يُعد اضطراب التحكم في الاندفاع، أحد أبرز فئات الاضطرابات النفسية التي تتميز بعجز مستمر في مقاومة دوافع سلوكية قد تضر بالفرد أو بالآخرين. يُظهر المصابون بهذا الاضطراب صعوبة ملحوظة في ضبط النفس تجاه الإغراءات والأفعال الاندفاعية، ما يؤدي إلى عواقب سلبية على مستوى العلاقات الشخصية والاجتماعية والوظيفية.
وقد أخذ هذا الاضطراب حيّزا متزايدا من اهتمام الباحثين والأطباء النفسيين، خاصة بعد أن خُصص له فصل مستقل في الطبعة الخامسة من الدليل التشخيصي والإحصائي للاضطرابات العقلية (DSM-5) الصادر عن الجمعية الأمريكية للطب النفسي سنة 2013.
- أنواع اضطرابات التحكم في الاندفاع
1. الاضطراب الانفجاري المتقطع (Intermittent Explosive Disorder)
يتسم بنوبات متكررة من الغضب أو العنف المبالغ فيه، دون تناسب مع المحفز. ترتبط هذه النوبات بردود فعل مفاجئة وغير مبررة تؤدي غالبا إلى الأذى الجسدي أو تدمير الممتلكات.
2. هوس السرقة (Kleptomania)
سلوك اندفاعي متكرر للسرقة دون حاجة مادية حقيقية أو دافع للربح، بل بدافع المتعة أو التوتر المسبق، ما يؤدي إلى شعور مؤقت بالارتياح يعقبه إحساس بالذنب أو الخجل.
3. هوس الحرائق (Pyromania)
رغبة قوية في إشعال الحرائق بشكل متعمد ومتكرر، مع شعور بالرضا أو الإثارة أثناء الفعل. يرتبط غالبا بخلل في تنظيم العواطف والتحفيز النفسي.
4. التسوق القهري (Compulsive Buying)
يتميز بالإلحاح المتكرر للشراء رغم عدم الحاجة، ما يؤدي إلى تراكم الديون والمشاكل المالية والعاطفية، وغالبا ما يظهر في أوائل العشرينيات.
5. إدمان الإنترنت والسلوكيات الرقمية القهرية
سلوكيات مثل المقامرة الإلكترونية، أو الإفراط في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي أو الألعاب، مما يؤدي إلى تدهور الأداء اليومي للفرد.
6. الاندفاع الجنسي
يتضمن سلوكا جنسيا قهريا مفرطا، تتخلله أفكار ودوافع جنسية يصعب السيطرة عليها، وغالبا ما يُسبب مشكلات قانونية واجتماعية وصحية.
- السمات النفسية والسلوكية العامة
يُلاحظ أن السلوك الاندفاعي غالبا ما يمر بخمس مراحل:
- توتر أو استثارة متزايدة قبل الفعل.
- اندفاع لا يمكن مقاومته.
- الشعور بالمتعة أو الارتياح أثناء الفعل.
- زوال التوتر أو الرغبة.
- شعور بالذنب أو الندم لاحقا.
الترافق المرضي (المراضة المشتركة)
تشير الأدلة السريرية إلى أن اضطرابات التحكم في الاندفاع تترافق غالبا مع:
- اضطرابات المزاج (كالاكتئاب والقلق)
- اضطراب نقص الانتباه مع فرط النشاط (ADHD)
- اضطرابات الشخصية (خاصة المعادية للمجتمع والحدية)
- الإدمان السلوكي وإدمان العقاقير
وتُظهر الدراسات أن مرضى باركنسون معرضون بدرجة أعلى لتلك الاضطرابات، خاصة عند تلقيهم لأدوية محفزة للدوبامين.
الأسباب والعوامل المؤثرة
- العوامل الوراثية: هناك أدلة على استعداد وراثي، خاصة في المقامرة المرضية وهوس السرقة.
- العوامل العصبية: اختلال في مستويات السيروتونين والدوبامين.
- العوامل البيئية: تجارب الطفولة الصادمة، الإهمال، العنف الأسري.
استراتيجيات العلاج
1. العلاج الدوائي
- مثبطات استرداد السيروتونين الانتقائية (SSRIs): مثل فلوكسيتين وباروكسيتين وإيسيتالوبرام.
- مضادات الاكتئاب ثلاثية الحلقات: كلوميبرامين، فعال في حالات نتف الشعر.
- أدوية إضافية بحسب الحالة مثل مثبطات الدوبامين.
2. العلاج النفسي والاجتماعي
- العلاج المعرفي السلوكي (CBT): أثبت فعالية في حالات متعددة، من بينها المقامرة المرضية وهوس السرقة.
- العلاج بالتبغيض وسلب الحساسية: مفيد في بعض الحالات مثل هوس الحرائق والشراء القهري.
- العلاج الجماعي والدعم الأسري: لتقليل العزلة وتعزيز الالتزام بالعلاج.
التحديات البحثية والمستقبلية
رغم التقدم الملحوظ في تصنيف وعلاج اضطرابات التحكم في الاندفاع، لا تزال هناك حاجة ماسة إلى:
- دراسات وبائية أوسع.
- توحيد المعايير التشخيصية بين DSM وICD.
- إدماج التكنولوجيا الرقمية في العلاج (مثل العلاج عبر الإنترنت والتطبيقات العلاجية).
مراجع:
- الجمعية الأمريكية للطب النفسي (APA)
🔗 https://www.psychiatry.org/psychiatrists/practice/dsm - منظمة الصحة العالمية – التصنيف الدولي للأمراض ICD-11
🔗 https://icd.who.int/ - Coccaro, E. F., et al. (2004). Intermittent Explosive Disorder and Its Relationship to Aggression. Journal of Clinical Psychiatry.
🔗 https://pubmed.ncbi.nlm.nih.gov/ - Grant, J. E., & Potenza, M. N. (2007). Impulse Control Disorders: A Clinician’s Guide to Understanding and Treating Behavioral Addictions.
🔗 https://www.cambridge.org/core/books/impulse-control-disorders/ - Hollander, E., & Rosen, J. (2000). Impulsivity and Compulsivity. American Psychiatric Publishing.
🔗 https://www.appi.org/Products/9780880487264