السرديات والنقد السردي
1. تقديم :
كثيرون صاروا اليوم يتحدثون عن السرديات في العالم العربي في دراساتهم وأبحاثهم ومقالاتهم. كما أن هناك مختبرات للسرديات أو جماعات للسرد في العديد من الأقطار العربية. تتفاوت أشكال التعامل بها أو الاشتغال عليها بتفاوت القدرات السردية والكفاءات المنهجية، كما تختلف التصورات وتتباين المنطلقات.
فهل نعني الشيء نفسه حين نتحدث عن السرديات؟، أم أن لكل منا «سردياته» الخاصة، وهو يفهمها ويمارسها على النحو الذي يرتضي غير مكلف نفسه عناء السؤال: هل هو سردي فعلا ؟ أم أنه فقط مدعي سرديات؟
لو تمكنا من تتبع ورصد المنجز السردي العربي وهو يعلن، صراحة أو ضمنا، انتماءه للسرديات عنوانا أو تطبيقا أو توظيفا لمصطلحات سردية، لألفينا أنفسنا، على مستوى السطح، أمام حصيلة غنية من الدراسات والأبحاث والمقالات.
لكن أغلبها، على مستوى العمق، فقير من حيث المحتوى والعطاء أو حتى الانتماء الذي يمكن أن يجعلنا نعتبرها داخلة في نطاق السرديات. لذلك نجد هذا الزخم غير قابل للتطور أو تطوير الدرس أو البحث السردي العربي، بجعله مفتوحا على آفاق الاجتهاد، والانتقال إلى المستوى المطلوب.
نحاول في هذه الدراسة الوقوف على ما يحول بيننا وبين تطور السرديات في العالم العربي على مستوى العمق لتصبح اختصاصا له هويته وحدوده وآفاقه.
- 2. السرديات والتصور الأدبي العربي:
إن التباين بين السطح والعمق الذي أومأنا إليه في النقطة السابقة يكمن في كيفية تعاملنا مع السرديات على مستوى الوعي والممارسة. يرتهن هذا التعامل إلى تصور لا يزال يحكم آليات وإجراءات فهمنا وإدراكنا لطبيعة الدرس الأدبي وماهيته ومقاصده.
وهذا التصور مادام مهيمنا وموجها لفهمنا للأدب، فلا يمكنه إلا أن يحول دون تطوير رؤيتنا للسرديات والانتقال بها من المستوى السائد إلى مستوى أحسن، لأنه بدون فك الارتباط مع عتاقته وتقليديته، ومهما أعلنا انتماءنا للسرديات، وأسسنا المزيد من المخابر والمختبرات، ستظل علاقتنا بها برانية، وفهمنا لروحها قاصرا عن تمثل خصوصيتها وأبعادها.
نجد جذور هذا التعامل الذي نمارسه الآن، مع السرديات، ممتدة إلى التصور الذي تشكل منذ عصر النهضة حينما تحول فهمنا للأدب بناء على تعرفنا على منجزات الدراسة الأدبية الغربية الحديثة.
تشكل هذا التصور الأدبي في ضوء الجواب عن السؤال الذي طرح منذ ذلك الوقت وهو: هل النقد الأدبي فن أو علم؟ كان الجواب النظري هو أنه: فن وعلم في آن واحد. لكن الجواب العملي كان هو: النقد فن، ويستحيل أن يكون علما؟
بمقتضى الجوابين النظري والعملي كان الانحياز واضحا إلى تصور ساد فهمنا للنقد أو الدرس الأدبي وسيطر على كل أعمالنا ودراساتنا للأدب، سواء في أبحاثنا الأكاديمية أو مقالاتنا الصحفية. ولذلك بقينا نتحدث عن النقد الأدبي، والناقد الأدبي، ولكننا لم نتحدث، قط، عن العلم الأدبي أو علماء الأدب.
كان هذا التصور مبررا إلى الثمانينيات من القرن العشرين، لأن الدراسة الأدبية العربية كانت تسير في فلك ما كان ينجز في الكتابات النقدية الغربية التي كان العرب يتفاعلون معها.
لكن فترة الثمانينيات شهدت انتقال البنيوية إلى العالم العربي. وحين نقول البنيوية في الغرب، نقول النزوع العلمي في دراسة الأدب. في المرحلة البنيوية في فرنسا تأسست العلوم الأدبية. لكن البنيوية التي انتقلت إلينا كانت بدون نزوع علمي.
ولذلك تفاعلنا مع بعض «منجزاتها» على مستوى السطح. لكن العمق العلمي، وكان هو الأهم، لم نأخذ به لتجديد فهمنا ودراستنا وتحليلنا للأدب. والسبب في ذلك بسيط جدا، وهو أننا لم نتخلص من التصور التقليدي الذي تبلور منذ عصر النهضة.
يبدو لنا ذلك بجلاء من خلال موقفين متباينين من البنيوية منذ ظهورها في العالم العربي إلى الآن:
2. 1. الموقف التقليدي:
خلال انتقال البنيوية إلينا تعالت أصوات ترفضها بحجة أنها حولت النقد الأدبي إلى خطاطات وأشكال، ومصطلحات وتمارين وتحليل تقني. واعتبرت، آنا، قتلا للإنسان والتاريخ، وتارة، قتلا للأدب وتجميدا له في خانات وقوالب. كما نظر إليها طورا على أنها توظيف للمصطلحات الغامضة والمبهمة والمشكلة، وما شابه هذا من التهم التي لا تزال تكال لها بالحق والباطل.
2. 2. الموقف «الحداثي»:
رغم تعاطي العديد من الدارسين العرب مع البنيوية واعتبارهم أنفسهم، حينا من الدهر، سرديين يشتغلون بالسرديات، ولست أدري هل كانوا يدركون فعلا أنها «تدعي» العلمية في تناول السرد أم لا ؟ نجد الوعي الذي تحكم في تعاملهم معها في أغلب دراساتهم وأعمالهم هو الوعي نفسه (التصور السائد للأدب والنقد)، وإن نهلوا من مفاهيمها وتصوراتها أو استفادوا من بعض مصطلحاتها وخطاطاتها، من جهة.
كما أننا نجد، من جهة ثانية، أنه بمجرد ما إن بدأ يتعالى الحديث في الغرب، وخاصة في الكتابات الأنجلو أمريكية، عن حقبة جديدة (لها مبرراتها هناك) هي الحقبة «ما بعد البنيوية» حتى بدأوا في إعلان انسلاخهم من البنيوية، وأنهم أصبحوا «ما بعد بنيويين» يعانقون رؤية جديدة للنقد ؟
يشترك «التقليدي» و«الحداثي» في التصور الذي نتحدث عنه. ولو آمن «الحداثيون» بالعلم، لآمنوا بتطور بالعلم، ولأدركوا أن «ما بعد البنيوية» لا يعني «الانسلاخ « عنها، ولكن الانتقال إلى حقبة أخرى بعد اكتمال ما كان مطروحا في الحقبة السابقة. إن القول بالحقب يعني أن هناك تتابعا وتطورا.
حين يكون هذا التصور هو السائد في فهم الأدب، هل يمكننا الحديث عن العلم الأدبي، وعن السرديات في العالم العربي؟ أترك للقارئ فرصة التأمل في السؤال ومحاولة الجواب عنه، ولا أخاله إلا يتفق معي في تشخيص القضايا التي نطرحها.
- 3. النقد السردي والهوية السردية:
إن الخلل البنيوي الذي اعترض السرديات في الاشتغال العربي، والذي يمكن أن نرجع إليه مختلف الانتقادات التي يمكن أن نوجهها إليها، من داخلها لا من خارجها، سواء تعلقت بالمفاهيم والمصطلحات وإجراءات التحليل وآلياته، أو اتصلت بالانتقادات المفترضة أو المسكوت عنها (لأنها غير معروفة) تؤوب في رأيي مجتمعة إلى غياب السؤال التالي لدى العربي الذي يشتغل بالسرديات :
هل ما نقوم به علم سردي (سرديات) أم نقد سردي؟
وحين نصل هذا السؤال بالمشتغل نتساءل :هل يعرف الدارس أو الباحث أو يعي جيدا نوع العمل الذي يقوم به ويحدد هويته ؟ هل هو سردي ؟ أم ناقد سردي؟
إن تحديد هوية الباحث شرط أساسي في أي بحث. وبدون معرفة من أنا؟ وأنا بصدد القيام بعمل ما، لا يمكنني أن أنجز ذلك العمل وفق القواعد والضوابط والأسس التي تحددها نوعية العمل الذي أقوم به. وبذلك فإني لا أهيء نفسي للاضطلاع بعملي تبعا للشروط المطلوبة.
إذا استعرنا مثالا من الطب، لا يمكننا الزعم بأن يكون طبيب ما، ونحن في بداية الألفية الثالثة التي تطورت وتكاثرت فيها الاختصاصات الطبية، قادرا على التصدي لكل أنواع الأمراض، وله معرفة بأن يقوم بدور الفاحص والمحلل والمؤول لكل البيانات في الوقت ذاته، وإلى جانب ذلك يمكنه أن يكون الجراح والمخدر والمعالج النفساني،
يمكننا قول الشيء نفسه عن الآداب. فالتخصصات صارت متعددة، ولكل منها مجالاتها وموضوعاتها وحدودها وآفاقها. ومنذ الحقبة البنيوية، وهي الحقبة التي طرح فيها التمييز، بإلحاح، بين الممارسة العلمية للأدب والنقد الأدبي، صرنا نتحدث عن علوم بنيوية وعن نقد أدبي.
لقد انتقلت إلينا البنيوية ونقلناها إلى فضائنا الثقافي، ولكننا لم نلتفت إلى خصوصيتها الجوهرية (العلمية)، فألبسناها التصور الذي مارسنا وفهمنا به الأدب منذ عصر النهضة، فإذا هي عندنا، في الوعي والممارسة، فن وعلم. فأضعنا العلم وفرطنا في الفن، فجاءت بنيويتنا عرجاء كسيحة.
لذلك لا عجب أن نجد الآن من يطَّرحها معلنا انتهاء المرحلة البنيوية ؟ ويدعو إلى الانتقال إلى مرحلة جديدة نولد فيها حسناء صغيرة مصطلحات وإجراءات ما بعد بنيوية، وبالطريقة نفسها. وهكذا دواليك.
لكن لو فهمنا البنيوية حق الفهم، أي على أنها دعوة إلى العلم، لأسسنا علوما أدبية في فضائنا العربي، وعملنا على تطويرها وتوسيعها وجعلها قابلة للتفاعل مع بعضها البعض، والانفتاح على غيرها من العلوم الإنسانية والاجتماعية. وبذلك سيكون لـ«ما بعد البنيوية» معنى غير الذي يمارس ويتكرر في خطاباتنا.
لهذا السبب ظل الدرس الأدبي والبحث الجامعي العربي أسير التصور الذي نتحدث عنه. فلم تتخلص الرسائل والأطاريح والكتب من هذه الرؤية الضبابية للأدب. وكانت النتيجة أن ظلت دروسنا ودراساتنا تعتمد بشكل أساسي على مراكمة المعلومات والمعطيات، وتجميعها وتنسيقها بدون هم نظري أو منهجي.
وحين تكون القضايا التي نعالجها تقتضي موقفين متناقضين نطمئن إلى التوفيق والتلفيق بين الرؤيات متوهمين بذلك، ونحن نمسك العصا من الوسط، أننا نأخذ بأحسن ما فيهما، فيكون موقفنا سليما وموفقا؟ فغابت النظريات والمناهج والعلوم في كليات الآداب العربية. فكان الدارسون يتخصصون في مواد (أدب قديم ـ شعر عباسي ـ بلاغة،) وليس في مناهج أو علوم أدبية محددة.
لقد فوتنا على أنفسنا فرصة تغيير المسار الأدبي الذي هيمن منذ عصر النهضة، إبان ظهور البنيوية في العالم العربي، لأننا لم ننتهج التصور العلمي في الوعي والممارسة، فكان أن برزت «السرديات» في فضائنا الثقافي (وهي أهم المنجزات التي حققها الدرس الأدبي العربي في هذه الحقبة).
لكن بدون هم منهجي أو هاجس علمي، فكانت بذلك «نقدا سرديا»، أكثر مما كانت «علما سرديا»، وكان المشتغلون بالتحليل السردي نقادا سرديين لا سرديين. أي أن التصور الذي ظل مهيمنا في وعينا ظل يتحكم فينا، ولم نستطع تغييره لتحويل مجراه إلى مسار آخر، يقرر بكون الدرس الأدبي يمكن أن يكون علما، كما يمكن أن يكون نقدا. ولكل منهما شروطه وضروراته.
فما هو الفرق بين العلم الأدبي والنقد الأدبي؟ وما الاختلاف بين العالم السردي والناقد السردي؟ وما هي العلاقات الممكنة بينهما؟ وما دورهما معا في تغيير فهمنا للأدب وطرائق تحليلنا له؟
- 4. السرديات: علما للسرد :
سنحاول تشخيص علمية السردية وذلك من خلال التركيز على أربعة مقومات نراها ضرورية لذلك. ومتى انتفى أي مقوم منها كان الحديث عن السرديات باعتبارها علما موضع ريب وشك. هذه المقومات هي العلم والموضوع والخلفية والمقاصد.
4. 1. العلم:
كل الدارسين الذين اشتغلوا بالسرديات يشددون على بعدها العلمي، وأنها اختصاص لها كل المقومات والمستلزمات التي يتميز بها أي اختصاص يتوفر على شروط وضرورات العمل العلمي. وسنحاول تبين هذه الشروط من خلال جملة من العناصر هي على التوالي: الاسم، الموقع، الزمن، الوسيط.
4. 1. 1. الاسم:
ومعناه أن يتحدد اسمه بدقة دفعا لأي التباس مع غيره من العلوم القريبة والتي تشترك معه في الموضوع نفسه. وسنلاحظ أن تحديد «السرديات « لم يستو إلا مع الزمن. لقد ظل متعثرا في البداية ويخضع لاستعمالات متعددة قبل أن يستقر نهائيا.
شاعت هذه الاستعمالات التي تدل على التذبذب قبل الاستقرار: نظرية السرد، التحليل السردي، التحليل البنيوي للحكي، بويطيقا النثر، بويطيقا السرد، بويطيقا الحكي، نقد الرواية، التحليل اللساني للرواية، وفي سنة 1967 اقترح تودوروف مصطلح «السرديات» (Narratologie) فبدأ يشيع بالتدريج ويتعمم بصورة غير دقيقة في البدايات.
ونجد ذلك واضحا بجلاء في توظيفه من لدن آن هينو وهي تعني به ما سيصبح السيمائيات الحكائية لأنها في كتابها هذا كانت تتبنى التصور السيميائي في تحليل السرد(1).
كما أن مصطلح المشتغلين به: السرديون (Narratologue) ظل في البداية ملتبسا، ونجد العديد من الكتابات الأنجلو أمريكية التي حاولت الكتابة عن الحركة البنيوية تعتبر جيرار جنيت وتودوروف سيميائيين وتتحدث عنهما ضمن السيمائيات.
لكن مع التطور الزمني صارت السرديات علما محدد المعالم ومختلفا عن علم آخر ولد معه في الحقبة البنيوية وهو «السيميائيات الحكائية». كما صار السرديون مختلفين عن السيميائيين رغم كونهم يشتغلون معا بـ«موضوع»واحد هو «السرد».
4. 1. 2. الموقع:
ونقصد به أن يكون للاختصاص موقع خاص ضمن باقي الاختصاصات القريبة أو البعيدة. ومعنى ذلك أن يتحدد من خلال علاقته بها، سواء كانت هذا العلاقة علاقة نسب أو جوار. فعلاقة النسب تعني انتماءه إلى علم كلي ينضوي تحته مثلا، ويتميز باشتغاله بمبحث يندرج داخله.
وبذلك تكون علاقته به علاقة خصوص بعموم. وإذا أراد أن يكون علما عاما، فيفترض أن يقدم العلوم الفرعية التي يمكن أن تنضوي تحته، وعلاقة كل ذلك بعلوم أخرى قريبة.
ابتدأت السرديات معلنة انتماءها إلى اختصاص علمي عام هو «البويطيقا» التي نجد لها جذورا ضاربة في التاريخ اليوناني، وأن الشكلانيين الروس حاولوا تجديدها بإعطائها بعدا علميا. لكن البويطيقا في المرحلة البنيوية ستتخذ لها موقعا متميزا ضمن الدراسات الأدبية السائدة، باعتبارها العلم الذي يعنى بـ«خصائص الخطاب الأدبي».
وتتخصص السرديات بالبحث، من المنظور البويطيقي نفسه، في السرد. ولهذا الاعتبار كان من بين الأسماء الأولى لهذا الاختصاص الخاص «بويطيقا السرد أو الحكي». ونجد الشيء نفسه مع السيميائيات.
4. 1. 3. الزمن:
نعني بالزمن هنا أن يكون للاختصاص تاريخ ميلاد محدد تشكل فيه، وفي الوقت نفسه، وبناء على ما رأيناه في الموقع، أن تكون هناك جذور وأصول لفترة ما قبل ميلاده، وآفاق مستقبلية لما بعد زمان تشكله.أي أننا في الزمن نتلمس تتبع «ما قبل السرديات» و«السرديات» و«ما بعد» ها.
وفعلا بدأنا نجد، الآن، في الكتابات الأنجلو أمريكية حديثا عن «السرديات الكلاسيكية» و«ما بعد السرديات الكلاسيكية» (Postclassical narratology).(2).
إن تحديد تاريخ ميلاد الاختصاص (السرديات) لا يعني أنه بلا جذور، ولكن المقصود به وصوله إلى مستوى من تحديد مختلف مكوناته التي تسمح له بالإعلان عن تشكله «الجنيني» وقدرته على التطور الذاتي نحو المستقبل.
هكذا نلاحظ أن التذبذب الذي صاحب الاسم في البداية يبدو لنا كذلك على مستوى الزمن. لقد كانت الدراسات السردية، في المرحلة البنيوية، متداخلة ومتقاربة، وكل منها يبحث له عن هوية وأفق متميزين. وإذا كان من الصعب التمييز بين العلوم السردية في الستينيات (لننظر العدد الثامن من مجلة «تواصلات» 1966) حيث كان الاسم الجامع هو «التحليل البنيوي للسرد»(3).
فإن بدايات السبعينيات ستشهد مع ظهور كتاب جيرار جنيت «خطاب الحكاية»، (1972) الميلاد الحقيقي للسرديات، لأن هذه الدراسة التي كان عنوانها الفرعي (مقال في المنهج)(4)، دالا على خصوصيتها من خلال لملمة مختلف أطراف الموضوع وتحديد المكونات الأساسية التي اشتغلت بها.
لذلك نتفق مع ميك بال(5) حين تتحدث عن ما قبل جنيت 1972، وما بعده للدلالة على ميلاد السرديات الفعلي، علما قائما بذاته.
بمقتضى هذه التوضيحات يمكن للمتتبع المتأني أن يكتب تاريخا للسرديات منذ 1972 إلى الآن، ملتفتا إلى جذورها القريبة مع تراث الشكلانيين الروس والبعيدة مع بويطيقا أفلاطون وأرسطو وشراح البويطيقا خلال كل التاريخ الغربي، وأن يجد لها روافد في النقد الجديد في بدايات القرن وفي تلميحات الروائيين.
وبذلك يمكن تجاوز الكتابات غير الدقيقة التي لم تكن قادرة على التمييز بين مختلف الاجتهادات التي اهتمت بتحليل النص السردي، سواء في الكتابات الأوروبية أو الأمريكية وهي تسعى للتأريخ للحركة السردية خلال الحقبة البنيوية، كما ألمحنا إلى ذلك.
لكن الزمن لا يتوقف عند حدود البحث عن الجذور أو عن تحديد تاريخ الميلاد. إنه يتصل أيضا بالامتداد، أي ما بعد الميلاد. إنه تاريخ الصيرورة لأن العلم ليس من أهدافه أن يتشكل في لحظة معينة، استجابة لظروف طارئة، وبمجرد انتهائها تنتهي ضرورته وصلاحياته.
إن العمل العلمي مشروع بعيد المدى، ولا يمكننا الحديث عن «موته « كما يفعل، عندنا، عادة ببلاهة متناهية.
يبدو لنا ذلك بجلاء في كون السرديات منذ أن استوت علما قائما بذاته وهي تعمل على تحديد مجال بحثها وتوسيعه كلما تمكنت من تحقيق تراكمات تساعدها على فتح مجالات وآفاق جديدة للبحث والاستكشاف. هكذا نجدها في تاريخها القصير قد حققت لها صيرورة مهمة، يمكننا تأطيرها على النحو التالي :
أ ـ الانفتاح:
لقد انتقلت السرديات من الحصر إلى التوسيع. لقد كان مجالها في البداية ضيقا على الخطاب من خلال التركيز على طرفيه الأساسيين (الراوي والمروي له)، ثم وسعت مجال بحثها ليمتد إلى المؤلف والقارئ، وإلى قضايا أخرى لم تكن قادرة على الاهتمام بها في مرحلة تشكلها.
ب ـ تعدد السرديات:
تجاوزت السرديات مرحلة إقامة علاقات مع البلاغة واللسانيات فقط كما كان الأمر في الحقبة البنيوية، ولكنها صارت منفتحة على علوم أخرى :مثل اللسانيات غير البنيوية (النظريات الدلالية والتداولية،) وعلوم الاجتماع والنفس والأنثروبولوجيا والسياسة والعلوم المعرفية والذكاء الاصطناعي ونظريات التواصل والتكنولوجيا الجديدة للمعلومات والتواصل.
هكذا صرنا أمام إمكانية الحديث عن سرديات تداولية(6) وأخرى اجتماعية أو نفسية أو أنثروبولوجية أو سرديات ثقافية أو سرديات معرفية أو سرديات رقمية(7)، وصار المشتغلون بالسرديات ليس فقط البلاغيون والنقاد.
ولكن أيضا العلماء من اختصاصات متعددة. كما أن السرديين صاروا أكثر قدرة على الانفتاح على علوم سردية أخرى مثل السيميائات الحكائية وصاروا يتفاعلون معها، عكس ما كان عليه الأمر في البدايات، حيث كانوا منغلقين عليها.
ج. الانتقال من الخاص إلى العام:
إذا كانت السرديات في بدايتها تهتم فقط بالسرد في الأدب، فإنها مع الصيرورة باتت توسع مجال موضوعها ليشمل السرد حيثما وجد: الصورة والحركة(8).
أي أنها انتقلت من السرد الذي يوظف اللفظ في الخطاب الأدبي إلى أي سرد كيفما كان نوعه أو العلامة التي يوظفها. وبدأنا نجد دراسات سردية على اللوحة والفيلم السينمائي، والنص المترابط (الرقمي).(9).
4. 1. 4. الوسيط:
نقصد بالوسيط هنا الإطار العام الذي يتم من خلاله التعبير عن الأفكار السردية ومناقشتها ورواجها من لدن السرديين.
بالنسبة للسرديات نجد المشتغلين بها اتخذوا لهم مجلة «بويطيقا» (Poétique) وسيطا وأداة للعمل السردي الذي يفكرون في نطاقه. تأسست هذه المجلة سنة 1970، وتحمل مسؤوليتها جيرار جنيت ومعه تودوروف .
وإلى جانب المجلة كانا يشرفان معا على سلسلة كتب تحت اسم المجلة ضمن منشورات عتبة الفرنسية (Seuil) . لا تزال هذه المجلة تصدر وكذلك السلسلة، وإن غاب عنها تودوروف الذي انتقل إلى مجال آخر من الكتابة والبحث لا علاقة له بالنقد الأدبي أو السرديات.
ويمكن للباحث النبيه أن يؤرخ للسرديات انطلاقا من هذه المجلة ومنشوراتها بالنظر إلى التحولات التي طرأت عليها سواء على مستوى نوع الملفات أو نوعية الكتاب المساهمين فيها لأنهما معا كان يعكسان وبصدق آثار التطور التي طرأت على السرديات سواء على المستوى النظري أو التطبيقي.
إلى جانب المجلة والمنشورات قد يكون هذا الإطار حلقة أو بنية للبحث في نطاق كلية أو جامعة أو معهد أو موقع إلكتروني. ولكل من هذه الحلقات أو المجموعات منشوراتها الخاصة التي تصدر من خلال مجلات أو كتب، كما أنها تقيم ملتقيات دورية أو سنوية حول محور من المحاور التي تتعلق بالسرديات.
ويكفي القارئ، الآن، أن يعود إلى الفضاء الشبكي، ويكتب في خانة البحث، وفي أي محرك، مادة Narratologie أو Narratology أو أي لغة أجنبية أخرى ليجد نفسه أمام مئات الصفحات والمواقع الخاصة بها في العالم أجمع(10).
4. 2. الموضوع:
لا بد لكل علم من موضوع يشتغل به. وتحديد الموضوع بدقة متناهية يخضع لمتطلبات خاصة ينشدها العالم وهو يختار زوايا محددة من العالم الذي يبحث فيه.
عندما اقترح الشكلانيون الروس « الأدبية» موضوعا للبويطيقا الجديدة، كانوا يريدون بذلك تحديد «موضوع» مفترض عملوا على بنائه من خلال تصور جديد للأدب: فالأدبية هي الخاصية التي تجعل من عمل ما عملا أدبيا.
لكن هذه الخاصية «الأدبية» أين تكمن؟ وأين تتحقق؟ أفي الشكل ؟ أم في المحتوى ؟ أم فيهما معا؟ هل نجدها في الأسلوب؟ أم في اللغة؟
إنه موضوع محدد بوجه دقيق، لأنه يسحب البساط من تحت المشتغلين بالأدب من اختصاصات أخرى (العلوم الإنسانية) من جهة، ولأنه من جهة أخرى يستدعي تصورا جديدا للأدب ورؤية مخالفة لما ظل سائدا خلال عدة قرون. لذلك يبدو مفهوم الأدبية بقدر ما هو محدد، هو مولد لأسئلة لا حصر لها.
لكن المشروع العلمي يكمن في كونه مشرعا على الأسئلة ومفتوحا على الافتراضات. ولذلك فهو يفتح ورشات متعددة للملاحظة والتجريب والاستنباط للوصول إلى قواعد عامة لا تقف عند المنجز أو المتحقق، ولكنها تنشد كذلك الممكن الإنجاز.
ولو كان بالإمكان الجواب عن السؤال المتعلق بـ«الأدبية» في البداية لما كانت هناك ضرورة للعلم أو البحث العلمي، أو ميلاد علوم فرعية تتضافر، كل من ناحيتها، لمحاصرة الموضوع وتجزيئه، والتقدم في الجواب عنه، بخطى بطيئة ولكن ثابتة، لتسهيل التقدم في الجواب عن الأدبية العامة.
لذلك يمكننا القول الآن إنه وقد قرب مرور قرن من الزمان على طرح الشكلانيين الروس للأدبية، لا يزال الدارسون يعملون على توضيحها ويحددونها تحديدات مختلفة، ويبحثون عنها من زوايا نظرية ومنهجية معينة. إن الموضوع يفتح أفقا للتفكير والبحث وتقديم فرضيات واختيار استراتيجيات، يتم الكشف عنها من خلال العمل الدائب والمتواصل والمتطور.
سار السرديون على نهج الشكلانيين الروس في تحديد موضوع السرديات، فجعلوه «السردية» (Narrativité) قياسا على الأدبية. فإذا بنا ننتقل من العام إلى الخاص. وهذا الخاص قابل بدوره لأن يتجزأ إلى ما هو أخص منه.
وبالاشتغال بهذه المستويات المختلفة يكون المرمى البعيد هو تدقيق وتنويع عناصر الموضوع وملامسته من جوانب متعددة. وكل اختصاص فرعي يحاول أن يتقدم في الإجابة عن الأسئلة الخاصة والعامة المتصلة بالموضوع.
لهذا السبب نجد السردية وقد صارت مرمى بعيدا يشتغل بها البعض من خلال الرواية وآخرون من خلال الحكاية العجيبة، ومع تطور الزمن سنجد الاشتغال بالسرد يتم من خلال الصورة والحركة، ومعنى ذلك أن علاقة الموضوع بالنص كانت وطيدة.
وهذا التنوع في اختيار النصوص (الكلاسيكية ـ الجديدة، التقليدية ـ التجريبية،) كان له أيضا دور هام في توسيع مجال البحث في الموضوع بتعدد النصوص والعلامات المشتغل بها. وكل الاشتغالات تتأسس على المبادئ العامة للسرديات وتسعى كلها إلى تقديم منجزات سردية تخدم الهدف العام، وإن انطلقت من عينات نصية أو علاماتية محددة ومتنوعة.
كما أن هذا البحث في الموضوع سيدفع الباحثين إلى تعداد مناطق الاستكشاف بناء على خلفياتهم المعرفية ومقاصدهم التي لا يمكن إلا أن تتعدد بتعدد مشاربهم واتجاهاتهم رغم اتفاقهم المبدئي، المباشر حينا أو الضمني أحيانا، حول المشروع العلمي الذي يشتغلون به.
لذلك نجد السردية مختلفة بين السرديين، وهو الاختلاف الذي يخدم البحث لأنه يغذيه ويطوره. ولو لم يكن هذا الاختلاف لتم التسليم بأن ما توصل إليه بعض السرديين هو الفيصل، فيكون الاتفاق وتلك نهاية مشروع البحث.
يستدعي تدقيق الموضوع ضبط مكونات العمل السردي ومراتبه وطبقاته وفق تصور محدد ينطلق منه السردي. ومنذ أن عين الشكلانيون الروس هذه المكونات من خلال ثنائية «المتن الحكائي» و«المبنى الحكائي» حسب ترجمة إبراهيم الخطيب لـ(Sujet;Fabula)، نجد السرديين يعددون هذه المكونات والمراتب وفق ما نجده في ما يلي:
ـ جنيت: الحكي / القصة / السرد.
ـ تودوروف: القصة / الخطاب
ـ ميك بال: الحكي /القصة / النص السردي
ـ ريمون كينان: القصة / النص / السرد.
وكل هذه التمييزات ستكون خاضعة لخلفيات ومقاصد محددة لدى هذا السردي أو ذاك. كما أن تحديد المصطلحات والمفاهيم الجنسية المركزية (السرد ـ الحكي ـ القصة ـ الخطاب ـ النص وكل ما يتصل بها من مفاهيم قريبة) ستكون بدورها مثار اختلاف بسبب اختلاف الخلفيات والمقاصد.
وسنبين ذلك من خلال التوقف على أعمال جيرار جنيت وميك بال وجاب لينتفلت لإبراز أن الاختلاف هو السائد، وليس الاتفاق كما يتوهم العديد من الذين ينتقدون السرديات من العرب، وهم يتصورونها، جهلا بها، قوالب جاهزة علينا فقط أن نقوم بتطبيقها، أو أن تطبيقها يعني أننا نفهم الأمور بالكيفية الخاطئة التي يتصورونها.
إننا إذا لم نتبين بشكل جيد ودقيق هذه الفروقات المنهجية والدلالية لا يمكننا إلا أن نقع ضحية الالتباس والغموض وعدم الاستيعاب. وبالتالي استحالة الإبداع والتطوير. وهذا، للأسف، هو شكل تفاعلنا السائد مع هذه النظريات الجديدة في الأدب عموما والسرد خصوصا.
إننا لا ننتبه إلى خصوصياتها وتميز بعضها عن بعض، وهي تشتغل بموضوع واحد وفي نطاق اختصاص محدد. ونحن نقوم بالشيء نفسه، ويا للحسرة؟ حينما يكون الموضوع واحدا والاختصاصات متعددة.
إن الاختلاف في تدقيق مكونات الموضوع ومراتبه ضمن الاختصاص الواحد ليس دليلا على خلل نظري أو منهجي، ولكنه دليل عافية، لأنه هو الذي يؤدي إلى تحاور السرديين ومناقشاتهم الدائمة. وكلما تطور النقاش، ساهم ذلك في إخصاب النظرية وتطويرها.
إن الاختلاف هو القاعدة، والاستثناء هو الاتفاق، لأن الموضوع المشتغل به (السردية) يغتني ويتنوع ويتعدد بغنى وتنوع وتعدد النصوص السردية قديمها وجديدها، وباختلاف الخلفيات والمقاصد التي ينطلق منها المشتغلون بالسرد.
4. 3. الخلفيات:
إن مصادر الاختلاف في تحديد عناصر الموضوع وضبط مكوناته ومصطلحاته يعود إلى الخلفيات التي ينطلق منها الدارسون والباحثون في السرديات. فالذي جاء إلى السرديات من البلاغة والنقد الأدبي، ليس مثل من جاء إليها بقناعات لسانية أو معجمية. كما أن من بدأ الاشتغال بها وهو ذو خلفية فلسفية ليس مثل ما يعتمد خلفية أسلوبية أو بويطيقية.
يلعب تعدد الخلفيات دورا كبيرا في طبع السرديات، أو الفكر السردي حين يتعلق الأمر بالنقاشات النظرية والفلسفية للسرد، بسمات التعدد والاختلاف. وعندما نلاحظ النقاش بين السرديين حول مشروع جنيت والذي كان جزء هام منه ضمن أعداد مجلة « بويطيقا» سنجد، أن زوايا اختلاف النظر تتحدد بناء على الخلفيات التي ينطلقون منها.
كما أننا نلمس ذلك بجلاء أيضا في النقاش الذي خاضه بول ريكور مع جيرار جنيت من جهة أو مع غريماس من جهة أخرى أو الذي ساهمت به دوريت كون أو ميك بال،
لقد كانت لتعدد الخلفيات أهمية كبرى في تحفيز السرديين على التفكير في موضوعهم وتطويره نحو آفاق جديدة. وكلما تعددت هذه الخلفيات كان لها دور في مد السرديات بزخم فكري وسجال معرفي يسهم في التطوير والإغناء والدفع إلى اختراق مسارات جديدة في النظر والعمل.
ومنذ ظهور التكنولوجيا الجديدة للمعلومات والتواصل (NTIC) وصار العلماء الذين جاؤوا إلى السرديات من الفيزياء والرياضيات والمعلوميات والذكاء والاصطناعي والعلوم المعرفية، علاوة على علوم الاجتماع والنفس والأنثروبولوجيا والسياسة والاقتصاد، بتنا أمام تحولات كبرى شهدت السرديات خلال العقدين الأخيرين.
4. 4. المقاصد:
إن اختلاف المقاصد يرتبط ارتباطا وثيقا بالمقاصد المتوخاة. وهي بدورها تسهم في الاختلاف في تحديد المصطلحات والمفاهيم ومعانيها. لذلك نجد من يحدد «السردية» في الشكل. كما أن أهناك من يعينها في الدلالة.
وعندما نقول الشكل أو الدلالة فإننا لا نعني بهما مفهومين بسيطين كما يمكن أن نتصور، لأن كلا منهما محمل بالدلالات الجديدة التي صارا يأخذانها مع ظهور اللسانيات والبنيوية والنظريات الجديدة في التأويلية والتداولية والعلوم المعرفية.
كما أن البدء في التفكير في أي منهما يتم وفق الأسس العلمية كما تم اعتمادها في مختلف العلوم الإنسانية والأدبية، وفي ضوء تطور العلوم بصفة عامة.
نتبين من خلال هذه المعطيات أن السرديات باعتبارها اختصاصا علميا، ليست عبارة عن قوالب أو مصطلحات جافة أو وصفات ثابتة ونهائية علينا أن نقوم بتطبيقها على النص السردي. إنها مشروع للتفكير والبحث،
وهي تستدعي التسلح بثقافة علمية ومعرفة دقيقة بالعلوم والمعارف وكفاءة في قراءة النصوص بهدف تحليلها في أفق التصور العلمي الذي يشتغل به الباحث بغية تطوير المعرفة بالسرد والسردية. ويتطلب ذلك اتباع إجراءات البحث العلمي ومستلزماته، وتوليد مصطلحات ملائمة،
كل هذه الأسس والضوابط غابت في تعاملنا مع السرديات ومختلف إنجازاتها. ولذلك ظلت عندنا محدودة جدا وفقيرة، لأننا فهمناها فهما ناقصا «واستوعبناها» باختزال وتبسيط شديدين. لذلك كان السائد في التعامل ينبني على أساس أنها «نظريات» مكتملة للسرد، وما علينا سوى «تطبيقها» على النص السردي العربي قديمه وحديثه، ليكون عملنا سرديا.
لكن الأمر، في الحصيلة النهائية، كان على خلاف ذلك جذريا.
يقودنا الحديث عن كيفية تفاعلنا مع السرديات إلى استنتاج ما يلي:
أ. نسجل أنه، في ضوء ما رأيناه تحت العلم والموضوع والخلفيات والمقاصد، وبالنظر إلى ما تحقق على مستوى المنجزات السردية، سواء في ما صار يسمى «السرديات الكلاسيكية» (الأصول) والامتدادات، مع المختبرات والجماعات العلمية التي تحتضنها الجامعات والمدارس الأوروبية والأمريكية.
وفي ظل هيمنة التصور الأدبي السائد عندنا لم نمارس التصور الذي يؤدي إلى تبلور هذه المقومات فلم يتحقق أي منها على مستوى الوعي والممارسة لأن التصور التقليدي للأدب ظل هو المتحكم في تعاملنا معها.
ب. في غياب هذه المقومات الضرورية للتفكير في السرد، بطريقة جديدة، أي علمية، كان المنجز السردي العربي، وهو يحمل اسم «السرديات»، من خلال تفاعله مع المنجزات الغربية في هذا النطاق، « نقدا سرديا» لا سرديات.
فماذا نقصد بـ«النقد السردي»؟ وما الذي يميزه عن السرديات ؟ وهل النقد السردي الذي مارسناه نقد حقيقي أو زائف ؟ ذلك ما سنراه في تناولنا للنقد السردي في علاقته بالسرديات.
5 . النقد السردي والسرديات:
إذا كان السردي يشتغل بالسرديات وفق مبادئ وأسس البحث العلمي ناشدا من وراء ذلك الوصول إلى درجة من الكلية والشمولية في الإحاطة بالظواهر التي يحللها، فإن الناقد السردي يعنى بشكل خاص بالنصوص المتحققة فقط محاولا الإمساك بخصوصيتها الفنية أو الدلالية.
كما أنه إذا كان السردي يعالج القضايا السردية بموضوعية لأنه مطالب بتحقيق المعرفة العلمية بخصوص كل ما يتناوله، فالناقد السردي يمكن أن يدخل ذاتيته وفق المتطلبات التي تستدعيها شروط الكتابة النقدية وبناء على ما يقدمه له النص من مواد ومعطيات، وليس تبعا لأهواء إيديولوجية أو مواقف ثقافية جاهزة.
بهذا التمييز بين الممارستين العلمية والنقدية، يمكننا أن نتحدث عن علاقة تواصل وتكامل بينها. فكل منهما يستدعي الآخر ويتطلبه. غير أن حاجة النقد السردي للعلم السردي لأقوى وأشد لأنه يمهد له المجال ويضع له الأسس وينتج له المفاهيم من جهة، كما أنه الأكفأ على مواجهة كبريات القضايا السردية حين تتعلق بنظرية الأنواع السردية وصياغة التاريخ السردي وما شاكل هذا من القضايا العامة.
إن النقد السردي يتأسس على قاعدة ما تمده به السرديات من إنجازات نظرية ومعرفية وثقافية. وبإمكانه أيضا، الاستفادة من علوم ومعارف أخرى لإحاطة بالنص السردي من مختلف جوانبه، ويعمل من خلال ذلك على مد السرديات، بدوره باحتمالات وآفاق جديدة لتوسيع دائرة اهتمامها بعناصر خاصة جدا يمكن أن ينتهي إليها النقد السردي وهو يشتغل بنصوص معينة، أو يكتشف مناطق نصية غير مأهولة أو غير متداولة.
لكل هذه الاعتبارات يمكن التأكيد على العلاقة الجدلية بين السرديات والنقد السردي لاختلاف دوريهما في تقديم معرفتنا السردية. ونظرا لطبيعة هذه العلاقة يمكننا الذهاب إلى أن السردي يمكنه أن يكون أيضا ناقدا سرديا، بل من الضروري أن يكون ناقدا أيضا. ولا يمكن للناقد السردي أن يكون سرديا بالضرورة، لاختلاف ممارسة كل منهما.
لتوضيح هذه العلاقة بين السرديات والنقد السردي، من منظور آخر، يمكننا القول إن السردي وهو يشتغل بنصوص محددة يظل مشدودا إلى الأفق النظري الذي يحدد رؤيته للأشياء السردية. أما الناقد السردي فإن عمله يكون تطبيقيا بالأساس.
غير أن التطبيق، هنا، لا يعني الانطلاق من فراغ نظري أو منهجي. كما أنه لا يمكننا فهمه بكونه، يعني فقط، الانطلاق من مفاهيم وتصورات سردية، والعمل على «إلصاقها « على النص السردي المحلل. إن هذا العمل ليس تطبيقا ولا نقدا.
إن التطبيق استثمار لمعارف ولذكاء خاص بالقراءة وأسرارها وإضافة معرفية تبين ملاءمة التطبيق ونباهته. لذلك، وأنا أتحدث هنا عن تجربة عمل جماعي، نلاحظ أننا يمكن أن نأخذ مثلا «نظرية العوامل» الغريماسية ونشتغل بها على نص سردي واحد.
وسنلاحظ أن كلا منا سيحدد أطراف العلاقات العاملية بكيفية مختلفة عن غيره. كما أننا لو انطلقنا من نظرية التبئير وحاولنا «تطبيقها» على نص سردي قديم أو حديث سنجد كل ناقد يتعامل معها بكيفية تنبئ عن فهمه الجيد أو الرديء للنظرية، وعن ذكائه وفطنته في التعامل مع محددات العلاقات التبئيرية.
وفي هذا مجال واسع لمن أراد الاشتغال بنقد النقد السردي أو بالميتا ـ سرديات أو نقد السرديات في التطبيق العربي ليجد نفسه أمام اختلافات لا حصر لها. غير أن الاختلاف هنا لا يعني دائما، ذلك الاختلاف الخصب الذي ينبئ عن فطنة ومعرفة سرديتين. هذا ممدوح ومطلوب. ولكنه المبني على الجهل والاختزال والتسرع، وهذا مذموم وغير مرغوب فيه إذا أردنا تأسيس معرفة سردية حقيقية.
يمكننا، في هذا النطاق، التمييز بين نقد سردي ملائم، وآخر غير ملائم. أما في السرديات فلا يمكننا أن نجري هذا التمييز، لأننا سنكون أمام إما العلم أو الجهل. لذلك لا يمكننا أن نقول عن «سردي» ما، إذا كان فعلا سرديا، بأنه لا يمارس العلم؟
إن النقد السردي الملائم يستفيد من المنجزات السردية وغيرها، ويتمثلها جيدا، وينصت إلى ما يقدمه له النص من خصوصيات وتمايزات، ويسعى إلى الإمساك به، بهدف الإسهام بدوره في تطوير السرديات. ولهذا الاعتبار، أجدني مترددا في الحديث عن « سرديات تطبيقية» للتمييز بين السرديات.
ذات البعد النظري والتنظيري، والنقد السردي ذي المرمى التطبيقي، لأن ذلك ربما سيدفع إلى الظن بأن النقد ليست له طبيعة خاصة وذات قيمة محددة في تطوير معرفتنا بالسرد وأنه مجرد «تطبيق». وسينظر إليه نظرة دونية؟ وحين أشدد على هذه النقطة هنا.
فذلك لأن تصورنا الأدبي السائد، وهو تقليدي محض، لا يزال يتعامل مع «التطبيق» باعتباره «تمارين» لا يمكن أن يقوم بها إلا الطلاب.
وفي العديد من الملتقيات العربية كانت تعامل بعض المداخلات على أنها تمارين؟ في حين نجد أن التطبيق يتطلب مهارات وملكات لا تتوفر للجميع. ويبدو ذلك بشكل واضح في كون طلبتنا سواء في بحوثهم أو أطاريحهم يفضلون الموضوعات الفضفاضة القائمة على الإنشاء، ولا يرتاحون للتحليل النصي، لأنهم بعداء عن امتلاك قدراته وضروراته.
وعندما نتأمل كبريات الدراسات التنظيرية نجدها لا تنطلق من الكلام العام، ومن الاشتغال بنصوص كثيرة، ولكنها كانت تنطلق من تحليل نصي واحد ومحدد (جنيت/ البحث عن الزمن المفقود ـ غريماس/ قصة موباسان ـ بارث/ س، ز،)، والأمثلة كثيرة. لذلك نسجل.
بهدف تأكيد العلاقة بين السرديات والنقد السردي، كما حاولنا توضيحها، أنه لا يمكننا الحديث عن «نظرية سردية بلا ممارسة سردية، ولا ممارسة سردية بدون نظرية سردية».
- 6 على سبيل التركيب :
إذا تتبعنا جيدا كل ما قلناه عن السرديات والنقد السردي، وطرحنا السؤال التالي حول المنجز السردي العربي: هل عندنا سرديات ؟ وإلى أين وصلت السرديات عندنا ؟ وما هو واقع النقد السردي العربي؟ وما هي الصلات القائمة بينهما ؟ وأيهما متطور عن الآخر؟ نجد أنفسنا نجيب عن هذه الأسئلة مجتمعة جوابا واحدا:
إن المنجز السردي العربي الذي يتكاثر من خلال الرسائل والأطاريح والكتب والمختبرات السردية عمل ثقافي، عام، يدور في فلك السرد، وأنه أقرب إلى النقد السردي منه إلى السرديات. وحتى هذا النقد السردي أغلبه غير ملائم، أي أنه ناقص، لأنه، وإن انطلق من مصطلحات سردية، لا يقدم معرفة بالسرد.
خلاصة مزعجة بلا شك. إنها تصف واقعا ولا تتشفى فيه. بل تريد وضع اليد على المشاكل الجوهرية من أجل الوعي بها أولا، والعمل على تجاوزها ثانيا. والسبب في ذلك لا يعود إلى «بلادة» المشتغلين بالسرد في العالم العربي أو إلى «كسلهم»، أو إلى عجزهم عن الإبداع والتجلي.
بل على العكس من ذلك يمكن تأكيد أن عندنا طاقات هامة (بالمؤنث والمذكر) وفي كل البلاد العربية. لكنها طاقات مهدورة وضائعة وغير موجهة نحو العميق والأصيل.
إن مكمن الخلل، في رأيي، هو التصور الأدبي السائد عندنا، والذي تكرس منذ أزيد من قرن من الزمان. وهذا التصور هو الذي دشنا به هذه الدراسة. إننا لم نأخذ بأسباب البحث العلمي في بحثنا للأدب، ولم نحسم الجواب، نظريا، بصدد السؤال الكلاسيكي: هل الأدب؟ أو النقد؟ علم أو فن؟ وإن كان الجواب العملي هو السائد وهو: الأدب؟ والنقد؟ في؟ فبقي همنا الأساس هو التعامل مع الإبداع الأدبي وفق هذا التصور.
وتولدت عن ذلك علاقة غامضة بين الدارس والنص. وهي العلاقة التي سنكرس لها دراسة خاصة بالانطلاق مما يمدنا به التصور النقدي العربي السائد حول هذه النقطة الإشكالية،أيضا، والتي سنلمس فيها التصور الذي نتحدث عنه بوضوح أكبر.
لقد كان هذا التصور عائقا دون انتقالنا في فهم الأدب من التصور السائد إلى تصور آخر مخالف. وظلت دروسنا وجامعاتنا تكرس هذا التصور. ولذلك تعاملنا مع البنيوية وكأنها «نظرية» علينا أن نستفيد منها في قراءة نصوصنا. وذلك هو ما قمنا به، ونحن نحلل الروايات والحكايات العجيبة. وها نحن الآن نطالب بالانتقال إلى ما بعد البنيوية؟ وإلى ما بعد السرديات ؟
ما دمنا لا نؤمن بالسرديات، علما، لا يمكننا التفكير فيها إلا من منظور نقدي، ونمارسها من منظور نقدي غير ملائم. هذا هو الواقع. وعندما نغير مواقفنا من العلم الأدبي، نكون أمام عتبة التفكير في الأدب علميا، وآنذاك يمكننا التفكير في السرد من منظور السرديات « العلمية» (النظرية).
وآنذاك يمكننا إنتاج النقد السردي الملائم الذي يغني النظرية، ويطور معرفتنا بالسرد العربي الذي يحتل جزءا هاما من إنتاجنا الثقافي والمعرفي والتاريخي والأدبي. ولا يمكننا تطوير معرفتنا بسردنا الغني والمتنوع بدون تطوير أدواتنا العلمية.
ولعل الوعي بضرورة العلم والبحث العلمي في الأدب هو المدخل لتطوير الجامعة العربية والإنسان العربي والثقافة العربية. والجامعة العربية (وخاصة كليات الآداب) في حاجة ماسة لهذا التطور لأن الجامعة بدون بحث علمي حقيقي غير صالحة لتكون جامعة، وإنما هي فقط مدارس لتلقين المعلومات و«الثقافة العامة» للكبار.
و«الثقافة العامة» لا تقدم سوى المعرفة «اليومية» وتعمل على اجترارها في الإعلام كما في «المحاضرات» والدروس العامة. أما الجامعات الحقيقية فهي متصلة بالتخصص العلمي وبالتخصصات الدقيقة في الأدب واللغة والإنسان وفي كل الموضوعات العلمية، وتلك هي التي تنتج «المعرفة العلمية»، وشتان بين المعرفة اليومية والمعرفة العلمية.
نُشرت هذه الدراسـة في مجلة “نِـزوى” العُمانية بتارخ 1 يوليوز 2010.
- هوامش :
1. HENAULT A.: Narratologie. Sémiotique générale.
Les enjeux de la sémiotique 2, PUF, 1983.
2. يقدم جيرار برينس دراسة هامة حول السرديات في بداياتها ويسميها «السرديات الكلاسيكية» ونلاحظ بجلاء هنا تقديرا كبيرا وهو يضفي عليها هذا النعت، ويتحدث عن التطورات التي يعتبرها داخلة في ما بعد السرديات الكلاسيكية، ينظر:
– Gérald Prince:Narratologie classique et narratologie post-classique,
Date de publication: 06/03/2006Publication: Vox Poetica
Adresse originale (URL): http://www.vox-poetica.org/t/prince06.htm
ونجد دراسة مشابهة لدافيد هيرمان، وتسير في الاتجاه نفسه متحدثة عن السرديات الكلاسيكية وما بعدها:
– David Herman, «Scripts, Sequences, and Stories: Elements of a Postclassical Narratology», PMLA 112 (1997): 1046-59 et Narratologies: New Perspectives on Narrative Analysis (Columbus: Ohio State University Press, 1999);
3. يعتبر العدد الثامن 1966 من مجلة « تواصلات « :
Communications, COMMUNICATIONS، N°8: Analyse structurale du récit.Seuil,1966.
أول ملف يضع الأسس لدراسة بنيوية للسرد، وقد شارك فيه ثلة من الدارسين والباحثين من اختصاصات متعددة. وقد ترجمت أربع دراسات من هذا الملف إلى العربية، وأضيفت إليها دراسات أخرى تحت عنوان :
ـ طرائق تحليل السرد الأدبي، تر. عبد الحميد عقار، وحسن بحراوي وقمري البشير وآخرين، مجلة آفاق، ع.8-9 1988
4. ترجم كتاب جيرار جنيت، تحت عنوان :
ـ خطاب الحكاية، مقال في المنهج، جيرار جنيت، تر. محمد معتصم وعبد الجليل الأزدي وعمر حلي، مطبعة النجاح الجديدة، الدار البيضاء، 1996
Genette, Gérard. Figures III. Discours du récit. Paris: Seuil, 1972.
5. M.Bal,Narratologie , Essais sur la signification narrative dans quatre romans modernes,HES Publishers /Utrecht,1984
6.العلاقة بين السرديات والتداوليات صارت تثير الاهتمام، ينظر :
Amossy, Ruth. 2002. « De l’énonciation à l’interaction: l’analyse du récit entre pragmatique et narratologie », Pragmatique et analyse des textes, Amossy, Ruth (éd.) (Université de Tel-Aviv)
7. يكرس ملتقى «السرديات المعاصرة» (Le séminaire Narratologies Contemporaines) الذي ينجز سنويا في نطاق: مدرسة الدراسات العليا للعلوم الاجتماعية التابعة للمركز الوطني للبحث العلمي (فرنسا) لقاءات سنوية، غرضها تطوير منجزات السرديات الكلاسيكية، وهذه أمثلة من ملتقياته السنوية وموضوعاتها، وهي تكشف لنا جديد القضايا السردية التي تتناولها :
ـ في موسم 2007 – 2008 التمييز بين السرد الحقيقي والتخييلي.
ـ في موسم 2008 – 2009: تحليل العلاقة بين السرد والمعرفة.
ـ في موسم 2009 – 2010: الاستعمالات الاجتماعية الجديدة للسرد.
إن المشتغلين في هذا الملتقى يدركون جيدا أن السرديات الكلاسيكية لم تهتم بهذه القضايا، وبذلك فهم يوسعون مجال الدراسات السردية نحو موضوعات متعددة الاختصاصات، وهم يقرون في بياناتهم التوضيحية لكل أعمالهم أنهم لم يتخلوا عن المنجزات البنيوية (التي يعتبرونها كلاسيكية، تقديرا منهم لها) لتحليل السرد؟
وفي نطاق علاقة السرديات بعلم النفس، ينظر كتاب بورطولوسي وديكسن :
– Marisa Bortolussi et Peter Dixon, Psychonarratology: Foundations for the Empirical Study of Literary Response (Cambridge: Cambridge University Press, 2003)
8. علاقة السرد بالصورة صار من بين صلب السرديات، وهناك دراسات كثيرة في هذا المجال. وتكفي الإشارة إلى العدد 16، سنة 2009 الذي كرسته «دفاتر السرديات» التي تصدر عن جامعة نيس بفرنسا، لهذه العلاقة بين السرد والصور أو حدود السرد:
– Cahiers de narratologie n°16 ,Images et récits. Les limites du récit, Sous la direction de Jean-Paul Aubert , 2009
9. اهتمت ماري ـ لور رايان بالسرد وعلاقاته بالوسائط الجديدة، ولها كتابات كثيرة في هذا المجال :
Marie-Laure Ryan,Possible Worlds, Artificial Intelligence and Narrative Theory Indiana University Press, 1991
10. نذكر هنا، فقط، أسماء بعض المواقع الخاصة بالسرديات في أوربا، وهناك كثير منها في أمريكا وكندا وأستراليا،
ـ مركز البحث في الفنون واللغة:
Centre de Recherche sur les Arts et le Langage (CRAL – EHESS/CNRS)
ـ شبكة السرديات الأوروبية: European Narratology Network
ـ مختبر البحث السردي:
Narrative Research Lab – rhus Universitet.
ـ مركز تداخل الاختصاصات للبحث في السرديات :
Interdisciplinary Center for Narratology.
ـ الشبكة الشمالية للدراسات السردية :Nordic Network of Narrative Studies.
ـ المشروع السردي: Project Narrative.
ـ مركز البحث في اللغات والآداب الأوروبية المقارنة :
Centre de recherche en langues et littératures européennes comparées, Université de Lausanne.
ـ المركز المتداخل الاختصاصات في الحكي والثقافات وعلم النفس التحليلي واللسنة والمجتمعات :
Centre Interdisciplinaire Récits, Cultures, Psychanalyse, Langues et Sociétés, Université de Nice Sophia Antipolis.
ـ بويطيقا فوكس : Vox Poetica.
ـ فابولا : Fabula (La recherche en littérature).
ـ المجلة الإلكترونية الدولية بأمستردام للسرديات الثقافية :
Amsterdam International Electronic Journal of Cultural Narratology.
ـ الزمن الصفر: مجلة دراسة الكتابات المعاصرة :
Temps zéro. Revue d’études des écritures contemporaines