواعد العربية لأغراض البرمجة الحاسوبية اتباع المنهج الوصفي”[25] .

وحسب هذا القول إذا كان الأمر يتعلق بتوصيف قواعد اللغة العربية لأغراض البرمجة الحاسوبية، فعلى المعنيين إتباع المنهج الوصفي بحيث يقومون بعملية استقراء لنظام اللغة العربية، والذي تناوله مختلف علماء العرب على تعدد مناهجهم و اتجاهاتهم.


وخلاصة القول أن منهج اللسانيات الحاسوبية يتضمن عدة فروع ينبني عليه، أو بالأحرى و الأخص يعتمد عليها فنجد منها : مناهج الذكاء الاصطناعي، المناهج الإحصائية و الرياضيات الخوارزمية. وتعود في بعض الأحيان إلى المناهج التقليدية التي انبنت عليها اللسانيات العامة، عندما يتعلق الأمر بالمفاهيم الأساسية للغة، و اتخذت من النمذجة الميزة الأساسية التي تساعد على تفسير الظواهر اللغوية .


المصدر

موسوي سهام

بالعربية: منصة عربية غير حكومية؛ مُتخصصة في الدراسات والأبحاث الأكاديمية في العلوم الإنسانية والاجتماعية.

تعليق واحد

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

الإعلانات هي مصدر التمويل الوحيد للمنصة يرجى تعطيل كابح الإعلانات لمشاهدة المحتوى