أطعمة العرب في الجاهلية وأشهر موائدهم
حياةُ العرب أيّام الجاهلية كانت حياة مثيرة وحيوية، ولكنها لم تعرف الكثير من مظاهر الترف بسبب العيش والتنقّل في الصحراء، والصراعات اليومية من أجل البقاء.
فكان تنوّع طعامهم بسيطاً لم يتجاوز التمر والدقيق والشعير والماء وبعض لحوم حيوانات الصحراء البرية، مع أنّ ذلك لم يمنعهم من كسبِ شهرة بموائدهم وبكرمهم.
تغيّرت الحياة أثناء بناء الدولة الإسلامية، وانتشار أركانها بين الشرق والغرب، واختلاط شعوب وحضارات مختلفة تحت راية الإسلام.
ومع تطور الحياة السياسية والاقتصادية، تطورت العادات الاجتماعية معها، وتنوعت أنواع الأطعمة وأصبح لكل مناسبة مائدة خاصة بها تحمل أشهى الأطعمة وأطيبها وألذها.
فما هي مأكولات العرب قبل الإسلام وكيف تغيّرت بعده؟ وما هي أنواع الطعام التي مازال بعضها مستخدماً حتى الآن؟
- أشهر أطعمة العرب قبل الإسلام
عن مائدة العرب قبل الإسلام، يذكر محمود شكري الألوسي (1856-1924)، في كتابه بلوغ الأرب في معرفة أحوال العرب، أنها اتسمت باستخدام لحوم الصيد، والسويق، والألبان و”القيصوم” وهى نبتة صحراوية.
كما شملت مواد طبخهم الشيح (وهو نبتة صحراوية لها رائحة قوية وطيبة تستخدم في الطعام)، والضب، والأرانب وغيرها من حيوانات الصحراء التي كانوا يصطادونها.
وكان أحسن اللحوم عندهم لحوم الإبل، وكان منهم من يستطيب أكل الضب. أمّا عن أكلاتهم، فتقدم دراسة الألوسي لائحة بأهمّ طبخاتهم:
“السخينة“، الطبخة التي تعدّ من الدقيق والماء ويكون أقل من العصيدة في الرقة وأكثر سماكة من الحساء، ويأكلها العرب أوقات الفقر الشديد وارتفاع الأسعار وقلة المال.
و”العصيدة” هي عبارة عن دقيق مضاف إليه ثلاثة أمثاله من الماء، يحرّك على نار هادئة حتى يصبح سميكاً، ويضاف له سمن ولبن محلّى بالعسل أو السكر.
“الحريقة” التي تعدّ بتذرية الدقيق على ماء أو لبن حليب فيحسى وتكون أغلظ من السخينة.
“الصحيرة“، أساسها اللبن المغلي الذي يضاف إليه الدقيق، وشبيه بها أكلة “الرغيدة“.
“العذيرة” التي تصنع من الدقيق الذي يضاف إليه لبن ثم يحمى بالرضيف (وهي الحجارة التي يوقد تحتها ويطهى عليها اللحوم).
“العكيسة“، وهي لبن يصب عليه “الإهالة“، وهي عبارة عن شحم المواشي المذاب.
“الفريقة“، أساسها الحلبة التي تتم إضافتها إلى اللبن والتمر، وتقدم إلى المريض والنفساء.
“الأصية“، وهي الدقيق المعجون باللبن والتمر، أمّا “الرهية“، فهي ما يعدّ من البُرّ (قمح) الذي يطحن بين حجرين ويصب عليه لبن.
“الوليقة“، وتصنع من الدقيق والسمن واللبن. “البكيلة“، وهي خلط السويق (وهو مدقوق الحنطة والشعير معاً) يضاف إليه الماء والتمر.
“الحريرة“، وتطبخ من اللحم المقطع قطعاً صغيرة، يضاف إليها ماء ودقيق.
“الربيكة” هي ما يطلق على التمر المعجون بالسمن.
“الصفيف“، تطلق على ما “صُفّ” من اللحم على الجمر ليشوى.
“العبيثة“، هي طبخة لبن يلقى فيه الجراد وقيل هو “الأقط“، لبن محمض يجمد حتى يستحجر ويطبخ أو يطبخ به.
“العليث“، وهو ما يطلق على الطعام المخلوط بالشعير، ولعلّ أكثرها انتشاراً كان “التلبينة“، وهي دقيق أو نخالة ويجعل فيه عسل، وسميت تلبينة تشبيهاً باللبن لبياضها ورقتها، وهي من الأطعمة التي أوصى بها النبي للعلاج من بعض الأمراض.
- الأطعمة في عهد بني أمية
ظهرت بدايات التنوع في الأطعمة والأشربة لدى العرب في العصر الراشدي، ثم بدأ التنوع يتضح أكثر مع بداية حكم معاوية بن أبي سفيان.
فمع العصر الأموي اشتهرت أنواع من الأطعمة لعامة الناس وخاصتهم، ومثل ما تعددت الأطعمة تعددت مناسباتها وأصبح لكل مناسبة لون خاص من الطعام.
بالرغم من قلة مواردهم، عرف عرب الجاهلية بكرمهم الإسطوري وبإكرامهم للضيف.
لازلنا اليوم نطبخ بعض أقدم أكلات عرب الجاهلية كـ”التكيلة” التي تصنع من مدقوق الحنطة والشعير المخلوط بالماء والتمر.
- أشهر الولائم (الموائد) ومناسباتها
يقول الألوسي في كتاب “بلوغ الآرب في معرفة أخبار العرب” أنّ العرب عرفت ست عشرة أنواع من الولائم.
الخُرسُ: وهو الطعام الذى يقدّم بمناسبة الولادة. العقيقة: الوليمة التى تعدُّ في اليوم السابع من ولادة مولود جديد في البيت.
الأعذار: وهي وليمة تُقام عند الختان. ذو الحذاق: وهي وليمة تعدّ لحافظ القرآن، وتعتبر من الولائم التى استحدثت بعد الإسلام.
الملاك: وهي الوليمة التى تُقام بمناسبة الخطبة، تأتي بعدها وليمة العرس. الوضيمة: وهو لفظ يطلق على الولائم التي تحضّر بمناسبة التعازي.
الوكيرة: وهي وليمة مناسبتها تجديد المسكن أو بناء بيت جديد، وهي مأخوذة من كلمة “وكر“.
العقيرة: وهي وليمة تصنع عند رؤية هلال رجب. التحفة والشُندُخ، موائد سخية للضيوف، ومثلها القرى، التي تعتبر من أشهر الولائم، وتقام عادة ترحيباً بالضيف.
النقيعة: وهي وليمة تُقام عند قدوم شخص من السفر، وقيل هي الوليمة التى يقيمها القادم من السفر.
المأدبة، وهي الوليمة، ولها معانٍ أخرى، فمثلاً تعبير “مأدبة الله” هو إشارة إلى القرآن الكريم.
الجفلى: تستخدم بمعنى المأدبة، وهي أيضاً دعوة الناس إلى الطعام، يقابلها النقرى، وهي وليمة تخص دعوتها أناساً محددين.
أما عن بعض أواني الطهي عند العرب التي خصصوا لها أسماء مميزة، جمّع الألوسي أهمها، منها “الفيخة” التي تسمى بالسكرجة أيضاً وهى إناء صغير.
ومنها أيضاً “الصفحة” وهي إناء يشبع شخصاً واحداً، و”المكتلة” التي تستخدم لإطعام شخصين أو ثلاثة، أمّا “القصعة” فهي إناء يشبع أربعة أو خمسة أشخاص، و”الجفنة” هي إناء يستخدم لإعداد وجبات لسبعة إلى عشرة أشخاص، أمّا “الدسيعة” فهي أكبر هذه الأواني.
وشاعت في أخبار العرب طرائف عن الطعام، ونوادر المتطفلين على الولائم، مما يدلنا على دور الأطعمة والموائد في حياة العامة والخاصة في العصر الأموي والعباسي.
فكان لانتشار مظاهر الترف والنعيم مع ازدهار الخلافة الإسلامية، وتوسع الحياة الاجتماعية، دور في إدخال بعض أنواع الأطعمة التي لم تكن معروفة من قبل.
فضلاً عن التعرف على طرق جديدة ومتنوعة لطهيها، وحافظت العديد من الأطعمة على تسمياتها الأعجمية.
ويصنف محمد بن الحسن بن محمد الكاتب البغدادي في كتابه كتاب الطبيخ، الذي ألفه قبل ألف سنة تقريباً، أنواع من الأطعمة التي لم تكن لدى العرب من قبل، تختار المقالة منها: ديكبريكة: وتصنع من اللحم المقطع وسطاً ويترك في القدر.
ويلقى عليه اليسير من الملح، وكفّ حمص مقشور، وكسفرة يابسة ورطبة وبصل مقطع، ويطرح عليه غمرة ماء ويغلى، ثم تقشط رغوته، ويرشّ عليه خل، ويلقي فيه القليل من الفلفل المسحوق ناعماً، ويطبخ حتى يبين طعمه ويترك حتى يهدأ على النار ويرفع.
ومن الأطعمة الأخرى التي ذكرها البغدادي في كتابه (إبراهيمية – جرجانية – زيرباج -نيرباج – طباهجة – تفاحية – حصرمية)، وكثير من الأطعمة الخاصة بالأغنياء التي تفننوا بطهيها باستخام أنواع الأسماك المختلفة والطيور والدجاج.
أما حياة الملوك والخلفاء في الدولة العباسية فكانت تختلف تماماً عن حياة العامة في نوعية الأطعمة التي تقدم إليهم وطرق تحضيرها وعداد الأطعمة التي تقدم على موائدهم.
فيوضح لنا صلاح الدين المنجد في مقالة عنوان “صور من العصر العباسي: مآكل الخلفاء العباسيين”: أن الملوك والخلفاء العباسيين كانوا ذوّاقين للأطعمة والنكهات، ولذلك حرصوا على انتقاء ما لذّ وطاب من الطعام، وتخيروا اللذيذ من كل شيء.
ويذكر أنّ المأمون كانت تحمل إليه ثلاثون “ألف” تفاحة مع الخراج كل عام، وكان إذا اشتهى شيئاً ولم يكن له نصيب في الخراج، أرسل يطلبه.
وكانت توضع على مائدة المأمون عشرات الأصناف من أنواع الطعام، حيث كانت تعد له ولائم أسطورية يتغنى بها الشعراء ويحكي عنها القصاصون، ويبالغ في وصفها المؤرخون.
المصادر:
العقد الفريد، لابن عبد ربه؛ مرآة الزمان في تواريخ الأعيان، لسبط ابن الجوزي.
بلوغ الأرب في معرفة أحوال العرب، للألوسي.
كتاب الطبيخ، لمحمد بن الحسن بن محمد الكاتب البغدادي.
صور من العصر العباسي: مآكل الخلفاء العباسيين”، لصلاح الدين المنجد.
نقلا عن منصة: رصيف22