كلب إبن كلب الذي يتبول هنا
يتعارف الناس (أغلب الذين يعانون من حصر البول) على التبول في المراحيض العامة إذا توفرت، لكن في حال عدم أو ندرة توفرها كما في مدينتي حلب، يلجأ هؤلاء إلى التبول في الحدائق خلف الأشجار، أو على جدران بعض الأبنية في حال الضرورة، كذلك تعارف هؤلاء على جدران معينة للتبول العلني الاضطراري، من ذلك جدار قنطرة العزيزية خلف “بيت البيتزا” التي تسمى “تحت السيباط” في لهجة ضيعتي “دارة عزة” ، و ربما في لهجة حلب القديمة، كانت القنطرة تأخذ مساحة الرصيف ليصبح الشارع تحتها بلا رصيف للمشاة، و في الزاوية تماماً عند تعامد جدار القنطرة مع جدار البناء الذي يسبقها، يحلو لهؤلاء التبول و خاصةً في الظلام.
احتار صاحب الدار المجاورة للقنطرة ماذا يفعل لردع الناس عن التبول على الجدار قرب باب الدار ، مرةً يكتب على جدار التبول المرغوب (ممنوع التبول هنا) ، و ثانية يكتب (لطفاً لا تبول على الجدار) ، و أخيراً كتب (كلب أبن كلب الذي يتبول هنا).
كل هذي التحذيرات لم تردع أصحاب هواية التبول على الجدران، بل زاد عددهم مع الكتابة على مبدأ الممنوع مرغوب، و أخيراً اهتدى الجار إلى تنظيف الجدار و طلائه من جديد، ثم وضع الأسلاك الشائكة حول الزاوية من فوق لتحت، لكن هذا الحلّ لم يمنعهم من التبول عن بعد، و كأن الزاوية تدعوهم للتبول رغم خطر الاقتراب، و تقول لهم : تعال تبوَّل ها هنا يا حبّاب!
و في نهاية الأمر خطرت له فكرة ردعت الناس عن التبول أو حتى مجرد رمي أعقاب السجائر في المكان، أزال السلك الشائك و أعاد طلاء الجدار، و كتب عليه بخط عريض :
(قائدنا إلى الأبد الرفيق حافظ الأسد)
و من يومها لم يتبول أحد على جدار القنطرة حتى لو اضطر للتبول في ثيابه..
صورة القائد مثل اسمه و لها ذات قوة الردع، كان معظم أصحاب المخالفات يضعون صورة الأب القائد على زجاج سياراتهم من الخلف لحجب الرؤية عما بداخل السيارة، و لبثّ الخوف و الرعب في قلب من يخطر في باله توقيف السيارة و السؤال عن أوراقها و تفتيشها، كذلك فعل أصحاب مخالفات البناء في حلب الشهباء، كانوا يضعون صورة الرئيس على جدار البناء المخالف لمنع آليات مجلس المدينة من هدمه، و نفعت الفكرة فهل يجرؤ أحد على إزالة صورة الرئيس القائد إلا الرئيس الجديد أبن القائد الأب؟
استبشر الناس خيراً (في أول الأمر) عندما تم تنظيف جدران المؤسسات الرسمية من صور القائد الأب الخالد، و لأول مرة ظهرت الحيطان بأشكالها و ألوانها الأصلية، قالوا حقاً هذا الرئيس الجديد يكره عبادة الفرد و لو كان أباه. لكن يا فرحة ما تمّت على قولة أهل مصر، فسرعان ما بدأت صور الرئيس الجديد (قائد مسيرة التطوير و التحديث) تنتشر على الجدران في كل مكان، و بدل صورة الأب لوحده، برزت صورة القائد الأبن مع أخيه الشهيد و أبيه الخالد، كلهم في اللباس العسكري و النظارات السوداء و كتابة واضحة أسفل الصورة تقول :
(هكذا تنظر الأسود)
ظلت صور “الأسود” ترهب السوريين و تخيفهم حتى سقط جدار الخوف في ربيع عام ٢٠١١، و سقطت صور الأسود و تماثيل الأب و الإبن و الأخ، داستها الأقدام و بال عليها الأطفال و الكبار و أحرقتها نيران الغضب المقيم ، سقطت الصور و الأصنام و الجثث، لكن و للأسف لم يسقط الأسد ، بل أسقط البلاد في نيران الحقد و الغضب، دمّر البلد و كتب على أنقاضها عباراتٍ مستفزَّة مضمونُها بقاء الأسد إلى الأبد.
تلك كانت عقوبة من يتجرأ على التبول على الحيطان المحمية بصورة الأسد، فاحذروا أين تبولون!.
جهاد الدين رمضان
في فيينا ٢٥ آب / أغسطس ٢٠١٩
*النص تأخر نشره في أحد المواقع، فنشرته اليوم هنا.