منبرُنا

يا أيها الفرح زرنا مرة في السنة

 

يا أيها الفرح زرنا مرة في السنة

حرام تنسانا بالمرة

كذلك غنت السيدة فيروز وهي تقصد أحبابها ومعارفها وقد خافت من نسيانها والمثل يقول :بعيد عن العين بعيد عن القلب ومن ينسى جارة القمر وقد احتفل ملايين العرب بعيد ميلادها فلتطب السيدة نفسا فهم سيذكرونها حتى بعد موتها وسيزورون ضريحها.

إنما أعني الفرح الذي غاب عن قلوبنا والطبيعة لا تحب الفراغ كما قال حكيم الإغريق وقد استوطنها الحزن وكيف لا يسكنها الحزن وأوطاننا نهب للضياع وزماننا ترابي بخس وساعاتنا أكلها صديد الفراغ ،بلداننا غنيمة للأقوياء والسلاح الذي وضعه العالم متأسيا بعبارة هيمنغواي “وداعا أيها السلاح” رفعناه نحن في وجوه بعضنا البعض : دماء وأشلاء، وأرامل ونازحون وغرقى وجياع حتى صار العالم لا يتفرج إلا على المأساة العربية شيعة وسنة يقتتلون وأنت من شيعة هذا أو من عدو ذاك ووهابية وصوفية وأشاعرة وسلفية وإخوان يتبادلون السباب والشتم والهجاء الذي تركه العالم لأنه ينمي ثقافة الحقد والكراهية تبنيناه نحن وفاء لنقائض جرير والفرزدق وكأننا كنا ننتظر ثورة التقانة لنظهر مهاراتنا في السب والشتم والنيل من الآخر حتى الطبيعة غضبت علينا وحرمتنا من الفرح بعواصفها الهوجاء وأمطارها الغزار وثلجها النقي الناصع الذي كان يبارك سطوح منازلنا وأغصان أشجارنا غاب هو الآخر وآلى على نفسه أن لا يعود .

زمان الوصل بالأندلس كنا نعيش متعة كل فصل وكانت القلوب على الود مجتمعة فالعالم العربي شيعته وسنته لا يعرفون إحنا ولا عداوات وأقباط مصر يصومون رمضان تضامنا مع المسلمين إحساسا بالمواطنة واليوم يطلع علينا من يقول إنهم ذميون من الواجب أن يدفعوا الجزية وهم مواطنون من الدرجة الثانية ونساطرة ويعاقبة وصابئة العراق يعيشون جنبا إلى جنب مع سنة العراق وشيعته في انسجام وتسامح وتناغم ويخوضون في شؤون الفكر والثقافة ويبدعون ولست في حاجة إلى ذكر الأسماء ولن أتعرض إلى نكد السياسة وقمعها للحريات فذاك حديث آخر إنما أتحدث عن واقع اجتماعي لا سبيل إلى إنكاره واليوم شيعة العراق وسنته في احتراب وصابئة العراق ونساطرته ويعاقبته في هجرة إلى أصقاع العالم حفاظا على الحياة ويبدو أن تموز وأدونيس وعشتار وقدموس قد هزمتهم عرافة السياب :

وفي غرفات عشتار

تظل مجامر الفخار خاوية بلا نار

ونحن نهيم كالغرباء من دار إلى دار

لنسأل عن هداياها

جياع نحن وا أسفاه ، فارغتان كفاها

وقاسيتان عيناها

باردتان كالذهب

مطر…

مطر…

مطر

زمان كان المسلم يقدم التهنئة للمسيحي بعيده وكذا يفعل المسيحي وهو يقدم تهانيه بأعياد المسلم هل تعلمون أن مارون عبود الماروني اللبناني سمى ولديه محمدا وفاطمة فلما سئل عن سبب ذلك قال سميت ولدي محمدا نكالا في أبي الذي سماني مارون وأن الأخطل الصغير الماروني بشارة عبد الله الخوري رثى سعد زغلول المسلم فقال:

لطف المسيح مذاب في حناجره **وعزم أحمد في جنبيه يحتدم

صلى عليه النصارى في كنائسهم** والمسلمون سعوا للقبر واستلموا

وأن أحمد شوقي بارك تحويل كنيسة إلى مسجد وكانت هدية من النصارى فقال:

كنيسة صارت إلى مسجد** هدية السيد للسيد

ولم تثن مسيحية الشاعر القروي رشيد سليم الخوري من الانتصار لمبدأ قرآني:

أحبوا بعضكم بعضا وعظنا** بها ذئب فما نجت قطيعا

إذا حاولت رفع الضيم فاضرب** بسيف محمد واهجر يسوعا

بل هنأ المسلمين بعيد الفطر أو بعيد الأضحى فقال:

أكرم هذا العيد تكريم شاعر** يتيه بآيات النبي المعظم

ولكنني أصبو إلى عيد أمة** محررة الأعناق من رق الأعجمي

إلى علم من نسج عيسى وأحمد** وآمنة في ظل أخته مريم

وكان الشاعر شفيق المعلوف المسيحي لا يذكر عيسى إلا ذكر محمدا:

يا صاحب الملك الذي لا ينتهي** أبدا وسدته الملا والسرمد

فالشعر في إنجيلنا **والشاعران المسيح وأحمد

وهولا يقصد من الشعر هنا إلا التسامح والرقة والعاطفة النبيلة.

ولم تنس البرازيل الشاعر إلياس فرحات المسيحي حب العرب جميعا والذود عن حماهم لما قال:

إنا وإن تكن الشآم ديارنا **فقلوبنا للعرب بالإجمال

نهوى العراق ورافديه وما على ** أرض الجزيرة من حصا ورمال

بنا ومازلنا نشاطر أهلها **مر الأسى وحلاوة الآمال

واليوم تجد من العرب من يتآمر على بلد عربي آخر ويسعى في خرابه.

كان مكرم عبيد السياسي المصري يحفظ القرآن الكريم ولا تعرف أنه مسيحي إذا جالسته إلا إذا قال لك أنه مسيحي وقد سئل مرة عن سر فصاحته فأرجعها إلى حفظه للقرآن الكريم

كم عدد العرب الذين يعرفون أن وديع الصافي مسيحي وأن ليلى مراد يهودية وأن أسمهان درزية علوية وأن أمين الريحاني وأحمد فارس الشذياق تحولا إلى الإسلام بغير عناء ولا إقصاء وأن إدوارد سعيد الفلسطيني المولد الأمريكي الجنسية مؤلف كتاب الاستشراق كان يضيق باسم إدوارد واليوم ترى من يستنطقك عن دينك ومذهبك وطائفتك استنطاقا بوليسيا بل يطالبك بإثبات حسن السلوك وشهادة حسن النية ويشن عليك حراب عبسية ذبيانية إذا خالفته في المذهب والطائفة كأن الدنيا لا تسعه إلا هو وأن الحق ليس إلا في جرابه وها نحن ندخل القرن الجديد والعلماء الحقيقيون يهاجرون إلى الغرب بعد أن كان العالم العربي يحلم ويسعى إلى ثورة علمية وتنويرية تصل الحاضر المؤمل بالماضي العلمي الزاهر الذي دشنه الرازي والكندي وجابر بن حيان وابن سينا والبيروني وغيره.

واليوم نعيش ثورة علمية ولكنها ثورة الكلام الذي يجيده طراز من الناس يثرثرون على القنوات التلفزيونية ويضحكون على ذقون مجتمع عربي غارق في الأمية الثقافية لا يصنع مسمارا ولو اجتمع له ضعف الصانع والمصنوع ولكنهم ماهرون في سب بعضهم البعض والنيل من بعضهم البعض ولم يفهموا لفرط عبقريتهم أن الضوء الأبيض سبعة ألوان تمازجت وتناغمت فشكلت هذا الشلال الدافق من البلورية والنقاء والصفاء الذي ندعوه بالضوء ،لم يفهموا عن الخالق حكمته.

يا أيها الثلج الذي كنت تأتينا حاملا تباشير الخصب والنماء فتبارك قرميد منازلنا وتحتضن شرفات منازلنا وتعانق الأرض المستعدة للحب والوصال وقبلات الشوق والهيام فتحبل الأرض لتلد في الربيع الجديان والخرفان وأزهار النرجس والعشب الأخضر ويبتسم القمر الفضي في عليائه الشاهد على هذه المودة والشبق.

يا أيها الفرح عمر قلوبنا الخربة فقد استوطنتها غربان الطائفية ونسور المذهبية زرنا في السنة مرة حرا م تنسانا بالمرة ويا أيها الثلج قسمتك ضيزى تهاجر إلى بلاد البرد والخصب وتذر ضرع عنزتنا جافة وأرضنا غبراء مجدبة وليالينا مجدبة من حكايات أمهاتنا على نار الحطب ومداخن بيوتنا فاغرة فاها متعجبة من سر هذا الجفاء زرنا هذه السنة حرام تنسانا بالمرة

يا أيها العرب تعالوا عن مذهبياتكم وعصبياتكم وطائفياتكم كغيركم من شعوب العالم يملأ الثلج أنهاركم ماء فراتا وحقولكم بيادر ووجوهكم بسمة وقلوبكم محبة

هنيئا بالعام الجديد وعلى التسامح نلتقي

 

إبراهيم مشارة

ولد إبراهيم مشارة في 21 فيفري 1967 ببرج زمورة درس في طفولته بالكتاب وبالمدارس الرسمية بمسقط رأسه ونال شهادة البكالوريا عام 1986 ، انتسب إلى كلية الآداب بجامعة قسنطينة وتخرج منها بشهادة الليسانس عام 1992. مارس إبراهيم التعليم كأستاذ للتعليم الثانوي منذ عام 1992 إلى غاية 2007 ليشتغل بعدها مفتشا للغة العربية في التعليم الثانوي إلى اليوم. أصدر أول مقالة أدبية عام 1988 في جريدة الشرق الأوسط اللندنية عن العقاد وطه حسين ثم توالت مقالاته النقدية والقصصية في كثير من الصحف والمجلات العربية كالعربي، وأخبار الأدب والمعرفة والجيل...... نال جائزة القصة القصيرة عن اتحاد أدباء العراق عام 2007 بقصة" العربي ولد صالحة" ثم جائزة النقد من مؤسسة ناجي نعمان بيروت 2008 وجائزة الاستحقاق في القصة من مؤسسة نجلاء محرم بالقاهرة عام 2010. يكتب بصفة منتظمة في كثير من الصحف العربية والمهجرية والمجلات المحكمة والأدبية في معظم ربوع الوطن العربي . 1/ صدر له كتاب"وهج الأربعين" من إصدار وزارة الثقافة في إطار احتفالية الجزائر عاصمة الثقافة العربية وهو كتاب نقدي ضم مقالاته النقدية في المجلات العربية الأدبية. 2/ كتاب "ديوان الحكايا" عن دار إيزيس للنشر القاهرة 2011. 3/أوراق أدبية عن مؤسسة نون للنشر ألمانيا2016. كما له نشاطات أدبية منتظمة ومقالات نقدية وإبداعية على صفحات المجلات والصحف الرقمية العربية على شبكة الانترنت.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

هذا الموقع يستخدم Akismet للحدّ من التعليقات المزعجة والغير مرغوبة. تعرّف على كيفية معالجة بيانات تعليقك.

زر الذهاب إلى الأعلى