تُمثّل تونس واحدة من أكثر الدول العربية ثراء من حيث التاريخ والحضارة والتنوع الثقافي. فقد نشأت من جذورٍ بربريةٍ عميقة، وتحوّلت مع الزمن إلى مركزٍ حضاريٍّ مزدهرٍ حمل بصمات الفينيقيين والرومان والعرب والعثمانيين والأوروبيين.
وقد ظلت المدينة العتيقة بتونس العاصمة شاهدا على هذا التفاعل الحضاري الفريد، فهي قلب البلاد النابض ومتحف مفتوح يجمع بين العمارة الإسلامية، والتأثيرات الإيطالية والتركية، والنقوش العربية البديعة.
تأسست المدينة العتيقة في القرن الحادي عشر، وازدهرت في عهد السلاطين الحفصيين الذين جعلوا منها حاضرة علمٍ وفكرٍ، بعد أن استقبلت نُخَب الأندلسيين الهاربين من محاكم التفتيش. وعندما دخلها العثمانيون في القرن السادس عشر، ازدادت ثراء عمرانيا وثقافيا بفضل ما جلبوه من فنون المعمار والزخرفة الرخامية، وهو ما يبدو واضحا في المدارس الدينية والقصور والمقابر الملكية، خاصة في تربة الباي.
أما جامع الزيتونة، الذي يعود بناؤه إلى القرن التاسع الميلادي، فهو أقدم جامعة إسلامية في العالم، ومنارة علمٍ خرّجت كبار العلماء والمصلحين. وقد مثّلت جامعة الزيتونة القلب العلمي للحضارة الإسلامية في شمال إفريقيا، وأسهمت في نشر الثقافة العربية الإسلامية عبر القرون.
ومن أبرز معالم الذاكرة التونسية متحف باردو الوطني، الذي يُعدّ أكبر متحف للفسيفساء الرومانية في العالم. يحتضن المتحف مجموعة نادرة من التحف التي تمتد من قرطاج إلى العصور الإسلامية والعثمانية، من بينها لوحات فسيفسائية أسطورية كـ”عربة نبتون” وآلهة الأوليمب، إلى جانب آثار نوميدية ويهودية تؤرخ لتنوّع المعتقدات في البلاد.
أما القيروان، فهي من أقدم المدن الإسلامية وأعظمها شأنا في المغرب العربي. تأسست على يد عقبة بن نافع عام 670م لتكون قاعدة للفتح الإسلامي ومركز إشعاعٍ علمي وثقافي، وقد أسهمت في توطيد أركان الحضارة العربية الإسلامية بالغرب الإسلامي.
تُعتبر تونس أول دولة عربية استخدمت الإنترنت عام 1991م، كما تتصدر المؤشرات العربية في مجالات حرية الصحافة، وحرية الرأي والتعبير، ومؤشر الديمقراطية، مما يجعلها نموذجا متميزا في المنطقة من حيث الانفتاح السياسي والاجتماعي.
أما اللهجة التونسية (الدارجة)، فهي مزيج فريد من العربية، والأمازيغية، والفرنسية، والتركية، والإيطالية، والمالطية، مما يعكس تاريخ البلاد كمفترق طرقٍ بين الحضارات.
ومن معالم الهوية الاقتصادية، تحتضن مدينة صفاقس أكبر غابة زيتون في العالم تضم أكثر من عشرة ملايين شجرة، وتُخصص تونس نحو 30% من أراضيها الزراعية لهذه الزراعة الحيوية، التي تمثل نصف صادراتها الفلاحية.
على الصعيد التاريخي، مرّت تونس بمراحل مفصلية:
- استوطنها الفينيقيون عام 1100 ق.م، وأسّسوا قرطاج التي أصبحت قوة بحرية عظمى.
- سقطت قرطاج بيد الرومان عام 146 ق.م، ثم تعرّبت تدريجيا بعد الفتح الإسلامي في القرن السابع الميلادي.
- دخلها العثمانيون في القرن السابع عشر، ثم أصبحت محمية فرنسية عام 1881.
- نالت استقلالها عام 1956 بقيادة الحبيب بورقيبة، وأعلنت الجمهورية في العام التالي.
- في عام 2011، أطلقت تونس شرارة الربيع العربي بإسقاط نظام زين العابدين بن علي، لتفتح مرحلة جديدة من التحول الديمقراطي.
تونس اليوم هي تاريخ منفتح على المستقبل، تتقاطع فيها الفسيفساء الثقافية مع الإرث الإسلامي العريق، وتستمر في تجديد ذاتها بين التراث والحداثة، محافظة على مكانتها كأرضٍ للتنوّع والإبداع والوعي.
روابط رسمية مهمة: