كيف ترفع الجامعات العربية أسهمها في التصنيف؟
أصبحت التصنيفات العالمية للجامعات هاجساً يؤرق القائمين على التعليم العالي في الدول العربية، واختلفت طرقهم في التعامل مع هذا الهاجس؛ نظراً لأن وقوع جامعاتهم في ترتيب متأخر وفقًا لهذه التصنيفات قد يمثل نوعاً من الفشل الإداري والتأخر العلمي.
والمعلوم أن التصنيفات المشهورة (الصيني، والإنجليزي، والإسباني) تضع مقاييس محددة لترتيب الجامعات، تدور معاييرها حول جودة العملية التعليمية، وجودة المنتَج منها، وجودة العملية البحثية، والسمعة العالمية للجامعة، والتفاعل مع الجامعات العالمية.
ورغم أن تلك المعايير جيدة ولها اعتبارها فإن البيانات والمعلومات الكمية التي تقدمها التصنيفات المختلفة قد لا تعكس حقيقة وضع الجامعات، التقييم الموضوعي يجعل هذه التصنيفات جزءًا من الحقيقة فحسب، لكنها ليست الحقيقة كلها.
لذلك أعرض في هذا المقال ست وسائل مهمة لخلق واقع ملموس يرفع من أهمية الجامعة، بغض النظر عن موقعها من خريطة التصنيف العالمي، وهي رؤية شخصية تستند إلى نماذج واقعية وتجارب حقيقية، وتمتد فاعليتها من الصفوف الدنيا في الجامعة إلى أعلى مستوياتها.
- أولاً: القضاء على الملخصات.. واعتماد المراجع
هناك بون شاسع بين طالب يقرأ في المراجع الأصلية، ويفهم المادة العلمية فيها ليستخلصها بطريقته الخاصة، في مدة كافية لتثبيت المعلومات، وطالب آخر يعتمد على ملخص سريع لا يتجاوز صفحات معدودة،
يستعمل معه طريقة الحفظ والاسترجاع في مدة قصيرة قد لا تتجاوز الأسبوع بين بدء المذاكرة ودخول الاختبار، فالطريقة الثانية مدمرة للعملية التعليمية بلا مبالغة؛ لأنها تحد من تطور القدرات الذهنية.
وتضعف الحصيلة العلمية واللغوية لدى الطالب، وتحرمه أبسط مهارات البحث العلمي والتفكير المستقل، لذلك أرى أن القضاء على الملخصات والأوكار القائمة عليها خطوة أولى لتعويد الطالب الجامعي على البحث العلمي، وفصله عن طريقة الحفظ والاسترجاع الشائعة في التعليم ما قبل الجامعي.
كما أن بيع الملخصات والملازم جريمة اقتصادية في حق الطلبة، ترتكبها المراكز، بمعاونة بعض أعضاء هيئة التدريس في بعض الأحيان، وقد كانت محاربة هذه الظاهرة خطوة موفقة لإدارة جامعة القاهرة،
مع ذلك، يجب الاهتمام بضبط الجودة، ومراعاة قوانين الملكية الفكرية، لدى اعتماد الكتب الأكاديمية التي يؤلفها أعضاء هيئة التدريس.
- ثانياً: وضع نظام لتقييم البحوث الطلابية في الصفوف الدنيا
بحوث الطلاب وجه آخر لمشكلة الملخصات، فالطالب الذي تقوم دراسته على أسبوع أو أسبوعين يقضيهما مع الملازم، يستحيل أن يقضي وقتاً في تعلُّم أساسيات البحث العلمي، ومع علمه بأن مجرد تسليم البحث يضمن له الدرجة المخصصة له.
يصبح الحل الأسهل والأسرع التعامل مع أشخاص أو مراكز لكتابة البحوث، فتكون النتيجة مزيدًا من التغذية لهذا النظام الفاسد، ومزيداً من الضعف في المستوى العلمي للطالب.
وتظل هذه المشكلة غير مرصودة إلى أن تظهر في صورة الكم الكبير من المتقدمين للدراسات العليا، ممن تختلف مستوياتهم وتأهلهم للبحث العلمي ومعرفتهم بأصوله الأساسية، فضلًا عن الحصيلة العلمية في مجالهم،
لذلك تعمل الاختبارات الشفهية والتحريرية للقبول في مرحلة الدراسات العليا على تصفية المتقدمين وفقًا لمستواهم العلمي –في المعلومات الأساسية للتخصص- فتقلل عدد المقبولين إلى حد كبير.
ومن الحلول الممكنة إخضاع الطلاب لدورات مكثفة في أساسيات البحث العلمي، وإعطاء بحوثهم الوقت الكافي للتنفيذ والمراجعة والتقييم، ثم عرضها في نهاية الأمر على برامج كشف الانتحال، مع الردع المناسب لوقف هذه الظاهرة.
- ثالثاً: الاهتمام بالتدريس باللغة العربية
ليس حلاً يمكن تعميمه على جميع التخصصات؛ فالتخصصات الطبية والعلمية البحتة تهيمن عليها اللغة الإنجليزية، لكن ثمة مبالغة في التوجه نحو التعليم باللغة الإنجليزية –أو غيرها- في تخصصات لا تحتاج إلى ذلك.
ومن دلائل النجاح في خفض هيمنة اللغات الأخرى والانتصار للغة الوطنية أن هناك توجهًا في المغرب إلى تدريس مقرر الطب الشرعي باللغة العربية، بعد نقله من الفرنسية بلا معوقات، خصوصاً وأن المصطلحات لا تمثل فيه أكثر من 5%.
وهذا الأمر يسري على كثير من التخصصات. والتدريس باللغة العربية أمر يصب في تنمية الهوية الوطنية، وينشئ رأس مال بشرياً يتحدث عن العلم بلغته الأم، وتزداد ثقته بمعارفه وعلومه المكتسبة، خصوصاً مع كثرة عدد المتكلمين بها، وكونها لغة رسمية للأمم المتحدة،
ويزيد أثرها إذا وُظفت للإحاطة بالمعارف الحديثة من العلوم والتكنولوجيا وتوطينها، كما تخبرنا تجربة سنغافورة، وماليزيا، وهونج كونج، فنقل التكنولوجيا ليس أمراً ماديّاً إنتاجيّاً، لكنه أيضاً يجب أن يمتد إلى الجانب المعرفي الذي تمثل اللغة جانباً مهمّاً منه.
- رابعاً: العمل على تلبية متطلبات سوق العمل
لا يمكن للجامعة أن تؤدي دورها في تعليم إيجابي من دون النظر في متطلبات سوق العمل، وتعديل المقررات الدراسية وفقًا لذلك، ورفع قدرة الطلاب على الابتكار العملي، والتدريب العملي للربط بين ما اكتسبه الطالب نظرياً وما هو في الواقع الفعلي.
لتكون النتيجة تطوير التعليم العالي، وترقية مخرَجاته، وصناعة مضمون جديد له، يتضمن الإبداع، والريادة في التخصصات المختلفة، والقدرة على الإضافة إليها.
إن عمل الجامعات بمقتضى سوق العمل يفيد على أكثر من اتجاه، فمن ناحية قد يصلح عيوباً في التعليم العالي بشكله الحالي، بتنمية ملكة التحليل وخاصية التفكير النقدي لدى الطلاب؛ لتتجاوز الجامعات فكرة تقديم المعلومات إلى فكرة صناعة الباحثين والمهنيين المؤهلين لسوق العمل.
ومن الناحية الأخرى يسهم في تقدم تصنيفها؛ لأن تلبية مواصفات سوق العمل تزيد من توظيف خريجيها إلى حد كبير، وحصول الخريجين على عمل أحد الأمور المهمة في التصنيف.
- خامساً: الخروج إلى المجتمع وتلبية احتياجاته
يوضح التقييم الإسباني العالمي لتصنيف الجامعات (ويبوميتركس) أنه لا يهتم بالتأثير العلمي للجامعات فحسب، لكنه يضع في الحسبان أموراً أخرى، مثل نقل التكنولوجيا إلى الصناعة، والأدوار الاجتماعية والثقافية والبيئية التي تؤديها الجامعة في مجتمعها المحلي.
فذلك أجدى من عزلتها؛ لخدمة قضايا المجتمع والعمل على حل مشكلاته بشكل علمي، فليس للعلم نفع إذا كان حبيس أسوار الجامعة، وهي المنوط بها نشر الوعي حول قضايا المجتمع المختلفة، بصورة علمية مبسطة تصل إلى شرائح المجتمع على اختلافها، والمشاركة في الفعاليات بأنواعها.
ومن النماذج الناجحة لذلك: قوافل التوعية حول الأوبئة والأمراض المعدية ووسائل الوقاية منها، وندوات تنمية الوعي الوطني والثقافة السياسية، وبرامج محو الأمية، والدورات التدريبية وورش العمل في مختلِف المجالات والتي لا تقتصر على طلاب الجامعة، والأنشطة التطوعية لدى المؤسسات الحكومية والأهلية، وفي خدمة البيئة، ولصالح الفئات المهمشة والمحتاجة في المجتمع.
- سادساً: الاستفادة بالوسائل التكنولوجية والمعلوماتية
إن اكتساب الطالب المهارات التكنولوجية مؤثر إيجابي على تحصيله العلمي، ويهيئ له سبل التميز، كما أن انفتاح أعضاء هيئة التدريس على المعلوماتية يحسن إلى حد كبير من أدائهم.
فبالإضافة إلى استعمال التكنولوجيا وسيلةً تعليمية فعالة في التعليم الجامعي، توفر المعلوماتية أحدث الإصدارات في المجالات العلمية المختلفة؛ لتسهم في جودة البحوث وجِدَّتها.
ولا تكاد تخلو دولة عربية الآن من مكتبة رقمية كبرى تمثل وسيلة علمية مهمة، مثل بنك المعرفة المصري، والمكتبة الرقمية السعودية، ومكتبة قطر الوطنية، والمكتبة الوطنية للمملكة المغربية، وكلها ثروات علمية ومعرفية.
لو أُحسن استغلالها بواسطة الجامعات فستُسهم في تعزيز النشر العلمي وجودة البحوث المنشورة بواسطة أعضاء هيئة التدريس، وخاصة في النشر الدولي الذي ترتفع معايير قبوله، وتُرصد له المكافآت؛ نظراً لدوره في تصنيف الجامعة.
إن سبل الإصلاح والتطوير تبدأ من الداخل، وتحقق أهدافها وتؤتي ثمارها داخلياً بوضوح، قبل بيانات مواقع التصنيف وتقاريرها.