التربية الإعلامية ومحو الأمية المعلوماتية
لا تتحدد خطورة تأثير الإعلام في الشعوب بما يضخه الإعلام لعقول المتلقين فقط؛ لأن هذا التطور التكنولوجي والإعلامي بات لا يحصر مدى التأثير بنوعية المضمون أو الوسيلة، فهي متوافرة في كل وقت، لكن يعتمد أيضا على مستوى وعي الفرد الذي يحدد تأثره بما يتعرض له.
لو تأملنا أخبار اليوم، نحتاج إلى أن نعترف أن تحت سطح الأحداث يكمن واقع افتراضي يمنح السياق الجديد الفوضى والتقدم على حد السواء. فالإعلام يمكن أن يوحد الأمة، مثلما يستطيع أن يفرقها، ويمكن له أن يكون أداة للصراع والهدم أو أداة للسلام وللبناء. لكن على صانعي السياسة في الوطن العربي أن يتعاملوا بجدية مع هذا اللاعب الخطير بشكل عصري وعلمي.
اليوم بدأت أصوات عربية تتحدث عن علم جديد اسمه “التربية الإعلامية”، رغم أنه علم ظهر في العالم في أواخر الستينات الميلادية، ثم تطور بحلول السبعينات الميلادية، وبدأ ينظر إليه على أنه تعليم بشأن الإعلام، وأنه “مشروع دفاع” يتمثل هدفه في حماية الأطفال والشباب من مخاطر وسائل الإعلام، وانصب التركيز على كشف الرسائل المزيـفة، والقيم غـير الملائمة، وتشجيع الطلاب على رفضها وتجاوزها.
وفي السنوات الأخيـرة تطور مفهوم التربية الإعلامية بحيث لم يعد مشروع دفاع فحسب، بل مشروع تمكين أيضا، يهدف إلى إعداد الشباب لفهم الثقافة الإعلامية التي تحيط بهم، وحسن الانتقاء والتعامل معها، والمشاركة فيها بصورة فعالة ومؤثرة.
إن هذه التطورات جعلت التربية الإعلامية أمرا ضروريا من أجل تدريب الجمهور وإكسابه مهارات القدرة على إبداء وجهات نظر نقدية في ما يقدم له من خلال وسائل الاتصال التقليدية والجديدة، وتشجيعه على النقد ومساعدته على حسن التمييز بين الحقيقة والزيف، ومساعدته على تكوين شخصية مستقلة قادرة على التقييم.
وكذلك التعرف على مصادر النصوص الإعلامية، وأهدافها، والتحليل وتكوين الآراء الانتقادية حول المواد الإعلامية، إضافة إلى اختيار وسائل الإعلام المناسبة التي تمكن الشباب من توصيل رسائلهم الإعلامية أو قصصهم، والوصول إلى الجمهور المستهدف.
عربيا، نحتاج إلى تعزيز الاتصال ومحو الأمية المعلوماتية، وصياغة شراكات ملموسة لدفع عملية تنمية الاتصال، إضافة إلى السعي لتحقيق التكامل في المناهج التعليمية في ما يخص مفهوم التربية الإعلامية، وتدشين الفرع العربي من التحالف العالمي من أجل الشراكات حول الاتصال ومحو الأمية المعلوماتية.
كما أن هناك عددا من الإشكاليات في الوقت الراهن أهمها أن المواطنين العرب أصبحوا يلهثون وراء التكنولوجيا لدرجة قد تضيع هذه المجتمعات، وتطمس هويتها في إطار مفهوم استهلاك المعرفة أو الاستخدام غير المسؤول لها.
هناك أيضا إشكالية العناية بالوعي الإعلامي، وخلق ثقافة التفكير النقدي التأملي. إذ أننا نعيش في بيئة مشبعة بالمواد الإعلامية، وينبغي لنا أن نعي أن وسائل الإعلام لا تقدم مجرد عرض بسيط للواقع الخارجي، بل هي تعرض تراكيب مصاغة بعناية تعبر عن طائفة من القرارات والمصالح المختلفة، والوعي الإعلامي يساعدنا على تفكيك عملية تصنيع المواد الإعلامية، وعلى فهم المنتجات الإعلامية، وكيفية استخدامها.
وهذا ما دفع مربين أمثال جورج لوكاس إلى القول إذا لم يعلم الطلبة لغة الصوت والصورة، فإننا نعتبرهم أميين تماما، كما لو تركوا المدرسة دون معرفة القراءة والكتابة. فنحن مجتمع أمي بصريا لا نعرف أن الصورة نص مجرد، يجب أن تقرأ بعناية، وأن لا معنى للصورة دون قراءة، وفهم الصورة يعني فهم ألوانها، ورموزها وتاريخها ودرجة إضاءتها. فالطالب الناجح هو طالب ناشط، ناقد، يفهم لغة الإعلام من صور ونص.
إن طلابنا انتقلوا من وسائط الإعلام التقليدية كالتلفزيون إلى إعلام صديق وهو الكمبيوتر.
إن معدل قضاء الطلبة من أعمار 8 إلى 18 سنة على وسائل الإعلام كلها 7 ساعات ونصف الساعة تقريبا يوميا. وهذا وقت يجدر بالتربية استثماره لتنمية عقلية ناقدة. وهذا يعني بأن مناهجنا تحتاج إلى:
نشاط تحليلي، تفكيكي غير موجود حاليا، فأي مسلمة يمكن أن نثير حولها العشرات من الأسئلة قبل قبولها أو رفضها وأي خبر إعلامي كذلك يثير نوازع الشك والقبول.
باختصار: إن التربية الإعلامية تقوم على معايير دقيقة، وتعتمد على تنظيم معقد من الأدوار، والمواقع، التي تسهم في العملية التربوية الإعلامية. ووحدة التحليل الأصغر في هذه التربية، ليس الإعلامي وحده، وليس التربوي وحده، بل هما معا كشركاء في التربية الإعلامية برمتها.