يُعد اضطراب التعلق من الاضطرابات النفسية المعقدة التي تنشأ في الطفولة المبكرة نتيجة لتجارب سلبية في العلاقة بين الطفل ومقدم الرعاية الأساسي، خصوصا في المرحلة الحساسة من عمر 6 أشهر إلى 3 سنوات. يؤدي هذا الفشل في تكوين علاقة آمنة ومستقرة إلى اضطرابات في السلوك والعاطفة والقدرة على تكوين علاقات اجتماعية صحية في المستقبل.
- التعريف العلمي لاضطراب التعلق
اضطراب التعلق؛ حالة نفسية تُشخّص سريريا عندما يُظهر الطفل أو المراهق أنماطا من التعلق غير السوي، نتيجة تجارب مبكرة من الإهمال العاطفي أو الانفصال المتكرر عن مقدم الرعاية. تتسم هذه الحالة إما بالانسحاب العاطفي والاجتماعي، أو بالإفراط الودي والانفتاح غير الطبيعي تجاه الغرباء، وهي سلوكيات غير ملائمة للنمو الطبيعي في السياق الاجتماعي.
أسباب اضطراب التعلق
تشمل الأسباب الأساسية لاضطراب التعلق:
- الإهمال العاطفي المزمن
- الإيذاء الجسدي أو العاطفي
- الانفصال المبكر والمفاجئ عن مقدم الرعاية
- التنقل المستمر بين مؤسسات الرعاية أو مقدمي الرعاية
- عدم استجابة مقدمي الرعاية لمحاولات الطفل في التواصل
هذه العوامل تُسهم في تقويض ما يُعرف بـ”الثقة الأساسية”، وهي حجر الأساس في بناء نمط التعلق السليم.
التصنيفات المعترف بها لاضطراب التعلق
وفق التصنيفات العالمية مثل DSM-5 وICD-10، ينقسم اضطراب التعلق إلى نوعين رئيسيين:
- اضطراب التعلق التفاعلي (RAD – Inhibited Type): يتمثل في الانسحاب الاجتماعي وعدم إبداء الرغبة في التقارب العاطفي حتى مع الأشخاص المألوفين.
- اضطراب التعلق فاقد التثبيط (Disinhibited Social Engagement Disorder – DSED): يظهر في الإفراط في التعامل الودي مع الغرباء دون تمييز.
التداخل بين أنماط التعلق واضطراب التعلق
في نظرية التعلق التي أسسها جون بولبي وطورتها ماري أينسوورث، تنشأ أربعة أنماط رئيسية من التعلق:
- التعلق الآمن
- التعلق القلق المتقلب
- التعلق المتجنب
- التعلق غير المنظم
ويُعد النمط الأخير، غير المنظم، بوابة محتملة نحو اضطراب التعلق إذا لم يتم التدخل المبكر. ويُشير العديد من الباحثين إلى أن اضطراب التعلق لا يمثل مجرد اختلاف فردي، بل انحرافا عن المسار التنموي الطبيعي، ويحتاج إلى تدخل علاجي متخصص.
- خلافات نظرية وعلاجية
بينما يعتمد التيار العلمي الرئيسي على دراسات طويلة الأمد وتجريبية، ظهرت بعض التوجهات العلاجية المثيرة للجدل والتي تندرج ضمن “العلاجات التعلقية الزائفة”، وهي تفتقر إلى الأدلة العلمية وتُعد أقرب إلى العلم الزائف. مما يفرض ضرورة الحذر عند تشخيص وعلاج الاضطراب، وتجنب الاستنتاجات المستندة إلى أدوات غير علمية.
- نحو فهم طيفي للتعلق
يرى بعض المتخصصين أن التعلق يجب أن يُفهم ضمن طيف تطوري يبدأ بالتعلق الآمن، ويمتد إلى الاضطرابات التعلقية الشديدة، بما في ذلك انعدام التعلق. هذا الفهم الطيفي يدعو إلى تطوير أدوات تقييم أكثر دقة، تراعي التنوع الفردي، بدلا من الاكتفاء بالتصنيفات الثنائية.
- التوصيات العلاجية
التعامل مع اضطراب التعلق يتطلب:
- تدخل مبكر يركز على العلاقة بين الطفل ومقدم الرعاية.
- برامج علاجية قائمة على التفاعل الأسري.
- تدريب مقدمي الرعاية على الاستجابة العاطفية الآمنة.
- المتابعة النفسية طويلة المدى لضمان اندماج الطفل اجتماعيا وعاطفيا.
الخلاصة
اضطراب التعلق ليس مجرد مرحلة عابرة في حياة الطفل، بل هو مؤشر عميق على اختلال في النمو العاطفي والاجتماعي، ناتج عن فشل في العلاقة الأولية مع مقدم الرعاية. يمثل التشخيص المبكر، والاستجابة السريعة، والاعتماد على أسس علمية دقيقة، حجر الزاوية في إعادة توجيه المسار التنموي نحو بيئة نفسية واجتماعية صحية.