الشعر ديوان العرب وترجمانهم ، فيه تُقص الأخبار ، وتعرف الخبايا والأسرار ، وينال به أصحابه العطايا والتشريفات ، ومنذ بزوغ الشعر الجاهلي فقد اختص بطائفة من الناس دون العامة ، فهو يعتبر ملكة وهبة سحرية خارقة أشبه بوحي يلقى على ألسنة الشاعر فيجري عليه الشعر منسابا ساحرا .
وقيمة الشاعر في قبيلته لا تقل عن السيد والفارس والشريف ، إذ كان مدعاة للفخر والشرف أن ينبغ شاعر في قبيلة ما ، فتقام الولائم ويكرّم الشاعر ويحتفى به ، وقد اعتقد الشعراء بأن الشياطين هي من تلقي إليهم بالشعر وتصطفيهم لأنفسها ، فكان لكل شاعر شيطان خاص به يلقنه الشعر أو يلهمه إياه وذلك في مكان مشهور يعرف بوادي عبقر . فدعونا نتعرف على أسماء أشهر شياطين الشعراء .
1 – لافظ بن لاحظ شيطان امرئ القيس ومن شعره :
قفا نبك من ذكرى حبيب ومنزل * بسقط اللوى بين الدخول وحومل
2 – هبيد شيطان عبيد بن الأبرص ومن شعره :
أقفر من أهله عبيدُ * فليس يُبدي ولا يُعيدُ
3 – هاذر بن ماهر شيطان النابغة الذبياني ، ويقولون أنه أشعر الجن ، ومن شعره :
يا دارَ مَيّةَ بالعَليْاءِ فالسَّنَد * أقْوَتْ وطَالَ عليها سالفُ الأبَدِ
4 – مسحل بن أثاثة شيطان الأعشى ، ومن شعره :
ودّعْ هريرة َ إنْ الركبَ مرتحلُ * وهلْ تطيقُ وداعا أيها الرّجلُ
5 – شنقناق شيطان بشار بن برد ، ومن شعره :
أنا ابن ملوك الأعجمين تقطعت * علي ولي في العامرين عماد
6 – عمرو شيطان الفرزدق ، ومن شعره :
أنا الـقطران والشعراء جربى * وفي الـقطران للجربى شفاءُ
وقالوا أن رجلا أتى الفرزدق فقال : إني قلت شعرا فانظره ، قال : أنشد ، فقال :
وفيهم عمر المحمود نائله * كأنما رأسه طين الخواتيم
فضحك الفرزدق ثم قال : يا ابن أخي إن للشعر شيطانين يدعى أحدهما الهوبر والآخر الهوجل ، فمن انفرد به الهوبر جاد شعره وصح كلامه ، ومن انفرد به الهوجل فسد شعره ، وإنهما قد اجتمعا لك في هذا البيت فكان معك الهوبر في أوله فأجدت ، وخالطك الهوجل في آخره فأفسدت .
وسرعان ما أضحى هذا الاعتقاد طيّ النسيان في العصر الإسلامي ، وكانوا يذكرونه على سبيل الفكاهة ، وهو على تحقيق الباحثين أمر يصنف في الميثولوجيا.
