الدراسات الثقافيةاللغة العربية

اللغة العربية في الصين

تلعب الهجرة بين البلاد دورًا مهمًّا لتبادل السلع والمنتجات والمعاملات، مثل البيع والشراء والأخذ والعطاء، مما يكون دافعًا لإفساح المجال للتعرف والاطلاع عن قرب على ثقافة الآخر.


  • التشابه بين الحضاراتان الصينية والعربية

بنظرة بسيطة متأنِّية للوراء نجد تشابهَ الثقافات والحضارات، فنجد مثلًا أنَّ هناك تشابهًا كبيرًا وعاملًا مشتركًا كالدعوة إلى الأخلاق والتعاليم الأصيلة المختلفة، منها: الحضارة المصرية القديمة والصينية والفارسية.


جاء هذا التشابه من عوامل الخير المبثوثة في النفس البشرية من ناحية، ومن ناحية أخرى نتيجة الحوار وتبادل المعرفة والعلوم.


من هذا الاختلاط والتشابك: التبادل التجاري والاقتصادي والثقافي بين الدول العربية وغيرها، وخاصةً الصينَ.


  • كيف بدأت العلاقات العربية الصينية؟

ساعد على ذلك الموانئ المنتشرة على سواحل تلك الدول، مثل البصرة وسلطنة عمان وسيراف، فبدأ التجار يمكثون بالأيام والليالي، وتَطَوَّرَ الأمرُ إلى حد الإقامة والزواج وتشابك الأنساب.


من ثمَّ بناء المساجد في المدن الساحلية للصين وفي داخلها لإقامة الشعائر ومناقشة القضايا المهمة، ووجود القاضي الذي يعودون إليه للفصل بينهم في المنازعات، وساعدهم على ذلك الأباطرة وحُسن معاملة الشعب الصيني.


من هذه الموانئ على سبيل المثال: ميناء كانتون، الذي يُعَدُّ من أهم موانئ الصين الجنوبية، وكان العرب يسمونه “خانفو”، والذي بلغ شأنًا كبيرًا، سكنت فيه جالية إسلامية تجارية، وكان نقطةَ التقاء خطوط التجارة الأسيوية القادمة من الشرق –اليابان وكوريا وغيرها–، والأخرى القادمة من الغرب نحو الصين من بلاد الملايو.


  • العرب في التاريخ الصيني

في الصين القديمة 1280x679 2 1024x543 - اللغة العربية في الصين .. الجزء الأوليرجع تاريخ التبادل والاتصال بين الأمة الصينية والأمة العربية إلى زمن بعيد، فقد دخلت اللغة العربية إلى الصين مع دخول العرب إليها.


وقد ورد في “سجل التاريخ” الصيني أن دولة داشي –كان الصينيون قديمًا يشيرون إلى بلاد العرب باسم داشي– بدأت بإرسال مبعوث إلى الصين، في عصر قاو تسونغ من أسرة تانغ الملكية، وتحديدًا في 25/ 8/ 651م.


هي أول مرة أوفد العرب فيها مبعوثًا لزيارة الصين في التاريخ، في عصر عثمان بن عفان ثالث الخلفاء الراشدين، وبعد ذلك أوفدت الإمبراطورية العربية مبعوثين إلى أسرة تانغ الملكية الصينية مراتٍ عديدةً، واستمر هذا التواصل في أسرة سونغ الملكية الصينية.


يشير إلى ذلك بقوله: “انتشر الإسلام في القرون الأولى للهجرة، ويرجع ذلك إلى التجار العرب الذين منهم مَن أقاموا هناك إلى وقت معلوم، ثم رجعوا إلى أوطانهم، ومنهم مَن استوطنوا في الصين وبنوا بيوتًا واستقروا حتى آخر يوم من حياتهم.


يشهد على ذلك المساجد المنتشرة في ربوع الصين، والقبور التي احتوت أجسادهم، وكان يتولى أمورَهم أحدُ القضاة مأمورًا من صاحب الصين، فإذا كان العيد صلَّى بالمسلمين وخطب ودعا لسلطان المسلمين”.


  • انتشار الإسلام في عهد أسرة مينغ الملكية

تكونت قومية هوي في عهد أسرة مينغ الملكية، وكانت شنشي وقانسو ونيغشيا ويونَّان أهم ديارها، كما كان أبناؤها يعيشون موزَّعين على امتداد شاطئ القناة الكبرى، التي تمتد بين هانغتشو وتونغتشو، وفي بكين ونانجينغ وكانتون وغيرها من المدن، وفي تشجيانغ وهونان وقوانغشي وقوانغدونغ وسيتشوان وغيرها من المقاطعات.


كوَّنوا لهم مشاعر قومية مشتركة، وشاركوا قومية الهان في اللغة، فأصبحت اللغة الصينية تستخدم كاللغة المشتركة في قومية هوي، ولكن ظلَّت اللغة العربية هي اللغة الدينية بينهم.


الصين بطبيعة جغرافيتها دولة مترامية الأطراف، يتعايش فيها 56 قومية، مثل: هان، ومان، ومنغوليا، وهوي، والتّبت، والويغور، ومياو، وَبَيْ، ومن بينها 10 قوميات مسلمة هي: هوي والويغور والقازاق ودونغشيانغ والقرغيز وسالار والطّاجيك والأوزبك وباوآن والتتار.


تماشيًا مع انتشار الإسلام في الصين، دخل عدد من المصطلحات الإسلامية إلى الصينية، واحتفظت هذه المصطلحات بالنطق العربي، مثل “يي سي لان” إسلام، و”سو دان” سلطان، و”ها لي فا” خليفة، و”يي ما مو” إمام، و”آن لا” الله، و”ها جي” حاج، و”قو لان جينغ” القرآن، و”شي خي” شيخ، و”مو سي لين” مسلم، و”قو آر بانغ جي” عيد القربان، وغيرها من المصطلحات الإسلامية.


مع الاستقرار وتحسُّن اقتصاد القوميات العَشْر التي تعتنق الإسلام، ظهر التعليم بالمسجد في الصين في أواخر عهد أسرة مينغ الملكية، وقد دعا إليه العالم الإسلامي المشهور في الصين خو دينغتشو (1522- 1592) الذي ينحدر من وينان في مقاطعة شانشي.


فلما عاد من الحج، عمل جاهدًا على إنشاء التعليم الإسلامي لإعداد الأئمة، وأشرف على قبول الطلبة في المسجد وتعليم القرآن الكريم، وكان المسلمون ينفقون على المسجد الذي في حيهم بالجهود الذاتية، ويقيمون مراسم واحتفالات للتخرج كلما أنهت دفعة من الطلبة دراستها، وشهد هذا التعليم تطورًّا ملحوظًا تدريجيًّا.


  • نظام التعليم المسجدي في الصين

بدأ نظام التعليم يتسع بدخول مواد جديدة، مثل: علم التوحيد، وعلم الفقه، والمبادئ الأخلاقية والتربوية، واللغة العربية وآدابها، إلى جانب القرآن الكريم والحديث النبوي، وما يختص بهما من التفاسير، وانتشرت طريقة التعليم من مقاطعة شانشي إلى كل المناطق المأهولة بالسكان المسلمين.


واستفاد التعليم المسجدي الصيني من الوسائل والخبرات العربية، بينما شكل الخصائص الصينية، أي نشأت المدارس داخل المساجد على حساب المسلمين المحليين، ونشأ قسمان للتعليم: قسم المدرسة الابتدائية وقسم المعاهد.


فالأطفال يدرسون في المدرسة الابتدائية اللغة العربية الأساسية حتى يستطيعوا قراءة القرآن الكريم، أما في المعاهد فتكون الدراسة مادتيْن عادة، أي مادة اللغة العربية واللغة الفارسية، فالهدف الأساسي هو تدريس الكتب المقدسة بالعربية أو الفارسية (جينغ رونغ، د.ت،5).


  • بداية تعليم اللغة العربية في الصين

خرَّج التعليم المسجدي الآلاف من الأئمة، وربَّى الكثير من مشاهير علماء الإسلام، مثل: وانغ داي يوي (1570- 1660)، وما تشو (1640- 1711)، ولي تشي (1660- 1730)، إلخ.


وكانوا يكتبون الكتب الإسلامية بالصينية، بينما يترجمون الكتب المقدسة الإسلامية العربية والفارسية إلى الصينية، نتيجة لظهور كثير من الكتب الإسلامية، مما أدَّى إلى تطور اللغة والدين جنبًا إلى جنب في الصين.


من الخدمات والتسهيلات التي قدمها التجار: نشر العلم وتأسيس الكتاتيب في القرى والمدن، وإقامة المساجد المنتشرة في المناطق ذات الأقليات المسلمة، ولا تزال المساجد التي أسسوها شاهدةً على ذلك.


وشجعوا طلب العلم وتعليم اللغة العربية في تلك المساجد، فكان المسجد عبارة عن جامعة شاملة لكل العلوم النافعة الدينية والدنيوية.


  • كيف ساهمت اللغة في نشر المعرفة؟

8587951664121487667128963522 - اللغة العربية في الصين .. الجزء الثاني

اللغة بصفة عامة لها أهمية كبيرة، سواء كانت مسموعة أو مكتوبة، فهي أداة يستطيع الإنسان بواسطتها أن يتفاهم مع غيره من أفراد المجتمع في المواقف الحياتية المختلفة، وعن طريقها يستطيع نقل أفكاره وأحاسيسه وحاجاته إلى غيره ممن يتعامل معهم، ويستطيع أن يعرف أفكار وأحاسيس وحاجات الناس، فهي وسيلة مهمَّة في مجال الفهم والإفهام اللذيْن يمثلان العلاقة بين الفرد والمجتمع.


تعدُّ اللغة للأمتيْن العربية والصينية نوافذ وروافد مضيئة للاطلاع على التجارب والخبرات المختلفة لحفظ التراث الأدبي والديني والعلمي، وأداة أساسية من أدوات التفكير، إذ إن الإنسان يفكر باللغة، ويتمثل ذلك في نتاج التفكير، والذي يكون على صورة تراكيب ملفوظة أو مكتوبة، ومن دونها يكون عسيرًا على المرء أن يعبِّر عن الأفكار أو عمَّا يشاهده أو يشعر به، ويعسر عليه حتى التعبير عن لوازمه وحاجاته اليومية.


  • التعليم الإسلامي في الصين

نتيجةً لتأثير الحركة الثقافية بعد ثورة 1911م في الصين، شرع المسلمون الصينيون في إنشاء المدارس الإسلامية، والتي تدرِّس اللغتيْن الصينية والعربية بجانب المواد الثقافية الصينية والعربية، وقد تخرَّج في هذه المدارس العريقة معظم العلماء المسلمين الكبار، أمثال: الأستاذ محمد ماكين، والأستاذ عبد الرحمن نان تشونغ،


وغيرهما الذين مثَّلوا الدفعة الأولى من الطلبة الصينيين الموفدين إلى الدراسة في جامعة الأزهر بمصر، فالأزهر الجامع والجامعة فتح أبوابه لطلبة العلم الصينيين وغيرهم من شتى بقاع الأرض، بل وأرسل الأساتذة والعلماء لنشر اللغة العربية والدين الوسطي.


المصدر

وائل زكي الصعيدي

بالعربية: منصة عربية غير حكومية؛ مُتخصصة في الدراسات والأبحاث الأكاديمية في العلوم الإنسانية والاجتماعية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

الإعلانات هي مصدر التمويل الوحيد للمنصة يرجى تعطيل كابح الإعلانات لمشاهدة المحتوى