نقدم قراءتنا هذه، حول كتاب العقد الفريد لصاحبه ابن عبد ربه. وتتمحور حول صاحب المؤلَّف، وظروف ودواعي كتابتِه لهذا الكتاب، وأهم ما تم تناولُه فيه من مواضيع أدبية شعرا ونثرا. المصادر التي استمدّ منها الكتاب مادتَه، وبعض المآخذ التي أُوخِذ عليها الكتاب.
- اسم الكتاب
عقد ابن عبد ربه في الأخبار؛ وسنتطرق إلى عنوان الكتاب باستفاضة فيما سيأتي من هذا الدراسة القصيرة.
نُشر الكتاب أول ما نُشر في مصر حوالي 1920م وكان رديء النشر كثير الأخطاء، محرّف الأصل، عديم الفهارس، شديد الاضطراب ، تعددت نسخ الكتاب إلى حوالي 37 نسخة خطية ذكرها (كارل بروكلمان) في كتابه؛ تاريخ الآداب العربية، انتثرت في ربوع أوربا، وخصوصا في مدنها الشهيرة كمدريد وباريس ولندن وروما…،
- صاحب الكتاب
هو أحمد بن محمد بن عبد ربه، الشاعر ابن حبيب بن حدير بن سالم، مولى الإمام هشام بن معاوية، من أهل قرطبة ويكنى أبا عمر.
كان ابن عبد ربه مولعا بسماع الغناء، ذكر الفتح بن خاقان أن الغناء الذي سمعه ابن عبد ربه وهو مارٌّ بمحاذاة قصر أحد الرؤساء بقرطبة، قد أذهب لبه، وألهب قلبه، وسرعان ما تناول رقعة كتب عليها إلى صاحب القصر يسأله الإذن بالدخول لسماع المغنية، فنظم يقول :
يا مَن يَضِنّ بصوتِ الطائــرِ الغــردِ *** ما كنتُ أحسَبُ هذا البخلَ في أحــدِ
لو أنَّ أسماعَ أهلِ الأرضِ قاطبـة *** أصغتْ إلى الصوتِ لمْ يَنقص ولمْ يَزدِ
فلا تَضِــنّ على سمعـي تقلُّـــدَهُ *** صوتا يجـُول مجـالَ الــروحِ والجسـدِ
أمَّـا النبيـذُ فلسـتُ أشـربُــهُ *** ولسـتُ آتيــك إلا وَكِســرتــي بـيـــــــدي
كان عبد ربه أديبا وشاعرا، وما كتبه في العقد يكفي لإظهار هذا الأمر، وكانت ثقافته الأدبية ثقافة مشرقية، فقد عُني كما عُني غيره من أدباء الأندلس في أول نهضتهم بدرس أخبار المشارقة وأشعارهم وأدبهم، حتى أن كتاب العقد الفريد لولا فصل صغير عن ملوك الأندلس، لجاء بمجمله مقتصرا على أخبار المشرق.
لقد أحس المشارقة بهذه الروح الغالبة في أدب الأندلس، ورووا أن الصاحب بن عباد لما وصل إليه هذا الكتاب (العقد الفريد)، وقرأه قال: “هذه بضاعتنا ردت إلينا، ظننتُ أن هذا الكتاب يشتمل على شيء من أخبار بلادهم (يقصد الأندلس) وإنما هو يشتمل على أخبار بلادنا (يقصد المشرق)، لا حاجة لنا به”.
وإذا رجعنا الى المصادر التي استند إليها ابن عبد ربه في عقده، نرى أنه اعتمد في الأغلب على علماء المشرق، فنجده ينقل عن المبرّد، والأصمعي، والشيباني، والمدائني، والعتبي، وأبي عبيدة، وابن المقفع، وابن سلام الجمحي، وابن الكلبي، والجاحظ، وابن قتيبة، ولابن قتيبة منزلة خاصة عند المغاربة، لدرجة أنهم كانوا يتهمون من لم يكن في بيته من تأليف ابن قتيبة شيء.
ـ نشير إلى أن صاحب العقد الفريد، قد تاب آخر حياته، وأقلع عما كان فيه من مجون وطيش وصبوة، فعمد إلى أشعاره في الغزل فمحّصها ونقضها بمثيلها في الزهد والموعظة وسماها الممحصات، ومن ذلك قوله:
يا قادرا ليسَ يعفو حين يقتدِرُ *** ماذا الذي بعد شيبِ الرأسِ تنتظر
عايِنْ بقلبكَ إن العين غافلة *** عن الحقيقة، واعلم أنها سَقَرُ
سوداءُ تزفِرُ من غيظ إذا سَفَرَتْ *** للظالمين، فلا تُبقي ولا تَذَرُ
لو لم يكن لكَ غيرُ الموتِ موعظةً *** لكانَ فيه عن اللذاتِ مُزدَجَرُ
ـ أصيب ابن عبد ربه بالفالج آخر عمره كما أصيب الجاحظ قبله، وأبو الفرج الأصفهاني بعده، وتوفي يوم الأحد الموافق للسابع أو الثامن عشر من جمادى الأولى سنة ثمانية وعشرين وثلاثمائة للهجرة، وهو ابن إحدى وثمانين سنة وثمانية أشهر وثمانية أيام .
- كتاب العقد الفريد
يقول صاحب الكتاب ابن عبد ربه، عن كتابه في مقدمة كتابه: ” .. فجعلت هذا الكتاب كافيا جامعا … وسميته كتاب العقد الفريد لما فيه من مختلف جواهر الكلام، مع دقة المسلك وحسن النظام” . العقد الفريد/ج1، ص 4.
إلا أن كثيرا من الباحثين، خصوصا المهتمين بدراسة هذا الكتاب، ينفون نعت (الفريد) عن عنوان الكتاب ويقولون إنه (الفريد) نعتٌ ألحِقَ بالعقد في وقت متأخر وأنه ليس من التسمية الأصلية، وقد استدلوا على هذا الأمر بعدد من المصادر الأولية، التي لم تأتِ على ذكر كلمة العقد متبوعة بنعت (الفريد).
فالضَّبيُ يَذكُرُ ابن عبد ربه ويقول “وله الكتاب الكبير المسمى بالعقد في الأخبار“. (أنظر كتاب: بغية المُلتمس في تاريخ رجال الأندلس، ص137).
وذكرَه القيرواني في رسالة (أعلام الكلام)، ص 26 فقال “ومن تلك الجواهر، نظم عقده وتركُهُ لِمَنْ يتجمّلُ به بعده“.
وذكرَهُ ياقوت الرومي في كتابه، (إرشاد الأريب إلى معرفة الأديب)، ج2 ص 67. فقال “وهو صاحب العقد في الأخبار“.
وكذلك قال فيه ابن خليكان في كتابه، (وفيات الأعيان)، ج1، ص45، قال “… وصَنَّفَ كتابه العقد، وهو من الكتب الممتعة“.
وقد ورد مثل هذا في كثير من المصادر القديمة، لنخبةٍ من الأدباء والعلماء، نذكر على سبيل المثال لا الحصر كلاًّ من السيوطي، والمقري، وابن خلدون وغيرُهُم كثير.
- وصفـُــه
الكتاب تأليف مُقسَّم على عدة فنون، في خمسة وعشرين كتابا، انفرد كل كتابٍ باسم جوهرة من جواهر العقد، بحيث يقع على كل من جانبي واسطة العقد اثنتا عشرة جوهرة، كل منها سُمِّيتْ باسم التي تقابلها من الجانب الآخر.
ففي العقد لؤلؤتان، وزبرجدتان، وياقوتتان، وجُمانتان، وهلم جرّا..،
أما الترتيب فقد جاء كالتالي:
1 اللؤلؤة في السلطان
2 الفريدة في الحروب
3 الزبرجدة في الأجواد
4 الجمانة في الوُفود
5 المرجانة في مخاطبة الملوك
6 الياقوتة في العِلم والأدب
7 الجوهرة في الأمثال
8 الزمردة في المواعظ والزهد
9 الدرة في التعازي والمراثي
10 اليتيمة في النسب وفضائل العرب
11 العسجدة في كلام الأعراب
12 المجنبة في الأجوبة
– بعد هذه اللآلئ الإثنىْ عشر؛ تأتي مباشرة واسطة العقد، وقد سماها ابن عبد ربه بـ:
13 الواسطة في الخُطَب
ثم نظم تكملة العقد على غرار اللآلئ التي بدأ بها التأليف، فنجد :
14 المجنبة الثانية في التوقيعات والفصول
15 العسجدة الثانية في الخلفاء وتواريخهم
16 اليتيمة الثانية في أخبار زياد والحجاج
17الدرة الثانية في أيام العرب
18 الزمردة الثانية في فضائل الشعر
19 الجوهرة الثانية في أعاريض الشعر
20 الياقوتة الثانية في الألحان
21 المرجانة الثانية في النساء وصفاتهن
22 الجمانة الثانية في المتنبئين والموسومين
23 الزبرجدة الثانية في طبائع الإنسان
24 الفريدة الثانية في الطعام والشراب
25 اللؤلؤة الثانية في الفكاهات والمُلح
- مباحث الكتاب
يبحث كتاب العقد الفريد في موضوع السلطان والسياسة والحروب ومدار أمورها، والأمثال والمواعظ والتعازي، والمراثي، وكلام العرب وخُطبهم وأنسابهم وعلومهم وأدبهم، ومخاطبة الملوك، وأخبار الوفود وأيام العرب، وأخبار الخلفاء وتاريخهم، والنساء وصفاتهن وطبائع الإنسان، والطعام والشراب، وأعاريض الشعر، وعلل القوافي وغير ذلك من المواضيع المختلفة.
لقد استطاع ابن عبد ربه أن يُضمّن كتابه (العقد الفريد) من الفوائد التاريخية الثمينة، التي نقلها عن المتقدمين الشيء الكثير. وقد ضمّن كتابه كذلك منتخبات من الخُطب والرسائل والأمثال والحديث، كما ونقل شعر كثيرٍ من الشعراء، خصوصا وأنه انفرد بذكر أخبار عن بعض الشعراء لا نجدها فيما سواه من المصادر.
- غاية المؤلف من الكتاب
قال صاحب العقد “وبعد، فإن أهل كل طبقة، وجهابذة كل أمة، قد تمكنوا في الأدب، وتفلسفوا في العلوم على كل لسان، ومع كل زمان، وأن كل متكلم منهم قد استفرغ غايته وبذل مجهوده في اختصار بديع معاني المتقدمين، واختصار جواهر ألفاظ السالفين، وأكثروا في ذلك، حتى احتاج المختصَر منها إلى اختصار، والمتخيَّر إلى اختيار، ثم إني رأيت آخر كل طبقة، وواضعي كل حكمة، ومؤلفي كل أدب، أعذب ألفاظا وأسهل بنية، وأحكم منهجا وأوضح طريقة من الأول، لأنه ناقد متعقب، والأول باد متقدم.
فلينظر الناظر إلى الأوضاع المحكمة، والكتب المترجمة بعين إنصاف، ثم يجعل عقله حَكما عادلا قاطعا، فعند ذاك يعلم أنها شجرة باسقة الفروع، طيبة المنبت، زكية التربة، يانعة الثمرة، فمن أخذ بنصيب منها، كان على إرث من النبوة، ومنهاج من الحكمة، لا يستوحش صاحبه ولا يضل من تمسك به.
وقد ألفت هذا الكتاب، وتخيرت جواهره من متخير جواهر الأدب، ومحصول جوامع البيان، فكان جوهر الجوهر، ولباب اللباب. وإنما لي فيه تأليف الأخبار، وحسنَ الاختصار، وفرش لدوْر كل كتاب، وما سواه فمأخوذ من أفواه العلماء، ومأثور عن الحكماء والأدباء، واختيار الكلام أصعب من تأليفه، وقد قالوا (اختيار الرجل وافد عقله)، وقال الشاعر:
قد عرفناك باختيارك، إذ كـــــا **** ن دليـلا على اللبيب اختيــاره
وقال أفلاطون: عقول الناس مدونة في أطراف أقلامهم، وظاهرة في حسن اختيارهم.
فتطلبتُ نظائر الكلام، وأشكال المعاني، وجواهر الحكم، وضروب الأدب، ونوادر الأمثال، ثم قرنت كل جنس فيها الى جنسه، فجعلته بابا على حدثه، ليستدل الطالب للخبَر على موضعه من الكتاب، ونظره من كل باب، وقصدت من جملة الأخبار، وفنون الآثار، الى أشرفها جوهرا وأظهرها رونقا، وألطفها معنى، وأجزلها لفظا، وأحسنها ديباجة، وأكثرها طلاوة وحلاوة، أخْذا بقول الله عز وجل { الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه} سورة الزمر / الآية 19″.
- المصادر التي استند إليها ابن عبد ربه في تأليف عقدِه
– مؤلفات ابن قتيبة:
نقل ابن عبد ربه عن ابن قتيبة، أكثر مما نقل عن غيرِه ، وهذا ليس بغريب لما سبق وذكرناه عن تعظيم المغاربة وأهل الأندلس لابن قتيبة.
ومن المصادر التي استقى منها ابن عبد ربه عن ابن قتيبة نجد، كتاب “عيون الأخبار“، وكتاب “الأشربة“، وكتاب “فضل العرب على العجم“.
لقد سطا ابن عبد ربه على جزء كبير من كِـتــاب عيون الأخبار، ونسخ منه قِطعاً كثيرة دون أن يشير إلى مصدرها.
ينقل ابن عبد ربه عن ابن قتيبة التبويب والترتيب والتسمية، نظراً لكون ابن قتيبة قد امتاز عن الكثيرين في زمانِه بحسن التبويب .
يكفي أن نُعرّج على مظاهر النقل عن ابن عبد ربه من كِتاب “عيون الأخبار” لنجد الآتــي:
- لقد استهل ابن عبد ربه عِقده بكتاب السلطان وجعله اللؤلؤة الأولى في كتابه، على نفس منوال ابن قتيبة الذي استهل كتابَه عيون الأخبار بكتاب السلطان.
- في الكتاب الثاني في العقد الفريد نجد : كتاب الفريدة في الحروب، وفي المقابل؛ نجد أن الكتاب الثاني في عيون الأخبار لابن قتيبة هو كتاب الحرب، والأغرب في الأمر؛ أن القارئ يستطيع بسهولة أن ينتبه إلى كون الأسلوب في كلا المصدرين واحد، والنمط والموضوعات كذلك في معظمها واحدة.
نفس الشيء يمكن قوله حول الكُتب الأخرى التي ضمها مصنف عيون الأخبار؛ ككتاب الأطعمة، وكتاب الأدب، وكتاب المرجانة في النساء وصفاتهن، وكتاب التاريخ، وكتاب العلم، وكتاب الأثر، وكتاب الكلام والخطب، وكتاب الطبائع والأخلاق، وكتاب وصايا المؤدبين، وكتاب البيان والبلاغة، وكتاب التلطيف في الجواب، … الخ.
والغريب من كل هذا، أن خلال الخمسة وعشرين كتابا لمصنف العقد الفريد، لم يأتِ كتابٌ واحد منها على ذكر عيون الأخبار كمصدر للاقتباسات والنسخ إلا في كتابيْن فقط.
– مؤلفات الجاحظ:
قال القاضي الملقب بالفاضل: “.. أما الجاحظ فما مِنَّا نحن معاشر الكُتاب إلا من دخل داره وشن على كلامِه الغارة؛ وخرَج وعلى كتفه من الكارة“.
وقد أخذ ابن عبد ربه من الجاحظ في الموالي والعرب، كما نقل عنه كثيراً دون أن يشير إلى اسم الكِتاب، وقد مدح ابن عبد ربه الجاحظَ في كتابه العقد الفريد.
– مؤلفات المبرّد
نقل ابن عبد ربه الكثير مما جاء به المبرد في كتابه الكامل، دون أن يشير بكلمة واحدة إلى ذلك، والغريب في الأمر؛ أنه مع كل ما أخذه ابن عبد ربه من المبرد، فقد ذَمَّهُ ونعى عليه كتاب الروضة، وهزأ به .
قال ابن عبد ربه ” .. ألا ترى أن يزيدَ النحوي على عِلمِه باللغة ومعرفته باللسان، وضع كتابا سمّاه الروضة، وقصد فيه أخبار الشعراء المحدثين، فلم يختر لكل شاعر إلا أبرد ما وجد، حتى انتهى إلى الحسن بن هاني، وقلّما يأتي له بيتٌ ضعيف لرقة فطنته وعذوبة ألفاظه، فاستخرج له من البرد أبياتا ما سمعنا بها ولا رويناها، ولا ندري من أين وقع عليها وهي:
ألا لا يَلُمني في العِقار جليسي *** ولا يلحني في شربِها بعبوس
تعشَّقَهَا قلبي فبعضُ عِشقها *** إليّ من الأشياء كل نفيسي
يستطرد ابن عبد ربه ويقول “.. وأين هذا الاختيار من اختيار عمر بن بحر الجاحظ حين اجتلبَ ذكره في كتاب الموالي فقال؛ ومن الموالي الحسن بن هاني، وهو من أقدرهم على الشعر وأطبعهم فيه“.
وقد نقل ابن عبد ربه عن كثير من الأدباء والفقهاء كابن المقفع وسيبويه، وابن سلام الجمحي، ونقل كذلك عن أبي عبيدة، وابن هشام صاحب السيرة والمغازي وغيرهم.
- قيمة العقد الفريد التاريخية
يُعد كتاب العقد الفريد مصدرا من مصادر الأدب المهمة التي يُرجع إليها في تاريخ العرب السياسي والاجتماعي والأدبي، وقد امتاز عن غيره في حسن ترتيبه وحسن تبويبه، والأهم فيه أنه يَذكر لنا بعضا من أعلام الأدب الأوائل، كالأصمعي والشيباني وابن عبيدة والعتبيي وغيرهم ممن لم يترك لنا الزمن مِن آثارهم التاريخية والأدبية الشيء الكثير.
كما نجد في كتاب العقد أخبارا عن رجال الإسلام، وعن الأمُراء والقوّاد وعن أيام العرب الأول وحروبهم وخلافاتهم، كما يَذكر لنا فوائد تاريخية، تتعلق بالسياسة والاقتصاد والمجتمع والأدب وغيرها.
كما تكمن قيمة العقد الفريد فيما حواهُ من أخبار الأندلس، وحياة أهلِها وأدبهم وسياستِهم وعمرانِهم وعلومِهم و…
- غاية ابن عبد ربه من تأليـف عقدِه
بلا شك، كانت غاية ابن عبد ربه في تأليف عقد، غايةً أدبية محضة، ولعل هذا ما حدى به إلى إهمال الإسناد في كثير من الأخبار والأحداث التي أوردها .
وهذا ما صرّح به فيما أوردناه آنفا، أنه ينتقي من الأخبار أظهرها رونقا، وألطفها معنى، وأجزلها لفظا، وكل ما عدى هذا لا يُلتفت إليه، ولا يُنقل حسَبَ رأي ابن عبد ربه.
ويُعاب على ابن عبد ربه، زيادة على حذف الإسناد، يُعاب عليه إغراقُه في الاختصار والتكتيف والاختزال، وهنا نورد حادثة طريفة أوردها في عقده، ومنها أنه توسط يوما لدى بعض موالي السلطان بتخليص سجين، فأهمل ذكر اسم المولى، واسم السجين، وسبب السجن، والبلدة التي سجن فيها.
- نزعة ابن عبد ربه الأندلسية
لم يَفُت ابن عبد ربه المفاخرة برجال الأندلس كما فعل المقري في نفح الطيب وغيره من أعلام الأندلس، إلا أنه لم يغلو فيهم، وذكر في غير ما موضِعٍ من عقدِه أن علماء الأندلس والمغرب لا يَقلُّونَ عن نظرائهم في المشرق، يقول ابن عبد ربه في عقده (الجزء1 الصفحة 3)، “… وقرنتُ بها غرائبَ مِن شعري ليعلم الناظر في كتابنا هذا أن لمغربنا على قاصيه، وبلدا على انقطاعه حظا من المنظوم والمنثور“.
إلا أن ابن عبد ربه، لم يُمعن كثيرا في تدوين أخبار بلاده، وقد ذكره المقري في نفح الطيب قائلا “.. على أنه يلحقه بعض اللوم لاسيما إذ لم يجعل فضائل بلده واسطة عقده، ومناقب ملوكه يتيمة سلكه، أكثرَ الخز وأخطأ المفصل وأطال الهز لسيف غير مصقل، وقعدَ به ما قعد بأصحاب من ترك ما يعنيه وأغفل ما يهمه“. (نفح الطيب، ج2 ص 767).