نقد

كتابة الربيع العربي بين الشعر والرواية

من بين ما يُشهد به للشعر والرواية العربيين، أنهما في جلهما واكبا، بشكل لافت، منذ بداية العقد الأخير، ما سمي بانتفاضات الربيع العربي، كما شهدتها بعض البلدان العربية، وذلك إثر تنامي موجات الحراك الاجتماعي فيها.


أُطلقت شعارات وصيحات ونداءات، ونظمت مظاهرات وتجمعات ومهرجانات خطابية تطالب بالكرامة الإنسانية والديمقراطية والعدالة الاجتماعية، كما تطالب الأنظمة بالرحيل، مع ما نجم عن ذلك كله من سقوط أنظمة، واعتقالات، واغتيالات، وتنح، ومآس، وخيبات، وصراعات مسلحة، وحروب أهلية، وتدخل أجنبي.

ظل الشعر والرواية حاضرين في صلب هذه الأحداث جميعها، مواكبين لموجات الحراك، وهما يحققان بذلك نهضة أدبية وثورة إبداعية جديدة، فضلًا عن الأدوار المؤثرة التي لعبتها أنواع تعبيرية أخرى، على مستوى تمثلهما للحراك الاجتماعي، كالقصة القصيرة، والمذكرات، والسيرة الروائية، والمسرح، والزجل، والأفلام، والفيديو، والشرائط الوثائقية، والأغاني، والأناشيد، وغيرها.

من هنا، تتوخى هذه القراءة، بعد مرور ما يزيد على عقد من الزمن، الاقتراب من مستويات تفاعل نماذج من الشعر والرواية مع انتفاضات الربيع العربي، ومدى تمثلهما لها، باعتبارهما من بين الأجناس الأدبية الأكثر قدرة على تجديد مضامينهما وأفكارهما، انسجامًا مع التحولات الطارئة في مجتمعات الحراك، وقد بدت تعي أنها تتغير، وعلى المساهمة في تعزيز ثقة الناس، وترسيخ آمالهم في التغيير والتحرر؛ حيث تشكل هاتان التجربتان معًا، اليوم، في مواكبتهما لثورات الربيع العربي، ظاهرة إبداعية فريدة، تبدت في صورة “طوفان شعري وروائي” رفع من منسوب التعبير، بواسطة الشعر والرواية، واستهدف تغيير وعي الناس ومداركهم، أمام ما يجري أمامهم.


  • تمثل الربيع العربي شعريًا
أمير تاج السر: الشعر، خلافًا لأجناس أدبية أخرى، هو الأقدر، ربما، على التقاط اللحظات السريعة

ذهب الروائي والشاعر، أمير تاج السر، إلى القول بأن الشعر، خلافًا لأجناس أدبية أخرى، هو الأقدر، ربما، على التقاط اللحظات السريعة، مساهمة وسعيًا منه إلى التماهي مع نبض الشارع، وإسناد ساحات الحراك المطالبة بالتغيير.

واعتبارًا لأهمية هذا الترابط بين الشعر والثورة في البلاد العربية، فقد شكل ذلك موضوع الرسالة السنوية لإيرينا بوكوفا، مديرة اليونسكو السابقة، بمناسبة اليوم العالمي للشعر لعام 2012؛ إذ ركزت في كلمتها على علاقة الشعر بالفعل الثوري العربي، في قولها إنه “في خضم التغيرات المهمة التي يشهدها العالم اليوم، وما يعصف به من تقلبات سريعة، ومن تحولات اجتماعية، يتمتع الشعراء بقدرات تمكنهم من مرافقة الحركات المدنية، وتوعية الضمائر على أوجه الظلم التي يعاني منها العالم، بقدر ما تمكنهم من إثارة الاهتمام بجماله.

ونرى اليوم أيضًا ما تتيحه التكنولوجيات الجديدة، والرسائل القصيرة المتداولة على الشبكات الاجتماعية من إمكانات لإعطاء زخم جديد للشعر، وتيسير الإبداع، وتبادل القصائد، أو الأبيات الكفيلة بتوسيع نطاق علاقتنا مع العالم”.

ركزت إيرينا بوكوفا، مديرة اليونسكو السابقة، في كلمتها بمناسبة اليوم العالمي للشعر لعام 2012 على علاقة الشعر بالفعل الثوري العربي (18/ 9/ 2017/ Getty)      

هكذا بقي الشعر العربي حاضرًا في صلب الثورات والانتفاضات العربية الجديدة، في رهانه على بعث التغيير المرتجى، وفي تماسه الحركي مع صيرورة هذه الثورات والانتفاضات، ممثلة ببطلها الجديد (الشعب)، وبعنوانها الجديد (إرادة الحياة) و(الشعب يريد)، بعيدًا عن القيادات والزعامات والشعارات التقليدية، وذلك في قرب الشعر من مساحات الأمل والمستقبل، وإن تم ذلك بدرجات متفاوتة من مشهد شعري عربي لآخر.

لا أحد ينكر اليوم أن الشعر العربي، في خضم ثورات الربيع العربي، قد استعاد بريقه ووهجه وجدد حضوره، بعد أن لم تعد للشعر العربي المعاصر الحرارة والقوة نفسها التي كان عليها من قبل، على حد تعبير الدكتور جابر عصفور، وساهمت في ذلك فورة المؤثرات المعرفية والتكنولوجية الجديدة، التي ساهمت، من جانبها، في تمرد الربيع العربي على الأشكال التقليدية والخطابية السابقة للثورات العربية، بما في ذلك تغير مواقفه وقاموسه ولغاته، وقد بات، في جزء كبير منه، على صفحات مواقع التواصل الاجتماعي.


وبلغ الشعر مداه في التحامه بالثورة والتحام الثورة به، حين احتلت قصائد الربيع العربي مواقع مهمة في استهلالات البيانات، وفي الكلمات الملقاة في التجمعات الخطابية، وحتى في المحطات الرسمية، فهذا، على سبيل المثال، رئيس حزب المؤتمر السوداني، عشية التوقيع على الوثيقة الدستورية، يفتتح كلمته بأبيات لشاعر سوداني راحل، مفسرًا اقتباسه الشعري ذاك بمدى التحام الشعر بالثورة، والثورة بالشعر، في السودان، هذا الذي ينسج مستقبله بشعر الثورة وهتافات الثوار.


واتساع الهوة بين الأنظمة السياسية (السلطة الحاكمة) وبين المواطنين النشطاء، من مختلف الشرائح الاجتماعية، بمن فيهم شريحة المثقفين والمبدعين، هو ما جعل من قضية السلطة اليوم قضية مركزية في واقعنا العربي، بعد أن تفاقم مستوى فقدان المجتمعات العربية لثقتها في الأنظمة المتآمرة على شعوبها.


من هنا، تأتي حاجة الشعوب العربية اليوم إلى الشعر، وإلى أصوات الشعراء، للتعبير عن المعارك المصيرية من أجل التحرر والديمقراطية والتحريض عليها، إيمانًا من هذه الشعوب بدور الشعر في التغيير، وفي بث القيم الإنسانية في نفوسها.

وإذا كانت التكنولوجيا، مجسدة في وسائل التواصل الاجتماعي، قد ساهمت، بشكل فعال ومؤثر، في إشعال فتيل الحراك الاجتماعي في بعض الأقطار العربية، فإن الشعر قد استند في دوره، وفي جانب منه، إلى هذه الوسائط، للتعبير عن المواقف وتوثيق أحداث الثورة، بما شكلته من فضاءات ونوافذ مؤثرة ومضيئة ومحفزة،

بل هنالك من يرى أن هذه الوسائط ساهمت، بشكل كبير، في وضع أساس هذا الحراك الشعري الموازي، وساهمت، بالتالي، في التسريع بنقل الإبداعات الشعرية إلى ساحات الحراك، من دون انتظار عبورها عبر سراديب قنوات النشر التقليدية، وخاصة لدى الشعراء الشباب، ممن مكنتهم هذه الوسائط من إبراز تجاربهم وأعمالهم وإسماع أصواتهم، بل وخلقت لهم امتدادًا لدى شريحة واسعة من المتلقين والقراء والمتتبعين.


وتختلف ردود الفعل من شاعر عربي إلى آخر، ومن متلق إلى آخر، حول مدى حضور الشعر، ودوره في ثورات الربيع العربي، ومدى مساهمته في إذكاء الفعل الثوري في الثورات، وانتفاضات الربيع العربي، موازاة، أيضًا، مع ما يعاب على شعر الحراك، في ما يتعلق بتقاعس الشعراء المكرسين عن نصرة ثورات بلدانهم وغيرها، وعن المساهمة شعريًا في حركات التحرر تلك، مع استثناءات هنا وهناك؛ إذ نلاحظ مع ذلك حضور بعض الشعراء المكرسين في خضم هذه الثورات، كداعمين لها ومشاركين فيها، وكمساهمين في حراكها الشعري.


هذا، فضلًا عن التباين الحاصل بين من يقول بمباشرية بعض أشعار الحراك وخطابيتها وضعفها الفني وتواضعها وافتعالها، وبين من ينتصر لقصيدة الربيع العربي، من حيث كونها لعبت دورًا تحفيزيًا لما يحصل في ساحات الحراك، بمثل تباينهم أيضًا بين من يقول بحدوث التغيير، ومن يقول بحدوث خيبة أمل فقط، نتيجة استمرارية رداءة السلطة، وسطحية ما جرى في بعض البلدان العربية، ومحدودية التغيير المرتجى. ومع ذلك، فإن صوت الشعر لم يخفت، رغم الفوضى العارمة في كتابة قصيدة الربيع العربي، فقد ظل الشعر حاضرًا ومؤثرًا في ساحات الحراك، مواكبًا لها، ولانتكاسات آمال شعوبها، مع إبرازه، أيضًا، صوتًا مسكونًا بالثقة في المستقبل.


وإذا كان التاريخ، في جانبه المضيء، يشهد له بتخليده للثورات كوقائع تاريخية، فإن الشعر يشهد له، هو أيضًا، بكونه كان دائمًا في صلب الثورات، ملهمًا ومواكبًا ومخلدًا لها، وهو يعيد بذلك “صياغة نص التاريخ من جديد، في ظل عدم وجود ضمانات” على حد تعبير إليوت كولا في مقاله “الشعر في الثورة المصرية” (ت: د. عمر عبد الفتاح).

من هنا، اهتمام بعض قصائد الحراك بالتأريخ شعريًا لتحولات الحراك الاجتماعي، ولانتفاضاته في بلدان الربيع العربي، وخصوصًا في مصر، حيث واكبت قصيدة الحراك الهبة الشعبية المصرية منذ انطلاقها في يناير 2011، مرورًا بما شهدته من أحداث واحتجاجات وارتباك وحالات ضبابية وفقدان يقين، وغيرها.

وتكفي الإشارة، في هذا الباب، على سبيل المثال فقط لا الحصر، إلى ديوان الشاعر حسن طلب “إنجيل الثورة وقرآنها ـ إصحاح الثورة”، في تمثله للثورة المصرية في فترة محددة (2011 ـ 2012) وفي تعبيره الجمالي عنها، والتأريخ لبعض لحظاتها ومشاهدها التسجيلية المباشرة ووقائعها الحقيقية والمتخيلة، وكذلك هو الأمر بالنسبة لشعراء آخرين، ممن حاولت قصائدهم التأريخ فنيا لتحولات الانتفاضة في مصر، وفي غيرها من بلدان الحراك، في محطاتها المتعاقبة.

ومن بين ما يحسب لقصيدة الربيع العربي، كونها أفرزت جيلًا جديدًا من الشعراء، من الجنسين، ممن بعثت فيهم الثورة الروح، وفجرت ينابيع الشعر لديهم، فبرز شعراء جدد، في هذا البلد، أو ذاك، بعد أن أشعلت فيهم الثورة شرارة الوطن، وبعثت فيهم الروح، وفجرت ينابيع الشعر لديهم، فطفت على السطح من جديد، ألقاب لشاعرات، أصبحن أيقونات الحراك، وألقاب لشعراء برزت أسماؤهم في ساحات الانتفاضة، من قبيل “شاعر الثورة”، و”شاعر الحراك”، و”صوت الثورة”، وغيرها، وكما لُقب بذلك أحد شعراء الثورات العربية، في فترة سابقة (مفدي زكريا، “شاعر الثورة الجزائرية”).


  • تمثل الربيع العربي روائيًا

لم يكن الشعر وحده الذي ارتبط تاريخيًا بالثورات في العالم، بل نجد أن الرواية بدورها قد واكبت عديد الثورات، كما شهدتها بلدان عديدة في العالم؛ نذكر منها، على سبيل المثال: الثورة الفرنسية، والثورة الروسية، وثورة يوليو المصرية، وغيرها من الثورات التي تفاعلت معها الرواية في العالم.

وتذكرنا روايات الربيع العربي، على مستوى ظهورها وتشكلها، بتلك الروايات التي تمثلت بعض الحروب الأهلية، كما عرفتها بعض البلدان العربية في مراحل سابقة، واستوحتها عديد الروايات، في لبنان ومصر والجزائر، وفي غيرها من المشاهد الروائية العربية والأجنبية.

وبالنظر إلى جغرافيا ثورات الربيع العربي، كما تبلورت في تونس ومصر وسورية وليبيا واليمن، وغيرها، سنجد أن بعض المشاهد الروائية العربية قد انخرطت في صلب هذه الثورات، سواء من داخل بلد الحراك، أو من خارجه، كما هي حال انخراط بعض الروائيين المقيمين في بعض بلدان المهجر في الكتابة روائيًا عن ثورات بلدانهم (الروائيان التونسيان أبو بكر العيادي، والحبيب السالمي، المقيمان في فرنسا، على سبيل المثال)، فيما كتب آخرون عن ثورة بلد آخر غير بلدهم الأصلي (الروائي المغربي محمد سعيد الريحاني، في روايته عن ثورة ليبيا).


ومن بين ما يلاحظ عن روايات الربيع العربي، كونها عملت على استعادة بعض الصور والثيمات المهيمنة التي تناولتها نصوص روائية عالمية، في مراحل تاريخية مختلفة، واستوحتها روايات الربيع العربي في نصوصها، من منطلق علائق جديدة ومركبة، قائمة بين الرواية والمجتمع والسياسة، نذكر من بينها ثيمات الديكتاتور، والخوف، والسلطة، والقهر السياسي، والظلم الاجتماعي، والثورة، والتمرد، والفساد، والمكان، والخراب، والاغتراب، والرفض، والقمع، والتشدد الديني، والبلطجة، والهوية، والوطن، والموت، والجماهير، والحب، والحلم، ووسائل التواصل الاجتماعي.

وأمام هذا التحول في طبيعة الرؤية إلى الواقع الجديد، وإلى مآلات الثورة، أصبح السرد الروائي في كتابات الربيع العربي، خلافًا لما هو عليه في روايات أخرى، ينفلت تدريجيًا من أسر سرد الذات، لينفتح على سرد الواقع الاجتماعي والنفسي للشخوص، بأسئلته وقضاياه واضطراباته، فأضحت رواية الربيع العربي، تراهن على نشدان التغيير والبناء، وعلى إيجاد بدائل جديدة للبوح والحرية، وإسقاط حاجز الخوف والظلم، متوسلة في بعض نصوصها بالسخرية السوداء، والفانتازيا، والغرائبية، وتعدد الرواة، والجرأة في السرد، والوصف، والفلاش باك، والمزج بين الوهم والحقيقة، وذلك بشكل أفضى اليوم، حسب بعض النقاد، إلى الحديث عن رواية ما قبل الثورة ورواية ما بعدها.

ومن بين الأسئلة الموازية التي شغلت بعض الروائيين والقراء، على مستوى بعض المشاهد الروائية العربية، سؤال السبق الروائي إلى التنبؤ بحدوث الثورة، في هذا البلد أو ذاك، لنجد أن بعض الروايات قد تبنى كتابها سبقهم إلى التكهن بحدوث الثورة في بلدانهم، استنادًا إلى بعض المعطيات الموازية، منها شهادة النقاد، ومضامين محكيات رواياتهم، ونشير هنا، على سبيل المثال، إلى اثنتين من تلك الروايات التي تنبأت بالربيع العربي، ممثلتين برواية “العنقاء والأفاعي” للروائية التونسية، بسمة حمدي، ورواية “أجنحة الفراشة” للروائي المصري، محمد سلماوي.

أحصى عبده وازن صدور خمسين رواية في سورية إلى حدود شهر آذار/ مارس 2019 

وبالرغم من حدوث تراكم كبير في روايات الربيع العربي (صدور خمسين رواية في سورية إلى حدود شهر آذار/ مارس 2019، على سبيل المثال، وفق إحصاء أورده الكاتب عبده وازن، في أحد مقالاته)، غير أنه تراكم روائي بدا أنه ليس كله في مستوى فني مقنع، فبعض الروايات جاءت مطبوعة بالتواضع والتسرع، فيما بدت أخرى بطيئة سرديًا، وفقيرة دراميًا وحكائيًا، وغير ناضجة فنيًا، وأخرى جاءت مثقلة بالأفكار على حساب الأحداث، فيما بدا غيرها بمثابة تقارير صحافية، وأخرى صنفت تسجيلية ومشهدية.


وإذا كان كتاب روايات الربيع العربي يعرفون بانتمائهم إلى أجيال مختلفة، في تباينهم بين روائيين مكرسين، وروائيين من الشباب والجدد، يوجد من بينهم كتاب انعطفوا نحو كتابة رواية الربيع العربي، قادمين إليها من مجالات تعبيرية أخرى، كالصحافة والشعر، فالملاحظ أن بعض الروائيين المكرسين لم يوفقوا كثيرًا في كتابة رواية الربيع العربي، من بينهم، على سبيل المثال، الروائي الليبي إبراهيم الكوني، الذي يأخذ عليه بعض النقاد عدم ارتقاء روايته “فرسان الأحلام القتيلة” إلى المستوى المرتجى، فقد جاءت رواية متسرعة باردة، وتفتقد إلى الدرامية، ومثقلة بالأفكار، وغيرها من الملاحظات والانتقادات التي تمس الشكل والمضمون، على حد سواء.


ورغم حدوث تراكم مهم في روايات الربيع العربي في بلدان الحراك وخارجها، فالملاحظ أيضًا هو ندرة اهتمام الروائيين العرب برصد ثورات الربيع العربي، في بلدانهم أو خارجها، ومرد ذلك، في نظر بعضهم، إلى تضافر مجموعة من الأسباب والتعلات التي تفسر تغاضي بعض الروائيين العرب عن الكتابة عن ثورات الربيع العربي، وأفول حماسهم الذي أجَّل انخراطهم الإبداعي في صلب تلك الثورات والانتفاضات والحركات الاحتجاجية، حتى وإن كانوا منخرطين فيها بشكل مباشر، إنسانيًا ووجدانيًا ونضاليًا، سواء من موقع تلك الثورات، أو من خارجها، نذكر من بين تلك الإرغامات: مسألة طبيعة وحجم المسافة بين زمن الحدث (الذي لم يكتمل إبان زمن الكتابة) وزمن السرد، ومسألة مدى تبني الروائي للحياد من عدمه، مما يقع في بلده، ومدى تأييده أيضًا لهذه الثورة أو تلك، من عدمه، وغيرها من الأسباب التي تساهم في التغاضي عن كتابة رواية الربيع العربي، أو تأجيلها، من قبل الروائيين وغيرهم.


وعمومًا، فإن مثل هذه الظواهر (الربيع العربي) قد تحتاج، في نظر آخرين، إلى وقت كاف لكي تختمر في وجدان الروائي، وفي وعيه ومداركه، من أجل استيعاب طبيعة التغيرات الاجتماعية والسياسية، وغيرها، والتي تكون “ثورات الربيع العربي”، وقد تحول بعضها إلى حروب أهلية وإقليمية، قد أحدثتها في مجتمعاتها، وفي بنية الكتابة والسرد الروائيين. فالربيع العربي، كما ذهب إلى ذلك أمير تاج السر، يعد من الأحداث الكبرى، أو التغيرات الكبرى، التي لا بد أن تأتي بمبدعيها الذين يولدون بعدها، وهؤلاء أقدر على الكتابة من الأجيال التي عاشت تحت ظل الديكتاتوريات.


ضفة ثالثة

عبد الرحيم العلام

بالعربية: منصة عربية غير حكومية؛ مُتخصصة في الدراسات والأبحاث الأكاديمية في العلوم الإنسانية والاجتماعية.

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى

أنت تستخدم إضافة Adblock

الإعلانات هي مصدر التمويل الوحيد للمنصة يرجى تعطيل كابح الإعلانات لمشاهدة المحتوى