حوار مع باسكال بلانشار: الاستعمار والجنس
تقديم : بالنسبة للمؤرخ باسكال بلانشار :”تقدم هذه الصور- يقصد كتاب معرض صوره الصادر مؤخرا – برهانا على أن الاستعمار عَكَسَ رحلة صيد جنسية كبيرة ”.فقد أجازت البورنوغرافية التي وظفتها القوى الاستعمارية،مختلف الأساليب بهدف الارتقاء نحو موضع آخر،لذلك يلزم الكشف عنها قصد تقويض أسس مخيال حاضر باستمرار.
المؤرخ بلانشار المتخصص في الواقعة الاستعمارية وكذا الهجرة إلى فرنسا،أصدر وساهم في الإشراف على نشر العديد من المستندات والمؤلفات من بينها: حدائق حيوانات بشرية(2002)،الشرخ الاستعماري،المجتمع الفرنسي حسب موروثات استعمارية(2005).ثم مع عمله الجديد : جنس، سلالة ومستعمرات.
يتطلع بلانشار صوب ملامسة جمهور واسع حيث ينفذ جراء تواصل وتيرة أعماله،نحو علاقة جديدة بالماضي الاستعماري.تستهدف هذه الحصيلة أيضا تحريض الجيل الجديد من الباحثين كي يشتغلوا على هذا الماضي انطلاقا من منظور الصور أو النوع وكذا الجنس.
س– لماذا هذا الاختيار القائم على إصدار1200صورة تكشف عن أجساد مستعمرة،مقهورة،تكابد الاستغلال الجنسي،والشبقي؟أليس ذلك مفرطا؟
ج– ينبغي لوفرة الصور مساءلتنا. حصيلة تؤكد بأنها ليس مجرد لعبة حكائية بل تشكل فعلا جزءا ضمن سياق نظام أوسع.عندما ينصب تفكيرنا على الدعارة في المستعمرات،فلن يتخيل أي شخص أنَّه نظام تبلور وفق مرتكزات تفكيرية،تأملية وتنظيمية من طرف الدول الاستعمارية نفسها.واهم،من يعتقد بأن البعد الجنسي يمثل مغامرة شاذة عن النظام الاستعماري،بل تجلى ضمن نواة الاستعمار نفسه.أيضا هندسات الخرائط دالة جدا:بخصوص الخرائط المتعلقة بالأراضي التي حددت باعتبارها أهدافا للاجتياح، يتم دائما تقديمها مجازيا من خلال صور نساء عاريات للإحالة على أمريكا،وإفريقيا وكذا جزر المحيط الهادئ.يجسد العري جانبا من”ماركتينغ” الحملة الاستعمارية،بل يصنع هوية نساء الساكنة المحلية.
خلال حقبة التوسع الاستعماري،نهاية القرن الخامس عشر،استحضرت الصور المتداولة فردوسا أرضيا يسكنه بدائيون طيبون يستعرضون أجسادا عارية.يشكلون جزءا من الطبيعة واللياقة.فيما بعد،سيتحول الفردوس الأرضي إلى آخر جنسي. هكذا يتوجه الغربيون صوب تلك المستعمرات يصطحبهم شعور مفاده أن كل شيء جائز.أمكنة لا تعترف بمحظور،حيث تتلاشى كل الضوابط الأخلاقية :تعسف، اغتصاب، بيدوفيليا.أغلب الصور التي تضمنها هذا الإصدار الجديد تعيد رسم صفحات ذاك التاريخ،لكنها فيما بعد،أخفيت،هُمِّشت أو أهملت: 80% من الصور التي احتواها هذا الكتاب الجديد لم يعرضها سابقا أي متحف.
س-أوضحتم في كتابكم أن تلك الصور الجنسية شكلت وسيلة مهمة بخصوص إشاعة هذا التصور الإيروسي-العِرقي.شيئا ما كالأنترنيت في الوقت الراهن؟
ج– تدوولت عشرات ملايين نماذج هذه الصور في فرنسا وبريطانيا.يسمح المبرر الاتنوغرافي بالالتفاف على الرقابة وبالتالي إمكانية تسويق البورنو-الاستعماري داخل أمكنة للتداول تحظى بإقبال جماهيري كبير. بدا من الحرية إظهار هذا العري،في المقابل لم يكن بالمطلق جائزا خلال تلك الحقبة نفسها ، الكشف عن عري امرأة بيضاء أو عبر قنوات أخرى موازية تعرف ملاحقة من طرف ”الآداب الحسنة”.
صور تسافر مكشوفة.يمكن لمختلف أفراد الأسرة رؤيتها،وكذلك إرسالها بريديا!يدون صاحب الرسالة على وجهي الصورة تعليقات في غاية الفظاظة،فاخترق خطاب من هذا الصنف،أفراد الشعوب الاستعمارية،والذين لم يزوروا قط تلك المستعمرات.مما أرسى ثقافة معينة.هذا البث الواسع جدا والمنفتح بما يكفي،طبع خيال أجيال عديدة.هذه الصور وحيثياتها إلى جانب المجلات الشعبية،ثم روايات محطات القطار أو الكتب الزاخرة بالصور التي تعرف متابعة واسعة،تقدم الدليل على أن الاستعمار جَسَّد “رحلة صيد جنسية”ضخمة. تُلتقط مشاهد للأجساد ثم يبعث بإشارة هذا الاستحواذ،دون حياء،كأنه غنائم.رسوم، ومنحوتات وكذا أشكال مختلفة استعادت تلك الأيقونات كما الشأن مثلا مع أدوات موائد الأكل،حيث نساء المنطقة عاريات يحملن أطباقا.هل تتخيلون مثيل ذلك وقد تعرت امرأة بيضاء أثناء وجبة موعظة الأحد الدينية لدى أفراد بورجوازية جيدة ؟كما لو أن الإيروس توارى خلف غطاء الغرائبي.
س-ألاتخشون أن توجه إليكم مؤاخذة مفادها أنكم تحت ذريعة العلم تكشفون عن صور جنسية لنساء يعانين الاستعمار؟
ج– بالتأكيد، سيحدث ذلك.إنّه نفس السجال الذي وقع حينما طرحنا لأول مرة صورا عن المحرقة.هل يجدر القيام بذلك؟ لكي نفهم حقا هذا الماضي،يجب أن نبرز إلى السطح،مختلف وقائعه غير القابلة للوصف.دون ذلك، لايمكننا تقويضه.محاولة استيعاب،أو على الأقل إثارة النقاش عن مفهوم”رحلة القنص الجنسية”،وكذا ثقافة-العالم،ثم جبروت البورنو-الكولونيالي؟على سبيل الذكر،ترددنا كثيرا بخصوص إظهار صور تفضح جنودا يابانيين يحشون الأعضاء التناسلية لنساء صينيات بأعواد الخيزران،بعد اغتصابهن وقتلهن.
لكننا قررنا أخيرا إخراجها إلى العلن،لأن هذه الصور تمثل جانبا ضمن بنيات خطاب للإذلال.يجسد المرئي خطابا.لايبرهن فقط على مجرد قيامهم بالفعل،
بل فوق ذلك بادروا إلى توثيقه وأعادوا إنتاجه بغاية الاحتقار.صحبة مئات الباحثين الذين اشتغلوا على إنجاز هذا العمل،سترغم حمولة الصور في الغالب الأعم،وتقود وجهة التفكير على نحو مختلف بخصوص بعض موضوعات البحث.تلزمنا الصورة بالوقوف على أدق التفاصيل،ومضاعفة مقاربات أخرى،وتجنب التعميم،والحث على جذب الانتباه حول الاختلافات بين الإمبراطوريات،ثم المجالات الجغرافية فيما بينها.أيضا تلزمنا طبيعة الصور كي نتحدث عن محددات النشر،والفئات المستهدفة ثم طبيعة الرسائل في إطار مرتكزات.ليست فقط الصورة إشهارا لما وقع،بل كذلك حسب هذا السرد،تأسيسا موازيا لشبح.إظهارها كذلك،بمثابة إرغام للذين يرفضون رؤية هذا الماضي في الواجهة.
س-نسجتم علاقة مباشرة بين الخيال الاستعماري وكذا وقائع معاصرة مثل السياحة الجنسية. لم يتغير أي شيء تقريبا؟
ج-طبعا.تتبدل عند كل جيل،المعطيات وتختلف النماذج ثم تتطور.اليوم، يحظى التهجين بالاعتبار،وقد صار إحدى المرجعيات الأساسية بالنسبة للموضة والإشهار.
لكن في نفس الوقت،تقوم موروثات،تشكّلات ثانية ثم قطائع.البورنو على الويب المعولم،مثلا،يستعيد ثانية ويستعرض حالات الهيمنة التي سادت الفضاءات الاستعمارية،وصارت نفسها عناصر مرجعية للثقافة المرئية،بالنسبة لقصص الرسوم المتحركة،الراب،السينما أو الأدب الجنسي.نعثر ثانية على المخططات الاستعمارية بخصوص السياحة الجنسية في بلدان الجنوب،والتي تعمل وفق نفس المنظومة التي ميزت الحقبة الاستعمارية…وتنتج نفس الصور.
إذن، لم تمت الاستيهامات الاستعمارية،بل فقط اتخذت صيغا جديدة وأشكالا أخرى مع الثقافة المعولمة.ولكي نستوعب،مختلف تفاصيل الماثل أمام أعيننا،قصد التحرر من الاستعمار،ينبغي أيضا استفسار الفنانين :لذلك أتاح لهم الفصل الأخير من هذا العمل فرصة التكلم تطلعا إلى تفكيك النماذج المتأتية من الماضي الاستعماري.بالكاد،شرعنا في رسم خطوات هذا العمل حول الجنس بالنسبة للأراضي المستعمرة،وأدركنا مع ذلك أنه يمثل أحد قوالب العالم الراهن.
- مرجع الحوار :
Libération : 21 septembre ;2O18.