البحث العلميطب وصحة

آفات الطب الحديث

لا يستطيع جاحِدٌ فضلاً عن مُنصفٍ؛ أن يَطمس أو يتجاهل القفزة الهائلة التي حقَّقها الطب الحديث في القضاء على أمراضٍ وأوبئةٍ كثيرة كانت تُبيدُ قطاعاتٍ واسعةٍ من البشر  في القرون القليلة الماضية.


كما لا يُنكر أحدٌ؛ الثورة التكنولوجيا التي دخلتْ ميدان الطب وسهَّلت كثيرا من أساليبِ الفحص والتحليل والاختبار، باستعمالِها لآلاتٍ بالِغة التطور والدقة والتعقيد، سواءً في تحليلات الدم، أو الكشف بالمحاليل والمُركبات الكيماوية، والكشف بالأشعة والكشف بالمناظير الرقمية.


أو فيما يتعلق بتخطيط القلب والدماغ، وصولا إلى الكشف بالأشعة المقطعية والليزر والماسح الضوئي متعدد الأبعاد أو ما يعرف بـ_سكانير_. إلا أن هناك العديد من النقط السوداء في الطب الحديث. بعضُها معروفٌ وبعضُها غيرُ معروفٍ؛ سنتطرّقُ لها بالتفصيل في مقالِنا هذا.


يقوم الطب الحديث أساسا على مناهج علمية متخصصة، كعلم دراسة وظائف الأعضاء وعلم التشريح، وعلم الجراحة، وعلم الإنعاش، وعلم الميكروبات والبكتيريا، وعلم زراعة الأعضاء وغيرها من العلوم،  هذه العلوم التي تفرعت عنها علومٌ فرعية أخرى أكثر تدقيقا واختصاصا، كعلم الخلايا وعلم الأعصاب وعلم المورِّثات، والطب النووي، كما استقلت بعض العلوم ببنيتِها العضوية وظلت رافدا مهما للطب الحديث كعلوم الصيدلة وعلوم الترويض الطبي وعلوم التغذية، وعلوم الطب الوقائي، وعلم النفس العلاجي والسلوكي.


إذ لم يتطور الطبُّ الحديث عن الطب التقليدي، بل جاء نتيجة تطور التفكير العلمي، وظهور المناهج العلمية وتلاقح العلوم واستفادَة بعضِها من بعض إبانَ الثورة الصناعية في أوربا. وقد اعتمد الطب في هذه المرحلة بشكل أساسيٍّ على  منهجيات الاستنباط، واستقراء الحالات المرضية وتحليلِها، والتوسع في البدائل العلاجية وضبطِها عِلميا. وبالتالي ظلت مدرسة الطب القديم قائمة ومستقلةً ببنيَتِها عن الطب الحديث، ولم يحدث بينهم تكاملٌ أو اندماج، بل ظل هناك نوع من المنافسة الشرسة وأحيانا كيل وتبادُل الاتهامات.


  • المبدأ الميكانيكي في الطب الحديث.

من الأمور التي تُعاب على الطب الحديث، هو مبدؤه الميكانيكي، فهو ماديُّ التوجه والتفكير والحل، خصوصا فيما يتعلق بموضوع زراعة الأعضاء. على أهمية هذا التخصص العلمي والتطور الذي أُحرز فيه، إلا أن البشر ليسوا جسدا وأعضاءً فقط، ولكنهم روحٌ ونفسٌ ومشاعرُ وسلوكٌ وحالات وظروف وإحساس..، كما أن هذا الفتح العظيم في الطب الحديث والتطور الهائل الذي حققَه، فتح أبواب شرٍ لا حصرَ  لها، ليس أقلَّها الجرائم التي تقترفُها مافيا الاتجار بالبشر.


حيث تُزهَق آلاف الأرواح البريئة عبر العالَم من أجل سرقة أعضائها وبيعِها للمرضى القادرين على الدَّفع. كما فتحت تقنية الزراعة هذه، الباب أمام كثير من الفقراء عبر العالَم لبيع كِلاهُم في سبيل الحصول على المال. فتخطى الأمرُ بهذه الممارسة؛ الهدف الذي كان مرادا من عمليات الزراعة، والمتمثلة في إنقاذ الأرواح. إلى إزهاق آلاف الأرواح البريئة وإفساد الأجسام السليمة من أجل المال.


ناهيك عن البحوث والتجارب التي تقوم بها مختبرات طب الاستنساخ واللعب بالجينات البشرية والحيوانية دون أدنى وازع أخلاقي أو حس إنساني، مما فتح باب الخوف والتوجس من استنساخ نماذج حية ممسوخة، لا تنتمي لا لفصيلة البشر ولا  لفصيلة الحيوانات.


عديمةَ الشعور وذات قُدرات تخريبية هائلة. وبالتالي فهذه النظرة الميكانيكية للطب الحديث؛ جعلتْه يتقدم كثيرا في أدوات الكشف ووسائل العلاج. لكنه تأخر كثيرا في تحقيق البدائل الاستشفائية الأخرى المناسبة، وعديمة الأعراض الجانبية أو ذات أعراض وتأثيرات سلبيةٍ نسبية.


رغم نزوع الطب الحديث مؤخرا إلى استخلاص الفيتامينات والبروتينات والمواد المسكِّنة والمخدرة والمحفِّزة من مصادر نباتات ومن عناصر الطبيعية، إلا أنه لم يتخذ خطوات جريئة في اتجاه تحقيق نوع من الاندماج والتكامل مع الطب البديل أو الطب التقليدي، وانتشالِه من حالة الفوضى التي يعيشُها.


لقد أثبتت العقاقير المخلَّقة في مختبرات الطب الحديث خطورَتها على الذوات البشرية والحيوانية وعلى الكائنات الحية بشكل عام، لما لها من تأثيرات خطيرة كونها تسبب اضطرابات في عمل أعضاء الجسم وخللا في الهرمونات، كما تُسبب أمراضا أخرى تظهر على شكل أعراض جانبية. مما يدخل الجسم في سلسلة من الأمراض أو أعراض المرض.


أما الخطورة الأكبر؛ فتكمن في المضادات الحيوية المخلَّقة في مصانع الأدوية والتي ساهمت في القضاء على فيروسات معروفة وشائعة، ولكنها فتحت الباب واسعا أمام خطر ظهور حالات وسلالات متطورة وغير معروفة من الفيروسات ذات مقاومة فعالة للمضادات الحيوية، قد تبيد أُمَماً عن بكرة أبيها.


  • الطب التقليدي

الطب التقليدي أو الطب الطبيعي أو الطب الشعبي أو الطب البديل؛ كلها أسماء لمجال واحد، إلا أن الاسم العلميَّ للطب التقليدي هو الطب المُكمِّل،


يُمثل الطب التقليدي محصلة خبراتِ البشر وتجارِبِه في مجال الطب والاستشفاء. وهو قطاع فوضوي غير مُنظم، ولا يخضع لمعايير وضوابط وقوانين محددة وموحدة، بل كلُّ ممارِس له يعتمد على خبراتِه وتجاربِه وقناعاتِه في تحديد العلة ورصد أعراضِها وإعداد الوصفات العلاجية المناسبة لها.


كما أن الطب التقليديّ تعرض ويتعرض باستمرار إلى متطفلين يتكسبون منه، وليست لهم به وبأدواتِه أية صلة أو تكوين. مما جعل هذا النوع من الطب متأخرا بشكل كبير عن الطب الحديث، وغير قادر على المنافسة أو الاندماج. بل صار محارَبا ومرفوضا من الطب الحديث لأن مرجعياتُه وممارستُه ثقافية وليست علمية.


إلا أن إقصاءَه من قبل الطب الحديث، جعله يأخذ موقع الطب المنافس أو البديل. وكان الأجدى للطب الحديث أن يستثمر منجزات وتجارب ومميزات الطب الطبيعي؛ ويسيرا معا في تكامل وانسجام.


وانفصالُهما هو ما جعل كل منهما قاصرا في جانب من الجوانب، كما أنه يستحيل أن يُقصي الطب التقليدي الطبَّ الحديث؛ لأنه ضروري ولابد منه، فإن الطب الطبيعيّ كذلك لا يمكن الاستغناء عنه كليةً، إلا أن تكاملهُما سيعطي مفعولا أكبر، خصوصا للمرضى الذين لديهم حساسية ضد الأدوية أو الذين يقعون تحت تأثير الأعراض الثانوية للأدوية.


وبالتالي وجب عليهما أن يُحققا هذا التكامل. فالطب الشعبي معتَمَدٌ في الصين بكل فروعِه؛ بدءاً بطب الأعشاب والإبر الصينية وصولا إلى اليوغا. وفي أوروبا؛ أصبح الطب الطبيعي يعرف تقدما كبيرا جدا؛ لدرجة أنه صار يُنافس الطب الحديث في مجال الاستشفاء بالمركبات والعقاقير الطبيعية.


وتعتبر شركات الدواء أكبر عائق أمام اندماج الطب التقليدي (الطب الطبيعي) مع الطب الحديث، نظرا للثروة الهائلة والعائدات المادية الضخمة التي تحققُها هذه الشركات من خلال احتكارِها للسوق وبيع منتوجاتِها الدوائية المخلَّقة في المختبرات من مواد كيماوية، لقد تحولت هذه الشركات إلى مؤسسات تجارية هدفها الربح؛ أكثرَ مما هي مختبرات بحثية هدفُها حماية وإنقاذ الأرواح وعلاج الأجسام العليلة.


اندماج الطب الطبيعي مع الطب الحديث سيشكل بداية نهاية امبراطورية شركات الأدوية، وسيجعل الأدوية أكثر أمانا وسلامة لصحة المرضى، وبأثمنة رخيصة جدا. كما سيحقق هذا الاندماج تصحيح مسار وتوجه الطب الحديث، وجعلِه أكثر التزاما بتحسين حياة البشر وحفظ صحتِهم. بدل اقتحامِ عوالِمَ مجهولة قد تَضر البشر من حيث يبغي نفعَهم.

الحسين بشوظ

كاتب، صحفي عِلمي وصانع محتوى، باحث في اللسانيات وتحليل الخطاب، حاصل على شهادة الماجستير الأساسية في اللغة والأدب بكُلية الآداب والعلوم الإنسانية بالرباط. مسؤول قسم اللغة العربية في منظمة المجتمع العلمي العربي بقَطر (سابقا)، عُضو مجلس إدارة مؤسسة "بالعربية" للدراسات والأبحاث الأكاديمية. ومسؤول قسم "المصطلحية والمُعجمية" بنفس المؤسسة. مُهتم باللغة العربية؛ واللغة العربية العلمية. ناشر في عدد من المواقع الأدبية والصُّحف الإلكترونية العربية. له إسهامات في الأدب إبداعاً ودراسات، صدرت له حتى الآن مجموعة قصصية؛ "ظل في العتمة". كتاب؛ "الدليل المنهجي للكتابة العلمية باللغة العربية (2/ج)".

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى

You cannot copy content of this page