نقد

تعرية الواقع في كتابات القاص والروائي “محمد زفزاف”

1945 ميلاد ظاهرة قصصية وروائية استثنائية، 2001 رحيلها عن هذا العالم، لم تُعمر طويلا لإغناء الإبداع المغربي المعاصر، ودَّعتنا في صمت كما وُلدت في صمت، تاركة (بيني وبين نفسي) وما تحمله من هموم،  و(لا أستطيع أن أتكلم) بما تحمله من دلالات.


بيني وبين نفسي

حديقة من حجر

من التين والرماح ومواء القطط

من المسافات وخوار الثيران

***

بيني وبين نفسي

عالم من العرب

من المجلات والخرائط، آه، يا إلهي


((لا أستطيع أن أتكلم)).

أستعين بالملايين الملكية

لفتح ثقب غرائب

لصرف شيك بلا رصيد

لبناء عمارة عالية

في أحلامي

للسقوط في صحراء الحدائق

يا إلهي

((لا أستطيع أن اتكلم)).

محمد زفزاف

رغم أنه فارق الحياة مبكرا، إلا أن روحه لا زالت تسبح بين ثنايا كتاباته، تحاور كل من أراد الغوص في أعماق المجتمع المغربي ليعرف قساوة إقصاء طبقاته المسحوقة بلا زيف أو نفاق ولا مزايدة.

كتابة كاشفة لأبعاد المعتركات الاجتماعية والثقافية والسياسية، كأنك في قراءتها تتابعها في شرائط وثائقية تحمل تمردا صامتا، هي شرائط رصد. رصد لكثير من مظاهر الزيف التي كانت تغرب وتغيب الحقيقة وتصنع الوهم.

محمد زفزاف لم يستعمل أدوات وأدوار الدعاة  والمناضلين والمصلحين الاجتماعيين، بل ترك للقارء أيا كان مفكرا أو مثقفا أو سياسيا، الحكم على الصور المقروءة. استعمل الاستفهام والسخرية والتعرية حيت لم تسلم شخصيته هي الأخرى في (رسائل أصوات أجنحة). حيت عبرعن واقع الشاب التائه في غابة البحت عن نفسه ومسار طريقه.

  • على وجه الشاب العربي ابتسامة، وعلى وجه البنت شيء. وجه الشاب قد تعود أن يبتسم أمام العدسة حتى ولو كان في حالة حزن. لقد تعود ذلك. وهذا النوع من المواقف المحرجة التي أصبحت بالنسبة إليه سيئة للغاية.
  • أما هو فصدره يبدو منتفخا، ويمكنك بسهولة تتخيل ريش ملون على جسده. ريش منفوش كالديك الذي انتهى لتوه من معركة حامية من أجل رغبة جنسية ضد دجاجة ضعيفة.

كتابة لم تكن هدرا طوباويا تخطاه الزمن. لأنه كان يعرف حقيقة النخب على اختلاف مللها و تلويناتها. لم يرفع الشعارات التي طرحت على نطاق واسع، بل كان ضمير المجتمع وهمومه في آن واحد. فاطلقت عليه صفة المثقف الذي أصر على أن لا يموت إلا وهو مرفوع الرأس. لأنه لم يكن مراهقا سياسيا ولا كاتبا منفعيا. إنك لا تجد في كتاباته رائحة خدمة هذه الجهة أو تلك.

وخاطئ كل الخطاء من يتوهم أو يظن أو يكتب أنه أعطى حكما على الفترة التي عاشها.

ليس سهلا أن تتخلى عن مواكبة قراءة كتابة كاتب من طينة محمد زفزاف خاصة إذا كنت من جيله. جيل سبعينيات القرن الماضي. وأنا واحد منهم تابع كتاباته متمعنا في طريقة سرده، وذكاء تفكيره ونظرته الثاقبة للحياة والأحداث في فترة من أصعب فترات المغرب الحديث.

إذا كان كاتبا وروائيا مميزا، فهذا لا جدال فيه. لكن ما يثير الانتباه، هي طريقته التعسفية والجريئة قد يعدها البعض بالفوضوية. سرد بطريقة أدبية جميلة يبرز من خلالها عدة ظواهر مجتمعية شاذة، وأخرى جد قاسية فاضحا المستور، مكسرا فيها حاجز الصمت، صمت المسكوت عنه والمواضيع المحرمة.

(الجفاف)

  • ومن أين يحصل العسكر على الماء؟
  • إنهم عسكر، يحصلون على كل شيء. الدولة توفر لهم كل شيء.
  • إنهم محظوظون.
  • أنا لا أثق في البشر كثيرا. هل لايزال يتجوز ويطلق باستمرار؟
  • ولماذا تسألين عنه؟ هل تريدين أن تتزوجيه؟ دحرجي معي هذه البراميل وأغلقي فمك.

إنها طريقة مميزة تفوح من ثناياها لغة سرد تستجيب لهوس القارئ المهتم بالاطلاع على حالة الإنسان المغربي ومعاناته مع نفسه ومحيطه ومع  المستعمر والدولة في تلك الحقبة.

( المشلول والزانية)

  • لا يمكن أن يكون عاجزا إنه مشلول القدمين وباقي جسمه سليم، الزيوت المسمومة شلت أقدام كثير من الناس ولم تشل سيقانهم أو أفخاذهم أو باقي أجسادهم.
  • لاشك أن زوجها يتاجر في الكيف
  • إنه يتاجر فيه بالفعل، رغم أني لم أرَه مرة واحدة يدخنه.
  • كثير من تجار الكيف لا يدخنونه.

إن جوهر كتاباته هي الصورة في حقيقتها، الجهل والفقر و الاستغلال و الظلم والقهر، ممثلة في عدة كهوف مظلمة في صراع مع بعضها في زمن لا يرحم.

حكيه  صور تحاور الحقيقة بطريقة خاصة، ما لم يستطيع أي كاتب يحيك خيوطها كما حاكها محمد زفزاف لأنها اكتست عدة دلالات  اجتماعية و إنسانية. أعتقد جازما انها وثقت فترة من الحياة المغربية بدون تزويق، بعيدا عن أي أفكار إيديولوجية. لأن نفسه لم تكن تركض وراء الشهرة والمال.

العربي الحميدي

العربي الحميدي: كاتب وشاعر مغربي.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

الإعلانات هي مصدر التمويل الوحيد للمنصة يرجى تعطيل كابح الإعلانات لمشاهدة المحتوى