حوار أكاديمي بين الأستاذ “عبد السلام أبو” والطالب الباحث “حسن أمين”
س. 1: ما التغير الطارئ على حياتك الدراسية بعد حصولك على شهادة البكالوريا وولوجك سلك التكوين المهني؟
بسم الله الرحمن الرحيم، الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على أشرف المخلوقين، سيدنا محمد وعلى آله الطيبين الطاهرين وصحبه أجمعين، ومن سلك نهجهم إلى يوم الدين، وعنَّا معهم بعفوك وجُودك وإحسانك يا أكرم الأكرمين. اللهم لا علم لنا إلا ما علمتنا إنك أنت العليم الحكيم.
معشر القراء: قبل أن نلج غمار هذا الحوار الأكاديمي، أود أن أشكر جزيل الشكر أستاذي الفاضل عبد السلام أبو، الذي أشرف على هذا الموضوع، وعلى ما أولاه من فائق العناية، وما بذله من جهد في تقويم الحوار منهجا، ولغة، حتى بلغَ ما هو عليه. وأسأل الله جلَّ جلاله أن يجزيه الجزاء الأوفى، وأن يبارك له في علمه.
وقبل أن أقدم إجاباتي عن الأسئلة الجوهري في هذا الحوار، أود أن أعرض سطورا حول شخصية عبد ربه حسن أمين. فأنا طالب باحث، أبلغ تسعَ عشرةَ سنة، أقطن حاليا ببلدة أنزي، حصلت على البكالوريا السنة السالفة في شعبة الآداب والعلوم الإنسانية- مسلك العلوم الإنسانية بميزة مستحسن، وقد وجلت بعدها سلك التكوين المهني، وأدرس بالمعهد المتخصص للتكنولوجيا التطبيقية تيكوين، مستوى التقني المتخصص، بشعبة تسيير المقاولات، ويضم التكوين سنتين. عبد ربه شغوف بالمطالعة، والكتابة، وفنون الخط العربي، والتأليف، والبحث العلمي والتحرير، كما أني مولعٌ بميدان التصوير الفوتوغرافي، والتصميم، وتعديل الفيديوهات.
وبالعودة إلى سؤالنا، يمكن القول إن حياتنا الدراسية طرأت عليها تغييرات عدة بعد حصولي على البكالوريا، وولجتُ سلك التكوين المهني، وإن من أبرز هذه التحولات خوضي في ميدان التسيير والمحاسبة، وكل ما له صلة بالمقاولة، دون أن أغفل النبش في مجالات ألفت الاطلاع فيها، هي: العلوم الإنسانية، والأدب، والفقه، والفكر.
تلقيتُ أمورا جمةً خلال السنة الأولى من مساري التكويني بمؤسسة التكوين المهني، تنظيرا وممارسةً، تهم التخصص المذكور آنفا، وأمورا أخرى ترتبط بالتكوين الشخصي، وكذا اكتساب مهارات إبداعية جديدة، وقد قمتُ بتطوير أساليب عدة، سيما أساليب التواصل، إلى جانب الهدف الرئيس من التخصص، وهو استفادة المتدرب خلال فترة التكوين أسس إنشاء المقاولة، ومفاهيمها.
س. 2: بم تنصح تلاميذ الثانية باك بالمغرب وبثانوية محمد الجزولي أنزي منهم على وجه الخصوص باعتبارهم مقبلين على امتحانات إشهادية نهاية السنة الدراسية؟
أعزائي الطلاب، عزيزاتي الطالبات:
لا غروَ أنكم مقبلون على امتحانات إشهادية، وهو ما سنؤطره بحول الله بغية تحصيل جيد لهذه الامتحانات، وتتزامن تحضيرات تلاميذ البكالوريا هذه السنة مع مطلع شهر رمضان المبارك، الأمر الذي يزيد من ضغوطهم النفسية، سيما وأن في هذا الشهر يطول السهر، وتتغير معه نمط النوم والأكل، وهذا ما سينعكس سلبا على الاستعداد النفسي والعلمي للمقبلين على هذه الامتحانات.
ولا يخفى علينا التأثير الكبير الذي خلفته جائحة كورونا في نفسية الكل، سيما الطلاب الذين يتابعون دراساتهم في مستويات شتى، وبالكاد يسيطر عليهم التفكير السلبي، وفي هذا الوقت بالذات يحتاج التلميذ نصائح موجزة قيمة تؤازره لاجتياز هذه الامتحانات في ظروف ملائمة، وسنلم بجوانب عدة، وسنذكرها فيما سيأتي بتفصيل علها تفيدكم، وتكون لكم سندا، ونرجو التوفيق والسداد لكل طالب(ة) مقبل(ة) تنتظره هذه الامتحانات. ونرجو أن تبلغ كل معني بها.
- توكلوا على الله لأن الله وحده الذي ينفع ويضر. ومن يتوكل على الله فهو حسبه، واحذروا الخوف والنفس، فهما من الشيطان والنفس، وهما أكبر أعداء الإنسان.
- عليكم بتنظيم وقتكم، لأن ذلك خطوة رئيسة للنجاح.
- لا بد من إعداد كل شيء يلزمكم قبل البدء في المذاكرة، وتأكدوا أنه لن يزعجكم أي شيء في ساعات الحفظ والتلخيص. وتخلصوا من تلك الهواتف وكفوا عن مشاهدة التلفاز أثناء المذاكرة للتركيز جيدا.
- راجعوا نماذج الامتحانات سالفة الاجتياز، ليس ثمة طريقة استعدادٍ لخوض امتحانٍ مادة ما، أفضل من التدرب على نماذج سابقة للمادة ذاتِها، فهذه الطريقة ليست مجرد إعداد لجواب سؤال محدد بعينه، ولكنّها تمنحك فهماً للكيفية التي تُعالج بها الأسئلة، وكيفية تنظيم إجاباتك، وتمكنك من حساب الوقت الذي يجب أن تخصصه لكلّ سؤال بناء على كم المعلومات التي يحتاجها.
- الإكثار من الذكر والدعاء لأنه سلاح المؤمن: قبل الامتحان وأثناءه، وبعده.
- لا تولوا الامتحان أكثر مما يستحق، فهو مجرد امتحان عابر، شأنه شأن كل الفروض المحروسة التي اجتزتموها طيلة السنة الدراسية. وليس في الأمر ما يدعو إلى القلق والتوتر، قد تجدوا فرضا محروسا أعقد من الامتحان الإشهادي.
- لا تشغلوا اليوم كلَّه بالمراجعة، ولتتخلل المراجعةَ أوقاتُ راحةٍ من وقت لآخر. ولا تجعلوا المذاكرة تأخذ كلَّ وقتك لئلا تشعروا بالملل والنعاس، وحاولوا أن تقترفوا أشياءَ تشعركم بالرضا والسعادة، وتمنحكم الطاقة والقوة. فهذا لا بد منه لتحصيل جيد. كما لا تنسوا كسرَ النمطية والرتابة من حين لآخر.
- اعتمدوا طرائق التلخيص في دروس المواد المعنية بالامتحان، ففهم الملخصات يغني عن الدروس الكاملة، وذلك عن طريق ترسيمات، وجداول، ومبيانات، وغيرها.
- راجعوا منفردين، أو في جماعة لا تفوق ثلاثة أفراد، لأن العددَ الكبيرَ سيفضي بكم إلى الثرثرة والعبث ونقاشات عقيمة، فيتحول الهدفُ إلى مجلس دون فائدة وتحصيل، ودون تحقيق المبتغى الرئيس.
10.النهوض باكرا، لأن المراجعة في الفترة الصباحية أفضل منها في الفترة المسائية، لأن الصباح ينعش خلايا المخ والذاكرة بنسيمه المفعم بالأكسجين.
- الثقةُ بالنفس عامل بارز، فاحرصوا على الثقة بها، ولا تحتقروا أنفسكم، فلكل منكم نصيبه في الذكاء. وقد قيل: تفاءل خيرا تجده، ورددوا دائما: أنا استحق النجاح.
- ننصحكم بتفادي كثرة التسآل عن إجابة الامتحان المجتاز، لأن ذلك يؤثر سلبا في الامتحانات التي تليه. ولا تخشوا الخطأ. فمن طبع كل إنسان الخطأ واقتراف الهنات. ولفظة “كل” تفيدُ الشمول، فتوكلوا على الله، ولا تخشوا أي مكروه.
- تجنبوا الغشَّ ولا تشغلوا بالكم به حتى لا تعرضوا مستقبلكم الدراسي للخطر، ولأن ضرره أكبر من نفعه لقول نبينا محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم: “من غشنا فليسَ منَّا”، فتوكلوا على أنفسكم بعد الله تبارك وتعالى.
- احرصوا ليلةَ الامتحان على:
- تفادي القلق والضغط، وتسلحوا بالهدوء والطمأنينة والثقة في النفس.
- ضرورة إحضار البطاقة الوطنية واستدعاء اجتياز الامتحان، وكذا إحضار الأدوات الرئيسة التي أنتم في حاجة إليها يوم الامتحان: قلم حبر جاف أزرق أو اثنين، وقلم حبر جاف أخضر، وقلم حبر جاف أسود، وقلم رصاص، ومسطرة، وآلة حاسبة عند الاقتضاء، وقلم تصحيح (بلونكو)، وأدوات الهندسة، وغيرها. ووفروا أدوات الاحتياط، ولا تتكلوا على زملائكم حتى لا تفقدوا تركيزكم بالبحث عن هذه الأدوات أثناء الامتحان.
- تأكدوا من المواد التي ستُمتحنون فيها، وتوقيت كل مادة، ورقم امتحانكم وغيرها من أمور تشكل عمدة كل اختبار.
- أن تكون الملابس المرغوب فيها جاهزة ليلة الاختبار لا صبيحة يومه، حتى لا تضيعوا الوقت.
- تجنبوا الأرق (السهر)، واخلدوا للنوم والراحة في الأوقات المعتادة لما للراحة من أهمية كبيرة في التركيز.
احرصوا صبيحة الامتحان على ما يأتي:
- أن تستيقظوا في الوقت المناسب، واحرصوا على تناول فطور صحي، واعتزلوا الوجبات غير الطبيعية أو تلك المعلبات التي تشكل العبء بدل الفطور.
- الحضور مبكرا إلى مركز الامتحان، والأفضل نصف ساعة قبل الموعد المحدد تفاديا لأي تأخر، وحتى تتمكنوا من التركيز والاستعداد قبل بداية الاختبار.
- احذروا أن تذهبوا بهاتفكم المحمولة أو أي وسيلة تثير الشبهات.
وأنتم في الطريق إلى الامتحان، لا تُزعجوا أنفسكم بالحديث مع زملائكم وزميلاتكم عن الدروس والامتحان، والتوقعات المنتظرة حول الأسئلة، وحاولوا أن تكون أفكاركم إيجابية مع التفاؤل الدائم، وتسلحوا بالدعاء لأن الدعاء سلاح المؤمن، كما انه سلاح يجلب للنفس الهدوء والاطمئنان.
- عند تسلم ورقة الامتحان:
- قول: بسم الله، توكلت على الله، اللهم يسر ولا تعسر.
- البداية بتحرير المعلومات الشخصية الخاصة بكل مترشح في حيز خاص بها وبخط واضح: الاسم الشخصي والاسم العائلي، والمادة، مع رقم الامتحان لئلا تذهب ورقة اختبارك سُدًى.
- على كل مترشح أن يقرأ ورقة الامتحان من بدايتها إلى نهايتها دون إطالة حتى لا يضيع وقته.
- أن يقرأ السؤال كاملا، فكثيرا ما يكون السؤال الواحد متضمنا لأسئلة أخرى، وبمجرد ما يقرأ المترشح بداية السؤال ويجده في المتناول، يشرعُ في الجواب دون أن يقرأ بقية الأسئلة المتضمنة في السؤال، مما يضيِّع عليه بقية النقط.
- لا بد من الحرص على فهم السؤال بشكل جيد، إذ إن فهم السؤال نصف الجواب، ولتكن الإجابة مستوفية المطلوب.
- تحدد المحاورُ أو “النقط” التي سيتضمنها الجواب، وتدون في الـمُسَوَّدة بلون مغاير، حتى لا ينسى عنصرٌ منها أثناء الإجابة.
- لا تُضَيِّع وقتك في السؤال إن لم تتمكن من الإجابة عنه، واتركه إلى أن تنهي الأسئلة التي ترى أنك متمكن من الإجابة عنها.
- إذا استعصى عليك سؤال ما، فلا تنزعج وحافظ على هدوئك، وابذل الجهد الكافي لتحفيز ذاكرتك مرددا: “يا حي يا قيوم برحمتك أستغيث”.
- احرص أن تحرر بخط واضح ومقروء، وأن تكون ورقتك منظمةً بشكلٍ جيدٍ لأن ذلك ينعكس على نفسية المصحح. واحذر التشطيب لأنه يشوه ورقة تحريرك، واحرص على استخدام المسودة قبل التحرير الرسمي بورقتك مع مراعاة الغلاف الزمني بالطبع، ومن أجل التوزيع الوظيفي للغلاف الزمني المخصص للمادة موضوع الامتحان، ضع ساعة يدوية أمامك.
- احرص على أن تخصص وقتا لمراجعة الورقة حتى يتسنى لك مراجعتها وتصويب هنات محتملة من السرعة في الكتابة أو السهو عند التحرير أو ما شابه ذلك من عوامل.
- عندما تُنهي الاختبار، توجه إلى الله تعالى بالرجاء والطلب ليبارك لك فيما كتبت. وفقكم الله جميعا.
س. 3: ما مدى إسهام سنوات مسارك المهني بالجزولي في الكفايات المحقة لديك؟
درست بالثانوية التأهيلية محمد الجزولي، أنزي ست سنوات؛ أي مرحلتين دراسيتين: السلك الإعدادي والتأهيلي على السواء، هذه السنوات الست كلُّها جد وتحصيل، بدءا بالسنة الأولى إعدادي، وختاما بالسنة الثانية بكالوريا- شعبة الآداب والعلوم الإنسانية- مسلك العلوم الإنسانية كما أشرت آنفا.
ويمكن القول إن مساري الدراسي بهذه المؤسسة العتيدة أكسبني كفايات عدة} إذ تلقيتُ أمورا شتى في مختلف العلوم، سيما التي تندرج ضمن تخصصنا الآداب والعلوم الإنسانية.
ولا أزال أتذكر جملة الأنشطة التي تؤطرها إدارة المؤسسة إلى جانب الطلاب، باعتبارها عاملا بارزا في تكويني التربوي والثقافي، وفي إحدى الأنشطة تلك التي شاركتُ فيها، أتذكر كلمةً قالها الحارس العام: “إن ما تعملونه الآن سينفعكم بالشيء الكثير في مسيرتكم العلمية والمهنية، حيث إن هذه الأنشطة تنمي قدراتكم وتتطور أساليب التواصل لديكم” وكذلك كان الأمر.
وكذلك فإن فضلَ أساتذتنا علينا كبيرٌ، لأنهم ساهموا بالشيء الكثير وعلى نحو كبير في تحقيق كفاياتنا، ولذلك أوجه لكل من علمني حرفا وخلقا تحية تقدير واحترام.
س. 4: ما السر في جودة خطك؟
طالما سألني السائلون السؤالَ عينَه، ونستهل بعبارة نعدها عمدة الأعمال كلها، وهي، أن لكل مجتهد نصيبًا. ولكي أقدمَ إجابةً شافيةً كافيةً عن سؤالكم هذا ، سنعود بكم إلى عهد الطفولة؛ لقد بدأت حكايتي مع الخط العربي الجميل حين كان والدي حفظه الله يعلمني إياه، ويدرسني قواعد رسم تلك الحروف، فيحبذ لي الكتابة، ومن ثم حبب إلي الخط والنحوَ والبحثَ في العربيةِ، فكان والدي يخاطبني بأن أكتب فقرة يسيرة أو فقرتين كل يوم، وحينما أتممها أقدمهما له، وأطلب منه تنقيحها من الأخطاء، كانت تغمرني سعادة وأنا بجانبه ينقح لي، ولا أزال أتذكر أنني أستيقظ كل صباح باكرا لأحرر المطلوب، وما يشعل فتيل بهجتي أكثر تلك الإنشاءات غير ما يطلبه مني والدي فيسعده ذلك، ومساء كل يوم بعد أن ننفلت من تلاوة الحزب الراتب، كنت أطلب منه أن يكتب لي جملا كي أعربها، وطالما كانت إجاباتي صائبة، كنت أعرب أربع جمل إلى خمس، وكنتُ دائما عند حسن ظنه، وإن أخطأت يصوب لي، ويدرسني القاعدة النحوية، وإن أتممنا الإعراب، انتقنا إلى درس في علم الصرف والتحويل، تحويل الجمل مع الضمائر، وبدوره كان والدي في قمة سعادته، كنت أستشعرها من ابتسامته التي تغمر وجهه، وهكذا دواليك لسنين طوال إلى أن بلغت سنَّ الرشد، فانغمست في مجال الفكر والبحث العلمي، ولا يزال والدي رزقني الله رضاه يدرسني أمورَ الفقه، وأخصص وقتا من وقتي أقعد معه، ونناقش أمورا شتى سيما أمور الفقه وأصوله، والشريعة.
وإن وجهنا عقرب تأملنا لأيام السلك الابتدائي بالبلدة، فقد تتلمذتُ على يد أستاذين في المستوى الخامس والسادس ابتدائي، أحييهما أزكى التحيات، أحدهما ذو موهبة في فن الخط العربي، حيث يكتب لوحات فنية فاخرة، راقتني أعماله، ومن ثم أعجبت بفنون الخط والزخرفة، وآخر يحفزني من حين لآخر، كان يدرسني اللغة العربية، وفي مكون التعبير والإنشاء، دائما ما كانت ملاحظاته حول أعمالي، خط جيد، واصل. وهكذا أكتب وأحرر إلى يومنا هذا، وأرسم لوحات فنية بالحرف العربي موظفا خط النسخ، وخط الثلث. ولنا أعمال فنية جمة في ما ذكر.
ثم إن من الأمور التي أسعد بها كثيرا، تتبع الخطاطين حينما يكتبون جداريات، لوحات فنية، وما إلى ذلك، وإن أجمل الأوقات تلك التي أقضيها رفقة أولئك. ولا شك أن إصراري في التعلم والبحث وحب الاطلاع كان سر نجاحي في الخط، إلى جانب فضل والدي العظيم علي حفظه الله.
على نحو عام، الخط موهبةٌ وهبنا الله إياها منذ الصبا، وأحببناها حبا جما، ومنذ أن كنا صغارا نتعلم الخطَّ وفنونَه كما نتعلم قواعدَه، فنخطئ تارة ونصيب أخرى، ولا أزال نتعلم، فميدان الخط والزخرفة ميدان فن كبير، فيه ما فيه من الإبداع، ومجال للتفنن بامتياز.
س. 5: بم تنصح المتعلمين الذين يميلون إلى القزع ويعتبرون هذا السلوك موضة مؤقتة؟
تفشى في الوقت الراهن بين الشباب سلوك خبيث من سلوكات عصور الظلمات، والأفظع أن للتلاميذ نصيبَ الأسد من هذا السلوك، ففي الوقت الذي ننتظر أن تكون فئة هؤلاء مفخرة صاروا ثلة لا تقيم وزنا للذوق السوي والحكم الشرعي، ويفعلون ذلك تقليدا لغيرهم. هذا السلوك غير السوي هو القزع؛ وهو حلق بعض شعر الرأس، وترك بعضه لغير علة طبية ولا عذر شرعي. ومعلوم أن هذا السلوك يخالف فطرةَ كل إنسانٍ سويٍّ.
والقزع بفتح القاف والزاي، جمع قزعة، وهي القطعة من السحاب، وسمي شعر الرأس إذا حلق بعضه وترك بعضه قزعاً تشبيهاً بالسحاب المتفرق. وقد ذهب جمهور العلماء على كراهته، ونهى عنه النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم. ففي الصحيحين -واللفظ لمسلم- عن عمر بن نَافِعٍ، عَنْ أَبِيهِ، عَنِ ابْنِ عُمَرَ رضي الله عنهما: أَنَّ رَسُولَ اللهِ صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ نَهَى عَنِ الْقَزَعِ. قَالَ: قُلْتُ لِنَافِعٍ وَمَا الْقَزَعُ قَالَ: “يُحْلَقُ بَعْضُ رَأْسِ الصَّبِيِّ وَيُتْرَكُ بعض”.
وقال الإمام النووي رحمه الله تعالى في شرحه للحديث: وأجمع العلماء على كراهة القزع إذا كان في مواضعَ متفرقةٍ، إلا أن يكون لمداواة ونحوها. قالوا: والحكمة في كراهته أنه تشويه للخلق وقيل لأنه زي الشيطان، وقيل لأنه زي اليهود.
صفوة القول، القزع كله مكروه، لأن النبي صلى الله عليه وسلم رأى غلاماً حلق بعض رأسه، فأمر عليه صلوات الله وسلامه، أن يحلق كله أو يترك كله. ومن فوائد الحديث المذكور آنفا، النهي عن القزع، لما فيه من تشويه الخلقة، والتشبه بأهل الكفر والفسق والعصيان. نسأل الله أن يهدي شبابنا.
وليس لدي نصيحةٌ لهم أغلى من أن يتنكبوا هذا الفعلَ غير السوي أو هذا السلوكَ العقيمَ وغيره من السلوكات العقيمة، لأنه سلوك نهى عنه الشرع من جهة، وليس من سمات ذوي المروءة والفضل من جهة ثانية. والقزع ليس معيارا للجمال كما يحجوه كثيرون، ولن يكون، بل تشويه ظاهرٌ للخَلق والخُلق على السواء، بيس الموضة تلك، فالله خلقنا في أحسن تقويم، وركب أجسامنا تركيبا عظيما دقيقا لا اعوجاج في، فما الفضل في هذا السلوك؟
ولمن شاء أن يستقيم، فمحمد أشرف خلق الله جل جلاله، وخير أسوة لمن شاء سواء السبيل، وليس من سفلة الأنام والساقطين منهم، فاهتدوا بهديه عليه أفضل الصلاة والسلام، وتأسوا بسيرة السلف الصالح تفلحوا في دنياكم وأخراكم. والواجب على الأب أن يمنع ولده من هذا الفعل الخبيث. ونسأل الله تعالى أن يهدينا ويهديكم لما فيه صالحنا جميعا.
س. 6: أنتَ مثالٌ للذوق السوي، ولا نزكيك بالطبع ولكن أخلاقك تشهد على ذلك. حبذا أن تحدثنا عن معايير تربية الذوق؟
أمكنني القول إنه ليس هينا أن أجيب إجابة دقيقةً شافيةً وافيةً للذوق السوي؛ ذلك لأنَّ ذلك أوسعُ وأشملُ مِن أن يُحْصَر في بضعة سطور. ومهما يكن، أقول إن الذوقَ السويَّ أساسُ الخُلق، وأعتبره تاجا يتزين به الإنسان فيبرزه بأبهى صورة، وهو النفس المرهفة، والحس المرهف، وهو النفس الشفافة التي تدرك الخطأ من الصواب. هو شعور معنويّ دال على صحة النفس، وكمال العقل، وتمام الوعي، وبالغ الحكمة، وحسن الخُلق. هو النظام، والاحترام. هو الأدب، وهو جمال الخطاب وجمال السلوك والعمل. هو الفن الجميل في التعامل مع الآخر، وهو أدبيات التعامل مع الناس، وإدراك مشاعرهم وأحاسيسهم. هو مراعاة أدق النقاط في سلوك الشخص: فعله، وقوله، وملبسه. وما إلى غير ذاك. وللذوق معايير جمة لتربيته وتهذيبه، نذكر لكم أبرزها على النحو الآتي:
– تأمل السنّة النبويّة الشريفة، وتأمل معانيها، ودقق النظر فيها، فخير خلق الله محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم هو الصورة العملية في ذلك، وخير أسوة لمن شاء أن يستقيم.
– قراءة الذكر الحكيم وتدبره؛ حيث يخاطبنا القرآن بجملة من الآداب التي تنتظم بها حياتنا بشكل سوي.
– تدبر سيرة الصحابة رضوان الله عليهم، وسيرة السلف الصالح والتأسي به. ثم إنها سبيل الفلاح والفوز.
– الالتزام بالأدب والتخلق بالخلق الحسن؛ حيث يفتح سُبلاً لا تعد ولا تحصى أمام الإنسان لتربية ذوقه إزاء معظم أمور الحياة تربية سوية.
– التمسك بالأسس الرئيسة لتهذيب الذوق، والبحث عن أمور يجوز فعلها، وقولها، وأخرى يجب تنكبها، وممارسة ذلك كل يوم حتى يصبح عادةً وجزءًا من حياة الإنسان.
– مراجعة كتب أهل العلم ذات الصلة والشأن بالأخلاق والذوق الرفيع.
– تنمية الأحاسيس الجمالية، وتتطلّب تربية للذوق الفني والجمالي لدى الإنسان، فحينما يبدأ هذا الإنسان بتنمية الجمال، يصبح قادرًا على التصرف بذوق رفيع واحترام ورقي بشكل تلقائي. والجمال في الإسلام أصلٌ أصيلٌ فطري، سواء من حيث هو قيمة دينية، عقدية وتشريعية، أم من حيث هو مفهوم كوني، وكذا من حيث هو تجربة وجدانية إنسانية.
– تطوير الإبداع والإحساس به؛ فالمبدع يسعى للقيام بجل أموره على أكمل وجه وبأفضل صورة، ولأجل ذلك فإنّ تنمية الإبداع في النفس يأخذك إلى الشعور بالقيم العليا للجمال، مما ينعكس إيجابا على السلوك مع الآخر. ثم على الإنسان أن يستمد إبداعاته من إبداع خالق الكون، ولا يكتفي بمحاكاة الطبيعية بل يستثمر عناصرها في الابتكار.
– فهم ما يصح من الأمور وما لا يصح منها؛ المفيد منها واللامفيد، النافع والضار، فبضدها تعرف الأشياء كما يقال. ويتأتى ذلك باتّباع تعاليم الدين الحنيف، واحترام الآخرين، وأوضاعهم، والهيئات التي خلقهم الله عليها.
– الحياء، لأنه شعبة من شعب الإيمان، قال ابن حجر: “الحَياء خُلُقٌ يبعث صاحبه على اجتناب القبيح، ويمنع مِن التقصير في حقِّ ذي الحقِّ”. وفي السياق ذاتِه، يقول ابن القيم رحمه الله: “خُلق الحَيَاء مِن أفضل الأخلاق وأجلِّها وأعظمها قدرًا وأكثرها نفعًا، بل هو خاصَّة الإنسانيَّة، فمَن لا حياء فيه، فليس معه مِن الإنسانيَّة إلَّا اللَّحم والدَّم وصورتهما الظَّاهرة، كما أنَّه ليس معه مِن الخير شيء”.
– تنكب الخصال الذميمة، والجفاء والغلظة والانسلاخ عن مقتضيات الطباع السيئة ونحو ذلك.
– التبسم وطلاقة الوجه، وقد جعل صلى الله عليه وعلى آله وسلّم ذلك من الصدقات، فقال: “تبسُّمُك في وجهِ أخيك صدقةٌ”. بل إن هذه الابتسامة تنهى عن البغضاء وتجعل تعاملك مع الناس أسهل وأقرب للتآزر.
– النظافة بكل سبلها، فلا يليق إلقاء الأذى ولو عن جوانب الطرق، وإن ألقي فالإماطة صدقة.
– تنكب مخالطة كل مَن هب ودب من الناس. وعلى الإنسان أن لا يرافق إلا ذوي المروءة والفضل، وأن يعي ذلك، فما أحوج الناسَ من الاختيار في الناس!
– لا تتدخل فيما لا يعنيك، فمن حسن إسلام المرء تركه ما لا يعنيه، وأعني بهذا أنه لا ينبغي لك سؤال أحد ما عن تفاصيل حياته الشخصية طالما أنه لا يحبذ ذلك.
– تقدير ظروف الآخرين والتماس الأعذار في كل حال.
– إفشاء السلام على من تعرفه أو من لا تعرفه، فهذه من سنن أعظم خلق الله محمدٍ عليه الصلاة والسلام. ومن مقاصدها تفشي السلام والحب والمودة بين الناس. على وجه العموم، تلكم أبرز المعايير والمسالِك التي يستَبينُ فيها حُسن تصرُّف الإنسان وكياسَته ولباقَتُه، ورفعة ذوقه، وثمة أخرى، والمقام لا يتسع للتفصيل، وقد قال أهلُ الحكمة: “الفضلُ بالعقل والأدب لا بالأصل والحسَب” بل إن من قعَدَ به حسَبُه نهضَ به أدَبُه كما يقال. ومن ساء أدبُه، ضاع نسبُه بلا شك. وأقول لكم في أنفسكم قولا بليغا هو أن جوهر الذوق السوي كله يكمن في التخلق بأخلاق شريعة الله وسنة نبيه الكريم، والتأسي بسيرته عليه أفضل الصلاة والسلام، ولكم فيه خير أسوة، وسلك نهج السلف الصالح. وبناء عليه، سلك سبل الفلاح في الأمور كلها بما فيه موضوعنا الذوق الرفيع. والباب أوسع لمن تدبر وتأمل.
وإن كانت أعين القراء متبصرة وكانت آذانُهم مصغيةً، فالعاقلُ دائما يُحكِمُ سلوكَه، ويضبِطُ تصرُّفَه، يتكلَّمُ بعلم وبحكمةٍ، ويتصرَّفُ بذوق رفيعٍ، ويتحدث من وعي يقظ، ومن فكر عميق، ويقابلك بكرم فعال، وحسن مقال، وإن اهتِزاز المشاعِر في بعض المواقِف دليلُ سمُوٍّ كامنٍ وطبعٍ كريمٍ، وكل ما ذكر معنا من سمات ذوي الذوق السوي.
ثم إن من الذَّوق الرفيع كذلك أن يخجَل الإنسان أن يُؤثَرَ عنه سوءٌ، وأن يحرِصَ على بقاء سُمعتِه نقيَّةً من الشوائِب بعيدةً كل البعد عن الإشاعات، يذُودُ عن سُمعتِه ظُنون العباد. والأدبُ وسيلةٌ إلى كل فضيلةٍ، وذريعةٌ إلى كل شريعةٍ.
س. 7: كيف تستثمر وسائل التكنولوجيا الحديثة في مسارك الدراسي؟ وبم تنصح الشباب سيما المتعلمين في هذا الصدد؟
تنوعت الأنظمة التي يمكن توظيفها في مجالات التعليم، سواء كانت أنظمةً بسيطةً، أم أنظمةً معقدةً، أم أجهزةً أو مواد تعليميّةً، أو كليهما. ذلك كله بغية تحقيق أهدافٍ محددةٍ سلفا. وكثيرةٌ هي الوسائل التي تعتمد التكنولوجيا الحديثة، نحو: الأقراص التعليمية المضغوطة، وشاشات التلفزة، والهيبرميديا، والفيديو التفاعليّ، والحواسيب الذكية، وشبكة المعلومات، والاتصالات، والإنترنت بوصفه بحرا رقميا ووسيلة تعليمية شاسعة وما إلى ذلك.
لوسائل التكنولوجيا الحديثة بصمةٌ بارزةٌ في بيئتي التعلمية، ولها تأثيرٌ إيجابيٌّ فيَّ وفي كل مَن أحسن استخدامها واستغلها استغلالا سويا، نحن نستثمرها في المفيد: الدراسة، والبحث العلمي، والمطالعة، والتواصل الفعال، وغيرها من أمور تسهل لنا التعليم وكل غاية مفيدة في هذه الحياة. وإن كنا نستثمرها في مسارنا الدراسي بشكل كبير، فإننا نعمل على خلق بحوث حرة كثيرة في مواضيع شتى ترتبط ارتباطا وثيقا بمجالات دراستنا، ثم إننا ننبش في هذه الوسائل على رسوم بيانية وتخطيطيّة، ومطبوعات، وخرائط وصور أو مقاطع فيديو، أو فيديوهات تفاعلية لها صلة بدروسنا التعليمية باختلاف المواد، ونكاد نجعلها مرشدا ومعينا لنا في دراستنا، بل وفي جل أمور الحياة.
وعموما، ننصح الشباب سيما المتعلمين في هذا الصدد باستثمار وسائل التكنولوجيا الحديثة في ما يفيدهم وينفعهم في مساراتهم الدراسية، وأن تستغل أحسن استغلال، فثمة منصات عدة للمتعلمين، تبث فيها دروس ومحاضرات في موضوعات متباينة، وتتضمن مقاطع فيديو تفاعلية، وصورا وظيفيةً، … أما المقبلون على الامتحانات الجهوية والوطنية على السواء فمنها كذلك نماذج كثيرة على الإنترنيت لمن شاء مطالعتها، والتدرب على إنجازها والاستئناس بتصحيحها. كما في عالم الإنترنيت أيضا تمارين تتنوع بتنوع المواد، ورسومات ونحو ذلك. عموما، هذه الوسائل إن استغلت استغلالا سويا فستعود بالنفع إلى صاحبها، وان استغلت استغلالا عقيما فستعود بالضرر على صاحبها، لذا يجب أن تستغل في المفيد دائما، واعلموا يقينا أنه ليس كل ما يدون وينشر في هذه الوسائل صائبٌ، وإنما على الإنسان أن يمحص ويدقق النظر فيما يطالع لئلا يقع في أمور زائفة. والله يوفقكم جميعا.
س. 8: هلا قدمتَ لشباب اليوم نصائح وظيفية لتنظيم أوقاتهم؟
أستهل الإجابة عن هذا السؤال بعبارة للدكتور إبراهيم الفقي رحمه الله. يقول: “إن التحرر من خرافة عدم وجود الوقت الكافي هي أولى المحطات التي ننطلق منها إلى حياة منظمة واستغلال أمثل للوقت والحياة بشكل عام”.
والوقت من أهم النِّعم التي يسعى الإنسان جاهدا ألَّا تضيع منه، ذلك لأن حياة الإنسان كلَّها دقائقُ معدوداتٌ يقضيها بمرورها، ويقضي نحبه إذا جاءَ أجلُه. لكن ثمة من يستغله استغلالا عقيما، وفي سفاسف الأمور، دون أن يدرك عظمة هذه النعمة. إذاً فالوقت هو الحياة، والحياة هي الوقت، ولما أقسم الله به كثيراً في كتابه، أُضيف له بذلك بعدٌ تعظيمي، إذ هو نعمةٌ عظيمة، ومخلوقُ كوني لا ندرك سرُه ولا نقدر على التأثير فيه. ومن هنا ينبغي للعاقل أن يدرك أنّ مصطلح إدارة الوقت مصطلح مجازي يُقصد منه إدارة حياتنا وأهدافنا ضمن حدود الوقت المتاح لنا في هذه الحياة. وعموما، ثمة طرائقُ ونصائحُ وظيفيةٌ عدةٌ هي وظيفيةٌ في تنظيم ب الوقت، نبين لكم أهمها كالآتي:
– أولا: اربط حياتك بأهداف تسعى إلى بلوغها: فوجود هدف قابل للتحقيق يؤازرك على تنظيم كل ما تحتاج القيام به بشكل أفضل، فحينما تضع هدفا محددا تعمل على التفكير في طرائق تساعدك للتخطيط لأعمالك ولإجراءاتك لبلوغ الهدف. وننصح أن يوضع الهدف بذكاء.
– ثانيا: خذ قسطك الكافي من النوم: يحتاج الإنسان سبع ساعات نوم في اليوم إلى ثمان ساعات كي يستريح جسدُه وعقلُه، ولكن ثمة من يعتقد أن بتوفيره ساعتين أو ثلاث ساعات من النوم وفر وقتا لتنفيذ مهام أكثر. وهذا خطأ. فلابد للذهن من راحة كافية بغية تركيز وانتباه جيدين. لذلك على من رغب في النجاح أن ينام باكرا وينهض للعمل باكرا.
– ثالثا: ضع قائمة مهامك اليومية: بعد تحديد هدفك أو أهدافك، يمكنك البدء بالتفكير في الإجراءات والأعمال التي يجب عليك القيام بها لبلوغ الأهداف التي تم وضعها.
– رابعا: امنح الألوية للأمور المستعجلة: فكر في أعمال أكثر أهمية لبلوغ أهدافك ونفذها قبل غيرها من المهام، وميز بين ما يمكن تأجيله إلى وقت لاحق، وما لا يمكن تأجيله. فعلى سبيل المثال، إذا كنت تلميذا بالثانوية أو طالبا بالجامعة قد يكون التركيز على الدراسة وتحصيل علامات عالية له الأولية الكبرى على هدف آخر مثل تجميع المال مثلاً. إنّ فائدة ترتيب الأهداف حسب الأوليات تكمن في إعطاء المهمّة الواحدة زمناً أطول والتركيز عليها، بدلاً من التشتت في أهداف كثيرة ووقت قليل لكل هدف.
– خامسا: حدد لكل مهمة مدةً زمنيةً معينةً: تحديد ساعة أو ساعتين ونحو ذلك لكي تنجز خلالها المهام المطلوبة، ربما سيكون ذلك حافزا لزيادة تركيزك ويكون أكثر فاعلية، حتى لو انتهى بك الأمر بإضافة المزيد من الوقت.
– سادسا: احرص على النظام في كل شيء: أن تكون منظما يمنحك استغلالا سويا لوقتك.
– سابعا: كافئ نفسك: غالبا ما يؤدي العمل بجد إلى الإرهاق والإجهاد، ومن ثم تفقد تركيزك في مهام أخرى، لذا خصص وقتا للراحة، وكافئ نفسك على جهودك.
– ثامنا: تنكب المماطلة أو التسويف: طالما يعاني الناس التسويف، وهو من أكبر أعداء كل من يرغب في الثورة على أمر مذموم في حياته، فيقول: سوف وسوف، ولا يشرع فورا في وضع ح د لسلوك ذميم. لذلك يجب ألا يؤجلَ المرءُ ما يرغب في تغييره إلى وقت لاحق لأن هذا التأجيل يحول دون أن يأتي هذا الوقت. وقد قيل: “خير البر عاجله”. ولا غروَ أن تمديد الفترات الزمنية كثيراً يجعلك تفقد تركيزك على المهام التي يجب عليك القيام بها. لذا قم بأمورك كلها في وقتها.
– تاسعا: نظم بيئة عملك: التمتع ببيئة عمل منظمة بعناية يعد أمراً مهما لضمان تنظيم الوقت، ذلك أن المكان المنظم يساعد نفسيا في العمل، ولن يضيع صاحبه أي وقت في البحث عن شيء يحتاجه.
– عاشرا: قم باستراحات من حين لآخر: تحتاج القيام بفترات استراحة أثناء مهامك وأعمالك، رغم وجود مهام عدة يجب تنفيذها، لكن يجب أن تدرك أنك بحاجة إلى الوقت للاستراحة. وجدير بالذكر أن الرياضة تعد من الممارسات التي تنشط والفكر الجسد معاً، كما تساعد على الاسترخاء بشكلٍ كبير. ثم يجب ألا نهملَ النومَ بشكل جيد كل يوم. لأن هذه العادة تساعد في ثمرة أعمال كل من اعتادها.
– الحادي عشر: تنكب ما يشتت التركيز: ثمة أمور تشتت ذهنك في المنزل، مثل التلفاز، والإنترنيت، وزوار قتل الوقت، وغيرها. وهي أمور يمكن أن تفقدك تركيزك وتجعلك تتوقف عن مزاولة مهامك التي تم التخطيط لها في يوم محدد. لذلك وجب تنكبها حتى لا تفسد لك برنامجك اليومي ومن ثم التأثير سلبا في أهدافك.
– الثاني عشر: راقب وقتك بأسلوب أفضل: معرفة كيفية إدارة المهام بالأسلوب الأمثل هو الطريقة التي تجعلك أكثر إنتاجية، وهكذا تتمكن من تنظيم الوقت بشكل جيد، الشيء الذي يضمن لك ترتيب أولياتك، والعمل عليها واحدة تلو الأخرى وَفق أهميتها بالطبع.
حاصل القول، الوقت هو عمر الإنسان، حيث إن كل يوم يذهب وينقضي يأخذ من عمره ويقربه من أجله، ولذلك على الإنسان أن يستغل وقته استغلالا سويا وعلى أكمل وجه ليحقق لنفسه السعادة في دنياه وأخراه، فيستفيد من وقته بما يعود إليه بالمنفعة. وعليه أن يدرك أن الوقت أغلى من أن يتم إنفاقه في ما لا ينفع، وما لا فائدة فيه، وفي السفاسف، فإذا انقضى الوقت لن يستطيع أياً كان استعادته بكل ما أوتي من قوة، كما لا يستطيع المرء أن يوقف عقارب الساعة لأي فترة مهما قصرت، ولا يمكن لأحد أن يبيع ويشتري الوقت. فكما قيل المثل العربي” الوقت كالسيف إن لم تقطعه قطعك”.
س. 9: ما المجالات المعرفية التي تحب النبش فيها أكثر؟
أنبش في مجالات معرفية شتى، سيما الأدب، والعلوم الإنسانية، والفقه، وهي الحقول المعرفية التي أهوى الخوض فيها، وحتى ميادين العلوم، وغيرها، ولا يخفى على كل متبصر أن الدماغ خلق للبحث في مجالات معرفية عدة، لذلك نهتم بكل علم مفيد، ولا أحصر مجال بحثي في ما ذكر.
س. 10: ما الدوافع التي جعلتك تختار شعبة المحاسبة والتسيير دون غيرها من الشعب؟ وما سبب تنكب التسجيل بالكلية؟
بعد حصولي على البكالوريا، قررت ولوجَ سلك التكوين المهني تخصص تسيير والمقاولات وإدارتها، ولعل أبرز الدوافع التي جعلتني أختار شعبة المحاسبة والتسيير دون غيرها من الشعب كونها خيار بالتكوين المهني يمكن من ولوج أسهل لسوق الشغل، مع إمكانية الاستمرار في التكوين والحصول على شواهد أعلى من التقني المتخصص كالإجازة المهنية والماستر أو شهادة مهندس. وقد يمنحك الحصول على دبلوم تقني متخصص في إدارة الأعمال، مما يخول العمل لدى الشركات الخاصة في قطاعات شتى، نحو دراسة مشاريع السوق، والعمل تقنيا في التسيير التجاري، ثم دراسة البيانات التقنية للإنتاج بالنسبة إلى الشركات، وغير ذلك من أعمال مرتبطة بهذا المجال. وما يعيب هذه الشعبة نوعا ما على غرار بعض الشعب الأخرى كثرةُ المتدربين فيها والحاملين للدبلوم في الشعبة، مما يجعل التباري على المناصب يأخذ بعدا تنافسيا محضا.
أما سببُ تنكبِ التسجيل بالكلية، أن في عصرنا الحالي لم تعد للشهادات أهمية كبرى، كما كانت عليه في السابق، فقد تجد طالبا جامعيا حصل على شهادات عليا، لكنها يفتقر إلى مهارات عدة يتطلبها سوق الشغل. وهو ما يفرض أن نطرح السؤال الآتي: “ما فائدة شهادات لا تخول لصاحبها ولوج سوق الشغل؟ وحتى إذا ولجه يعجز عن إيجاد حلول لأبسط المسائل. نعم، للكثيرين شهادات كثيرة، وفي المقابل يفتقرون إلى مهارات كثيرة. فأنى لهم أن يتقنوا فن التواصل مع الناس؟أو تدبير طارئ من الطوارئ أو نازلة من النوازل؟ وغيرها من أمور فن التدبير.
يتطلب سوق الشغل كفاءاتٍ ومهاراتٍ وبناءَ قدراتٍ لمواكبته، وهو ما قد يغيب في مستويات الدراسة الجامعية، نظرا لكون التكوين الجامعي تكوينا أكاديميا نظريا عاليا يفتح سبلا كبيرة للطالب إن أحسن الاختيار، وما على الطالب معرفته هو أن التعليم الجامعي يحتاج أمدا بعيدا وقدرة على الاستمرارية، مع التضحية والصبر لأجل نيل الشهادات الجامعية (الإجازة، والماستر، والدكتوراه). وإذا قلت هذا فأني لا أعني بالطبع أننا متقاعسون وخاملون، أو أننا لسنا من أهل الصبر ولا نسعى للتعليم والتعلم على غرار التكوين المهني الذي يستمر سنتين، ومن شاء الحصول على شهادات عليا غير الدبلوم فله ذلك، فثمة تكوينات نظرية وآخرى تطبيقية مما يجعل المتدرب يتماشى مع متطلبات السوق.
وتنكب الكلية لا يعني البتة أنني لا أدرس، ولا يعني أنني معزول عن قضايا علمية أكاديمية. بل إن لي شغفا كبيرا بالمعرفة الأكاديمية النظرية، فمن طلب العلم والمعرفة فسيبلغ الآفاق بلا شك بصرف النظر عن الجامعات والمعاهد العليا. فوسائل التكنولوجيا الحديثة التي تحدثنا عنها سالفا تتيح لكل ذي رغبة ما يشاء وفي أي وقت شاء. وإن كانت للإنسان رغبة في طلب العلم، وحب الاطلاع فالوسائل شتى لذلك. ولا أنسى عامل الزمن بدوره؛ فالظروف ترغمنا أحيانا على نهج سبيل غير السبيل المرغوب فيه، وما على الإنسان إلا أن يصبر ويفوض أموره لله، ويتوكل عليه، وسيرى الخير ويحقق مبتغاه بحول الله. فنحن نريد وبارؤنا يريد، ولا يكون إلا ما يريد. وله الحجة البالغة. ونسأل الله أن يوفقنا لما يحبه ويرضاه.
س. 11: ألا تفكر في التأليف سيما وأن مستواك المعرفي مستوى محفز؟
طبعا أفكر في الإقدام على التأليف، ولكن لكل شيء أجلَه. وبحول الله سأخوض هذه التجربة، وسنؤلف كتابا لشباب اليوم ليتمكن من ربح الرهان إن هم شاءوا، سيما وأن وقتنا الراهن زمن اختلطت فيه الأمور، حتى تشابهت علينا. والتأليف سيكون نابعا من تفكير عميق سوي، وسيكون بمحبة لأن المحبة شرط ضروري للمعرفة، ولا خير أن يكتب المرء في أمر لا يحبه. كما سيكون تأليفنا بحول الله وَفق بشروط علمية أكاديمية، وذا مرجعية وظيفية حتى يستوفي نواميس التأليف شكلا ومضمونا.
***
س. 12: مسك ختام ترغب في نقله للقارئ؟
معشر القراء، ونحن في ختام هذا الحوار العلمي الممتع، نتذكر قول النقاد وعلماء البلاغة: “لكل مقام مقال”. ومما نحثكم عليه، طلب العلم، سيما علم السلف الصالح رضوان الله عليهم، وتعلم العلم الشرعي النابع من الكتاب والسنة، لأنه قد أضحى منزويًا وألقيت عليه الغيوم والظلال، واتخذوه مهجورا، لا يلتفت إليه إلا قلة قليلة، فهو بلا شك نبراس يضيء لكم السبيل، وإن الملائكة لتضع أجنحتها لطالب العلم رضاً بما يصنع، وما يؤلم النفس أكثر تلك التصرفات التي تصدر من طلاب العلم بجامعات ومعاهد عليا شتى عند خروجهم من أبوابها: حركاتهم، وأخلاقهم، ومظاهر جلهم، وقلة الأدب في كثير منهم. ونسأل الله تعالى العفو والعافية من هذه الأمور، والفساد الذي اكتسح الدنيا ببرها وبحرها. فمن علامات طالب العلم التواضع، ولو كان أعلم الناس، وإذا رأيت من يدعي العلم ولم يكن متواضعا، ولم تكن ذا خلق حسن، فاعلم أنه بعيد عن العلم، لأن التكبر يتنافى وطلب العلم. وإن كانت للقراء آذانٌ مصغيةٌ وأعينٌ متبصرةٌ فننصحهم بأن يعضوا على العلم بالنواجذ. لأن الحق سبحانه وتعالى يعبد عن علم ولا يعبد عن جهل. فنعم العلم وبئس الجهل.
معشر القراء، من واقع تجربتنا أوصيكم بالاجتهاد، والنية الخاصة، لأنهما أساس النجاح والتفوق. ومعلوم أن العلم لا يأتي من الكسل والخمول، وإنما يأتي من الجد والاجتهاد، والبحث والاطلاع، آناء الليل وأطراف النهار، وعلى هذا قس في الأمور كلِّها. وإذا تعلمتَ الطاعة والعبادة فاعمل بها، ومن علم الحض على الخير عمل به، وطبقه بين الناس، وأفاد الناس، وهو ما يقود إلى حفظ العلم وترسيخه.
فوضوا أموركم لله سبحانه وتعالى تروا الخير والسكينة، والبركة في العمر والعمل على السواء. وتأملوا ما عاشه السلف الصالح، وما عاشه أنبياء الله عليهم السلام، والصالحون من الناس رحمهم الله، فهم خير أسوة للأمة جمعاء، ولمن كان يرجو الله واليوم الآخر، وعلينا أن نسلك نهجهم، وعلينا بالصبر، فصبر جميل كما قال سيدنا يوسف صلوات الله وسلامه عليه، ونوصيكم بتقوى الله، وبطاعته تعالى، ورسوله محمد صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وأوصيكم بالبر بالوالدين، والصلاة، وبالدعاء والصبر، وانفروا من الكِبر وازدراء الناس، وترك الخيلاء والفخر، واحذروا النفسَ والشيطانَ. قال البوصيري رحمه الله في مدح خير البرية محمد صلى الله عليه وسلم:
وخالف النفس والشيطان واعصهما** وإن هما محضاك النصح فاتهم
هذا، ولنجعل مسك الختام أفضل الصلاة وأزكى السلام على ملاذ الورى وشفيع الأنام. اللهم صلِّ على سيدنا محمد، وعلى آل سيدنا محمد، كما صليت على سيدنا إبراهيم، وعلى آل سيدنا إبراهيم، وبارك على سيدنا محمد، وعلى آل سيدنا محمد، كما باركتَ على سيدنا إبراهيم، وعلى آل سيدنا إبراهيم في العالمين، إنك حميد مجيد.
اللهم إنا نسألك بصيرة في الدين، وحكمة في القول والعمل، ونسألك العفو والعافية في الدنيا والآخرة. ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار. سبحان ربك رب العزة عما يصفون، وسلام على المرسلين والحمد لله رب العالمين.
نفعني الله وإياكم بالقرآن العظيم، وبهدي محمدٍ صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وأسال الله تعالى أن يجعلنا من خيرة عباده، ومن هداهم إلى صراطه المستقيم، وأقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين أجمعين من كل ذنبٍ وخطيئةٍ، وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
حاوره ذ. عبد السلام ابو