في عالم الطب النفسي، يعد التشخيص الدقيق حجر الزاوية في تقديم العلاج الفعّال. ومن أجل توحيد المعايير وتسهيل التواصل بين المتخصصين على المستوى الدولي، تم تطوير دليلين رئيسيين لتصنيف وتشخيص الاضطرابات النفسية والعقلية: الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات العقلية (DSM) الصادر عن الجمعية الأمريكية للطب النفسي، والتصنيف الدولي للأمراض (ICD) الصادر عن منظمة الصحة العالمية.
ورغم التشابه الكبير بين النظامين في المضمون، فإن لكلّ منهما خلفيته الفلسفية والتنظيمية وأهدافه المميزة.
- أولا: لمحة تاريخية عن كل من DSM و ICD
1. الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات العقلية (DSM)
صدر DSM لأول مرة في عام 1952 من قِبل الجمعية الأمريكية للطب النفسي (APA)، وشهد عدة تحديثات هامة تعكس التطورات في فهمنا للاضطرابات النفسية. النسخة الحالية هي DSM-5-TR (النسخة الخامسة المعدّلة)، والتي صدرت عام 2022.
2. التصنيف الدولي للأمراض (ICD)
يعود تاريخ ICD إلى أواخر القرن التاسع عشر، حيث تم تطويره بإشراف منظمة الصحة العالمية (WHO). النسخة الحالية هي ICD-11، والتي أصبحت سارية اعتبارا من عام 2022، وتشمل أقساما خاصة للصحة النفسية تم تطويرها بالتعاون مع خبراء عالميين في الطب النفسي.
- ثانيا: الفروقات الجوهرية بين DSM و ICD
المجال | DSM | ICD |
---|---|---|
الجهة المسؤولة | الجمعية الأمريكية للطب النفسي (APA) | منظمة الصحة العالمية (WHO) |
النطاق الجغرافي | يُستخدم على نطاق واسع في الولايات المتحدة وكندا وبعض الدول الأخرى | يُستخدم عالميا ويُعتمد رسميا في معظم أنظمة الرعاية الصحية |
التركيز | تشخيص مفصل مبني على الأعراض السريرية فقط | تصنيف شامل يشمل الاضطرابات الجسدية والنفسية |
طريقة التنظيم | قائم على تصنيفات نفسية فقط مع معايير صارمة | أكثر مرونة ويغطي طيفا واسعا من الحالات الصحية |
الغرض الأساسي | أداة إكلينيكية للتشخيص والعلاج النفسي | أداة للصحة العامة والرصد الوبائي والسياسات الصحية |
اللغة والمحتوى | مصاغ بلغة طبية سريرية مفصلة | مصاغ بلغة شاملة ومرنة لتلائم مختلف النظم الصحية |
ثالثا: التداخل والتكامل بين DSM و ICD
على الرغم من وجود اختلافات جوهرية، تسعى المنظمتان إلى تحقيق قدر من التكامل والانسجام بين الدليلين، لا سيما في النسخ الحديثة مثل DSM-5 وICD-11. فقد تم العمل على تقريب المعايير والمصطلحات، لتسهيل جمع البيانات الإحصائية، وتبادل المعلومات البحثية، وتنسيق الجهود العلاجية عالميا.
رابعا: التأثير الإكلينيكي والبحثي
- DSM يُستخدم غالبا في البحوث النفسية والعلاجية، ويتميز بالتفصيل العالي في المعايير، مما يساعد الباحثين على تجنّب التفاوتات في التشخيص.
- ICD يتميز بقبوله العالمي وسهولة اعتماده في أنظمة التأمين الصحي ومؤسسات الصحة العمومية.
خامسا: الانتقادات الموجهة لكل نظام
DSM
- الاتهام بالمبالغة في تصنيف السلوكيات كاضطرابات.
- تأثره بمصالح شركات الأدوية في بعض الأحيان.
- زيادة عدد التشخيصات بشكل مفرط.
ICD
- اتُهم سابقا بالتأخر في مواكبة التغيرات البحثية.
- بعض الأوصاف أقل دقة سريريا مقارنة بـ DSM.
سادسا: أيّ الدليلين أفضل؟
الإجابة تعتمد على السياق والهدف:
- إذا كنت طبيبا نفسيا في الولايات المتحدة، فإن DSM هو المرجع الأول.
- أما إذا كنت تعمل في منظمة دولية أو مستشفى حكومي خارج أمريكا، فـ ICD هو المعتمد رسميا.
خلاصة:
يُعد كل من DSM وICD أدوات بالغة الأهمية في ميدان الطب النفسي. ورغم الفروقات الجوهرية بينهما، فإن تكاملهما يسهم في تحسين فهم الاضطرابات العقلية وتقديم العلاج الأمثل. ويتعين على المهنيين في مجال الصحة العقلية الإلمام بكليهما لتقديم رعاية قائمة على أسس علمية ومعايير دولية متكاملة.