الفاسي الفهري يُشرِّح “السياسة اللغوية في البلاد العربية”
تقديم د. محمد وحيدي
للعالم اللساني والخبير الدولي في مجال التخطيط اللغوي، الدكتور عبد القادر الفاسي الفهري، صدر سنة 2013، عن دار الكتاب الجديد المتحدة ببيروت كتاب بعنوان: “السياسة اللغوية في البلاد العربية: بحثا عن بيئة طبيعية، عادلة، ديموقراطية، وناجعة”، يقع في 334 صفحة.
ليس موضوع السياسة اللغوية مطروقا بجدية في الأدبيات العربية، إلا عرضا، ولذلك فإن المؤلَّف المنوه به يأتي في وقته ومكانه، متميزا بجِدة المقاربة وجرأتها وسعتها وراهنيتها ودقتها.
فالكتاب له أهمية كبيرة في السياق الراهن الذي تعيشه الأمة العربية سياسيا وحضاريا، واللغة في قلب هذا الراهن. إنها تواجه تحديات كبيرة وخطيرة ناجمة عن بيئة داخلية وخارجية معادية من جهة، وغياب سياسة لغوية إرادية واضحة وجريئة للدولة (أو الدول) العربية تستجيب لهذه التحديات.
وهناك مفارقة يتسم بها الوضع اللغوي العربي وتستدعي التأمل: ففي الوقت الذي تؤكد دراسات جيو-استراتيجية كثيرة أن مؤشرات عديدة تتنبأ بأن اللغة العربية (إن مني بها العناية الضرورية) ستتبوأ موقعا محوريا في المجرة اللغوية الكونية بحلول 2050 (انظر أبحاث Gradoll، مثلا).
وستكون من بين خمس اللغات الرئيسية العملاقة، لا تأخذ الدول القطرية العربية هذه السيناريوهات البحثية مأخذ الجد، بل ما فتئت تشكك في أهلية اللغة العربية، وتكيد لها، وتشجع الدعوات إلى التخلي عنها.
في هذا السياق يأتي إنجاز الدكتور عبد القادر الفاسي الفهري الجديد الهام، هو الذي ظل منشغلا ملتزما بقضايا اللغة العربية النظرية والتطبيقية طوال نصف قرن من البحث العلمي الرصين. ويتوخى الكتاب تحديد سمات السياسة اللغوية العربية المنشودة.
وهي في نظر الكاتب الطبيعية، والعدالة، والديمقراطية، والفعالية، المتجمعة، كما يقول، في “سياسة لغوية رشيدة وناجعة، تحفظ التماسك والتنوع والانفتاح على ثقافات الغير ولغاته” (ص 19).
وقد خصص المؤلف فصول الكتاب الخمسة لتفصيل القضايا الرئيسة في أي سياسة من منظور مقارن يستثمر ما تراكم في ميادين اللسانيات المجتمعية والتخطيط اللغوي والدراسات الجيو-استراتيجية، على الخصوص.
وقد تناول المؤلف أولا أوضاع اللغة العربية وتحدياتها، وقدم تحليلا لوظائف اللغة العربية وأوضاعها في البيئة اللغوية العربية والدولية من منظور لساني مجتمعي. وقد عالج قضية محورية في الوضع السوسيولساني للغة العربية، وهي ما يسمى في الأدبيات الازدواجية اللغوية diglossia، وبيَّن الفروق بين الازدواجية والثنائية.
وشدد على الحاجة إلى تدقيق ما وصلت إليه الأبحاث في مجال الازدواجية، وموقع اللغة العربية فيها، وعلى دور التخطيط اللغوي في تقويم وضع اللغة الفصيحة، وجعل اللغة المعيار لا تبتعد عن الفطرية.
فالتخطيط اللغوي، برسم دينامية لغوية جديدة، يقوم بدور حيوي في تقليص الفروق بين التنوعات اللغوية (المعيار والعامية) تدريجيا، بحيث تتقوى حظوظ التنوع الأعلى (الصيغة المعيار) في أن تقترب من الفطرية.
خاصة عبر برامج تعلمية تتسم بالإغماس المبكر للأطفال في بيئة لغوية مواتية. ومما يتعرض له الفصل مسألة العلاقة بين اللغة والهوية، وكونها عامل توحيد وتماسك اجتماعي. ويؤكد الكاتب أن اللغة العربية “ليست ذات هوية إقصائية، بل إنها هوية مفتوحة على اللهجات المحلية وعلى المستقبل، إنها هوية متعايشة” (ص 41).
ثم إن دعوى اندثار العربية الفصيحة لصالح العاميات تنطوي على مغالطات كثيرة، وعلى خلفيات مرتبطة بالفكر الكولونيالي، أساسا.
وقد عالج المؤلف موضوع “البيئة السياسية وصنع القرار اللغوي”، انطلاقا من العلاقة الوثيقة بين السياسة اللغوية والتوجهات اللغوية التي يخطط لها.
فالسياسة اللغوية، في نظر المؤلف، سياسة أولا. لذلك ينبه إلى أن: “التوجهات أو الإجراءات اللغوية التي قد تعمد إليها الحكومات لا يمكن أن تقفز أو تستغني عن آليات السياسة الديمقراطية، التي تتطلب مشورة الشعب أو استفتاءه في شؤؤنه اللغوية.” (ص 82).
إن إقرار سياسة لغوية ديمقراطية مطلب ملح وحيوي نظرا لأهمية اللغة في المجال المجتمعي لأن “تقوية الديمقراطية في المجتمع ونشرها متوقف على تنفيذ سياسة لغوية ديمقراطية منسجمة” (ص 116).
ولن يتأتى هذا الخيار بغير احترام لغة الهوية واحترام الذات والثقة بها، وهي أسس تبنى عليها السياسات والمؤسسات الديمقراطية. إن المشكل التقني ليس سوى الجزء الظاهر الذي يعكس مشكلا عميقا في السياسة اللغوية ومواقف النُّخَب الصريحة والضمنية، واللوبيات المرتبطة بالمصالح في الداخل والخارج.
إن السياسة اللغوية العربية عموما، والمغربية خصوصا، تتسم أولا بكونها غير ديموقراطية، تقوم على الحِجر اللغوي، وتغييب المواطن في القرار اللغوي. وهي ثانيا مضطربة وغير واضحة، مما يعكس ضعف القرار اللغوي.
وهي تبلور التعارض بين الوضع القانوني الرسمي والوضع في الواقع العملي، إذ “إنّ تعارض القوانين والدساتير اللغوية مع الممارسة إحدى ملامح السياسة اللغوية في المغرب العربي” (ص 125). إن ضعف القرار اللغوي يميز السياسة اللغوية في الوطن العربي بوجه عام، ويترجم ما يسميه المؤلِّف “الانفصام الهوِّي” بين الحكام والشعب.
ويتناول الكتاب في جزء ثالث موضوعا جديدا وغير مسبوق في الأدبيات العربية، ونادر حتى في الأدبيات الغربية، ويتعلق الأمر بموضوع العدالة اللغوية. وينطلق المؤلِّف من أهمية ولزوم “قيام سياسة لغوية للدولة تبنى بالأساس على إعطاء الأولوية لاستعمال لغة الهوية والبيئة على أرضها وترابها، حفاظا على حقوق المواطنين في لغتهم الأولى، أو اللغة الأم، وإنصافا وعدلا بين اللغات ومتكلميها” (ص 160).
إن أهمية هذا الجزء تكمن في تحديده مواصفات البيئة اللغوية العادلة. وفي هذا السياق، يقوم بتشخيص مظاهر اللاعدالة اللغوية أو “الضيم اللغوي”، ويوضح السبل وآليات تنفيذ المساواة اللغوية انطلاقا من “مبدأ الترابية territoriality principle.
ويقوم هذا المبدأ على أن الأنظمة اللغوية مثل كل التشريعات ترتكز على نظام ترابي، يقوم على الضبط القسري للتعليم والاتصال في الدوائر العمومية، كالإدارات والمحاكم والفضاءات العمومية.
ويستدل المؤلِّف على “أنَّ الحجة لصالح النظام الترابي تكمن في كونه الوسيلة التي تمنع الانقراض التدريجي للغة التي ترتبط بها هوية جماعة معينة” (ص 169). ويدفع الكاتب في اتجاه التصور الترابي الذي يقوم على آلية دعم اللغة الوطنية سياسيا.
وبخلاف ذلك، فقد تترك اللغة لإرادة المتكلمين في سوق لغوية ‘حرة’ وحشية، فيفسح المجال لأن ينطبق ما يسمى قانون لابونس، أو قانون الغلبة عند ابن خلدون، حيث تتغلب اللغة الأقوى، مما يؤول إلى تأثيرات سلبية على اللغة الوطنية وحظوظ بقائها.
وبناء على هذه الأسس والاعتبارات، يقارب المؤلِّف قضية العدالة اللغوية وكيفية استثمارها لخدمة اللغة العربية. فهو يعُدُّ العدالة والكرامة والديمقراطية مبادئ وأسسا ضرورية وحاسمة لتحديد موقع اللغة العربية ووضعها، والحاجة إلى سياسة لغوية منسجمة، متماسكة، وعادلة.
وبالرغم من أن الدستور المغربي لسنة 2011 أقر نوعا من العدالة اللغوية حينما رسَّم الأمازيغية وحفظ للغة العربية وضعها الرسمي الأول، فإن الواقع الفعلي العملي الذي توجهه الدولة يخالف روح الدستور ومنطوقه.
وليس هذا إلا مظهرا من مظاهر الحرب اللغوية المعلنة على اللغة العربية في التعليم والإعلام عبر تشجيع الصيغ اللهجية الهجينة على حساب اللغة المهذبة والمثقفة، ودعم اللغة الفرنسية لتظل لغة العمل شبه الوحيدة في الإدارات والشركات. فاللغة الأجنبية تحتل المكانة العليا على أرض الواقع في التراب الوطني.
إن المشكلة في أساسها ليست إيجاد التشريعات اللسانية الكفيلة بحماية اللغات الوطنية، بل هي في العمق مشكلة تطبيق تلك التشريعات. وهذا ما يطرح سؤال الحكامة اللغوية والمسؤولية. ومن أجل ذلك، يدعو الكاتب إلى ضرورة إعمال مبادئ القانون والعدالة اللغوية والمساواة في الكرامة.
حفظا للحقوق اللغوية للمتكلمين، وتفاديا للحرمان اللغوي. وينبه أيضا إلى ضرورة إعمال تشريعات لغوية، بما في ذلك تجريم الكراهية اللغوية، وتقويم الاعتداءات وخروقات القوانين اللغوية.
إن المسألة اللغوية في جوانب جوهرية منها ومن كنهها مسألة هوية وثقافة وحضارة. لذلك خصص الكاتب جزءا رابعا من مؤلفه لمعالجة علاقة “الثقافة والحضارة واللغة”، وتناول مسألة التنوع الثقافي واللغوي، مشددا على أن المغرب في تاريخه لم يعرف إكراها لغويا كما حدث في أوروبا.
عندما فرضت لهجات قسرا وأقصيت أخرى لأسباب سياسية. فالمغرب عرف تعايشا لغويا منقطع النظير، وقع فيه إقبال على اللغة العربية وترحيب بها لسانا للعلم والدين، دون أن يتم إقصاء ألسن الهوية المتداولة. وعرف المغرب تنوعا ثقافيا وسيميائيا مطبوعا بالتفاعل مع الآخر والانفتاح والتسامح والتعايش.
وقد أبدت اللغة العربية مرونة واستجابة للتعبير عن القضايا الفكرية والعلمية ومتطلبات التواصل الحيوي اليومي.
وقد قدم الدكتور عبد القادر الفاسي قراءة تاريخية للفترات التاريخية المميزة للغة العربية، والتي لها دلالة لسانية مجتمعية قوية، لأنها تدل على مدى قدرة اللغة العربية على تلبية حاجات التعبير والتفاعل مع العصر وثقافته ووسائطه.
فالفترة الذهبية للغة العربية التي أنشِأ فيها بيت الحكمة تميزت بإغناء مفردات اللغة العربية وأساليبها لتعبر عن ثقافة عالمة بالأساس، ثقافة مزجت بين علوم الدين والفلسفة والعلوم الطبيعية. وتميزت فترة النهضة بظهور عربية فصيحة جديدة بفعل الدور الذي لعبته الصحافة وانتشار الطباعة التي كان من نتائجها انتشار القراءة.
وتميزت الفترة المعاصرة بتحولات عالمية كبرى ومؤثرة همت وسائل الاتصال والتبادل وتدفق المعلومات بصورة غير مسبوقة.وفي هذا الوضع، وجدت اللغات الوطنية نفسها في سياق تنافسي يفرض عليها التموقع في المجرة اللغوية الكونية.
هذا السياق التنافسي “يطرح مشكل بقاء اللغة واستمرار الثقة فيها واستعمالها وانتشارها بصيغ جديدة” ويدعونا إلى ضرورة “تقوية اللغة ثقافيا وعلميا وصناعيا، لجعلها قادرة على التنافس وعلى المساهمة في الثورة المعرفية والصناعية الجديدة.” (ص 243).
وبالرغم من تزايد أعداد مستعملي العربية على الشابكة، فإن المؤشرات تدل على الفجوة الكبيرة بين العربية ومنافساتها القوية في هذا المجال، وتحثنا على العمل للنهوض العاجل بهذه اللغة.
وفي جزء أخير، يقدم الكاتب مقاربة جريئة للبعد الاقتصادي في السياسة اللغوية. وهذا البعد مغيب في دراسة وضع اللغة العربية وتقييم الوضع السوسيولساني المغربي والعربي عموما.
وفي هذا الإطار، يلاحظ المؤلِّف أنه “لا يوجد تقييم اقتصادي دقيق للسياسة اللغوية يتجه إلى قياس الكُلَف والفوائد”، وينبه على أن “الحاجة ماسة إلى القيام بدراسات اقتصادية دقيقة للاختيارات اللغوية.
تمكن من التقييم الواضح للسياسات المترددة التي اتخذتها الدولة، والتي، غالبا ما تلجأ، بالقول أو بالمسكوت، إلى تحميل المسؤولية فيها للتعريب، علما بأن الفرنسية التي كانت سائدة قبل الثمانينات، لم تعط أكلا، ولا أشفت داءً.” (ص 270).
إن المعطيات الاقتصادية والسوسيولسانية تشير إلى ضرورة تبني ما يسميه الكاتب “النموذج اللغوي التنوعي والتماسكي” الذي يعطي للسان العربي بكل سجلاته وضعه كلسانٍ للديمقراطية والاقتصاد والتعليم، في تعايش وتساكن مع اللسان المازيغي لسانا للتنوع الهُوِّي والثقافي والتعليمي.
وأما اللسان الأجنبي، فتحدده أساسا المصالح الاقتصادية والمعرفية والتواصلية للمواطنين. إن تحديد كلف الاختيارات اللغوية وفوائدها الاقتصادية ودينامية السوق اللغوية أصبح أمرا ملحا بعيدا عما تفرضه نخب مرتبطة بمراكز ضغط ولوبيات اقتصادية معروفة.
لقد اختار الدكتور عبد القادر الفاسي الفهري في هذا العمل مقاربة موضوع السياسة اللغوية العربية، وفي المغرب تحديدا، من منظور شمولي يأخذ بعين الاعتبار الأبعاد الحضارية-الهوية والسياسية والاقتصادية للمسألة اللغوية. ويمكن أن نجمل هذه المرتكزات في المحاور الآتية.
- 1. اللغة سيادة وهوية
لم ينفك المؤلِّف يؤكد في مناسبات عديدة أن السياسة اللغوية التي لا تستحضر البعد الهوِّي والحضاري سياسة جوفاء ومفصولة عن بيئتها ومحكوم عليها بالموت. والهوية في نظره هوية تراكمية تقوم على التنوع في الوحدة والوحدة داخل التنوع.
إن تعدد الألسن ‘خير’ ينبغي تثمينه من أجل التماسك الهوي، والهوية ليست إقصائية أو منغلقة بدواعي الخصوصية، بل مفتوحة وقابلة للتعايش. وهي لا تنفصل عن السيادة. فاللغة الوطنية ينبغي أن تسود في ترابها، وهذا أمر قائم في كل التجارب التي اختارت تدبير التنوع اللغوي. وبدون سيادة اللغة لا يمكن صيانة كرامة المواطنين.
- 2. اللغة عدالة وكرامة
كيف يمكن الحديث عن سياسة لغوية لا تقوم على مبادئ العدل والكرامة والمساواة؟ هذه العدالة لا تتحقق بدون المساواة في الكرامة. إن اختلالات السياسة اللغوية في الوطن العربي عموما ناجمة عن ضيم لحق اللغة الوطنية بمبررات واهية، وترتب على ذلك امتهان كرامة المواطن الذي فقد ثقته في لغته.
ولذلك فإن سياسة لغوية لا تقوم على إعادة الثقة إلى المواطن في لغته ولسانه ستكون سياسة بلا جدوى وبلا معنى.
- 3. اللغة والتحرر
ماذا يفعل الإنسان عندما يشعر بالمهانة؟ إنه يتحول إلى بركان هادر. لقد كان أول دروس ما يسمى الربيع العربي هو أن العربي قام بثورته بلسان هويته ووجدانه. فلم يجد الشباب العربي الثائر غير أبيات قيلت في ثلاثينيات القرن الماضي ليعبر عن رفض الظلم والرغبة في التحرر والانعتاق.
لقد ملأت عبارات صارت كالأيقونات الميادين والساحات العربية، ولم تكن إلا بلسان عربي مبين. أفبعد هذا يأتي من يدعو إلى تبني دعاوى كولونيالية مقيتة!؟
- 4. اللغة والديموقراطية
إن المسألة اللغوية في العالم العربي بوجه عام، والمغرب خاصة، ليست مسألة تقنية تتصل بوضع الخطط وتوفير الأدوات للنهوض باللغة العربية وتطوير وضعها فقط. إن القضية في جوهرها قضية سياسة. إن تدبير المسألة اللغوية تتعلق بكيفية تدبير شأن من شؤون الشعب، وآليات هذا التدبير.
وفي هذا الإطار، ينبهنا الكتاب إلى أسئلة هامة: من يتخذ القرار اللغوي؟ كيف يتخذ القرار اللغوي؟ ما هي آليات تنفيذ التشريعات اللغوية؟ كيف ندبر الشأن العام في الفضاء العمومي؟
لقد آن الأوان أن ننظر إلى المسألة اللغوية في بعدها الشمولي، وأن نتجه إلى وضع سياسة لغوية تترجم سمة البعد الشمولي. ونحن نقدم للقارئ هذا الكتاب الجديد للدكتور عبد القادر الفاسي الفهري للقارئ، نؤكد قناعتين: اقتناعنا التام، أولا، بأن هذا المشروع اللساني الكبير المتعدد في أبعاده لم يُستوعَب بالشكل الكافي.
ولذلك لا بد من التعريف الدائم والمتواصل بقضاياه ومحاوره، والسعي إلى نشره للفائدة العامة. وقناعتنا الثانية هي أن هناك وعيا عاما بدأ يتشكل حول التحديات التي تواجهها اللغة العربية في بيئة معادية لها، بفضل مساهمات الرواد في النقاش العمومي، وتوعيتهم وتنويرهم، الذي لا يقوم بغير معرفة لما وصلت إليه علوم لسانية وإنسانية واجتماعية متداخلة ومتفاعلة.
وإذا كانت اللغة قلبا وعقلا، فما أحوجنا في تدبير شؤونها إلى المعرفة الراقية والخبرة المتبصرة التي بلورها المؤلَّف الجديد.