منبرُنا

إشكاليات لغوية فلسفية (1-2)

 

  • تساؤل

هل من الممكن المتاح لنا الإستغناء عن اللغة في إدراكنا موجودات الطبيعة والأشياء؟ ثمة من يذهب الى أن مثل هذا ألإفتراض ممكن تحقيقه.خطأ هذا التعبيرالفلسفي يكمن في محاولة إستبدال وسيلة اللغة ألإدراكية التجريدية ب(ألإدراك ) المباشر الحسّي الانطولوجي الإستبطاني المجرّد من اللغة وهو محال أن نجد إدراكا مجرّدا عن لغته.

فألإدراك هو تفكيرحسّي لغوي وليس مجرد إحساسات لا تمتلك صوريتها اللغوية التجريدية… وهذا ألإتجاه الفلسفي بمقدار ما يحمله من إدانة واضحة إلا أن فلاسفة الوضعية المنطقية التجريبية حلقتي فيّنا وحلقة أكسفورد التحليليتين أخذتا كليهما بهذا ألإحتمال.

معتبرين إمكانية إنابة ألإدراك محل تعبير اللغة. متجاهلين حقيقة أن ألإدراك هو لغة تصوّرية لا يمكنه الفكاك عن اللغة الصوتية ولا عن اللغة المكتوبة.

بمعنى ألإدراك واللغة والفكر ثلاث مفردات تعبيرية عن معنى مقصود واحد, ولا يمكن الفصل بين هذه الحلقات المنظومية الإدراكية عقليا.

ويحمل هذا التعويل الخاطيء مقدّما على أن إدراك الأشياء في وجودها الأنطولوجي حسّيا داخليا يعني أن تلك ألإدراكات الحسّية هي لغة تعبير تواصلي لا تعتمد وسيلية اللغة في إدراكها الاشياء, وهو خطأ لا يمكن تمريره فألادراك الحسّي هو لغة أيضا لا تختلف عن أصل أية لغة تواصل كان تعلمّها الشخص الذي يحمل إدراكه ألذاتي, ألادراك لغة تصورية تجريدية لا تخرج على أبجدية اللغة التواصلية العادية.

بعبارة توضيحية أكثر الإدراك ليس بمقدرته إختراع لغة إدراك خاصة به تختلف في بنيتها التركيبية نحويا وبلاغيا وقواعد تحكمها هي غير نمط وشكل لغة التعبير العادية التي يتحدث بها مجتمع معين أو أمة معينة..

وإدراك الحواس ماديا لا يمكن ترجمته الى إحساس مفهوم المعنى والدلالة من غير لغة تحتويه وتعبّر عنه… إذ لا يمكن تحقيق إدراكا حسّيا عن شيء لا يحمل لغة إدراكه التجريدية معه, كل إدراك حسّي عن شيء وكل إدراك غير حسّي خيالي عن موضوع لا يمكننا فهمه من غير تلازم تعبير اللغة عنهما خارجيا أو إستبطانيا صامتا..

الإدراك الحسّي يبقى لغة صمت لا يستطيع الإفصاح عن نفسه من غير توسيل تعبير اللغة التواصلية الأعتيادية.. بالمختصرالمفيد ألإدراك لغة خرساء صماء موجودة بالذهن ولا يمكن تحققها بالواقع كلاما وتعبيرا من غير وسيلية اللغة الإفصاح عنها كفكر قصدي. لذا يكون من المشكوك به إمتلاك ألإدراكات الحسّية مصداقية تعبيرية عن موجودات ألانطولوجيا بمعزل عن اللغة التواصلية أكثر مما تستطيع التعبير عنه.

وكلا التعبيرين لغة الإدراك الصمت ولغة الإفصاح الصوت هما لغة واحدة لا أنفكاك بينهما, من حيث ترابطهما ألأبجدي في تكوين ألمقاطع والكلمات الصوتية والجمل ألقائم على إدراك لشيء.

التفكير الحسّي الملازم لإدراكات الاشياء المادية في حال لا يمكنه إرسال إحساسات الحواس الى الذهن لغويا تصورّيا فلا معنى يبقى للإدراك كحلقة في منظومة العقل الفكرية ألتجريدية, لإنعدام آلية التوصيل المنتظم داخل منظومة العقل ألأدراكية.

ولا يستطيع الوعي إدراكه الأشياء من غير لغة ايضا, أي حينما لا تتمكن اللغة أن تستوعب ألإدراك الحسّي والوعي بألاشياء فلا يبقى هناك أي وجود خارج الذهن لهما.. كما وإلاحساسات هي لغة تعبير العقل عن مدركاته في ردود الأفعال ألإنعكاسية الصادرة عن الدماغ.

فإذا كانت فكرة ألإدراك عن شيء هي تعبير لغوي مجرد فكيف يكون ألإدراك بلا لغة تلازمه يمكننا ألإستغناء عنها في إدراكنا المحسوسات الانطولوجية؟ وكيف يتشّكل الوعي بألاشياء بدون لغة تلازمه؟؟وكيف تنطبع المدركات الحسّية بألذهن بغير تعبير لغوي يلازمها؟ ألإحساسات وألإدراكات والوعي ثلاث حلقات في منظومة العقل الإدراكية هي في حقيقتها لغة تعبيرتجريدي واحد ولا تحمل هذه الحلقات التجريدية إفصاحاتها عن مدركاتها لمواضيع العالمين الداخلي(ألأحاسيس) والخارجي(ألإحساسات) إلا بتعبير اللغة التواصلي الدارجة مجتمعيا..

إلإدراك بتعريف كواين له هو (وجود الشيء المستقل أنطولوجيا).. لكنه غير المنفصل عن الإدراك به بوسيلة تعبير اللغة , عليه يكون إلإدراك لغة التعبير عن الشيء.. .

إننا لا نستطيع إغفال حقيقة أن ألاحساس بشيء ليس لغة إستبطان معرفية له فقط, وكل موجود يدرك حسّيا يصبح بالنتيجة الملازمة له لغويا هو لغة إدراكية تجريدية سليمة غير إعتباطية خالية من المعنى. فالموجود الشيئي والوعي به, وإنطباعه الصوري بالذهن هو تجريد لغوي يقبل تمرير معناه إدراك العقل, والفكرالمتعالق مع الوعي فيما يعنيه, جميعها تجليّات إدراكية تقوم على تصوير لغوي يتمّثل مواضيع ألإدراك , ويشمل هذا حتى ألإدراك العقلي غير المريض الذي لا يتوّسل اللغة في التعبيرعن تلك المدركات بل في التعبيرغير الإنفصامي الصامت عنها.

الصمت غير المريض لغة تفكير لا تختلف عن لغة التواصل العادية سوى بفارق الصوت في تعبير اللغة…كان يتردد في بداية القرن العشرين سؤالا فلسفيا جداليا هل بألإمكان فصل اللغة عن الفكر؟ جدال نقاشي تم حسمّه في أدبيات الفلسفة البنيوية بخاصة عند دي سوسير بتعبيره اللغة هي وعاء الفكر.

بمعنى أن فصل تداخل شكل اللغة مع محتواها المضموني محال إدراكه عقليا. وفصل إلإدراك عن اللغة محال معرفيا. ألادراك من دون لغة تلازمه عبث لا يمكن تحققه في معنى دلالي في ألإفصاح التعبيري عن شيء أو موضوع, وتجريد اللغة عن تعبيرها التجريدي للأشياء هو محال أيضا فاللغة وجود يلازم كل موجود يدركه العقل. والعقل لا يدرك ألاشياء والعالم وموجودات الطبيعة بغير وسيلة تعبير تلازم الفكر واللغة معا في دلالة عن معنى واحد.

وتجريد أللغة في تعبيرها عن ألمادة تصبح كيانا لا ماديا أيضا رغم تعالقها التجريدي ألإنفصالي في تعبيرها عن ألاشياء المادية. لا نستطيع فهم الشيء من غير إدراك حسّي لغوي له, كما لا يمكننا فهم لغة لا تعبّر عن شيء يمكن إدراكه ومعرفته.

لا يمكننا فهم العالم بصورة سليمة مقبولة عقليا من غير تعبير اللغة عن مدركاتنا لموجودات العالم من حولنا. ألعقل في ماهيته غير البيولوجية هو (لغة) تفكير تعبيري عن المعنى فقط بتعبير قدامى فلاسفة اليونان (لوغوس) خطاب… وفي تعبير ديكارت العقل جوهر ماهيته التفكير.

ومحال أن نجد اللغة موجودا أنطولوجيا ماديا خال من تعالق لغة تجريده معه التي هي تعبير عن إدراكه. اللغة أصوات دلالية منتظمة في التعبير عن المادي ألإدراكي بينما تكون الموجودات المادية ليست لغة تواصل صوتي بل لغة إدراك صامت تفكيري. تموضع اللغة في تكوين الأشياء المادية تبقى لغة تجريد ملازمة لوجود المادة.

أما قضية إمكانية فصل اللغة عن إلإدراك كما يذهب له السفسطائيون والمناطقة من بعدهم فهو وهم فلسفي لا يمكن ألبرهنة على إمكانية تحققه, إذا ما علمنا أن ألإدراك إستبطانيا داخليا أو إدراكا حسّيا خارجيا للأشياء والموجودات هو (لغة) في الحالتين ولا يوجد إدراك من غير لغة تحتويه كفكر تجريدي.

لكن في فرق جوهري أن لغة إلإدراك الجوّانية هي لغة صمت فكري أما لغة التعبير الحسّي عن موجودات العالم الخارجي تكون من نوع اللغة التواصلية المجتمعية كلاما أو كتابة.

لا يمكن تعويض ألإدراك المجرّد عن اللغة القيام بمهمة اللغة أوألإستغناء عنها. من حيث أن حقيقة الادراك الحسّي للاشياء في وجودها الانطولوجي هو (لغة) أولا وأخيرا, ولا توجد آلية تحقيق إدراك أنطولوجي مفهوم له معنى في ألإستغناء عن تعبير اللغة ألصوري ألتجريدي ألذي يحمله ألإدراك. إدراك الشيء هو لغة صامتة إستبطانية تحمل معها الفكر, وبغير هذه الآلية لا يتوفر للعقل تحقيق إدراكات لأشياء ذات معنى.

وفي حال إنتقالنا الى مرحلة متقدمة أن إدراك ألاشياء خارجيا هو إدراك حسّي مصدره الحواس, فهل تستطيع الحواس مع إلإدراك إيصال إلإحساسات الى الجهاز العصبي والمنظومة العقلية على وفق آلية ألإستغناء عن اللغة في إدراك موجودات الانطولوجيا الموزّعة على الاشياء؟ الجواب المباشر كلا من حيث ألإحساسات هي ترجمة لغوية مستمّدة من الحواس, وألإحساسات التي تربط ما تدركه الحواس بالجهاز العصبي تكون هي أيضا لغة صورية تجريدية منتظمة وليست تداعيات من ألإحساسات ألعشوائية التي تفتقد حمولتها النظامية في المعنى المطلوب الدال من غير نسق وبنية لغوية تنتظمها.


  • اللغة والفكر

رغم أني عالجت هذه العلاقة التي تربط الفكر باللغة في مرات عديدة توزّعتها كتاباتي ومقالاتي العديدة إلا أنني إرتأيت تثبيت ومناقشة إقتباس جدير بالتوقف عنده مفاده كانط والمثالية الألمانية لا تهتم باللغة, وأنما بالفكر, وقد جاء هذا التعبير الكانطي في كتابه الشهير الموسوم (نقد العقل المحض) ” فهو يعتبر علاقة اللغة بالفكر علاقة إعتباطية وبالتالي لا يمكن ألإستناد الى إستنتاج الشروط ألضرورية التي يمكن أن يكون هناك للفكر موضوعا فيها.” 1

أمام هذه المقولة المنسوبة لكانط نضع التعقيبات التوضيحية التالية :

لا يمكن ألجزم القاطع أن علاقة الفكر بأللغة علاقة إعتباطية غير منتظمة, فألفكر تفكير لغوي تجريدي بموضوع مادي أو خيالي, ولا يمكن تأكيد إعتباطية التفكير أنه بلا معنى لعدم إمكانية اللغة التعبير خارج الخلاص من الفرضية التي تذهب الى أن علاقة ترابطية الفكر باللغة إعتباطية غير منتظمة لا يعوّل عليها في إستنتاج شروط ضرورية يمكن من خلالها تأكيد أن هناك للفكر موضوعاته المسّتقلة عن اللغة حسب عبارة كانط.

الفكر هو تفكير العقل المتقدّم بألأسبقية على لغة التعبير, عليه لا يمتلك الفكر موضوعاته المجردة من تعبير اللغة عنها. وإذا إفترضنا إعتباطية الفكر حالة تلازم الإدراك والتفكير العقلي, فإن اللغة لا تتأثر بهذه الصفة كون اللغة لا تعمل في فراغ إعتباطي غير منتظم إدراكيا لمواضيعها التي هي مواضيع تفكير العقل بها, كما لا تعمل اللغة خارج التعبير عن معنى متحقق قصديا بألفكر سلفا بمعزل عنها.

اللغة لا يمكن إدراكها عندما لا تكون دلالة إدراكية مستمدة من شيء موجود واقعي سابق عليها. أو موضوعا إستنفد تفكير العقل به وأعطى ردود الافعال ألإنعكاسية ألإستجابية عنه. ويحتاج إفصاح اللغة التعبيرعنه خارجيا. ألإدراك لا يكتفي بألفكر المجرد عن لغته كون ألادراك هو تفكير لغوي لا يمكن فصل الفكر عن اللغة فيه.

الحقيقة التي لا يمكن مجاوزتها بسهولة هي أن الفكر هو إدراك متعيّن بدلالة لغوية تعبّر عن معنى , وكذلك تعبير اللغة هي إدراك متعيّن بدلالة الفكر, ولا يمكننا التعبير عن فكر لا تلازمه بالضرورة لغة تعبير عنه.. نظام التفكير باللغة يطوّع لغة التعبيرالتداولية عنه..وألفكر وألإدراك وألوعي حلقات تجريدية لغوية تحتويها منظومة العقل الإدركية.

ليس من مهام اللغة التي ترتبط حسب عبارة كانط بعلاقة إعتباطية بالفكر أن تقوم هي تنظيم وتخليص الفكر من ألإعتباطية التي تلازمه. بل تنظيم نسق ألإدراكات الواصلة الى الدماغ تصبح مهمّة تنظيمها تقع على عاتق العقل وليس على عاتق اللغة. فالعقل مضمون تفكيري واللغة وسيلته في التعبير عن تلك المضامين.. اللغة تعبير إكتسب محتواه من مرجعية تفكير العقل ولا تمتلك اللغة إمكانية تنظيم مدركات العقل بمعزل عن العقل نفسه.


  • ما هو الفكر بيولوجيا؟

يقّسم بعض الفلاسفة الفكر بأعتباره خاصية إنسانوية يتفرد بها الانسان الى عنصرين هما ميزتين تطبعان الفكر من ناحية خاصّيته الانسانية , الاولى هي مضمون الفكر, والثانية هي نشاط الفكر نفسه.2 من ألأمور التي نفهم بها خاصية الفكر التعبيرية من خلال تعالقه البيولوجي بكل من ألعقل من جهة , وإرتباطه بتعبير اللغة من جهة أخرى. رغم حقيقتهما أنهما علاقة واحدة لا يمكن الفصل بينهما.

فالفكر كمضمون هو نتاج حصيلة تفكيرية يبتدعها العقل تفكيرا تجديديا بموضوع, وهذا النوع من التفكير العقلي هو (ملكة) إنفرادية يحوزها العقل البشري. وألصّفة الثانية الملازمة للفكر أنه نوع من الفعالية الحيوية الديناميكية, بمعنى الفكر هو خاصية تفكيرية قصدية ملزمة التعبير عن نفسها باللغة, يعني الفكر هو سلوك إجرائي معرفي بالحياة لا يتسّم بالحيادية.

يطرح بعض الفلاسفة سؤالا غريبا بضوء علاقة الفكر المزدوجة بين العقل بيولوجيا وبين لغة التعبير عنه تجريديا ” هل من الممكن التفكير من دون لغة؟ أم نتقبّل الحقيقة التي تقول أنه بدون الفكر لا توجد لغة؟ ومن خلال الفلسفة وعلم النفس تم التوصل الى فكرتين , الأولى تذهب الى أن الفكر الحقيقي غير لغوي وهذه المقولة تبنّاها هنري برجسون . والثانية أن الفكر هو لغة ليس إلا ” 3


  • للتعقيب حول هذه التساؤلات ألإلتباسية ألجدالية:

لا يمكن التفكير بدون لغة صورية, ليس فقط بتسليم ألإستناد الى حقيقة الفكر هو لغة إدراكية تفكيرية صامتة, بل إذا جاز لنا فصل الفكر عن اللغة بإعتبار الفكر هو إدراك صامت, فيكون معنا تفكير ألإدراك بمواضيعه لا يقوم على غير علائقية ترابطية بين ألإدراك الفكري باللغة, ولا يمكننا التفكير المنّظم في معنى عن شيء من دون لغة تصّورية. ألإدراك الحسّي هو صمت لغوي من التفكير لا يخرج عن إستحالة تفكيره وإستيعابه إحساسات ألاشياء والتعبير عنها كمدركات حسّية بغيرتعبيرات اللغة تجريديا عنها.

الشيء الثاني في عدم إمكانية فصل اللغة عن الفكر لا بالتفكير ألإدراكي العقلي الصامت ولا بالتفكير اللغوي المنطوق أو المكتوب. يأتي من كون ألإدراك هو تفكير عقلي معبّر عنه باللغة. بمعنى اللغة هي أفصاح وتعبير لإدراك العقل في موضوع له معنى.

حين يعتبر برجسون أن الفكر الحقيقي هو غير لغوي نفهم منه هو لا يقصد آلية التفكير التي هي آلية لغوية بإمتياز لا يمكن العبور من فوقها وتجاوزها, فالفكر حقيقته القصدية بالمعنى تؤخذ من لغة تعبيره عن الاشياء . والفكر من دون وعاء لغوي يستوعبه لا يتحقق من غير شكل اللغة التي تحتويه. أما كيف يكون الفكر أكثر مصداقية حقيقية من اللغة حسب عبارة برجسون, فتمريرها الحذرالمشكوك به أنما يأتي من إعتباره ألإدراك العقلي للاشياء يمتلك لغة تجانس ألإدراك الحقيقي في صمت التفكير وليس في تعبير اللغة ألإفصاحية الخارجية عن المعنى المضموني للإدراك. لذا فالفكر هو لغة لا أكثر وما يتعالق بالفكر مثل الوعي والذهن والذاكرة جميعها تفكير لغوي موزّع في أشكال من التجليّات ألتعبيرية المتنوعة إدراكيا كتجريدات مصدرها العقل.

كما أن ألذين يرون للفكر طبيعة تختلف عن طبيعة المادة فهذا لا يغير من حقيقة الفكر ولا من حقيقة اللغة أنهما تجريدان غير ماديان ولا حسّيان, وطبيعتهما التجريدية تختلف عن طبيعة المادة كموجود متعيّن أنطولوجيا أمر مفروغ منه ولا يتقبّل التداخل بينهما, فألفكر الذي يعبّر عن المادة لا يصبح في لغة التعبير تموضعا غير تجريدي بالمادة ويصبح جزءا ماديا تكوينيا منها بل يبقى الفكر تجريدا لغويا تصوريا عن المادة…كما هو تجريد اللغة في تعبيرها عن الموجودات بألعالم الخارجي. وليس هناك من قيمة جادة تحملها مقولة برجسون( كل تعبير لغوي هو تشويه للفكر).

هذا التعبير يناقض مقبولية القول أن اللغة قدرة إستيعابية محدودة في التعبير لا تستطيع الإفصاح الكامل عن محتوى الفكر.وإلا تكون عبارة برجسون تقفل أمامنا حقيقة أن تكون طبيعة أفكارنا هي تحقق لغوي وبغير ذلك لا يبقى تشويها للفكر لا نجده في تعبير اللغة عنه.


يتبع في ج2


  • الهوامش :

1.فلسفة اللغة /سيليفان اورو , جاك ديشان, ت: بسام بركة ص 307/

2. نفسه ص 307/

3. نفسه ص 306

 

علي محمد اليوسف

علي محمد اليوسف؛ من مواليد 1944م بمدينة الموصل العراقية. مارست الكتابة الصحفية والثقافية منذ سبعينات القرن الماضي. طبعت منذ عام 2004 أكثر من 18 مؤلفاً في الفلسفة والفكر. متفرغ حاليا للكتابة بمجال الفلسفة فقط؛ وأنشر على خمسة مواقع إلكترونية عربية غالبيتُها تصدر في المهجر.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى