الدراسات الثقافيةفكر وفلسفةمنبرُنا

“المهدي المنجرة” – الأخلاق بوابة العبور إلى المستقبل

ناهض سياسات الهيمنة

المدهش في فكر “المهدي المنجرة” أنه وبعد سنوات طوال من عمله موظفاً سامياً في منظمة الأمم المتحدة، انتهى إلى أن يكون أشد المناوئين لسياسات هذه المنظمة، التي بدا له عن تجربة أنها لا تخدم سوى مصالح الإمبريالية الغربية التي تقودها أمريكا.

فهيمنة المصالح الغربية على هذه المنظمة تفقدها كل مصداقية، وقد دعا المنجرة من خلال كتبه الكثيرة إلى إعادة هيكلة هذه المنظمة وإقامتها على مبادئ المساواة والاشتراك في المصالح بين الشمال والجنوب، واحترام الشعوب وثقافتها وإرثها الحضاري.

في تنظيره لمستقبل العالم نظر إلى ذلك المستقبل باعتباره كلاً مترابطاً لا يمكن تنمية جزء منه دون الآخر، أو بالأحرى لا يمكن وضع خطة تنمية لمنطقة ما دون أخذ طبيعة النظام العالمي السائد في الاعتبار، ولذلك انصب اهتمامه بالدرجة الأولى على العلاقة بين العالم الثالث أو دول الجنوب.

وبين العالم المتقدم أو دول الشمال، وبشكل خاص العلاقة بين العرب والغرب، باعتبار العرب جزءاً مما يسمى تقليدياً العالم الثالث، وقد ركز على مبدأ “القيم” كعنصر أساسي في أية تنمية مستقبلية،

وخصص لهذا المبدأ كتاباً سماه “قيمة القيم” وقد رأى فيه أن الأزمات التي يمر بها العالم في السنوات الأخيرة ناتجة عن أزمة أخلاقية عميقة، وما لم تحلّ تلك الأزمة وتوضع أهداف واضحة للعيش الإنساني المشترك، ولمجتمع السلم، فإن تلك الأزمات لن تتوقف ولن تنتهي.

يقول المنجرة: “من الضروري التركيز على منظومة القيم لنوضح أن أزمة الشمال والجنوب لن يتم حلها بحلول ترقيعية هنا وهناك، إنها أزمة النظام الحالي بأكمله، وكل حل يستوجب إعادة تجديد الأهداف والمهمات والبنيات مع إعادة توزيع السلطة والموارد حسب قيم مغايرة لتلك القيم التي سببت الأزمة واختلال النظام الحالي”.

ويرى المنجرة أن هذه المعالجة ينبغي أن تسير في اتجاهين، فعلى مستوى العالم المتخلف يجب قبل كل شيء، القضاء على الأمية والجهل، وإقامة تعليم حديث فاعل يرسخ مبدأ النظرة العقلانية والعلمية، وقيمة حب الفن والإبداع.

فأساس التخلف هو الجهل، وغياب العلم كثقافة للمجتمعات، وغياب الروح الإبداعية فيها، كذلك على المجتمعات المتخلفة أن تعتد بثقافاتها وإبداعاتها وتثمنها وتعلي من شأنها وتطورها.

لأن الحفاظ على الهوية هو أحد أسس التنمية السليمة القادرة على النجاح والاستمرارية، والمجتمعات التي تقدمت وتطورت هي تلك التي واءمت بين عنصر الثقافة ومشروع التنمية، بين مقومات مجتمعها وخططها الاقتصادية، فأحرزت وحدة بين رؤاها الفكرية والوجدانية وطموحها المادي.

الاتجاه الثاني هو إلغاء هيمنة المشروع الحضاري الغربي على المنظمات الدولية، وإعادة النظر في المشاريع الموجهة لمساعدة العالم الثالث من أجل جعلها تتلاءم مع واقعه الاجتماعي والثقافي، ولا تلغيه،

فأهم أسباب فشل الغرب في حل أزمات الدول الضعيفة هو النظرة الأحادية والاعتماد على النموذج المسبق (الغربي) عند صياغة الخطط، وعدم الاعتبار لما هو موجود على الأرض، لأن سياسة الهيمنة التي تتبناها الدول القوية تريد أن تصوغ العالم برؤية واحدة ومنطق واحد وهو ما لا يمكن أن يتحقق.

وانطلاقاً من تلك النظرة لسياسات الأمم المتحدة، والسياسات التي تقودها أمريكا جاء الانتقاد الشديد الذي وجهه المهدي المنجرة إلى العولمة عبر كتابيه “الحرب الحضارية الأولى” ،1991 و”عولمة العولمة” (1999)، حيث رأى أن العولمة ليست سوى صيغ جديدة من صيغ الاستعمار.

وستؤدي بسبب غطرسة الغرب إلى ارتدادات عكسية، خصوصاً في الوطن العربي الذي كان شكل محور اهتمام المنجرة، فقد تنبأ في كتابه “انتفاضات في زمن الذل-قراطية” (2002) بأن الإهانة والذل الذي تمارسه أمريكا والغرب على الشعوب العربية سيؤدي إلى انتفاضات لا يمكن التنبؤ بنتائجها.

محمد سالم

بالعربية: منصة عربية غير حكومية؛ مُتخصصة في الدراسات والأبحاث الأكاديمية في العلوم الإنسانية والاجتماعية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

الإعلانات هي مصدر التمويل الوحيد للمنصة يرجى تعطيل كابح الإعلانات لمشاهدة المحتوى