أعلام الأدب العربي

مصطفى صادق الرافعي

أعلام الأدب العربي 

 

     مصطفى صادق الرافعي: أحد أقطاب الأدب العربي في القرن العشرين، مفكرٌ وأديبٌ وشاعرٌ، كتب في الشعر والأدب والبلاغة باقتدار، ينتمي إلى مدرسة المحافظين، إحدى مدارس الشعر العربي الحديث. دافع عن العربية وأصالتها وانتصر لها، وخاض من أجل ذلك معارك عنيفة مع أشهر رجالات الفكر والثقافة في عصره.


  • مولده ونشأته:

      وُلِد «مصطفى صادق عبد الرزاق سعيد أحمد عبد القادر الرافعي» بقرية بهتيم بمحافظة القليوبية في مصر عام ١٨٨٠م، في رحاب أسرةٍ استقى من مَعِينها روافد من العِلمِ والأدبِ؛ فقد زخرت مكتبة والده بنفائس الكتب، كما تشرَّف منزل والده باستضافته لكوكبةٍ من أعلام العلم والأدب، وقد تأثر الرافعي بتلك الكوكبة، واستلهم من نبراس علمهم أُفُقًا جديدًا من آفاق المعرفة، وقد أوفده والده إلى كُتاب القرية؛ فحفظ القرآن الكريم وأتمَّه وهو لم يتجاوز العاشرة من عمره، ثم انتسب إلى مدرسة دمنهور الابتدائية، ومكث بها فترةً من الزمن.

انتقل بعدها إلى مدرسة المنصورة الأميرية وحصل منها على الشهادة الابتدائية، وكان عمره آنذاك سبع عشرة سنة، وقد توقف مشواره الأكاديمي عند هذه الدرجة العلمية لِيُماثِلَ بذلك العقاد الذي لم يَنَلْ سوى الشهادة الابتدائية، ومن الجدير بالذكر أن مرض الصمم الذي أصابه هو الذي اضطره إلى ترك التعليم الرسمي، واستعاض عنه بمكتبة أبيه؛ فعكف على قراءة واستيعاب كل ما فيها. وقد تقلَّدَ عددًا من المناصب؛ فعمل كاتبًا في محكمة (طلخا)، ثم انتقل إلى محكمة (إيتاي البارود)، ثم محكمة (طنطا) الشرعية، واختتم حياته المهنية بالانتساب إلى المحكمة الأهلية.


            وقد أثرى بحر الأدب بالعديد من إبداعاته الشعرية والنثرية؛ فقد أصدر ديوانه الأول عام ١٩٠٣م وهو في ريعان شبابه، وقد حَظِيَ هذا الديوان على إشادة وإعجاب شعراء عصره، فقد أثنى عليه البارودي وحافظ والكاظمي وبعثوا له ببرقيةِ تهنئة؛ ولكن الثناء لم يُثنه عن القرار الذي اتخذه بترك ميدان الشعر والتوجه إلى ساحة النثر الفني الأدبي التي برع فيها، حيث قدم العديد من المؤلفات الأدبية والدينية.


  • انتصاره للأصالة والتجديد:

       خاض الرافعي أكثر من معركة أدبية على أكثر من صعيد، فهاجم سلامة موسى نصرة للمذهب القديم في الأسلوب الأدبي، وانتقد “ديوان الأربعين” للعقاد بقوة وقسوة فثار عليه العقاد وأنصاره، وخاض معركة أخرى مع لطفي السيد حول “تمصير” اللغة العربية.

      تميز أسلوبه بالقوة والصلابة وبثراء اللغة وكثرة المجازات والاستعارات، والتفنن في ابتكار الاشتقاق من الأفعال، والذهاب بها كل مذهب في فضاء البيان الرحب.

       وكان يرى أن اللغة العربية بخصائصها المميزة هي روح الأمة، وهي قوام فكرها ووعاء ثقافتها، ويجب أن تصان عن الإسفاف والابتذال.

        ورغم شهرته بمناصرة المذهب القديم فقد دعا إلى التجديد في فنون الشعر وقوافيه ـــــ على مذهب أهل الأندلس في الموشحات ــــ حتى لا يضيق القول على شعراء العربية المعاصرين.

        يرى الرافعي أن الشعر يجب أن يكون وحيا منبجسا من النفس ممتزجا بدم الشاعر، محمّلا بأوجاع القلب وأنّات الروح، وكان شديد السخط على زخرف القول وقعقعة الألفاظ. كما كان يشترط في المتصدي للنقد سعة الاطلاع وعمق المعرفة، والإحاطة بالآداب وفنونها، حتى لا يكون الحكم على نتائج القرائح صادرًا عن انطباع شخصي أو مزاج متقلب.

من أقواله: “أنا لا أعبأ بالمظاهر والأغراض التي يأتي بها يوم وينسخها يوم آخر، والقبلة التي أتجه إليها في الأدب إنما هي النفس الشرقية في دينها وفضائلها، فلا أكتب إلا ما يبعثها حية ويزيد في حياتها وسمو غايتها، ويمكّن لفضائلها وخصائصها في الحياة، ولذا لا أمسُّ من الآداب كلها إلا نواحيها العليا، ثم إنه يخيل إليَّ دائما أني رسول لغوي بعثت للدفاع عن القرآن ولغته وبيانه، فأنا أبدا في موقف الجيش تحت السلاح”.

          قال عنه الزركلي: شعره نقيّ الديباجة، على جفاف في أكثره. ونثره من الطراز الأول. وقد كتب عنه محمد سعيد العريان، كتاب (حياة الرافعي – ط) ومحمود أبي رية: (رسائل الرافعي – ط) وهي رسائل خاصة، مما كان يبعث به إليه، اشتملت على كثير من آرائه في الأدب والسياسة ورجالهما.

        وقال عنه سعيد العريان: إنه كان: “ناقدا عنيفا حديد اللسان لا يعرف المداراة ولا يصطنع الأدب في نضال خصومه، وكان فيه غيرة واعتداد بالنفس، وكان فيه حرص على اللغة من جهة الحرص على الدين”.


  • المؤلفات

ترك الرافعي للمكتبة العربية كتبا عديدة منها: وحي القلم، وتاريخ آداب العرب، وإعجاز القرآن والبلاغة النبوية، وتحت راية القرآن، وكتاب المساكين، وعلى السفود، ديوان النظرات، والسمو الروحي الأعظم والجمال الفني في البلاغة النبوية، وحديث القمر، وأوراق الورد.


  • الوفاة:

      في يوم الاثنين 10 مايو/أيار 1937 استيقظ مصطفى الرافعي لصلاة الفجر، ثم جلس يتلو القرآن وشعر بألم في معدته فتناول دواء، ثم عاد إلى مصلاه ومضت ساعة ثم نهض وسار لكنه سقط في البهو على الأرض، ولما هب أهل الدار لنجدته، وجدوه قد أسلم الروح إلى بارئها. 

 

مصطفى أحمد قنبر

الدكتور: مصطفى أحمد قنبر. من مواليد أسيوط 1966 (مصر)، حصل على درجة الماجستير 2001 والدكتوراه 2006 في علوم اللغة (اللسانيات). عمل في وزارة التعليم والتعليم العالي في مصر وقطر، كما عمل باحثا متعاونا في مركز الوجدان الحضاري/ وزارة الثقافة والشباب في دولة قطر. يعمل حاليا أستاذاً منتدبا في كلية المجتمع في قطر. شارك في عدة مؤتمرات وطنية ودولية في مصر، قطر، الجزائر، وتركيا. نُشِرَ له اثنان وعشرون بحثاً في مواقع ومجلات علمية محكمة وطنيًا ودوليا في: قطر، الجزائر، السعودية، وألمانيا. بالإضافة إلى تأليف ثلاثة كتب؛ اثنين منها بالاشتراك وواحد فردي: "الإملاء في نظام الكتابة العربية"، "سلطة السياق بين النص والمرسل والمتلقي"، "الحوار مع الآخــــر مُقاربة لُغويـــة لآلياته وعناصــره"، "براعة الاستهلال ودورها في التشكيل النصي ـ فاتحة سورة القدر نموذجًا"، "من إبداعات الدلالة في صيغة الصلاة على النبي صلى الله عليه وسلم دراسة لغوية تحليلية". حكَّم ما يربو على الأربعين من البحوث العلمية المقدمة للنشر في مجلات محكمة وطنيًا ودوليا، شَغِل منصب مُحرر مساعد في العديد من المجلات العلمية المحكمة. له ما يقارب المائة مقال منشورة في صحف ومجلات داخل الوطن العربي وخارجه.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى