«المدرسة المولوية» .. مصنع القادة وصُنّاع القرار في المملكة المغربية
تتمتع الأسرة الملكية في المغرب بوضعية اعتبارية خاصة، ولقائد البلاد، وهو الملك، مكانة كبيرة يستمدها من تاريخ البلاد أولاً، والقوانين والدستور المغربي الذي ينص في الفصل الـ45 على أن شخص الملك “لا تنتهك حرمته، وله واجب التوقير والاحترام”، بالإضافة إلى كونه يلقب بـ”أمير المؤمنين”.
إذ ينص الدستور المغربي على أن “الملك، أمير المؤمنين وحامي حمى الملة والدين، والضامن لحرية ممارسة الشؤون الدينية”، كما يرأس المجلس العلمي الأعلى، وهو المؤسسة الوحيدة المكفول لها إصدار الفتوى في البلاد.
ونظام الحكم في المغرب “ملكية دستورية ديمقراطية برلمانية واجتماعية”، بحسب الدستور المعدل سنة 2011، حيث يورد أن “عرش المغرب وحقوقه الدستورية تنتقل بالوراثة إلى الولد الذكر الأكبر سناً من ذرية جلالة الملك محمد السادس، ثم إلى ابنه الأكبر سناً،
وهكذا ما تعاقبوا، ما عدا إذا عين الملك قيد حياته خلفاً له ولداً آخر من أبنائه غير الولد الأكبر سناً، فإن لم يكن ولد ذكر من ذرية الملك، فالمُلك ينتقل إلى أقرب أقربائه من جهة الذكور، ثم إلى ابنه طبق الترتيب والشروط السابقة الذكر”، على حد تعبير النص الدستوري.
- فكيف تصنع المملكة المغربية ملوكها؟
– تربية صارمة
يتربى ولي العهد المغربي منذ سنواته الأولى تربية صارمة، فيتم الحرص على تعليمه أدق التفاصيل الحياتية المتعلقة بالمشي وبالمأكل والملبس.
ولا تتم تربية ولي العهد من طرف والدته، بل يتم ذلك من طرف فريق متخصص، وفقاً لبروتوكول صارم يتربى عليه أمراء الأسرة.
ولا يدرس مشروع الملك ما يدرسه عامة الشعب، بل يخصص له مدرسون متخصصون في مدرسة خاصة تسمى بـ”المدرسة المولوية”، تقع بالقصر الملكي بالرباط ، ويتكون فيها فصل “الأمين” أو ولي العهد من بضعة تلاميذ، يتم اختيارهم بدقة شديدة.
وزملاء الأمير في المدرسة المولوية هم مجموعة محظوظين من أبناء الشعب، تزامن تاريخ ولادتهم مع تاريخ ميلاده ليلتحقوا بالقصر الملكي، وهناك يتكفل بهم فريق خاص يقوم بإعدادهم لمرافقة الملك المستقبلي في قيادة البلاد.
- المدرسة المولوية
أنشئت المدرسة المولوية سنة 1942، من طرف الراحل الملك محمد الخامس، وهو جد الملك الحالي، محمد السادس.
وقرر محمد الخامس تأسيس هذه المدرسة بهدف إدخال تعديلات على النظام التعليمي الذي كان يخضع له الأمراء، والمتمثل سابقاً في دراسة العربية والقرآن والفقه.
وبذلك، تم تطعيم هذا النظام بفصول لتعلم اللغات الأجنبية والعلوم الحية، وذلك بهدف مسايرة الأمراء للتطورات التي تحيط بهم في هذا العالم.
وكان أول طُلاب هذه المدرسة الراحل الحسن الثاني، والد الملك الحالي، الذي ولجها وعمره 13 سنة.
واختار محمد الخامس آنذاك مجموعة من النخب المعروفين في القصر، طالباً منهم إعداد مقررات ودروس ترتكز على الهوية المغربية وتضم بعض ما جاء به النظام التعليمي الفرنسي.
وكما تنص أدبيات المدرسة المولوية، تم اختيار عشرة من أبناء الشعب يتوفر فيهم أربعة شروط: نفس تاريخ ميلاد ولي العهد، التفوق الدراسي، والوفاء للعرش العلوي، بالإضافة إلى تمتع أسرهم بسمعة جيدة.
بعد تخرج الحسن الثاني من هذه المدرسة، واعتلائه عرش والده بعد وفاته، اختار لابنه محمد السادس، الذي كان حينها ولياً للعهد، نفس الطريق، إذ أدخله في سن الرابعة نفس المدرسة التي جلس في فصولها طفلاً.
وفي يوم السبت، يكون تلاميذ المدرسة المولوية على موعد مع حصة للسينما، والتي يعرض فيها إما فيلم وثائقي أو فيلم من سينما المؤلف.
وبالموازاة مع دراسته الأولية في المدرسة المولوية، تلازم الأمير مربية خاصة مهمتها تعليمه آداب التصرف والكلام وطريقة المشي والوقوف وحتى الأكل.
في مقابل دروسه الأكاديمية في المدرسة المولوية، يحرص فريق خاص من الدرك الملكي والجيش على تنفيذ برنامج رياضي وعسكري يتناسب وسنه وزملاءه.
ويتركز البرنامج أساساً في رياضات السباحة والفروسية والجري داخل إطار من الصرامة.
- – الانتقال إلى الواقع
وفي أعقاب أربع سنوات من الدراسة في المدرسة المولوية، تنتهي المرحلة الإعدادية لدى ولي العهد، ليدخل مرحلة جديدة تتمثل في ممارسة مهام على أرض الواقع.
ويحضر ولي العهد خلال هذه المرحلة إلى جانب والده خلال ملتقيات وتظاهرات محلية وأخرى دولية، وقد يدشن وحده مشاريع أو أنشطة خاصة بالأطفال والشباب.
وحينما يصبح ولي العهد في هذه المرحلة تصير المدرسة وتلاميذها وطاقمها مرافقاً له أينما حل وارتحل، داخل المغرب أو خارجه، حرصاً على عدم انقطاع هذه الدروس أياً كانت الأسباب والدواعي.
وتخضع المدرسة المولوية ومقرراتها لتحديثات دائمة حتى تساير التطور الحاصل في العالم، وتواكب تغيراته.
ومن بين التحديثات التي وقعت على المدرسة بين فترة دراسة محمد السادس حينما كان ولياً للعهد، وفترة دراسة الأمير الحسن ولي العهد الحالي، إحداث قاعة خاصة بالمعلوميات، والتي يدرس فيها الأمير كل ما له علاقة بتكنولوجيا التواصل والإعلام الاجتماعي.
- – القيادة القادمة للدولة..
وإن كانت المهمة الأساسية للمدرسة المولوية هي تكوين ملك المستقبل، الذي سيقود البلاد في مرحلة ما بعد والده، فإنها أيضاً تُخرج المسؤولين الذين سيحكمون البلاد تحت توجيهاته ويسهرون على تنفيذ سياساته.
ويلاحظ المتتبع للشأن المغربي أن أغلب زملاء الملك محمد السادس في المدرسة المولوية يتقلدون اليوم مناصب جد نافذة داخل أجهزة الدولة.
ومن أبرز خريجي المدرسة المولوية إلى جانب ملك البلاد، فؤاد عالي الهمة، الذي شغل منصب وزير داخلية، ويشغل الآن منصب مستشار بالديوان الملكي، كما يعتبر أكثر الأشخاص قرباً من الملك.
ومن بين زملائه، المؤرخ حسن أوريد، الذي شغل منصب الناطق باسم القصر في مرحلة معينة، وأيضاً كان والياً على منطقة مكناس. بالإضافة إلى منير الماجدي، السكريتير الشخصي للملك، وياسين المنصوري مسؤول المخابرات الخارجية للبلاد.