تشومسكي والتراث العربي
بالإضافة إلى اهتمام تشومسكي بدراسة اللغة العبرية الحديثة التي برع فيها والده وأجاد، فقد نالت العربية هي الأخرى حظا وافرا من اهتمام تشومسكي، وهي لغة شأنها شأن العبرية تنتمي إلى قسم اللغات الاشتقاقية لا الإلصاقية، التي تبقى دائما في حاجة إلى سوابق وأحشاء ولواحق حتى يتم معنى الكلمة، أو لإضافة معان جديدة.
وقد “اطلع تشومسكي على اللغة العربية ونحوها أيام كان شابا؛ فقد اطلع على متن الأجرومية لما كان طالبا في المرحلة الجامعية”، وتعلم قواعدها على يد أستاذه روزنتال، مما ينم عن ميوله اللغوي المحض، ورغبته في سن قواعد نحو كلي grammaire universelle تقبله كافة اللغات كيفما كانت.
وتطرح في هذا السياق العلاقة الرابطة بين النحو العربي والنحو التوليدي التحويلي؛ على أساس أن الأول ينتمي إلى العلوم العربية القديمة التي تشكل الأرضية الصلبة، والأساس المتين الحامي لحمى اللغة العربية الشريفة، وأن الثاني من النظريات اللسانية الحديثة التي نمت في أحضان النصف الثاني من القرن المنصرم، حتى غدا قرن التوليدية التحويلية بامتياز. فكيف يمكن تطبيق الثاني على الأول؟؟
ذهب أحد الدارسين وهو أسمهان الصالح مع طالب له في مقال مشترك، إلى القول بأن “المبادئ التي ينادي بها التحويليون لا تختلف إجمالا مع ما جاء به نحويو العربية”، وذلك أن النقط المشتركة بين نحو العربية ونحو التوليدية كثيرة جدا، وعلى رأسها أن المنبع الرئيسي لكل منهما هو العقل. غير أن النحو العربي كان سباقا لكل هذه المبادئ التي أقرها التوليديون في شخص زعيمهم تشومسكي، وما يدل على ذلك هو ما تطرق إليه الدارسان من قضايا تفصح عن حقيقة هذا الأمر، ومن أبرزها:
- قضية الأصل والفرع:
كقولنا إن المفرد هو الأصل للجمع، وأن النكرة أصل والمعرفة فرع…ويقابلها عند تشومسكي ما يعرف بالبنيتين السطحية والعميقة، فالأصل يمثل التركيب الباطني والفرع يمثل التركيب السطحي.
- قضية العامل:
ونجد أن تشومسكي يفرد للعامل نظرية خاصة به، وهي نظرية الربط والعامل، أو الربط العاملي – كما يسميها البعض – التي بلورها عام1981م، فيؤكد أن العامل في المقول هو الفعل، أما عامل الفاعل فهو “الصرفة”، التي تتضمن صفات المطابقة والزمن والجهة.
إذاً، فهذه هي القضايا التي شاعت بين نحاة العربية، وأقيمت حولها خلافات كثيرة، ولا سيما بين مدرستي البصرة والكوفة، وها هو تشومسكي يحاول أن يثيرها مجددا، بل ويصنفها ضمن النظريات المنمذجة كما سنرى حين سنتحدث عن مراحل تطور النظرية التوليدية التحويلية.
ومما قد يضاف في هذا السياق أيضا، تلك الخاصية التحويلية التي طبعت جوانب نظرية تشومسكي اللسانية، وهذه الخاصية تحمل في طياتها عدة قواعد من إحلال وتوسع وحذف…، والتي هي نفسها تحضر في الدرس اللغوي العربي ولا تستقيم مسائله الخاصة بهذا الجانب إلا بذكرها.
ومن هنا، يتضح جليا تأثر تشومسكي بالتراث العربي في تكوينه العلمي، ولعل ما أشار إليه الدارسان في المقال من قضايا مشتركة بين النحو العربي والنظرية التوليدية التحويلية، فيه من الدلالة ما يؤكد هذا التأثر.
إعــداد : صارة أضوالي