اللسانيات الوظيفية وأثرُها في الدرس اللساني بالمغرب
- مقدمة
انسجاما مع طبيعة المعرفة البشرية وتطور تاريخ الأفكار، لم تكن اللسانيات لتعرف استقرارا عند المدرسة البنيوية التي أرسى معالمها اللساني السويسري (فيرديناند دي سوسير)؛ والتي تعاملت مع الظاهرة اللغوية باعتبارها بنية مغلقة لا تستعين في دراستها للغة بالعوامل الخارجية.
ولا عند المدرسة التوليدية التحويلية التي أعطت الأهمية والأولوية للقدرة الذهنية للمتكلم؛ المسؤولة عن انتاج وفهم ما لا نهاية له من الجمل، بل ظهرت ثورات جديدة في الدراسات اللغوية أقامت أسسها على أنقاض المدرستين السابقتين، وركزت على الظاهرة اللغوية دون عزلها عن وظائفها عامة، والوظيفة التواصلية خاصة.
انطلاقا مما سبق سوف تحاول هذه الورقة التطرق إلى اللسانيات الوظيفية خارج الأوطان العربية من خلال المبحث الأول، وذلك عبر محورين، يعالج الأول منها اللسانيات الوظيفية من حيث نشأتها، بينما يعالج الثاني أهم الأسس والمنطلقات التي بنيت عليها.
أما المبحث الثاني فإنه تطرق إلى أثر اللسانيات الوظيفية في الدرس اللساني بالمغرب، وذلك عبر ثلاثة محاور؛ تناول الأول منها نشأة اللسانيات الوظيفية بالمغرب، وتناول الثاني المشروع اللساني الوظيفي لأحمد المتوكل، بينما توقف المحور الثالث على إشكالية المصطلح اللساني في اللسانيات الوظيفية بالمغرب.
ولعل من أهم أهداف الورقة، السعي إلى متابعة فكرنا اللساني قراءة وتحليلا ونقدا دون عزله عن سياق ظهوره وأهم العوامل التي أدت إلى ذلك، وكذا التنبيه إلى ضرورة القراءة النقدية والمنهجية لأعمالنا اللسانية في الثقافة العربية بهدف الرقي بها إلى المستوى المطلوب، استجابة للضرورة الملحة في تناول قضايا اللغة العربية ودراستها دراسة لسانية علمية بعيدة عن الاستيراد والاستهلاك والاسقاط.
إضافة إلى الوقوف على مختلف القضايا الإبيستيمولوجية والإشكالات النظرية والتصورية التي رافقة نشأة وتطور الدرس اللساني بالثقافة العربية، من قبيل إشكالات التلقي والترجمة وفوضى المصطلح اللساني، وكذا إشكالية المنهج وموقع الدرس اللساني العربي القديم من النظريات اللسانية الحديثة وغيرها.
والله من وراء القصد
- المبحث الأول: اللسانيات الوظيفية خارج الأوطان العربية
- المحور الأول نشأة اللسانيات الوظيفية خارج الأوطان العربية
يتفق معظم اللسانيين على أن النظريات اللسانية تنقسم من حيث موقفها من علاقة بينة اللغة بوظيفتها إلى قسمين كبيرية هما[2]:
- النظريات الصورية: لا تؤمن بأن للغة وظيفة معينة؛ أو لا تؤمن عن الأقل بجدوى أخذ الوظيفة بعين الاعتبار في التنظير اللساني. ويقف أصحاب هذه النظرية عند بنية اللغة دون تجاوزها إلى ما يمكن أن تحمله من وظائف تواصلية.
- نظريات وظيفية: تنطلق من مبدأين منهجيين أساسيين: تأدية اللغة لوظيفة التواصل وارتباط بنية اللغة بوظيفتها هذه ارتباط “تبعية”. وتندرج في الفئة الثانية من النظريات “نظريات النحو الوظيفي”، حيث يركز على وصف بنية اللغة من خلال ما تؤديه من وظائف داخل المجتمع.
وبالرغم من أن اللغة حسب المدرسة الوظيفية بكل اتجاهاتها تستخدم لتأدية وظائف متعددة ومتباينة، فإن “هذه الوظائف فروع لوظيفة أصل هي وظيفة التواصل”[3]. وتجدر الإشارة هنا إلى أن الاهتمام بالجانب الوظيفي في دراسة اللغة لم يكن وليد هذه التيارات للسانية الوظيفية الحديثة،
بل إن الانتباه إلى الجانب الوظيفي أخذ حظا وافرا في التراث الإنساني البشري عبر مر الحضارات عموما وفي التراث اللغوي العربي خصوصا، فغلى اليوم ما يزال حد ابن جني للغة في قوله: ” حد اللغة أصوات يعبر بها كل قوم عن أغراضهم”[4]؛ دليلا واضحا على استيعاب علماء العرب المسلمين قيمة اللغة التواصلية والتعبيرية والتداولية.
ينبغي إدراج المدرسة الوظيفية (براغ) ضمن اللسانيات الوظيفية عكس ما هو متعارف عليه في مختلف الكتب والدراسات اللسانية. والحق أن هذا الاجتهاد استمد أسسه من الإشارات التي تناولته في مختلف التآليف اللسانية وإن اكتفت بالإشارة إليه دون ان تخرجه من الاتجاه البنيوي إلى جانب (دو سوسير) و(بلومفيلد) وغيرهما؛ فمن خلال الملاحظة الأولية يدرك الباحث أن هذه الدراسات تعتبرها شيئا لا يتجزأ عن البنيوية بمختلف اتجاهاتها.
من المفيد أن نشير هنا إلى إمكانية النظر إلى مدرسة (براغ) على أنها مدرسة لسانية بنيوية من جهة ووظيفية من جهة أخرى؛ ويمكننا القول كذلك أنها مدرسة لسانية بنيوية ووظيفية في نفس الوقت، إذ النظر إلى اللغة باعتبارها بنية ونسقا منتظما لا يمنعنا من الحديث عن الغاية الوظيفية التواصلية من استخدام اللغة، وكأن المدرستين بإمكانهما الاسهام في بناء حقيقة مفادها ضرورة التكامل بيتن المناهج المعتمدة في دراسة اللغات الطبيعية.
يعتبر غلفان من أبرز من أكدوا على التميز الوظيفي لمدرسة (براغ) وإن أدرجها ضمن التيارات البنيوية. قال: “تعتبر حلقة (براغ) في دراسة اللسان تيرا وظيفيا لأنها تنظر إلى اللغة كأداة لتحقيق أهداف محددة، وكل لسان له حتما وظائف يقوم بها بشكل عادي، فنحن نستعمل اللسان من أجل تحقيق وظيفة محورية هي التواصل”[5].
ولأن مدرسة (براغ) والتيارات التي جاءت بعدها ركزت على وظيفة التواصل في تعاملها مع الظاهرة اللغوية فإنه وجب علينا بالفعل القول بأن “مدرسة (براغ) أفضل من يمثل الاتجاه الوظيفي في دراسة اللغة”[6]، أو –عن الأقل- أول من يمثل هذا الاتجاه.
من المتفق عليه بين الباحثين أن جذور اللسانيات تعود إلى جملة من الأبحاث اللسانية المتراكمة وإن لم تعرف في مدرسة محددة بعينها ولا عند لساني واحد؛ فقد توصل شادلي المصطفى من خلال دراسته 2015، إلى وجود ثلاثة اتجاهات لسانية كبرى في اللسانيات الوظيفية[7]، جاءت كلها انطلاقا من (دو سوسير) في مرحلة أولى؛ ومما توصل إليه الباحثون في مدرسة (براغ) في مرحلة ثانية،
حيث أسس (تربتسكوي) نظرية عامة للفونولوجية وفقا للمبادئ العامة ولمعايير الملاءمة الوظيفية من أجل تصنيف وإعادة تنظيم الاختلافات الصوتية التي تكتشف في دراسة اللغات الخاصة. وعلى غرار الفونولوجيا العامة، ظهرت الفونولوجيا التعاقبية على يد (جاكبسون)، حيث سعى إلى وضع نظرية فونولوجية مبنية على تصميم ثنائي للدلائل لمميزة،
ويكون هدفها؛ الوصول إلى الكليات الفونولوجية للغة. كما اهتم بالشعرية وعرف بالبرنامج التواصلي، حيث تقابل فيه الوظائف التواصلية الستة مكونات الخطاطة التواصلية الستة كذلك[8].
أما الاتجاه الثالث الذي تحدث عنه شادلي فهو اتجاه (مارتينه) أو ما يطلق عليه عادة بالمدرسة الوظيفية الفرنسية؛ فقد استطاع (مارتينه) أن يتميز في آراءه عن كل من (تربتسكوي) و(جاكبسون)، وذلك راجع إلى ارتكازه على جملة من الآراء نذكر منها:
- ارتبط الوضعية الوظيفية للغة بالتواصل اللفظي، كما يمكن أن تأخذ الوظائف المستخرجة قيمة تفسيرية وليست وصفية فقط.
- معاملة البنية الخاصة للغة على أنها بنية مزدوجة التمفصل حسب مبدأ (دو سوسير) المتعلق بالمحايثة.
- رفض الشكلانية والبداهة في وصف اللغة، وضرورة الامتثال للوقائع ورفض كليات اللغة.[9]
تسيسا على ما سبق ارتأينا الحديث عن اللسانيات الوظيفي بدءا من حلقة براغ مرورا بالوظيفية الفرنسية مع (أندري مارتينه) ووصولا إلى أبحاث سيمون ديك دون التعمق والنبش في كل المدارس التي تأثرت باللسانيات الوظيفية وكذا الأبحاث الفرية والآراء المتجددة.
وذلك اعتبارا للمقام ومراعاة للاختصار المفيد؛ دون أن يعني ذلك إقصاء لكل الجهود سواء التي أسست للتيارات الوظيفية أو الأبحاث الجانبية لتي ظهرت بالموازاة مع هذه التيارات الثلاثة.
لقد “تأسست حلقة (براغ) الألسنية عام 1926، وضمت في صفوفها كلا من (جاكبسون)، و(تربتسكوي)، و(موروفسكي)”[10]؛ ولأهمية روادها ومكانتهم العلمية، فقد عرفت انتشارا كبيرا وواصلت نجاحاتها إلى مختلف الدارسين والباحثين في مناطق واسعة من العالم؛ فاشتهرت أفكارهم وانضم إليها المزيد من العلماء، ولعل قوة آرائها بالإضافة إلى الذي سبق راجع إلى ما بدله هؤلاء الأعلام من جهود في دراسة اللغة؛ وقد ذهبوا إلى أن:
- النظام اللغوي يتكون من وسائل تعبيرية، تؤدي وظيفتها تواصليا؛ ومهمة اللساني دراسة الوظيفة الفعلية للغة.
- اللغة حقيقة واقعية محكومة بعوامل خارجية (غير لسانية)
- تشمل اللغة مستوى عاطفيا إلى جنب المستوى الذهني (المفهومي)، وعلى اللساني بحث العلاقة الحاملة لهذين المستويين بين أشكال اللغة.
- ضرورة البحث في العلاقة بين اللغات المكتوبة والمنطوقة لانعدام التطابق بينهما.
- أهمية المنهج الآني على التاريخي في واقع اللغة الفعلي، ونظرا لاهتمامهم بعوامل خارج اللغة أرسوا جملة من المبادئ الوظيفية من بينها ما عرف لديهم بـ (الصوتيات الوظيفية)[11]، بدءا من المؤتمر الدولي الأول سنة 1928 في “لاهاي” وما تلته من مؤتمرات عدة منها:[12] جنيف 1933، وكوبنهاغن 1936، وباريس 1946، ولندن 1952، وأسلو 1957، وغيرها.
تجدر الإشارة إلى أن مدرسة (براغ) قد تأسست على يد أعلام لم تكتب لهم الشهرة شأن (تروبتسكوي) و(جاكبسون)؛ منهم على سبيل المثال لا الحصر اللساني التشيكي (قاليم ماتيوس) 1882-1945، الذي اشتهر بما يعرف بالنظرة الوظيفية للجملة[13]، و(ترانكا TrankaK)، و(متنيزيوس Mathesieus)، و(فاشيك Vachek).
كما أنها امتداد للمدرسة الروسية التي بدأها (كارسفسكي) بعدما نشر أفكار (دو سوسير) 1915 وعمل على تطويرها وقيادة ثورة على المناهج القديمة إلى جانب عدد من الشبان[14] ممن استفادوا من محاضرات (دو سوسير) وتأثروا بأفكاره وأراءه.
“وبالنسبة للسانيات براغ فإن مظاهر اللغة التي تعني اللغوي هي تلك لمظاهر التي تتصل بوظائف اللغة، واللغة من تم هي مجموعة من القواعد الاجتماعية لمطورة تكيفت مع مجموعة من الوظائف، وهذه الوظائف هي التي تزود اللسانيات بالقبلي Apriori الذي على أساسه يمكن أن تنشا أنظمتها، ولا تشتق الوظائف من خصائص العقل، ولكن من الحاج إلى الاتصال التي تعتمد هي نفسها على السياق الاجتماعي”[15].
وتجدلا الإشارة إلى أن مدرسة براغ كانت أول من دعا بشكل كبير إلى إدماج وظيفة اللغة في التحليل اللساني. وركزت على “وظيفة اللغة الأساس التي هي التواصل ضمن وظائف أخرى ممكنة بحسب السياق والمقام والبنيات اللغوية المستعملة”[16].
ومما دفعنا إلى الحديث عن براغ خارج البنيوية أنها خرجت عما ذهب إليه ( دو سوسير) في القول “بأن البنى اللغوية ينبغي أن تدرس في حد ذاتها، وبغض النظر عن العناصر الخارجية عن اللغة بوصفها نظاما مجردا مستقلا.
وتتلخص وجهة النظر الوظيفية في صعوبة الفصل بين البنية اللغوية والسياق الذي تعمل فيه، والبنية التي تؤديها تلك البنية في السياق”[17].
من المفيد أن نشير إلى أن أفكار مدرسة (براغ) انبنت بالأساس على آراء (تربتسكوي) و(جاكبسون)، لذلك فلما توفي (تروبتسكوي) سنة 1938، وانشغل (جاكبسون) بالتدريس والبحث الجامعي، ضعفت قوة ونفوذ هذه المدرسة، مما أدى إلى ظهور الأفكار التي نادت بها وبشكل جديد في فرنسا مع رائد اللسانيات الوظيفية اللساني الفرنسي (أندري مارتينه)؛ الذي قاد ثورته الوظيفية مستفيدا من أفكار براغ.
في هذه المرحلة سيعرف النحو الوظيفي ازدهارا بفعل آراء (مارتينيه) في دراسته للغات الهندوأروبية في جانبها الصوتي بخاصة، وفي مختلف قضايا اللسانيات العامة بصفة عامة. ويعد (مارتينيه) من أبرز من واصلوا الطريق الذي بدأته مدرسة براغ، ودافعوا عن تصوراتها وآرائها، لا سيما آراء (تروبسكوي) التي طبقها (مارتينيه) على اللسان الفرنسي.
قال سامسون متحدثا عن (مارتينه): “يبدو من الانصاف أن نجعله أو نعده زعيم المؤيدين المعاصرين للخط الرئيسي لأفكار مدرسة براغ”[18]، كما اقترح بعض المبادئ والقضايا في اللسانيات العامة انطلاقا من منظور وظيفي[19].
وبالإضافة إلى هذا فإن (مارتينه) قد أسهم في “إزالة الفصل بين بين علم الأصوات phonetics المنسوب إلى العلوم وبين علم الأصوات الوظيفي phonology المنسوب إلى الدراسات الإنسانية، لأنه عد الأصوات نوعا من الصوتيات الوظيفية،
وهو منظر في الأصوات الوظيفية الزمانية التي قصد من خلالها التركيز على تفسير اللغة بالاعتماد على مصطلحات سهلة خالية من الغموض كمصطلحات اللغة langue والجملة phrase والوحدة الصوتية phonème والوحدة الصرفية المونيم التي تقابل المورفيم في بعض النظريات الحديثة”[20].
من نافلة القول الإشارة إلى أن (مارتينه) لم يخرج كثيرا على أفكار ( دو سوسير)، إلا أنه طورها وأبان الجانب الوظيفي فيها، ويتمثل ذلك حسب غلفان في أمور نذكر منها[21]:
- الاتفاق مع ( دو سوسير) في كون اللسان ظاهرة اجتماعية وظيفته الأساس هي التواصل
- تجديده في ثنائية الكلام واللسان وتأكيده على ضرورة الفصل بينهما؛ وذلك وفق اهتماماته الصواتية.
- اعتبار اللسان نسقا من العناصر ينبغي دراسة طبيعتها ووظيفتها وعلاقتها المتبادلة، لأن النسق “بنية” يترابط فيها الكل.
- التمييز بين الدراسة التزامنية والتعاقبية دون إحداث القطيعة بينهما مع التركيز على الجانب الوظيفي في كلتا الدراستين.
تجدر الإشارة أيضا إلى أن الدراسات الوظيفية تستند إلى ما قدمته المدرسة النسقية بلندن، وهي متأثرة بأعمال حلقة براغ كذلك، حيث تعد اللغة ظاهرة بشرية متكاملة، وإن دراستها في مستوياتها الجزئية الصوتية والصرفية والنحوية والدلالية تفقدها طابعها التواصلي الذي يميزها[22].
إلا أنه في النصف الثاني من القرن الماضي، خاصة مرحلة التسعينيات حيث عرفت الدراسات الوظيفية تطورا ملحوظا، وشهدت الدراسات النحوية الوظيفية ازدهارا كبيرا بفضل آراء سيمون ديك الذي اهتم بوظيفة اللغة الأساسية (التواصل).
والذي انطلق من تحديد موضوع اللسانيات في وصف القدرة التواصلية لدى المتكلم والسامع، مما جعل بعضهم يعده نظرية في التركيب والدلالة من وجهة نظر تداولية[23]. ولعل من أهم ما ميز هذه المرحلة هو أن سيمون ديك اقترح “أن يدرج النحو الوظيفي ضمن نظرية تداولية، أو نظرية لغوية شاملة، تجمع نظريات التواصل اللغوي المختلفة”[24].
وقد ذهب المتوكل إلى أن النحو الوظيفي الديكي –نسبة إلى ديك- قد مر “بالنظر إلى بنيته العامة بمرحلتين أساسيتين اثنتين يمتلهما كتابا ديك (ديك 1978 وديك 1989)، وتختلف المرحلة الثانية في أمرين؛ أولا: أصبح الجهاز الواصف باعتباره نموذجا لمستعمل اللغة الطبيعية.
جهازا مركبا متعدد القوالب. ثانيا: انتقل التمثيل التحتي للعبارات اللغوية من بنية بسيطة إلى بنية متعددة الطبقات تتضمن حملا وقضية وجملة على اعتبار أن طبقة الجملة تعلوا طبقة القضية وأن طبقة القضية تعلوا طبقة الحمل”[25].
بهذا، إذن، تكون اللسانيات الوظيفية قد بدأت أفكارها في محاضرات (دو سوسير)، قبل أن تصبح منهجا للدراسة مع رواد حلقة براغ وفي مدرسة (مارتينه) الفرنسية، وصولا إلى المدرسة الهولندية مع (سيمون ديك) مما جعلها فيما بعد إطارا نظريا ومنهجا عاما لكل اللسانيات المتأثرين بها. حيث ظهرت دراسات مختلفة سارت على نهج سيمون ديك وسعت إلى الإجابة على إشكالات اللغات الطبيعية وفق آراء هذه النظرية.
ومما ينبغي التنبيه إليه هنا هو أن العربية لم تكن لتنجوا من إعراضها لهذه الأفكار بفضل جيل من اللسانيين الوظيفيين العرب، كان المتوكل من أبرزهم. وقد تمكن “بفضل رسوخ قدمه في التراث اللغوي العربي، وحسن استيعابه للنظريات اللغوية الحديثة من إغناء الدراسات النحوية العربية بمفاهيم ومصطلحات حديثة، شكلت نظرية علمية متماسكة”[26] تلقاها الباحثون بترحيب واسع في السنوات الأخيرة واستطاعت أن تحل محل اللسانيات التوليدية أو تنافسها عن الأقل.
- المحور الثاني: اللسانيات الوظيفية: الأسس والمنطلقات
أشرنا فيما سبق إلى أن أهم المبادئ التي ترتكز عليها اللسانيات الوظيفية تعود إلى المؤتمر الدولي للسانيات سنة 1928 في “لاهاي”؛ وقد ارتكزت الدراسة بدءا من هذه المرحلة على الدراسة الصوتية الوظيفية.
فمن خلال التأمل في المدارس اللسانية الوظيفية يتبين أن الوظيفيين انصب اهتمامهم على دراسة الأصوات بشكل كبير، فكان لهم بذلك فضل التمييز بين قسميه مع تحديد مجالات اشتغال كل منهما وكذا حدوده ومصطلحاته.
وبالرغم من وجود بعض الاختلافات والفوارق بين الاتجاهات الوظيفية إلا أنهم اتفقوا جميعا على وظيفة اللغة التواصلية باعتبارها أصلا إلى جانب باقي الوظائف الفرعية، “ومعلوم أن المنحى الوظيفي في اللسانيات الحديثة يقوم على مبدأين اثنين، أولهما أن وظيفة التواصل هي الوظيفة الأساسية التي تؤديها اللغات الطبيعية، وثانيهما أن تفسير السلوك اللغوي تفسيرا علميا يقتضي ربط بنية اللغة بوظيفتها التواصلية”[27].
والأكثر من ذلك أن الغاية التواصلية صارت معيارا لقياس مدى نجاعة النظرية اللسانية، حيث “يتم التركيز عند براغ على دور المتكلم والسامع في كل عملية كلام بوصفها أساس النشاط اللغوي (…)، وتكمن أهمية الممارسة اللسانية نظريا ومنهجيا، بل مردوديتها في مدى قدرتها وفعاليتها في إبراز العناصر التي تجعل اللغة أداة تواصل وتعبير عن التجارب والخبرات الفردية والجماعية“[28].
لقد توصل غلفان بعد دراسته للسانيات الوظيفية في مدرسة (براغ) إلى أن الوظيفيين في هذا الاتجاه يؤكدون على دراسة اللغة “باعتبارها وسيلة تواصل- كما سبقت الإشارة إلى ذلك، وأن اللسان يستعمل في النشاط الإنساني لتحقيق وظائف متعددة ومتنوعة، ومن تمة فإن الأساس في التحليل اللساني الوظيفي هو الكشف عن الخصائص والمميزات التي تجعل عملية التواصل أمرا ممكنا”[29].
من المفيد أن نشير إلى أن اهتمام اللسانيين في ظل الدرس اللساني الوظيفي تحول من الاعتناء ببنية الخطاب إلى الاعتناء بالمتكلم، وقد أقر الوظيفيون “أن المخاطب هو الذي يقرر أي من المعلومات ينبغي أن يعد من المسلمات، وأيها ينبغي أن يعد جديدا”[30].
إضافة إلى “الاهتمام بدراسة الوحدات اللغوية داخل الخطاب، إلى جانب دراسة المحتوى غير اللغوي، والاعتداد بالسياق اللغوي وموقف المتكلم من الخطاب ذاته ومن السامع”[31]. واستجابة لهذا التغير فإن بنية الجملة تشكلت في تصور الوظيفيين من مجموع وظيفتين هما[32]:
- وظيفة المحور؛ ويمثلها الخبر المعلوم لدى السامع في مقام ما، وتبتدئ الجملة عامة بما هو مشترك بينه وبين المتكلم؛ إلا إذا كان المقام يتطلب الاهتمام بالجديد المجهود؛ حسب طبيعة التواصل.
- وظيفة التعليق؛ يمثلها الجزء الحامل للمعلومة الجديدة، وكلما ارتبط بعناصر أخرى تدعم نموه كلما اتسم بالحركة والنماء.
تأسيسا على ما سبق يمكن تلخيص أهم المبادئ التي يقوم عليها النحو الوظيفي؛ وهي مبادئ منهجية تعود إلى نماذج سيمون ديك 1978، 1980، 1983، ونذكر منها[33]:
- وظيفة اللغات الطبيعية “الأساسية” وهي وظيفة التواصل، حيث يسعى -حسب مارتينه- كل لسان إلى “إشباع الخاصيات التواصلية والتعبيرية، وهذه الغاية لا تتغير بتغير اللسان والزمن، إذ يظل مبدأ التواصل هدف كل لسان، والمتأمل في كتابات (مارتينه) سيهدي إلى جملة من المبادئ التي أقام عليها مشروعه الوظيفي، منها[34]: (الوصفية الواقعية- رفض البعد النظري العام ورفض الشكلانية تحليلا وصياغة- اعتماد الوظيفة مقياسا للتحليل اللساني- التأكيد على دينامية اللسان)
- النحو الوظيفي نظرية للتركيب والدلالة منظورا إليهما من وجهة نظر تداولية
- هدف الوصف اللغوي هو السعي إلى تحقيق أنواع ثلاثة من الكفاية: (الكفاية النفسية- الكفاية التداولية- الكفاية النمطية)
من المفيد كذلك أن نشير إلى أنه من الصعوبة بمكان الإحاطة بما يميز التيار اللساني الوظيفي والالمام بكل قواعده ومبادئه في مقام كهذا، بل إن إشكالية سوء الإحاطة بالمدرسة أو التيار اللساني من أهم ما يعاب على الدراسات اللسانية العربية.
لكن الغاية التي سعينا وراءها من خلال عرض هذه الآراء هي التأكيد على حقيقة التراكم المعرفي في الدرس اللساني واستفادة اللاحق من السابق في تطوير النظريات اللسانية والوصول إلى اعتماد مناهج أنجع في التعامل مع الظاهرة اللغوية.
فعلى غرار الاتجاه البنيوي الذي يدرس اللغة باعتبارها بنية مغلقة، والاتجاه التوليدي التحويلي الذي انصب اهتمامه بالقدرة الذهنية للمتكلم السامع المثالي والاعتماد على قواعد عقلية منطقية، سوف تظهر الاتجاهات الوظيفية التي “لا تؤمن بتأسيس النظرية اللسانية استنادا إلى مرجعيات فلسفية ومنطقية تدرس اللغة بعيدا عن ديناميتها.
وتزج بالدراسة في غياهب الفرضيات والمبادئ العامة، والبحث عن كليات ليس لها ما يدعمها أو يؤكد وجودها في الواقع اللغوي”[35].
كما ظهرت اتجاهات لسانية أخرى لا تقل أهمية عن هذه المدارس في تناولها للقضايا اللغوية؛ منها التخاطبية والتداولية وفروع اللسانيات التطبيقية شأن اللسانيات الاجتماعية واللسانيات النفسية والحاسوبية وغيرها.
وقد حاولت هذه الاتجاهات كل من وجهة نظرها تجاوز بعض الإشكالات التي وسمت بها الدراسة الوظيفية وحالت بينها وبين التوصل إلى نتائج علمية في التعامل مع الظاهرة اللغوية.
- المبحث الثاني: اتجاه اللسانيات الوظيفية بالمغرب
- المحور الأول: اتجاه اللسانيات الوظيفية بالمغرب وبدايات النشأة
يجدر بنا في بداية هذا المحور أن نشير إلى أن الدرس اللساني بالمغرب قد بدأ بتطبيق المنهج البنيوي وتناوُله في الدراسات اللسانية الأولى، والتركيز على مضامينه كما وردت في محاضرات (دو سوسير) ومحاولة تقريبها إلى القارئ.
لكن سرعان ما شق اللسانيون المغاربة طريقهم نحو اللسانيات التوليدية التي ظهرت نماذجها على يد (تشومسكي)، ثم اللسانيات الوظيفية بصفة عامة والنحو الوظيفي الذي طرحه (سيمون ديك) بشكل خاص.
فالمغرب وإن تأخر في انفتاحه على البحث اللساني، “متميز في محيطه في مجال اللسانيات بدون شك، فقد اتخذ البحث اللساني في بلادنا مناحي متعددة رادها وأسهم في إغنائها وتطويرها باحثون من مستوى رفيع لم يكتفوا بتطبيق النظريات اللسانية الحديثة على المعطى اللغوي المحلي بمختلف مكوناته، بل اجتهدوا في تطوير تلك النظريات نفيا انتقادا وتعديلا وإغناء”[36].
وقد استطاع المنحى الوظيفي بالرغم من تأخره بالمقارنة مع المنحى البنيوي والتوليدي التحويلي، “أن يحتل موقعه داخل البحث اللساني المغربي الزاخر وأن يعايش باقي مكوناته القديمة والحديثة في سلام نسبي، وأعانه على ذلك، في رأينا، ثلاثة أمور أساسية: أولا: اجتهاد الباحثين الذين تبَنَّوْهُ المستمر، وثانيها: انتهاجها نهجا مغايرا في البحث، وثالثا: أنه لم يستهدف قط إقصاء المقاربات الأخرى،
بل على عكس ذلك، ظل يستفيد منها رؤى ونتائج كلما دعت الحاجة واستطاع إلى ذلك سبيلا، مؤمنا أشد الإيمان بوحدة البحث اللساني ونسبيته وإمكان التحاور الممنهج بين مذاهبه حتى وإن فصل بينهما مرور الزمن”[37].
ومن المهم أن نشير أيضا في البداية إلى أن النحو الوظيفي بالمغرب قد استطاع أن يواكب النظريات اللسانية الوظيفية في وقتها، أي: أنه كان في حوار معها منذ نشأته الأولى، خاصة النماذج اللسانية الديكية[38] التي تطورت في السبعينات من القرن الماضي واهتمت بالتواصل باعتباره الوظيفة الأساسية للغة، كما حددت موضوع اللسانيات في وصف القدرة التواصلية لدى المتكلم والسامع[39].
وقد اطلع المتوكل على النماذج الوظيفية التي قدمها (ديك 1978-1980-1983) وحاول البحث “عما يمكن أن تمد به الدارس الذي يروم مقاربة قضايا اللغة العربية من منظور وظيفي، أي انطلاقا من الفرضية العامة القائلة بأن بنية اللسان الطبيعي الصورية ترتبط ارتباط تبعية بوظيفته الرئيسية.
وظيفة التواصل داخل المجتمعات البشرية”[40]، فاتخذ المتوكل بذلك نظرية النحو الوظيفي إطارا نظريا عاما للدراسات والأبحاث التي قام بها حول دراسة مجموعة من القضايا في اللغة العربية.
ولئن كان المتوكل أبا روحيا للسانيات الوظيفية بالمغرب، فإن بعض الباحثين اتخذوا هذا المنحى مرجعا ومصدرا في وصف اللغة العربية ودراسة قضاياها وظواهرها، لدرجة صار فيها الحديث عن نحو اللغة الوظيفي أمرا معروفا له مراجعه وتآليفه إضافة إلى رواده الذين اجتهدوا في التأليف وإغناء النظرية الوظيفية.
فبالإضافة إلى المكتبة القيمة التي ألفها (المتوكل) في إرساء معالم النحو الوظيفي بالمغرب، قدم باحثون متميزون نماذج جديدة أسهموا من خلالها في إغنائه وتطويره[41].
لقد برر المتوكل سبب اختياره لنماذج (سيمون ديك) الوظيفية عن باقي النماذج والنظريات، ليضع بذلك إطارا نظريا ومنطلقا فكريا ومعرفيا لأبحاثه، قال الباحث: “يعتبر النحو الوظيفي (F.Grammar) الذي اقترحه (سيمون ديك) في السنوات الأخيرة، في نظرنا، النظرية الوظيفية التداولية الأكثر استجابة لشروط التنظير من جهة ولمقتضيات النمذجة للظواهر اللغوية من جهة أخرى”[42].
وقد انطلق في مشروعه الوظيفي منذ سنة 1977 من خلال دراسته الموسومة بـ (قراءة جديدة لنظرية النظم عند الجرجاني)[43]، وكذا (اقتراحات من الفكر اللغوي العربي القديم بوصف ظاهرة الاستلزام الحواري).
وهو ما سيؤثر بعد ذلك في كل دراساته، بل في مشروعه الوظيفي ككل، حيث سيعتمد الدرس اللغوي والنحو العربي مصدرا لا يستغنى عنه. بل هو أساس ومصدر النحو العربي الحديث.
ومنذ 1985 سوف تتضح معالم الاتجاه الوظيفي في اللسانيات بالوطن العربي، حيث أصدر (المتوكل) كتابه (الوظائف التداولية في اللغة العربية)[44]، وبعده بعام أصدر كتابه (دراسات في نحو اللغة العربية الوظيفي)[45]؛ لتتوالى بعد ذلك تآليفه القيمة[46]؛ حيث حاول توسيع دائرة الاشتغال على النحو الوظيفي، كما أسهم في إغناء هذا المنحى بنماذج قيمة ونظريات هامة.
ومما ينبغي الإشارة إليه أيضا أن الاتجاهات اللسانية بالمغرب ما كان لها أن تنجح لولا دور الجامعة المغربية في ذلك، فنظرية النحو الوظيفي دخلت إلى العالم العربي “أول الأمر عبر جامعة محمد الخامس بالرباط، حيث تشكلت (مجموعة البحث في التداوليات واللسانيات الوظيفية).
وبفضل جهود الباحثين المغاربة المنتمين إلى هذه المجموعة، تسنى للمنحى الوظيفي أن يأخذ محله في البحث اللساني المغربي إلى جانب مكوناته الأخرى. وقد تم ذلك عبر أربع طرق رئيسة هي التدريس والبحث الأكاديمي والنشر وعقد ندوات دولية داخل المغرب نفسه”[47]، وهي طرق لعبت فيها الجامعة دورا مركزيا بالرغم من الفردانية التي وسمت بها المشاريع اللسانية في الثقافة العربية.
أما طريقة التدريس فقد “شرع في تدريس النحو الوظيفي مستهل السنوات الثمانين بجامعة محمد الخامس بالرباط وبالتحديد في شعبتي اللغة الفرنسية واللغة العربية معا، ثم توسع تدريسه، بفضل الأساتذة اللسانيين المتخرجين من هذه الجامعة.
ليشمل جامعات أخرى كجامعة الحسن الثاني بالدار البيضاء والمحمدية وجامعة مولاي إسماعيل بمكناس وجامعة شعيب الدكالي بالجديدة، وجامعة القاضي عياض بمراكش وجامعة ابن زهر بأكادير وجامعة القاضي عياض ببني ملال[48] وجامعة عبد الملك السعدي بتطوان”[49].
أما طريقة الندوات فقد نظمت ندوات دولية في النحو الوظيفي، نورد منها هنا –للتمثيل فقط- ندوة (المنحى الوظيفي في اللسانيات العربية وآفاقه) التي نظمتها جامعة مولاي إسماعيل –كلية الآداب والعلوم الإنسانية بمكناس.
وقد “تميزت هذه الندوة بعرض أحدث النظريات اللسانية الوظيفية، النحو الوظيفي الخطابي (Functional Discourse Grammar) بحضور أحد مهندسيها الدكتور (لاسلن ماكتري)[50]، كما استضافت الندوة كذلك رائد ومؤسس النحو الوظيفي بالوطن العربي (أحمد المتوكل)، حيث ركزت بشكل كبير على أفكار (سيمون ديك) باعتباره المرجع والمنطلق لمعظم الدراسات اللسانية الحديثة بالوطن العربي.
تعتبر الندوات والمؤتمرات من أهم الطرق الفعالة في خلق ثقافة لسانية، حيث تلتقي الأفكار وتتلاقح التجارب، وتورث الأفكار وطرق الحمل والبحث للأجيال الصاعدة فتحمل المشروع من منبعه وتعمل على تطويره وتطعيمه.
إضافة إلى نشر أعمال الندوات وطباعتها لتصل للقارئ اللساني في كل مكان ومن ثمة خلق ثقافة لسانية مواكبة لأحدث النظريات اللسانية دون عزلها عما سبقها، وتفسح المجال للإبداع والابتكار في التفكير اللساني.
أما طريقة البحث الأكاديمي والبحوث العلمية والنشر فهو أمر لا يمكن الاستغناء عنه، لذلك فإن المتوكل ركز في مشروعه الوظيفي بالإضافة إلى تآليفه الشخصية على الإشراف على عدد كبير من الأطاريح الجامعية والبحوث العلمية في سلكي الماستر والإجازة.
والإسهام في تخريج أفواج من الطلبة الحاملين لفكر النحو الوظيفي. ف(المتوكل) يعتبر من جهة مدرسة لسانية قائمة بذاتها؛ له تلامذته ومشروعه المتكامل، ومن جهة أخرى اتجاه يستمد نظرياته من النحو الوظيفي الديكي مع العمل على إغنائه انطلاقا من تناول قضايا اللغة العربية.
وبالإضافة إلى (المتوكل)، فقد ظهرت أبحاث لسانية أخرى أغنت النموذج الوظيفي وأسهمت في تناول مختلف قضايا اللغة العربية من زاوية نظر وظيفية، ولعل (عز الدين البوشيخي) من أبرز هؤلاء الباحثين.
لما أسهم به في إضافة المكون التخييلي سنة 1989 إلى مكونات نموذج مستعملي اللغة الطبيعية في إطار الدفاع عن أطروحة الملكة الإبداعية؛ ملكة من ملكات القدرة التواصلية العامة يتم تفعيلها بدرجات متفاوتة بين مستعملي اللغة الطبيعية”[51].
تجدر الإشارة إلى أن المغرب كان “جسرا لعبور النحو الوظيفي إلى أقطار عربية أخرى، حيث منه وبفضل المؤلفات والبحوث المغربية دخل الجزائر وتونس وموريتانيا والعراق وسورية بدرجات متفاوتة في التبنّي ورقعة الانتشار”[52].
- المحور الثاني: المشروع الوظيفي المتوكلي
لقد ارتبط اسم المتوكل بالنحو الوظيفي الحديث في الوطن العربي، وذلك لأهمية المشروع اللساني الذي قدمه، ومدى نجاعة النتائج التي توصل إليها من خلال تناول الظواهر اللغوية العربية. ويرى بعض الباحثين أن المشروع الوظيفي المتوكلي مر بثلاث مراحل مهمة وهي:
- مرحلة الاستنبات: حيث أخذت نظرية النحو الوظيفي مكانتها ضمن الواقع اللساني المغربي وبين جملة من التيارات، خاصة الاتجاه التراثي والبنيوي والتوليدي- التحويلي.
- مرحلة التأصيل: في هذه المرحلة يرى الباحث أن نظرية النحو الوظيفي قد تم ربطها بالفكر اللغوي العربي القديم، واعتبار هذا أصلا لمنحى وظيفي عربي ينبني على الدرس اللغوي ويستفيد منه وينفتح على اللسانيات الحديثة.
- مرحلة التطوير: حيث سيعمل الباحث خرى أخرى أاعلى تطعيم نظرية النحو الوظيفي بنماذج حديثة واجتهادات قيمة.
وللوقوف على المشروع الوظيفي المتوكلي يمكن تناوله من جوانب متعدد نذكر منها:
- اهتمامه الكبير بالتأليف والكتابة عن المشروع
- متابعته الدائمة للنماذج الوظيفية الحديثة وتجديده المستمر
- استيعابه للدرس اللغوي العربي وجعله أصلا للنحو الوظيفي الحديث
- تناوله لقضايا متعددة ومختلفة من النحو العربي والظواهر اللغوية العربية
- نقده لأستاذه (ديك) وإغناؤه لمشروع النحو الوظيفي بنماذج لسانية أخرى
- جمعه بين التنظير والتطبيق
- ربطه نموذج النحو الوظيفي بمختلف مجالات الحياة العامة.
لقد وضع المتوكل نحوا وظيفيا متكاملا يستمد أصوله وقواعده من التراث اللغوي العربي، ويستمد أدواته ومناهجه من نظرية النحو الوظيفي عند (سيمون ديك) في إطار اللسانيات الحديثة، مما مكنه من الإجابة على كثير من الإشكالات التي لازمت اللغة العربية سواء في ذاتها أو في علاقاتها بباقي اللغات البشرية.
ثم إن ذلك قد مكنه من إعادة تصنيف اللغات إلى صنف مؤسس تداوليا وصنف آخر مؤسس دلاليا، واعتبر العربية من الصنف الأول، ومرد ذلك إلى أن العشرة اللغوية التي تتكلم هذه اللغة تغلب المستوى التداولي على المستويات الأخرى: الدلالية والصرفية والتركيبية[53].
ينطلق الوظيفيون العرب و(المتوكل) خاصة من إطار نظري مفاده أن المقاربة الأنجع في دراسة قضايا اللغة العربية هي المقاربة التي تربط بنية اللغة بوظيفتها التواصلية، وأن العربية ينبغي تنميطها باعتبارها لغة بشرية كباقي اللغات[54].
وهذا الهدف يتضح جليا في قول (المتوكل): “حاولنا في هذه المجموعة من الدراسات أن نشرف هدفين اثنين: إغناء لسانيات اللغة العربية بتقديم أوصاف وظيفية لظواهر نعدها مركزية بالنسبة لدلاليات وتركيبات وتداوليات هذه اللغة وتطعين النحو الوظيفي كلما مست الحاجة إلى ذلك بمفاهيم يقتضيها الوصف الكافي لهذه الظاهرة أو تلك”[55].
ولأن النماذج الوظيفية الديكية هي الأقرب إلى تحقيق هذا الهدف؛ فقد كانت مرجعا للمنحى الوظيفي الذي انطلق منه (المتوكل). ولقد مر النحو الوظيفي حسب (المتوكل) من مرحلتين هامتين تمثلت الأولى في كتاب (ديك 1978) وتمثلت الثانية في (ديك1989)،
وقد أصبح الجهاز الواصف في المرحلة الثانية باعتباره نموذجا لمستعمل اللغة الطبيعية جهازا مركبا متعدد القوالب من جهة، ومن جهة ثانية انتقال التمثيل التحتي للعبارات اللغوية من بنية بسيطة إلى بنية متعددة الطبقات تتضمن حملاً وقضية وجملة على اعتبار أن طبقة الجملة تعلو طبقة القضية وان طبقة القضية تعلوا طبقة الحمل[56].
مما ينبغي التنبيه إليه كذلك أن المشروع الوظيفي للمتوكل يتميز بسمتين اثنتين هما:
- النقطة الأولى: استفادة المتوكل من النماذج الوظيفية لـ(سيمون ديك) وإضافته تعديلات قيمة تناولت جوانب النقص في هذه النماذج، من ذلك: “افتراضه بأن تضاف إلى الوظائف التداولية المقترحة في إطار نظرية النحو الوظيفي وظيفة المنادى”[57]. وقد تمت هذه الإضافة في النموذج الأول (ديك 1978)، حيث حدد الوظائف التداولية في أربع هي: (المبتدأ- الذيل- البؤرة- المحور)، فأضاف المنادى وقال: “نرى أن من الوارد أن تضاف إلى الوظائف التداولية الأربع المقترحة ، في إطار النحو الوظيفي وظيفة خامسة: وظيفة المنادى، ويزكي اقتراحنا إضافة هذه الوظيفة أن الوصف اللغوي الساعي إلى الكفاية لا يمكن أن يغفل المكون المنادى لوروده في سائر اللغات الطبيعية ، ولغنى خصائصه في بعضها كاللغة العربية، على سبيل المثال”[58]. والحق أن المتوكل لم يكتف باقتراح وظيفة المنادى، بل اقترح أيضا التمييز داخل البؤرة نفسها بين “بؤرة الجديد” و”بؤرة مقابلة” من حيث نوعية البؤرة، وبين “بؤرة المكون” و”بؤرة الحمل” من حيث مجال التبئير”[59].
وبالإضافة إلى ذلك فقد عدل المتوكل من التعريق الذي قدمه ديك لوظيفة الذيل، انطلاقا من توصله إلى معطيات جديدة في التعامل مع اللغة العربية، فقد حدد (ديك) وظائف الذيل في وظيفة التوضيح ووظيفة التعديل، ورأى (المتوكل) أن الذيل في اللغة العربية يقوم كذلك في بعض الجمل بدور التصحيح، وهو ما أدى به إلى تقديم تعريف آخر للذيل[60]، منطوقه يقول: “يحمل الذيل المعلومة التي توضح معلومة داخل الحمل أو تعدلها أو تصححها”[61].
وفي سنة 1989 اقترح (سيمون ديك) النموذج المعيار؛ الذي تضمن خمسة قوالب هي: القالب النحوي، والقالب المنطقي والقالب المعرفي، وقالب الملكات الخمس التي تتألف منها القدرة التواصلية لمستعملي اللغة الطبيعية”[62]. وقد تميزت اللسانيات الوظيفية المغربية في هذا النموذج من خلال إضافة جملة من التعديلات.
فقد اقترح (البوشيخي) القالب التخييلي، واقترح (المتوكل) إضافة القالب الشعري، واقترح تزويد القالب المنطقي بقالب فرعي سماه بمنطق النص، وحدد وظيفته في رصد العلاقات الاستدلالية التي يمكن أن تقوم لا بين جملة وأخرى. بل بين نص ونص أو بين قطعة وقطعة أخرى من النص نفسه”[63].
ولم يتوقف عند ذلك الحد، بل حاول تجاوز ما وسمت به نماذج (سيمون ديك) من نقص وقصور؛ وذلك من خلال إعادة النظر في العلاقة الرابطة بين هذه القوالب وكيفية اشتغال كل واحد منها في علاقته بباقي القوالب[64]، إضافة إلى تعديله لقضايا أخرى منها إسناد النبر والتنغيم وصيغة التعجب وغيرها.
- النقطة الثانية: استفادة (المتوكل) من نحو (سيمون ديك) في طرح نماذج جديدة، فبعد (نموذج النواة ديك 1978) و(نموذج المعيار ديك 1989)، بشر المتوكل بولادة نموذج نحو الطبقات القالبي سنة 2003 في كتابه (الوظيفة بين الكلية والنمطية)، ونموذج نحو الخطاب الوظيفي الموسع سنة 2011 في كتابه (الخطاب الموسط). وقد تأسس هذا الأخير “على نموذج مستعمل اللغة كما صيغ في نحو الخطاب الوظيفي حيث تم تطويره ليصبح قادرا على رصد مختلف العمليات التي تتم أثناء التواصل، سواء أكان تواصلا غير مباشرا أم تواصلا موسّطا، سواء أتوسّل اللغة أم توسّل غيرها”[65].
يروم مشروع (المتوكل) الذي اصطَلح عليه: “المنحى الوظيفي في الفكر اللغوي العربي” (المتوكل 2006)؛ تحقيق ثلاثة أهداف متوازية متزامنة: الوصف والتفسير اللغويين والتأصيل والإجراء[66].
حيث قام في السعي إلى تحقيق الهدف الأول “ببناء نحو وظيفي للغة العربية يرصد ظواهرها في التزامن وفي التطور من منظور تبعية البنية للوظيفة مقارنا إياها باللغات التي تنامطها واللغات المنتمية إلى أنماط مغايرة،
ولتحقيق الهدف الثاني عمل المتوكل على وضع منهجية علمية لربط البحث اللساني الوظيفي بالتراث اللغوي العربي بلاغته ونحوه وأصول فقهه باعتباره مرجعا للاحتجاج ومصدرا للاقتراض والاغتناء، وعمل المتوكل لتحقيق الهدف الثالث على إدماج البحث اللساني الوظيفي في التنمية الاجتماعية والاقتصادية والثقافية بتسخير آلياته واستثمار نتائجه في المجالات الحيوية كالتواصل بمختلف أنماطه وتعليم اللغات والاضطرابات النفسية اللغوية.
لقد استطاع (المتوكل) في أبحاثه الأخيرة، إخراج نظرية النحو الوظيفي من حيز الجملة إلى حيز الخطاب، وهذا التوجه الأخير يرتكز على جملة من الأسس من بينها[67]:
- لا داعي لتعدد النظريات بتعدد أنماط الخطاب
- أن مختلف أنماط الخطاب ليست إلا توسيطات لبنية تداولية دلالية تركيبية واحدة
- أن لهذه البنية ثوابت ومتغيرات تشكل جزءا من قدرة منتج الخطاب يؤول داخل قدرته اللغوية العامة.
- أن أي مقاربة للقدرة الخطابية ينبغي أن تؤطرها نظرية لسانية واحدة تغذيها وتحكمها ضبطا وتقويما.
لقد صارت أبحاث (المتوكل) التي انبنت على اللغة العربية من أهم الأبحاث التي يعتمد عليها في النحو الوظيفي، ليس على المستوى العربي فحسب، بل على المستوى العالمي، ولا عجب أن يتبنى (سيمون ديك) عدة اقتراحات مما يتقدم به (المتوكل)، خاصة ضرورة التمثيل للقوتين الإنجازيتين الحرفية والمستلزمة حواريا في بنية النحو الوظيفي”[68].
جدير بالذكر أن (المتوكل) قد ألف عددا هاما من التآليف في بسط مشروعه اللساني، ويمكن القول إن أهم دعامات نجاح مشروعه؛ الجمع بين الدرس اللساني والتراث اللغوي العربي، وكذا الجمع بين التنظير والتطبيق، حيث أصدر سنة 1987 كتابه (اللسانيات الوظيفية: مدخل نظري).
وذلك بعد التآليف التطبيقية فقال في مقدمته: ‘ويدعوني، اليوم إلى تأليف هذا الكتاب، شعوري بأنني أوليت الاهتمام، في أبحاثي السابقة، للجانب التطبيقي، جانب وصف الظواهر، فأغفلت الجانبين المنهجي والنظري، رغم أنني حاولت في مقدمة كل بحث من هذه الأبحاث أن أعرف في عجالة، بالمبادئ المنهجية الأساسية المعتمدة في النحو الوظيفي.
وبتنظيم بنية نموذجه، إلا أن هذا الاقتضاب في التعريف بمبادئ النحو الوظيفي المنهجية جعل مجموعة من قرائي يطرحون أسئلة عديدة”[69]، ثم واصل قائلا: “عزمت على تأليف هذا المدخل الذي أتوخى منه تمكين القارئ العربي من تعرف المبادئ النظرية والمنهجية التاوية خلف الدراسات الوظيفية بوجه عام والوقوف على عملية النمذجة المعتمدة لهذه المبادئ”[70].
وينضاف إلى ذلك كله تأليف المتوكل لأبحاثه باللغات الأجنبية كالفرنسية والإنجليزية سعيا إلى تقديم أوصاف للغة العربية في كل مستوياتها، إضافة إلى تطعيم النحو الوظيفي بمفاهيم تكون الدراسات اللسانية في الحاجة الملحة إليها.
- المطلب الثالث: الاتجاه اللساني الوظيفي بالمغرب وإشكالية المصطلح
يصعب الحديث عن العلم دون مصطلحاته، وقد لا نجازف إذا قلنا إن ذلك يستحيل أصلا، لأن “مفاتيح العلوم مصطلحاتها، ومصطلحات العلوم ثمارها القصوى، فهي مجمع حقائقها المعرفية وعنوان ما به يتميز كل واحد منها عما سواه، وليس من مسلك يتوسل به الإنسان إلى منطق العلم غير ألفاظه الاصطلاحية”[71].
بل تتجاوز أهميتها هذه المكانة، إذ “ليست المصطلحات مفاتيح العلوم فحسب، بل هي خلاصة البحث فيها في كل عصر ومصر، ببدايتها يبدأ الوجود العلني للعلم، وفي تطورها يتلخص تطور العلم”[72].
ولأن الوجود البشري مبني على الظاهرة اللغوي فإنه مختزِلُ هذه الألفاظ والمصطلحات، “فمن ظن أن العالِم قادر على أن يتحدث في العلم بغير جهازه المصطلحي، فقد ظلمه ما لا طاقة له به إلا أن يتواطأ على امتصاص روح العلم وإذابة رحيقه.
وهذا لما يصدق على كل معرفة تحتكم إلى أوار العقل، ولو أخذت أبعد العلوم تجريدا وأوغلها في صياغة الرموز –شأن الرياضيات -لتبيّنت حقيقة قيام المصطلح من العلم مقام الرمز من المعادلة. فإذا تحاشيت الرمز ارتكس العلم ذاته”[73]، وإذا قوي المصطلح ونضج قوي العلم ونضج بدوره.
وبما أن المصطلح من العلم في الموقع الذي تقدم، فإن التبين والبيان لمفاهيمها يمكن العالم والمتعلم معا من ناصية العلم؛ ذلك لأنه يعبّد الطريق للفهم العميق والتاريخ الدقيق للعلم، ويقف العالم الراسخ على عتبة استشراف مستقبل العلم في ضوء الحاجة العامة للأمة، والحاجة الخاصة للعلم”[74].
ومما يجعل علم المصطلح علما معقدا: أنه يسعى إلى تخصيص مصطلح واحد للمفهوم الواحد في الحقل العلمي الواحد، بحيث لا يعبر المصطلح الواحد عن أكثر من مفهوم واحد، ولا يعبر عن المفهوم الواحد بأكثر من مصطلح واحد، وهذا يتطلب التخلص من الاشتراك اللفظي والترادف في المصطلحات”[75].
ويزاد الأمر تعقيدا حينما يحل العلم ضيفا على أمن؛ فتجد نفسها مضطرة إلى إيجاد البديل المناسب لدراسة ذلك العلم والانفتاح عليه، “وإذا كان لكل قوم ألفاظ، ولكل صناعة ألفاظ، فإنه من البديهي ألا تفهم تلك الصناعة، ولا آثار أولئك القوم، إلا بمعرفة تلك الألفاظ”[76].
والنحو العربي القديم لم يكن في الحاجة إلى إيجاد المصطلح لأنه كان ابن بيئته، وكانت مصطلحاته تنبث من النقاش الذي تشهده الساحة النحوية آنذاك فيعبر بذلك عما يعيشه النحوي في حياته من حالات وأوصاف.
والأمر يختلف تماما في الدرس اللساني، حيث نشأ أولا خارج الأوطان العربي، ثم انتقل بعد ذلك إلى البحث اللساني العربي عن طريق الترجمة والتلقّي، واليوم “لا يستطيع أحد أن ينكر أن اللسانيات المعاصرة تحمل في خلاياها وثناياها خصائص الممارسة اللغوية الأوروبية ومصطلحاتها، ولذلك فإن إمكان نشرها في الأوساط الأوروبية أسهل من إمكانية نشرها في الأوساط العربية.
ينضاف إلى ذلك أن اللغويين العرب ليسوا مشاركين في الحوار اللغوي الأوروبي الأمريكي وإنما هم متبضعون، ولذلك فإن من العسير نقل اللعبة اللغوية، لأن ذلك يستوجب ان يكون الناقل عارفا بأصولها، وهذا يستوجب أن يكون مشاركا فيها”[77] ولما كانت الترجمة هي السبيل إلى هذا فإنها كانت بدورها تستوجب على اللسانيين الحفاظ على حقيقة المصطلح وترجمته وإيجاد المقابل له في العربية دون تشويهه.
إذ “الترجمة الدقيقة اسهل السبل في تعريف القارئ العربي عموما والمتخصص في اللسانيات على وجه أخص باللسانيات على طبيعتها الصحيحة بعيدا عن الابتسار والتشويه الذي ينتج عن التأليف في أكثر الأحيان”[78]، لكن سهولتها من حيث نقل الدرس اللساني إلى الثقافة العربية توازيه صعوبة الحفاظ على المتن والنقل الصحيح للمفاهيم.
حيث يجب على كل ترجمة “أن تقدم نفس درجة أصالة وتخصص النص المنطلق، ولا يمكن للمترجم أن يلبي هذه الحاجة الأساسية دون استعمال اصطلاح مناسب، فالاصطلاح المناسب يثير ثقة القارئ ويحسن نقل المعرفة”[79]؛ وهو ما لم يتحقق في المصطلح اللساني العربي إلا ناذرا.
لقد اهتمت اللسانيات منذ البداية بقضية المصطلح، “وكانت عنايتها بالموضوع مبثوثة بين أفنان متعددة منها البحوث التأثيلية étymologiques، تلك التي تعنى بالأصول الاشتقاقية وتاريخ تفرعها، ومنها البحوث المختصة بالرصيد اللفظي في فرعين من علم اللسان: القاموسية: la lexicographie، والمعجمية: la lexicologie”[80].
وبالرغم من ذلك فقد بذلت جهود كبيرة بهدف توحيد المصطلح اللساني العربي انطلاقا من فكرة مفادها: أنه “لو توحدت المصطلحات اللسانية لكان من الممكن لظاهرة الترجمة أن تكون كافية لإيجاد معرفة لسانية متقدمة في العربية، والأمر كذلك لو أن كل المترجمين كاموا على علم باللغات التي ينقلون عنها”[81]، وإن ما يزال الوضع معقدا وما تزال عقبات كثيرة تعيق تقدم البحث اللساني العربي في جانبه المصطلحي.
يعاني القارئ العربي والباحث اللساني بشكل خاص إشكال تعدد المصطلحات وتضاربها في مجال اللسانيات على امتداد رقعة الوطن العربي[82].
لقد أرجع (غلفان) أسباب أزمة المصطلح اللساني في الثقافة العربية إلى عوامل كثيرة منها:
- اختلاف مصادر التكوين العلمي والمعرفي للسانيين العرب وتوزعهم بين ثقافات مختلفة فرنسية وإنجليزية وألمانية
- التفاوت النظري والمنهجي بين المستوى العلمي للسانيين العرب.
- التطور المستمر للبحث اللساني العالمي وظهور المزيد من المفاهيم؛ وهو ما يعني ضرورة توفير مصطلحات لسانية عربية جديدة.
- وجود تراث اصطلاحي نحوي ولغوي ينهل منه إما لسد حاجيات الطلب المتزايد وإما للالتباس الأمور على أصحابها
- سيادة النزعة الفردية التي تتحول إلى نزعة قطرية في وضع المصطلح العربي المتخصص وعدم الاكتراث برأي الآخر ولو كان صائبا[83].
وقد اقترح (غلفان) خطوتين هامتين للخروج من أزمة المصطلح اللساني العربي وهما[84]:
- تحديد طبيعة المعجم من خلال تصور نظري لمفهوم اللسانيات فالبنيوي لن يكلف نفسه سبر أغوار الدرس التوليدي والعكس صحيح.
- وضع معاجم خاصة كالمصطلحات الصوتية البنيوية -التوليدية -الوظيفية، أو وضع معاجم لمصطلحات المدارس اللسانية.
وانطلاقا من الإشكالية التي اخترنا التعرض لها في هذا المحور، ومن خلال التأمل في المشروع اللساني الوظيفي المتوكلي يمكن أن نؤكد قضيتين على الأقل تتعلقان بإشكالية تحديد المصطلح اللساني في البحث اللساني الوظيفي بالمغرب وهما:
- تأخر الدراسة النظرية على الدراسة التطبيقية: مما حرم على الباحث اللساني معرفة القضايا التصورية واستيعاب المصطلحات والمفاهيم اللسانية قبل مرحلة التطبيق وتناول القضايا اللغوية العربية من منظور وظيفي، وهذا في الحقيقة إشكال منهجي اعترف به المتوكل –كما أشرنا سابقا- في قوله:” أسهمت شخصيا في حركة التعريف باللسانيات المعاصرة، حيث قدمت للقارئ العربي نموذجا لسانيا حديث النشأة “نموذج النحو الوظيفي”، وبينت من خلال عدة أبحاث إمكان توظيف هذا النموذج في وصف وتفسير ظواهر اللغة العربية وما يتفرع منه من لغات دوارج (…)، ويدعوني، اليوم، إلى تأليف هذا الكتاب، شعوري بأنني أوليت الاهتمام في أبحاثي السابقة، للجانب التطبيقي، فأغفلت الجانب النظري والمنهجي”[85].
- غياب صياغة القاموس اللساني الوظيفي؛ علما أن المصطلحات السانية تختلف معانيها ودلالاتها من مدرسة لسانية إلى مدرسة لسانية أخرى. قال مليطان: “من المعلوم أن المفاهيم لا تحدد إلا داخل نسق نظري معين، باعتبار أنه لا يوجد للمفهوم وجود أنطولوجي مستقل فهو يكتسب حمولته داخل منظومة ونسق نظري معين، فالفاعل مثلا، في النحو التقليدي له مفهوم وفي النحو التوليدي له مفهوم مختلف وفي النحو الوظيفي له مفهوم آخر، وهكذا…”[86] ولأن اللسانيات الوظيفية جاءت متأخرة بالمقارنة مع اللسانيات البنيوية واللسانيات التوليدية- التحويلية، فقد فُهمت مصلحات لسانية وظيفية كثيرة بالمعاني التي تحملها في باقي المدارس اللسانية التي سبقتها بالرغم من الاختلاف الواضح بينها.
تجدر الإشارة إلى أن الباحث (محمد مليطان) قد استدرك الكثير من المصطلحات والمفاهيم الوظيفية في دراسته الموسومة بـ (نظرية النحو الوظيفي الأسس والنماذج والمفاهيم)؛ حيث خصص ضمنها مجالا واسعا لقاموس مصطلحي، لأهم المصطلحات اللسانية الوظيفية، كما أضاف بإشراف (المتوكل) عددا كبيرا من المصطلحات والمفاهيم الجديدة؛ فكانت بذلك دراسة قيمة في مجال صياغة وتأليف القاموس اللساني الوظيفي.
- خلاصة
على غرار الاتجاه الصوري البنيوي والتوليدي في الدرس اللساني، ظهر الاتجاه الوظيفي بمختلف اتجاهاته ونظرياته تركيزا على الوظيفة التواصلية للغة، والتعامل مع القضايا اللغوية من منظور وظيفي.
قد شكلت أفكار المدرسة الهولندية على (يد سيمون) ديك مرحلة جديدة في الدرس اللساني عموما والدرس اللساني الوظيفي بشكل خاص، وذلك لتجاوزها حدود أمستردام إلى كل أنحاء العالم، فلم تكن اللسانيات بالمغرب لتغفل نماذج سيمون ديك دراسة وتحليلا ونقدا وإغناء في تناولها لظواهر اللغة العربية.
فقد انتبه (المتوكل) في وقت مبكر لأهمية نموذج النحو الوظيفي الديكي وحاول تطبيقه على اللغة العربية مع اجتهاده الكبير في تعديله وإغنائه بما يناسب اللغة العربية، فجاء مشروعه الوظيفي متكاملا بالرغم من بعض الإشكالات التي صاحبت مشروعه اللساني، اكتفينا في هذا العمل بالإشارة منها إلى إشكالية المصطلح في نموذجه الوظيفي.
مصادر ومراجع البحث:
- ابن جني أبو الفتح عمروا، الخصائص، الجزء الأول، تحقيق محمد علي النجار، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، ط:4
- الأشهب خالد، الوجيز في الاصطلاح، منشورات معهد الدراسات والأبحاث للتعريب-الرباط، نونبر 2008م.
- إفيتش ميلكا، اتجاهات البحث اللساني، ترجمة: سعيد عبد العزيز مصلوح ووفاء كامل فاير، المجلس الأعلى للثقافة 2000.
- بوجادي خليفة، في اللسانيات التوليدية مع محاولة تأصيلية في الدرس العربي القديم، بيت الحكمة للنشر والتوزيع، الطبعة الأولى 2009.
- البوشيخي الشاهد، مصطلحات نقدية وبلاغية في كتاب البيان والتبين للجاحظ، دار القلم للنشر والتوزيع، الطبعة الثانية 1995م.
- جاكبسون ليونارد، بؤس البنيوية: الأدب والنظري البنيوية، تر: ثائر ذيب، المركز القومي للترجمة، العدد: 2204، الطبعة الأولى 2014.
- حافظ إسماعيلي علوي، اللسانيات في الثقافة العربية المعاصرة، دراسة تحليلية نقدية في قضايا التلقي وإشكالاته، دار الكتاب الجديد المتحدة، الطبعة الأولى 2009م.
- حافظ إسماعيلي علوي- وليد أحمد العناتي، أسئلة اللغة أسئلة اللسانيات: حصيلة نصف قرن من اللسانيات في الثقافية العربية، إعداد وتقديم، دار الأمان الرباط، الطبعة الأولى 2009
- زكموط بوبكر، الاتجاه التوليدي في النحو العربي الحديث، دراسة في فكر خليل أحمد عمايرة من خلال كتاب (في نحو اللغة وتراكيبها)، مذكرة لنيل شهادة الماستر بإشراف عيساني عبد الحميد، جامعة قصدي مرباح-ورقلة، كلية الآداب واللغات 2011-2012.
- شادلي المصطفى، البنيوية في علوم اللغة، تر: سعيد جبار، رواية للنشر والتوزيع- القاهرة 2015.
- شنوقة السعيد، مدخل إلى المدارس اللسانية، المكتبة الأزهرية للتراث- القاهرة 2008.
- غلفان مصطفى، اللسانيات العربية: أسئلة المنهج، دار ورد الأردنية للنشر والتوزيع، الطبعة الأولى 2013
- ـــــ في اللسانيات البنيوية منهجيات واتجاهات، دار الكتاب الجديدة المتحدة، الطبعة الأولى: 2013
- ــــ طبيعة المفهوم اللساني وتحديده في معجم اللسانيات الحديثة، المعجمية العربية، قضايا وآفاق، حافظ إسماعيلي علوي، منتصر أمين عبد الرحيم، سلسلة المعرفة اللسانية، دار كنوز المعرفة، الطبعة الأولى: 2014.
- ــــــ المعجم الموحد لمصطلحات اللسانيات أي مصطلحات لأي لسانيات، اللسان العربي، عدد:1/18، 1980، ص: 75
- القاسمي علي، المعجمية العربية بين النظرية والتطبيق، مكتبة ناشرون لبنان، الطبعة الأولى 2013.
- كلارك سايمون، أسس البنيوية نقد ليفي شتراوس والحركة البنيوية، تر: سعيد العليمي، المركز القومي للترجمة 2015م.
- المتوكل أحمد، آفاق جديدة في نظرية النحو الوظيفي، دار الهلال العربية، الطبعة الأولى 1993
- ـــــ دراسات في نحو اللغة العربية الوظيفي، دار الثقافة للنشر والتوزيع- الدار البيضاء، الطبعة الأولى 1986
- ـــــ الخطاب الموسّط: مقارنة وظيفية موحدة لتحليل النصوص والترجمة وتعليم اللغات، دار الأمان-الرباط، الطبعة الأولى 2011
- ـــــ قضايا اللغة العربية في اللسانيات الوظيفية، البنية التحتية أو التمثيل الدلالي التداولي، دار الأمان-الرباط 1995
- ـــــ اللسانيات الوظيفية: مدخل نظري، دار الكتاب الجديد المتحدة، الطبعة الثانية 2010/ الطبعة الأولى 1987.
- ـــــ اللسانيات الوظيفية المقارنة: دراسة في التنميط والتطور، دار الأمان الرباط، الطبعة الأولى: 2012.
- مليطان محمد، نظرية النحو الوظيفي، الأسس والنماذج والمفاهيم، دار الأمان الرباط، الطبعة الأولى 2014.
- يونس علي محمد محمد، مدخل إلى اللسانيات، دار الكتاب الجديد المتحدة- بيروت لبنان، الطبعة الأولى 2004.
ندوات
- عز الدين البوشيخي، أعمال ندوة: المنحى الوظيفي في اللسانيات العربية وآفاقه، جامعة مولاي إسماعيل، كلية الآداب والعلوم الإنسانية-مكناس، سلسلة الندوات 20/2009، يومي الجمعة 23 والسبت 24 نونبر 2007، شركة الطباعة مكناس برانث شوب.
مصطفى العادل: طالب باحث ولد بمدينة أزيلال بالمغرب، حاصل على شهادة الإجازة في تخصص اللسانيات العربية بجامعة السلطان مولاي سليمان ببني ملال سنة 2016، وشهادة الماستر في (الدراسات اللغوية: قضايا ومناهج) بجامعة محمد الأول بوجدة سنة 2018، له مقالات وأبحاث منشورة ببعض المواقع الإليكترونية.
[2] المتوكل أحمد، المتوكل أحمد، اللسانيات الوظيفية المقارنة: دراسة في التنميط والتطور، ص: 25. وينظر كذلك في بودرع عبد الرحمن، اللسانيات واللغة العربية: قضايا ونماذج، ص 26
[3] المتوكل أحمد، اللسانيات الوظيفية المقارنة: دراسة في التنميط والتطور، دار الأمان الرباط، الطبعة الأولى: 2012، ص 25
[4] ابن جني أبو الفتح عمروا، الخصائص، الجزء الأول، تحقيق محمد علي النجار، الهيئة المصرية العامة للكتاب، القاهرة، ط:4، ص 19
[5] غلفان مصطفى، في اللسانيات البنيوية منهجيات واتجاهات، دار الكتاب الجديدة المتحدة، الطبعة الأولى: 2013، ص 227
[6] يونس علي محمد محمد، مدخل إلى اللسانيات، دار الكتاب الجديد المتحدة- بيروت لبنان، الطبعة الأولى 2004.، ص 70
[7] شادلي المصطفى، البنيوية في علوم اللغة، تر: سعيد جبار، رواية للنشر والتوزيع- القاهرة 2015.، ص 119-120
[8] ينطلق جاكبسون من فكرة مفادها أن كل لغة تتمفصل حول عدد من الوظائف وهي: (الوظيفة الانفعالية –الوظيفة الإشارية والإيعازية –الوظيفة الشعرية والجمالية –الوظيفة اللغوية –الوظيفة المرجعية –الوظيفة الميثالغوية) وتقابل كل واحدة من هذه الوظائف الستة مكونات الخطاطة التواصلية التي حددها في: (المرسل- المرسل إليه –الرسالة –القناة –السياق –الشفرة)
[9] شادلي المصطفى، البنيوية في علوم اللغة، تر: سعيد جبار ، ص 120-121
[10] جاكبسون ليونارد، بؤس البنيوية: الأدب والنظرية البنيوية، تر: ثائر ذيب، المركز القومي للترجمة، العدد: 2204، الطبعة الأولى 2014، ص 103
[11] إفيتش ميلكا، اتجاهات البحث اللساني، ترجمة: سعيد عبد العزيز مصلوح ووفاء كامل فاير، المجلس الأعلى للثقافة 2000، ص 248-249
[12] شنوقة السعيد، مدخل إلى المدارس اللسانية، المكتبة الأزهرية للتراث- القاهرة 2008، ص 70
[13] يونس علي محمد محمد، مدخل إلى اللسانيات، ص 70
[14] المرجع نفسه، ص69
[15] كلارك سايمون، أسس البنيوية نقد ليفي شتراوس والحركة البنيوية، تر: سعيد العليمي، المركز القومي للترجمة 2015م، ص 141
[16] غلفان مصطفى، في اللسانيات البنيوية: اتجاهات ومنهجيات، ص 224
[17] يونس علي محمد، مدخل إلى المدارس اللسانية، ص 70
[18] سامسون جسفري، المدارس اللغوية: التطور والصراع، 1993، ص 17
[19] غلفان مصطفى، في اللسانيات البنيوية: منهجيات واتجاهات، ص 310
[20] شنوقة السعيد، مدخل إلى المدارس اللسانية، ص 72
[21] غلفان مصطفى، في اللسانيات البنيوية: منهجيات واتجاهات، ص 312-315
[22] بوجادي خليفة، في اللسانيات التوليدية مع محاولة تأصيلية في الدرس العربي القديم، بيت الحكمة للنشر والتوزيع، الطبعة الأولى 2009، ص39
[23] المرجع نفسه ص 40
[24] المتوكل أحمد، قضايا اللغة العربية في اللسانيات الوظيفية، البنية التحتية أو التمثيل الدلالي التداولي، دار الأمان-الرباط 1995، ص 56
[25] المرجع نفسه، ص 16
[26] بعيطيش يحي، نحو نظرية لسانية للنحو العربي، ص 77 (بتصرف)
[27] عز الدين البوشيخي، أعمال ندوة: المنحى الوظيفي في اللسانيات العربية وآفاقه، جامعة مولاي إسماعيل، كلية الآداب والعلوم الإنسانية-مكناس، سلسلة الندوات 20/2009، يومي الجمعة 23 والسبت 24 نونبر 2007، شركة الطباعة مكناس برانث شوب، ص:5
[28] غلفان مصطفى، في اللسانيات البنيوية،ـ منهجيات واتجاهات، ص 228
[29] المرجع نفسه، ص 229
[30] محمد يونس علي، مدخل إلى اللسانيات، ص 73
[31] بوجادي خليفة، في اللسانيات التوليدية مع محاولة تأصيلية في الدرس العربي القديم، ص:41
[32] المرجع نفسه، ص 41
[33] المتوكل أحمد، دراسات في نحو اللغة العربية الوظيفي، دار الثقافة للنشر والتوزيع- الدار البيضاء، الطبعة الأولى 1986، ص 9
[34] غلفان مصطفى، في اللسانيات البنيوية: اتجاهات ومنهجيات، ص 315
[35] غلفان مصطفى، في اللسانيات البنيوية: اتجاهات ومنهجيات، ص 316
[36] المتوكل أحمد، أسئلة اللغة أسئلة اللسانيات، ص 46
[37] المتوكل أحمد، أسئلة اللغة أسئلة اللسانيات، ص 49
[38] نسبة إلى اللساني (سيمون ديك)
[39] بوجادي خليفة، في اللسانيات التوليدية مع محاولة تأصيلية في الدرس العربي القديم، ص 40
[40] المتوكل أحمد، قضايا اللغة العربية في اللسانيات الوظيفية، البنية التحتية أو التمثيل الدلالي التداولي، دار الأمان-الرباط 1995، ص 11
[41] من هؤلاء على سبيل المثال الباحث (عز الدين البوشيخي) الذي قدم نماذج قيمة في إغناء النحو الوظيفي، وسوف نشير إلى ذلك في آخر هذا المحور.
[42] المتوكل أحمد، الوظائف التداولية في اللغة العربية، دار الثقافة الدار البيضاء، الطبعة الأولى 1985، ص 7
[43] منشور بمجلة كلية الآداب بالرباط في العدد الأول سنة 1977.
[44] منشور بدار الثقافة، الدار البيضاء، 1985
[45] منشور بدار الثقافة البيضاء، 1986
[46] سوف نشير على أهم تآليفه وأبحاثه في المطلب القادم ضمن المشروع اللساني الوظيفي لـ(لمتوكل)
[47] المتوكل أحمد، أسئلة اللغة أسئلة اللسانيات، ص 48
[48] قبل أن تنفصل عن جامعة القاضي عياض بمراكش، اما الآن فهي جامعة مستقلة سميت بجامعة السلطان مولاي سليمان.
[49] المتوكل أحمد، أسئلة اللغة أسئلة اللسانيات، ص 48
[50] البوشيخي عز الدين، أعمال ندوة: المنحى الوظيفي في اللسانيات العربية وآفاقه، جامعة مولاي إسماعيل، كلية الآداب والعلوم الإنسانية-مكناس، سلسلة الندوات 20/2009، يومي الجمعة 23 والسبت 24 نونبر 2007، شركة الطباعة مكناس برانث شوب.
[51] مليطان محمد، نظرية النحو الوظيفي، الأسس والنماذج والمفاهيم- دار الأمان- الرباط، الطبعة الأولى:2014، ص 15
[52] المتوكل أحمد، أسئلة اللغة أسئلة اللسانيات، ص 49
[53] المتوكل أحمد، المنحى الوظيفي في الفكر اللغوي العربي: الأصول والامتدادات، دار الأمان- الرباط، 2006، ص 39
[54] مليطان محمد، نظرية النحو الوظيفي، الأسس والنماذج والمفاهيم، ص 16
[55] المتوكل أحمد، دراسات في نحو اللغة العربية الوظيفي، ص 6
[56] المتوكل أحمد، قضايا اللغة العربية في اللسانيات الوظيفية، ص 13
[57] غلفان مصطفى، اللسانيات العربية: أسئلة المنهج، دار ورد الأردنية للنشر والتوزيع، الطبعة الأولى 2013، ص 35
[58] المتوكل أحمد، الوظائف التداولية في اللغة العربية، ص 373
[59] حافظ إسماعيلي علوي، اللسانيات في الثقافة العربية المعاصرة، دراسة تحليلية نقدية في قضايا التلقي وإشكالاته، دار الكتاب الجديد المتحدة، الطبعة الأولى 2009م، ص 474
[60] المرجع نفسه، ص 374-375
[61] المتوكل أحمد، الوظائف التداولية في اللغة العربية، ص 147
[62] حافظ إسماعيلي علوي، اللسانيات في الثقافة العربية المعاصرة، ص 376
[63] المرجع نفسه: 377، والمتوكل أحمد، قضايا اللغة العربية في اللسانيات الوظيفية، ص 39
[64] المتوكل أحمد، قضايا اللغة العربية في اللسانيات الوظيفية: بنية الخطاب من الجملة إلى النص، دار الأمان-الرباط، 2001. ص39
[65] مليطان محمد، نظرية النحو الوظيفي، الأسس والنماذج والمفاهيم، ص 31
[66] المتوكل أحمد، الخطاب الموسّط: مقارنة وظيفية موحدة لتحليل النصوص والترجمة وتعليم اللغات، دار الأمان-الرباط، الطبعة الأولى 2011، ص 9
[67] زكموط بوبكر، الاتجاه التوليدي في النحو العربي الحديث، دراسة في فكر خليل أحمد عمايرة من خلال كتاب (في نحو اللغة وتراكيبها)، مذكرة لنيل شهادة الماستر بإشراف عيساني عبد الحميد، جامعة قصدي مرباح-ورقلة، كلية الآداب واللغات 2011-2012.، ص 40
[68] غلفان مصطفى، اللسانيات العربية: أسئلة المنهج، ص 35
[69] المتوكل أحمد، اللسانيات الوظيفية: مدخل نظري، ص7 (تصدير)
[70] المرجع نفسه، ص: 7(تصدير)
[71] المسدي عبد السلام، قاموس اللسانيات، الدار العربية للكتاب، ص 11
[72] البوشيخي الشاهد، مصطلحات نقدية وبلاغية في كتاب البيان والتبين للجاحظ، دار القلم للنشر والتوزيع، الطبعة الثانية: 1995، ص 13
[73] المسدي عبد السلام، قاموس اللسانيات، ص 16/17
[74] البوشيخي الشاهد، مصطلحات نقدية وبلاغية في كتاب البيان والتبين للجاحظ، دار القلم للنشر والتوزيع، الطبعة الثانية 1995م، ص45
[75] القاسمي علي، المعجمية العربية بين النظرية والتطبيق، مكتبة لبنان ناشرون، الطبعة الأولى 2003، ص 07
[76] البوشيخي الشاهد، مصطلحات نقدية وبلاغية في كتاب البيان والتبين للجاحظ، ص 13
[77] العلوي أحمد، أسئلة اللغة أسئلة اللسانيات، ص 21
[78] المزيني حمزة بن قبلان، أسئلة اللغة أسئلة اللسانيات، ص61
[79] الأشهب خالد، الوجيز في الاصطلاح، منشورات معهد الدراسات والأبحاث للتعريب-الرباط، نونبر 2008م، ص 26
[80] المسدي عبد السلام، قاموس اللسانيات، ص 21؛ مع الإشارة إلى أن القاموسية والمعجمية هما فرعي علم المعجم بالمعنى الحديث مع اختلاف ملحوظ بين اللسانيين العرب في ترجمتهما فـ la lexicographie على سبيل المثال تمت ترجمتها إلى القاموسية وإلى الصناعة القاموسية وإلى الدراسة المعجمية التطبيقية وغيرها
[81] تمام حسان، أسئلة اللغة أسئلة اللسانيات، ص 53
[82] غلفان مصطفى، طبيعة المفهوم اللساني وتحديده في معجم اللسانيات الحديثة، المعجمية العربية، قضايا وآفاق، حافظ إسماعيلي علوي، منتصر أمين عبد الرحيم، سلسلة المعرفة اللسانية، دار كنوز المعرفة، الطبعة الأولى: 2014، ج:1، ص 288
[83] غلفان مصطفى، المعجم الموحد لمصطلحات اللسانيات أي مصطلحات لأي لسانيات، اللسان العربي، عدد:1/18، 1980، ص: 75
[84] المرجع نفسه، ص 223
[85] المتوكل أحمد، اللسانيات الوظيفية: مدخل نظري، دار الكتاب الجديد المتحدة، الطبعة الثانية 2010/ الطبعة الأولى 1987، ص 7 (بتصرف)
[86] مليطان محمد، نظرية النحو الوظيفي الأسس والنماذج والمفاهيم، ص 34.