الدراسات اللغوية

ما لم تدخُلْه هاءُ التأنيث من صفات الأنثى وما دخَلَت عليه لغير معنى التأنيث

 

تقولُ: امرأةٌ طالِقٌ وحائضٌ وطامِثٌ وعَجوزٌ وحاملٌ ومُرضعٌ… إنما حُذِفَتْ تاءُ هذه الصفاتِ المُشبَّهَة لعدم الحاجة إليها، فإن التاءَ إنما دخلَت للفرْق بين المذكَّر والمؤنث في مَحل اللَّبْس، فإذا كانت الصِّفَةُ خاصَّة بالمؤنَّث فلا لَبْس، فلا حاجة إلى التاء. هذا قولُ الكوفيين، وقَد خالَفَ في ذلكَ سيبويْه، ولكنّ خلافَ سيبويه لا يردُّ وجهاً لغوياً وردَت به الأدلَّةُ، فلا يُردُّ ما دلَّت عليه الشواهدُ لكونه خلافَ قول عالم معيَّن كسيبويه رحمَه الله؛ وهو ممَّن يُؤْخَذُ من قوله ويترك، وأما أن نعتقدَ صحَّة قوله في كلِّ شيءٍ فكلّا. هكذا قال ابنُ القيم رحمه الله وقولُه صوابٌ.

أمّا الاعتراضُ بقوله تعالى: « تذهلُ كلُّ مُرضعةٍ عَمّا أرضعَت» فجوابُه أنّ هاء التأنيث التحَقَت بوصف {مرضعة} للدلالة على تقريب الوصف من معنى الفعل، فإن الفعلَ الذي لا يوصف بحَدَثه غيرُ المَرأة تَلحَقُه علامةُ التأنيث ليُفادَ بهذا التقريب أنها في حالة التلبّس بالإرضاع، كما يقال: هي ترضع، كذا قال صاحبُ التحرير والتنوير، وقولُه صوابٌ.

أمّا ما شاعَ اليومَ من صفات كالخَلوقُ ، امرأة خَلوق أو خَلوقَةٌ… فالخَلوقُ ليسَ صفةً ولكنّه اسم للطيب، تقول: خَلَّقََت المرأَةُ جسمَها طَلته بالخَلوق وهو طيبُ النساء. وليسَ صفةً لذي الخُلُق، وهذا من الشائع بغير دليل، ويُقال جُبّة خَلَقٌ بغيرهاء وجَديدٌ بغيرهاء أَيضاً، وهذا بَصَرٌ حَديدٌ وهذه أبصارٌ حَديدٌ، ولا يجوز جُبَّة خَلَقةٌ ولا جَديدة ولا أبصارٌ حَديدةٌ، وإنما الجائزُ أن يُقالَ للشيء الهالكِ من الثياب “خَلوقة” وخَلَقٌ وثوبٌ أخلاقٌ، وقد خَلُق الثوبُ بالضّمّ خُلوقة أي بَلِيَ بِلىً، وأَخلَق فهُوَ خَلَقٌ بالٍ.

أمّا الصَّبورُ فهو مما يَشتركُ فيه الذَّكرُ والأنثى مَعاً، بغير هاء وجمعه صُبُرٌ. أمّا ما ورَدَ بالهاء (صَبورَةٌ) فليسَ علامةً على التأنيث ولكنّه للمُبالَغَة، تقولُ: رَجُلٌ صَبُورَة، بالهاء، مَصْبُور أي مَحبوسٌ للقَتل أو العقابِ.

وممّا لحقته الهاءُ لغير التأنيث قولُنا: عَلاّمٌ وعَلاّمةٌ ونَسّابةٌ وفَهّامةٌ إذا بالغت في وصفه بالعِلْم والعلم بالنسَب وكثرة الفهم، فالهاء للمبالغة كأن المَعنى: داهية من قوم عَلاّمِين وعُلاّم. قال ابن جني: رجل عَلاّمةٌ وامرأة عَلاّمة لم تلحق الهاء لتأْنيث الموصوفِ بما هي فيه وإنما لَحِقَتْ لإعْلام السامع أن هذا الموصوفَ بما هي فيه قد بلَغ الغايةَ والنهايةَ فجُعِلَ تأْنيثُ الصفة أَمارةً لما أُريدَ من تأْنيث الغاية والمُبالغَةِ وسواءٌ كان الموصوفُ بتلك الصفةُ مُذَكَّراً أو مؤنثاً، يدل على ذلك أن الهاء لو كانت في نحو امرأة عَلاّمة وفَرُوقة ونحوه إنما لَحِقت للتأنيث لَوَجَبَ أن تُحْذَفَ في المُذكَّر فيقال رجل فَروقٌ.

 

عبد الرحمن بودرع

أ.د. عبد الرحمن بودرع : أكاديمي مغربي، متخصص في "اللغويات العربية" و"لسانيات النص وتحليل الخطاب"، أستاذ التعليم العالي جامعة عبد المالك السعدي- كلّيّة الآداب والعلوم الإنسانيّة. نائب رئيس مجمع اللغة العربية على الشبكة العالَمية بمكة. عضو مُحكَّم في لجان التحكيم لمجلات عربية، ولبعض مراكز البحث العلمي الجامعية العربية. عضو الهيئة العلمية لمجلة "مجمع اللغة العربية على الشبكة العالَمية" بمكة. أصدر مجموعة من الكتب والمؤلفات المهمة في تخصُّصِه، نذكر منها " الأَسَاس المعرِفِيّ للغوِيّاتِ العَرَبِيَّةِ " 2000م. " جوامع الكلم في البيان النبوي " 2005م. " من ظواهر الأشباه والنظائر بين اللغويات العربية و الدرس اللساني المعاصر" 2005م. " من قَضايا النَّظَرِيّة اللغويّة العربيّة" 2007م. " المنتقى من فَصيح الألفاظ للمعاني المُتَداوَلَة" 2008م. " الأسُس المعرفية للغويات العربية" 2013م. " في اللسانيات واللغة العربية، قضايا ونماذج" 2016م. "في السياسة اللغوية والتخطيط، قضايا ونماذج" 2017م. "النص الذي نَحيا به، قضايا ونماذج في تَماسُك النص ووحدَة بنائه" 2018م. إضافة إلى طائفة من الكتب في التأليف الجماعي نذكر منها؛ "اللّغة وبِناءُ الذّات" 2004م. "التّداوليّات وتَحليل الخطاب، بٌحوث محكّمَة" 2014م. "المعجمية العربية، قضايا وآفاق" 2014م. "المعجم التاريخي للغة العربية، رؤى وملامح" 2016م. "مركزية سيبويه في الثقافة العربية" 2017م. "مفاهيم لسانيات النص وتحليل الخطاب في قراءة التراث اللغوي والبلاغي" 2019م. حصل على جائزة الشرف المتميز، للبحث العلمي من جامعة عبد المالك السعدي : 2009 / 2010/ 2011 / 2015 / 2016.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى