يدفع للانتحار .. ماذا يفعل مخدر “البوفا” في عقول الشباب المغربي؟
يصنع من بقايا الكوكايين مخلوطة بمواد أخرى ويسبب نشاطاً زائداً وشعوراً بالنشوة ورغبة في الانتقام والعنف
“بولا حمرا” و”الكالة” و”فليطوكسا” و”شكيليطة”… أسماء من بين أخرى لأنواع عدة من المخدرات يدمن عليها عديد من الشباب المغربي، لكن يظل مخدر “البوفا” أخطر تلك الأصناف الجديدة التي باتت تثير تخوفات جمعيات مدنية تنشط في محاربة المخدرات.
ويطلق المغاربة على “البوفا” لقب “مخدر الفقراء” أو “كوكايين الفقراء” بالنظر إلى رخص ثمنه مقارنة مع مخدر الكوكايين الحقيقي، لكن مخاطره وتداعياته على صحة مستهلكيه يجعله مثار تحذيرات عديدة.
- نشوة وعنف
يعرف أيمن، شاب في عقده الثاني، مخدر “البوفا” بأنه عبارة عن بقايا الكوكايين من الفتات الذي لا يصلح للاستهلاك، ويتم طبخها على نار خفيفة مع مواد مخدرة مختلفة، قبل أن يصبح مادة تشبه “الكريستال”، ويتم استنشاقه مثل الكوكايين.
ويقول هذا الشاب، وهو مدمن سابق على “البوفا”، إن هذا المخدر صار منتشراً بشكل كبير وسط الشباب العاطلين وحتى المتعلمين من تلاميذ وطلبة أيضاً.
ويعزو المتحدث ذاته انتشار مخدر “البوفا” بشكل كبير وسط المراهقين والشباب إلى رخص ثمنه، فالغرام الواحد منه يساوي 60 درهماً (6 دولارات)، بالتالي فهو متاح بسهولة للطبقات الفقيرة.
وزاد المدمن السابق متحدثاً عن تجربته الشخصية، “حصلت لي مشكلات عائلية غادرت على أثرها المنزل، لأستقر بضعة أيام عند صديق لي، قبل أن يقترح علي تناسي همومي باستنشاق مخدر قال لي إنه سيمنحني النشوة والقوة”.
واسترسل المتحدث عينه بأنه بعد تردّد، قرر تجريب “البوفا” حتى ينسى مشكلاته مع أسرته الصغيرة معتقداً أن الأمر سيدوم بضع دقائق، غير أنه لم يشعر بنفسه إلا وهو في عالم آخر تماماً، يهلوس ويقهقه بشكل جنوني.
وأكمل “أدمنت على البوفا أياماً أخرى، وبدأت أشعر بأن قوتي تضاعفت، وفي أحد الأيام بدأت أضرب الجدران برأسي بقوة، بحسب ما حكاه لي أصدقائي فيما بعد، قبل أن يذهبوا بي إلى المستشفى لعلاج جروحي”، متابعاً، “عالجتني طبيبة أرشدتني إلى مركز متخصص في علاج المخدرات، لتبدأ رحلتي في التعافي من هذا المخدر المدمر”.
- مخاطر نفسية وعصبية
وتلتقط عائشة السديري، أخصائية نفسية، خيط الحديث من الشاب أيمن لتقول إن هذا المخدر المعروف باسمه الشعبي “البوفا”، وباسمه العالمي “الكراك”، هو بالفعل يعطي لمستهلكه قوة ونشاطاً زائداً، لكن أيضاً يسبب له عصبية وعنفاً حاداً قد يدفعه إلى إيذاء نفسه والآخرين.
واستحضرت السديري في هذا السياق حادثة الشاب الذي دفع صديقه بمدينة برشيد ليسقط من علو شاهق بسبب تأثيرات “البوفا”، مبرزة أن هناك أيضاً حالات ومحاولات انتحار، واعتداءات عنيفة جراء الإدمان على هذا المخدر الخطر.
وتشرح بأن هذا المخدر “يقوي الشعور بالانتقام لدى متعاطيه، إذ بمجرد الإدمان عليه تتوارد على عقل المدمن عديد من الصور السلبية أو المواقف التي أثرت فيه أو أغضبته قبل ذلك في حياته، بالتالي يتجه صوب أشخاص بعينهم لينتقم منهم حتى لو كانوا قد تصالحوا”.
وبخصوص سمات “البوفا” وتداعياته النفسية، أفادت الأخصائية ذاتها بأن المخدر يمنح طاقة خادعة من القوة الجسدية، لكنه في الحقيقة يدمر تدريجاً الجهاز العصبي المركزي للمدمن، كما يحدث لدى متعاطيه نوعاً من القلق الشديد، وارتعاش اليدين، وعلامات أخرى.
وتابعت الحديث أن “خطورة هذا المخدر لا تتوقف بالامتناع عن تعاطيه، فبعد أن يقرر المدمن العلاج أو الانسحاب من الإدمان عليه، فإن آثاراً نفسية تظل عالقة به، وتعوقه عن التراجع، مثل دخوله في نوبة من البكاء الهستيري، أو الاكتئاب الحاد،
باعتبار أن الجهاز العصبي قد اعتاد على المخدر، والكف عن استنشاقه أو تدخينه يجعله يدخل في هذه النوبات النفسية والعصبية”.
- تحذيرات مجتمعية
مخاطر “البوفا” دفعت عدداً من الجمعيات والهيئات المدنية وحتى السياسية وخطباء المساجد إلى دق ناقوس الخطر، والمطالبة بالضرب بيد من حديد على مروجي ومستهلكي “كوكايين الفقراء”، حتى لا تتفاقم مخاطره وأضراره الاجتماعية والنفسية.
فمثلاً، حزب فيدرالية اليسار دق ناقوس الخطر في شأن رواج مخدر “البوفا” وسط الشباب والفئات الفقيرة، بخاصة في مدينة برشيد التي شهدت حالات اعتداء متواترة بسبب هذا المخدر، داعياً السلطات إلى تشديد المراقبة على المسالك التجارية والاستهلاكية.
من جهتها، نبهت فيدرالية جمعيات آباء وأولياء التلاميذ في المغرب إلى المخاطر التي يشكلها ترويج هذا المخدر وسط فئة التلاميذ على وجه الخصوص، الذين إما يستهلكونه، أو يروجون له أيضاً.
وذهب خطباء جمعة في أكثر من مرة إلى المطالبة بوضع حد لهذا المخدر الجديد في المغرب، محملين المسؤولية إلى مؤسسات التنشئة الاجتماعية من أسرة ومدرسة وغيرهما وأيضاً إلى الهيئات المدنية والسلطات.
حري بالذكر أن المجلس الاجتماعي والاقتصادي (مؤسسة رسمية) سبق له أن أكد في تقرير حديث أن السلوكات الإدمانية تنجم عنها انعكاسات خطرة على الأشخاص المعنيين بها في سلامتهم النفسية وصحتهم الجسدية.
كما أنها تشكل في الوقت نفسه معضلة حقيقية تلقي بظلالها على توازن العلاقات بين الأفراد وأسرهم وعلى دخلهم ومواردهم المادية، وعلى الوضعية الصحية والنفسية للمجتمع ككل.
وأوصت المؤسسة الرسمية المذكورة بضرورة الاعتراف بالإدمان، سواء باستخدام مواد مخدرة أو ممارسة إدمانية، بوصفه مرضاً يتطلب علاجاً قابلاً من الناحية القانونية للتكفل به من طرف هيئات الضمان والتأمين الصحي والحماية الاجتماعية”.