الدراسات اللغوية

مَفْهوم الزَّمن في النّحو والصَّرْف

 

الحَقيقةُ أنّ موضوعَ الزّمَن في اللغات الطّبيعيّة عامّةً وفي اللغة العربيّة على الخُصوص، ظاهرةٌ معقّدةٌ يدخلُ في تَشكيلها عَناصرُ متنوّعةٌ، منها العلاماتُ النّحويّةُ الصّرفيّةُ ومنها العلاماتُ المنطقيّةُ الطّبيعيّةُ .

* الزّمنُ في اللغاتِ الطّبيعيّةِ مفهومٌ نحويٌّ أولاً وقبل كلّ شيءٍ،

* وله لفظٌ ذو مظهرٍ صرفيٍّ ؛ إذ يدلّ الفعلُ على زمنه بصيغتِه الصّرفيّةِ

* ولا يُفهَمُ المَعْنى الزّمنيّ الدّقيقُ إلاّ بتوضُّعِ اللفظِ الدّالّ على الزّمن، في سياقِ التّركيبِ

* تتكوّنُ دلالةُ الزّمن في سياقِ الكَلامِ من تداخُل الصيغ فتجد الصيغةَ الدّالّةَ على المُضيّ تدلّ على الاستمرارِ.

ومعنى هذا أنّ مرجعَ فهم الزّمن ليسَ صيغة الفعل الصّرفيّة وحدها ، ولكنّها الصيغة مُركّبةً في سياق الجملةِ،

لم يخصّص النحاةُ القُدماءُ بابا لموضوع الزّمَن النّحويّ، ولكنّ ملاحظاتِهِم عنه جاءت متفرّقةً في أبوابٍ كثيرة، لأنّه لم يكن باباً رئيساً من أبوابِ النّحو؛ فإنّك تجد مباحثَ الزّمن موزَّعةً على الأفعال والمشتقّات والنّواسخ وظروفِ الزَّمانِ … خُذْ تَعريفَ الفعلِ مثلاً : فهو لا ينفكّ عن محتواه الزّمنيّ؛ فقد عرّفَه سيبويهِ بقولِه: « وأمّا الفعلُ فأمثلةٌ أخِذتْ من لفظِ أحداثِ الأسماء [أي أخِذت من المصادر] وبُنِيت لِما مَضى ولِما يكونُ ولم يَقَعْ وما هو كائنٌ لم ينقطعْ… ». وعرّفَه ابنُ يعيش في شرحِ المفصّل بأنّه: « ما دلّ على اقتِرانِ حدَثٍ بزمان»

أمّا عن ترجمة الزّمان من لغة أجنبيّة إلى اللّغة العربيّة فلا يَكادُ يختلفُ إشكالُ ترجمة المفاهيم والأفكارِ عن إشكالِ التّرحمَة عامّةً؛ فالعبرَةُ في النقلِ والتّرجمَة إنّما تَكونُ بالمَعْنى المفهوم من عُموم التّركيب وليس بالصيغ الصّرفيّة وحدَها؛ فلا يُعزى لصورة اللفظِ وصيغتِه فضيلةُ بمعزل عن سياق الكَلام وفَحْواه ومقاصد المتكلم منه. وفي ذلكَ مُخالَفَةٌ صريحةٌ لما كانَ عليه منهجُ النحويّينَ العربِ عندَما دافَعوا عن الفروق الزمنيّة بناء على اختلاف الصيغ الصرفية؛ وكأنّ الأبنيةَ أسس وقواعدُ لاختلاف الأزمنة.

وعليْه فالعبرةُ في التّرجمَة بترجمَة المَعْنى قبل اللّفظ؛ ويُعتَمَدُ استخراجُ معنى الزّمن في التّركيبِ الأجنبيّ على الجهةِ التي يُشيرُ إليْها هذا الزّمنُ ؛ أهي جهةٌ من جهاتِ المُضيّ: ماضٍ بعيد أو قريبٌ أو وسطٌ ، أم جهةٌ من جهاتِ الحُضور. ومن الجهات أيضاً الماضي المستمرُّ والماضي المنقطعُ ، هذاعن المضيّ ، ثمّ يأتي الحُضورُ وله جهاتٌ، ثمّ الاستقبالُ وله جهاتٌ، ثمّ الزّمنُ الافتراضيّ الذي يدخلُ في حيّز الممكنِ ولكنّه لم يقَعْ … ولكلّ مَعْنىً صيغةٌ أو تركيبٌ يُعبّرُ عنه.

عبد الرحمن بودرع

أ.د. عبد الرحمن بودرع : أكاديمي مغربي، متخصص في "اللغويات العربية" و"لسانيات النص وتحليل الخطاب"، أستاذ التعليم العالي جامعة عبد المالك السعدي- كلّيّة الآداب والعلوم الإنسانيّة. نائب رئيس مجمع اللغة العربية على الشبكة العالَمية بمكة. عضو مُحكَّم في لجان التحكيم لمجلات عربية، ولبعض مراكز البحث العلمي الجامعية العربية. عضو الهيئة العلمية لمجلة "مجمع اللغة العربية على الشبكة العالَمية" بمكة. أصدر مجموعة من الكتب والمؤلفات المهمة في تخصُّصِه، نذكر منها " الأَسَاس المعرِفِيّ للغوِيّاتِ العَرَبِيَّةِ " 2000م. " جوامع الكلم في البيان النبوي " 2005م. " من ظواهر الأشباه والنظائر بين اللغويات العربية و الدرس اللساني المعاصر" 2005م. " من قَضايا النَّظَرِيّة اللغويّة العربيّة" 2007م. " المنتقى من فَصيح الألفاظ للمعاني المُتَداوَلَة" 2008م. " الأسُس المعرفية للغويات العربية" 2013م. " في اللسانيات واللغة العربية، قضايا ونماذج" 2016م. "في السياسة اللغوية والتخطيط، قضايا ونماذج" 2017م. "النص الذي نَحيا به، قضايا ونماذج في تَماسُك النص ووحدَة بنائه" 2018م. إضافة إلى طائفة من الكتب في التأليف الجماعي نذكر منها؛ "اللّغة وبِناءُ الذّات" 2004م. "التّداوليّات وتَحليل الخطاب، بٌحوث محكّمَة" 2014م. "المعجمية العربية، قضايا وآفاق" 2014م. "المعجم التاريخي للغة العربية، رؤى وملامح" 2016م. "مركزية سيبويه في الثقافة العربية" 2017م. "مفاهيم لسانيات النص وتحليل الخطاب في قراءة التراث اللغوي والبلاغي" 2019م. حصل على جائزة الشرف المتميز، للبحث العلمي من جامعة عبد المالك السعدي : 2009 / 2010/ 2011 / 2015 / 2016.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى